رواية «الحجر العاشق» والتفاعل مع البيئة

رواية «الحجر العاشق» والتفاعل مع البيئة

تقع رواية «الحجر العاشق» للأديب المصري أحمد فضل شبلول في 165 صفحة نشرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2020م، ويبدو العنوان لافتًا؛ حيث تطالعنا كلمتان ظاهرتان:  الحجر/ العاشق، وهما اسمان معرّفان بـ «ال» يأتيان في علاقة لغوية قوية هي علاقة الصفة بالموصوف، لكن ما يلفت النظر أن الصفة في التصور المكرس له لدينا لا تقع ضمن مجال الموصوف، فالموصوف الحجر ليس من سماته على وجه الحقيقة بالنسبة لنا أن يكون عاشقًا، لأن العشق ليس من خصائص الحجر، فالحجر ينتمي إلى عالم الجماد، في حين نرى العشق خاصًا بعالم الإنسان، وهنا يبدو تداخل العوالم واضحًا؛ حيث يتداخل عالم الجماد مع عالم الإنسان من العنوان نفسه. 

 

كان لهذا التداخل الذي ظهر في العنوان أثره في عملية التداخل الكبرى في نص الرواية نفسها، حيث تتناول الرواية قصة الحجر زمرد، وهو من الأحجار الكريمة، هذا الحجر الذي وجدته الجدة فتحية الشال في حجر إسماعيل وهي تحج، فأثناء اندماجها في حديث من القلب مع الحجر الأسود في الكعبة أخبرها الحجر الأسود بمكان الحجر زمرد في حجر إسماعيل فأخذته ولبسته، لكنها أعطته بعد ذلك لحفيدتها الدكتورة منال الأستاذ المساعد بكلية العلوم جامعة الإسكندرية، والمتزوجة من زميلها في القسم د. علي خليل الأستاذ المساعد، وحينما لبسته الدكتورة منال في أصبعها البنصر وقع هذا الحجر في حالة عشق للدكتورة منال، وكان لهذا العشق الحقيقي دور كبير في تطوير وعيه الذاتي، وقوة إشعاعية لفتت أنظار العالم المتقدم، وذلك حينما كانت تضغط الدكتورة منال بأصبعها البنصر الذي فيه زمرد على لوحة مفاتيح اللاب توب الخاص بها فتحول لون شبكة الإنترنت كلها من اللون الأزرق إلى اللون الأخضر/ لون زمرد الذي اندفع ليمنح اللون الأخضر لشبكة الإنترنت بدلًا من الأزرق بأثر من حالة الحب هذه.
وهنا اكتشفت جامعة روتشستر بأمريكا مصدر هذا التحول وحددت مصدره بأنه اللاب توب الخاص بالدكتورة منال، فراسلت الدكتورة منال واستدعتها إلى أمريكا على أن تأتي ومعها زمرد كي تقيم عليه الدراسات من أجل حلّ هذا اللغز، وكشفه للعالم الذي ينتظر تفسيرًا لتحول شبكة الإنترنت من الأزرق إلى الأخضر، وبالفعل تذهب الدكتورة منال إلى هذه الجامعة مدعومة من المخابرات المصرية و السفارة المصرية بأمريكا ويتم كشف اللغز بعد عمل أشعة، ويتم اكتشاف الوعي الذاتي الذي يتطور بسرعة هائلة لزمرد، وتتعرض الدكتورة منال لشبه تهديد من الدكتور موشيان يهودي الجنسية الذي يعمل عميدًا بمعهد من معاهد الجامعة، ويساومها في شراء زمرد مقابل 12 مليون دولار، لكنها ترفض وتقبل عرض جامعة روتشستر بنسخ عقل زمرد، وتطلب منهم أن يتم النسخ بفرع الجامعة في دبي حتى تكون قريبة من مصر وفي أمان أكثر.
وقد جاء السرد في هذه الرواية عن طريق تقنية السارد المشارك، لكنه لم يكن ساردًا واحدًا على مدار الرواية، حيث تراوح السرد على لسان زمرد نفسه في الفصول الأولى الـ 14وباقي الفصول من الفصل 15 حتى 30 على لسان الدكتورة منال، لكن نجد زمرد في الفصل السادس يعطي الجدة الدكتورة فتحية الشال سلطة الحكي، فتنقل بالضمير الأول/ أنا لزوج حفيدتها الدكتور علي خليل الكثير من تجاربها مع الأحجار الكريمة باعتبارها عالمة آثار، خصوصًا تجربتها مع زمرد، وكيفية حصولها عليه في الحرم الشريف، بعدها يأخذ سلطة الحكي منها، ثم لا يلبث أن يطالعنا في نهاية الفصل السارد بالضمير الثالث/ هو، هذا الضمير الذي يؤسس للحكي المحايد.
لكن ما يلبث أن يطالعنا الفصل السابع بعودة زمرد نفسه للحكي بالضمير الأول/ أنا، حتى يترك الحكي تماما للدكتورة منال منذ الفصل الـ 15 حتى نهاية الرواية.
 أما عن بناء الشخصيات في هذه الرواية فإننا نجد تنوعًا واضحًا في الشخصيات وطبيعتها وطريقة تفكيرها ووجهة النظر الخاصة بكل شخصية، فتبدو شخصية منال بأبعادها الثلاثة:  الجسدية والنفسية والاجتماعية وقد حصلت على أكبر الكتل السردية ومعها زمرد لارتباطهما الشديد، وأثرهما الفاعل بسبب الحب على حركة التغيير الهائلة التي تنتظر العالم بسبب ذلك.

شخصية الدكتورة منال 
يعتبر اسم منال دالًا على عملية النوال التي حصلت عليها، كما أنها بدت شخصية تنتمي إلى عنصر النساء، وما تمثله المرأة من عناصر الخصوبة في العالم، لكنها هنا في الرواية لا تنجب من زوجها علي خليل البشري مثلها، وإنما تظهر قدرتها على منح العالم أقوى أنواع الخصوبة من خلال حالة العشق مع زمرد وهو حجر كريم، في إشارة واضحة إلى تغيير المجال في الخصوبة من العلاقة بين الإنسان والإنسان إلى الإنسان والحجر، ما يجعل الكون يندمج في عشق مختلف وتظهر أنواع مختلفة للخصوبة لديها قوة وجبروت رغم صغر حجمها.
تبدو منال في منتصف العمر لها حالة جسدية سليمة؛ فهي تتحرك بسهولة وتقود سيارتها وتبصر وتسمع بكفاءة وعلى قدر ما من الجمال والمكانة، وحالتها النفسية يظهر بها نوع من القلق والضيق في كثير من الكتل السردية، وهذا القلق يأتي إليها من الخارج، فعوامل خارجية هي التي تسبب لها القلق، وأهمها زوجها، فأمه تنغص عليها بسبب عدم الإنجاب، وتبدو شخصية زوجها مختلفة تمامًا عن شخصيتها، وكثير من الكتل السردية التي تتناوله في علاقتها به تظهره بصفات سلبية لا تطاق، لكنها في الوقت نفسه ذات شخصية قوية، وتستطيع أن تواجه أعتى المواقف بشجاعة، مثلما واجهت التهديد المغلف من العميد اليهودي.
أما عن حالتها الاجتماعية فهي في حالة اجتماعية مرموقة من أسرة محترمة جدتها أستاذة جامعية في كلية الآداب جامعة الإسكندرية، وهي أستاذة في كلية العلوم في نفس الجامعة، ومتزوجة من أستاذ جامعي زميل لها، ولديها سيارة خاصة بها، ولزوجها سيارة خاصة به، وحالتها المادية معقولة، لكنها في نهاية الرواية وبسبب زمرد أصبحت تمتلك الملايين.

شخصية زمرد
أما شخصية زمرد فقد حازت أكبر الكتل السردية مع منال، وهو حجر كريم، لكنه يطور كثيرًا ـ  بأثر من حالة العشق التي سرت فيه وهو في أصبع منال ـ وعيه الذاتي، ورغم صغر حجمه فإنه يحوي معلومات بحجم ما هو موجود على شبكة الإنترنت كلها، وليس ذلك فقط، بل إنه يبدو في طريق التطور الأعلى، وهو حجر يمتلك تاريخًا، ويمتلك في الوقت نفسه مستقبلًا، وقد كانت الكتل السردية الخاصة به ذات أثر في تلامس هذه الرواية مع الخيال العلمي، وهو خيال له جذور في الواقع، فهناك تغييرات هائلة في العلم، وهذه التغييرات ليست بعيدة عن عالم الأحجار، وهنا يبدو التراسل مع نصوص مقدسة ذكرت فيها الأحجار بصورة لافتة، ويبدو الحدس الذي يشعر بروحانية الأحجار. وإذا كان زمرد من كائنات البيئة فإن المرأة ـ وهي هنا منال ـ في كثير من الكتابات ترمز للأرض وما فيها من خصوبة، وهي التي تحافظ على زمرد. 
وقد منحت شخصية زمرد الرواية الكثير من التشويق والإمساك بمنظور آخر للعالم، هذا المنظور يرى الكون مليئًا بالروح الخالد، ويحاول أن يعيد إلى منطقتنا ـ خصوصًا مصر ـ دور الريادة في العلم كما كان من قبل.
 وهناك شخصيات أخرى كثيرة، ورغم قلة الكتل السردية الخاصة بها، فإن دورها كان محوريًا في تدفق الكتل السردية حتى انتهاء الرواية.
وبالنظر إلى المكان في هذه الرواية فإنه رغم قلة حجمها النسبي(165صفحة)، فإن الأماكن فيها جاءت متعددة بصورة لافتة. 
ولاشك أن التعددية المكانية بهذا الشكل تكشف عن عالمية زمرد، وما يرمز إليه من عالمية حضارتنا التي يعتبر زمرد نفسه منتميًا إليها، فالتركيز بهذا الشكل على الأهمية العلمية والمعرفية لزمرد هو في الوقت نفسه إعادة اعتبار لحضارتنا الفرعونية القديمة التي اكتسب الحجر في عهدها دورًا فائقًا في حفظ ونقل العلوم والمعارف، وهنا يظهر بوضوح أهمية النقد البيئي في التفاعل الحميم مع المكان وحبه لدرجة التقديس.

البنية المكانية والزمانية
وإذا كانت البنية المكانية متنوعة في هذه الرواية، فإن البنية الزمنية لم تكن أقل منها تنوعًا، وقد ظهرت البنية الزمنية الخارجية المهيمنة في فترة ثورة يناير 2011م، وقد ظهر ذلك من خلال إشارات مرجعية كاشفة عن هذه الفترة وما قبلها بقليل وما بعدها بقليل، لكن التنوع اللافت ظهر في البنية الزمنية الداخلية، فقد ظهرت كتل سردية تتفاعل مع الزمان الماضي السحيق، حيث ظهر تاريخ زمرد العريق، وما اختزنه في وعيه من أحداث أسطورية تاريخية لها بصمتها الكبيرة على الوعي البشري، ونسب زمرد لنفسه أحداثًا استقر الوعي البشري أنها لغيره على نحو ما نجد من حديثه عن تفاحة نيوتن واكتشافه قانون الجاذبية، ودور زمرد في هذا الكشف ذي الأهمية الفائقة.
في حين نجد التوافق الزمني هو المهيمن على معظم الكتل السردية، وكان لذلك أكبر الأثر فيما بثه السرد من تشويق جعلنا نفاجأ مع السارد المشارك بكثير من الأحداث.
غير أننا لا نعدم في الوقت نفسه عملية الاستباق الزمني خصوصًا في نهاية الرواية، حيث تم بث كتلة سردية كاشفة عما سيحدث في المستقبل من نجاح أربع نسخ من الوعي الذاتي لزمرد، لكن الرواية تشير إلى أن هذه النسخ الأربع هي لوعي زمرد في لحظة نسخها، ووعي زمرد سيتطور تطورًا فائقًا ليجاوز الوعي الموجود في هذه النسخ بمراحل، مما يكرس لوجهة نظر الرواية ورغبتها في الاحتفاظ بسرّ العلم المتطور في مصر التي تنتمي إليها الدكتورة منال الأستاذة بكلية العلوم جامعة الإسكندرية.
ومن المعروف أن المؤلف أحمد فضل شبلول عاش معظم حياته في الإسكندرية مما كان له أكبر الأثر في تكريس وجهة النظر المؤملة في إثبات التفوق للإسكندرية وجامعتها، خصوصًا وهي تمتلك رصيدًا هائلًا في هذا التفوق قديمًا من خلال مكتبتها الشهيرة وحديثًا من خلال تخريجها علماء نابهين بقامة د. أحمد زويل الحاصل على جائزة نوبل.
وهنا يطل التفاعل الكبير مع البيئة المكانية وتاريخها، وهذا من اهتمامات النقد البيئي.
في النهاية، تكشف هذه الرواية عن سياق اجتماعي حافل بها، حيث تفاعلت مع أحداث ثورة يناير، وألقت الضوء على الفوضى التي صاحبتها، كما تفاعلت الرواية مع جانبين: الأول هو التاريخ، وهذا ينتمي إلى الماضي، والجانب الثاني هو الخيال العلمي، والذي يكشف عن رؤية مستقبلية. وعلى الرغم من الخيال العلمي فيها، فإن هذا الخيال له جذور تربطه بأرض الواقع.
كما أن السياق الاجتماعي يبدو بوضوح من خلال التفاعل الكبير مع البيئة، وقد بدت الإسكندرية بيئة مهيمنة؛ فظهر التفاعل مع أحجارها وبحرها وناسها، خصوصًا في الفترة المصاحبة لثورة 25 يناير 2011 ■