«كودا» رؤية الصمت

«كودا» رؤية الصمت

هل‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬الصوت،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تستمع‭ ‬إلى‭ ‬الصمت؟‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬عالمك‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تسمع‭ ‬صوت‭ ‬البحر،‭ ‬وتغريد‭ ‬العصافير،‭ ‬ورفرفة‭ ‬النوارس،‭ ‬ولا‭ ‬تستمع‭ ‬إلى‭ ‬رهافة‭ ‬غناء‭ ‬حنون‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬القلب؟‭ ‬فقط‭ ‬ترى‭ ‬الصوت‭ ‬في‭ ‬العيون،‭ ‬ولا‭ ‬يكون‭ ‬لديك‭ ‬ما‭ ‬تتواصل‭ ‬به‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬سوى‭ ‬إشارة‭ ‬تُعَبِّر‭ ‬بها‭ ‬عمَّا‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬أعماقك،‭ ‬وما‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تبوح‭ ‬به،‭ ‬لا‭ ‬يربطك‭ ‬بالعالم‭ ‬سوى‭ ‬ابنتك‭ ‬الشابة‭ ‬التي‭ ‬تفهم‭ ‬إشاراتك‭ ‬أنت‭ ‬وعائلتك‭ ‬الصَّمَّاء،‭ ‬ثم‭ ‬تقوم‭ ‬بتوصيل‭ ‬الإشارة‭ ‬للعالم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬صوتها،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تُغَنِّي‭ ‬للدنيا‭ ‬وتترك‭ ‬حياة‭ ‬الإشارة‭ ‬التي‭ ‬تترجمها‭ ‬للعائلة‭.‬

إذا‭ ‬أردت‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬الصوت‭ ‬وأن‭ ‬تستمع‭ ‬إلى‭ ‬الصمت‭ ‬فيمكنك‭ ‬أن‭ ‬تشاهد‭ ‬فيلم‭ (‬CODA‭) ‬المنتج‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬عام2021،‭ ‬والحاصل‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬أوسكار‭ ‬أفضل‭ ‬فيلم‭ ‬في‭ ‬النسخة‭ ‬94‭ ‬من‭ ‬جوائز‭ ‬الأوسكار2022،‭ ‬تأليف‭ ‬وإخراج‭ ‬سيان‭ ‬هيدر،‭ ‬بطولة‭ ‬إيمليا‭ ‬جونز،‭ ‬تروري‭ ‬كوتسور،‭ ‬دانيال‭ ‬دورانت،‭ ‬جون‭ ‬فيوري،‭ ‬لوني‭ ‬فارمر‭.‬

 

لغة‭ ‬الإشارة‭ ‬فاكهة‭ ‬الفيلم‭ ‬

صوت‭ ‬البحر‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬يطالعنا‭ ‬في‭ ‬الفيلم،‭ ‬يسحبنا‭ ‬على‭ ‬سطحه‭ ‬الرمادي‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬عميقًا،‭ ‬يدعونا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نرهف‭ ‬السمع‭ ‬للأغنية‭ ‬التي‭ ‬تتردّد‭ ‬في‭ ‬البعيد،‭ ‬تسبح‭ ‬مُعَانِقة‭ ‬الموج،‭ ‬آتية‭ ‬من‭ ‬مركب‭ ‬صيد‭ ‬وحيد‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬البحر،‭ ‬يأخذ‭ ‬موج‭ ‬البحر‭ ‬المُشاهد‭ ‬كأنه‭ ‬يحمل‭ ‬أسرارًا‭ ‬غارقة،‭ ‬نكتشف‭ ‬أن‭ ‬فتاة‭ ‬شابة‭ ‬تردِّد‭ ‬أغنية‭ ‬تستمع‭ ‬إليها‭ ‬باندماج‭ ‬واضح،‭ ‬ووالدها‭ ‬وأخوها‭ ‬صامتان‭ ‬يمارسان‭ ‬عمل‭ ‬الصيد،‭ ‬فلم‭ ‬تصدر‭ ‬كلمة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الاستهلالي‭ ‬سوى‭ ‬إشارة،‭ ‬ولم‭ ‬نسمع‭ ‬سوى‭ ‬صوت‭ ‬الفتاة‭ ‬وهي‭ ‬تغني‭.‬

صوت‭ ‬البحر‭ ‬والغناء‭ ‬الذي‭ ‬افتتح‭ ‬به‭ ‬صُنَّاع‭ ‬الفيلم‭ ‬المقدمة‭ ‬هو‭ ‬الركيزة‭ ‬التي‭ ‬سيتكئ‭ ‬عليها‭ ‬الفيلم‭ ‬عبر‭ ‬أحداثه،‭ ‬وسنعرف‭ ‬أن‭ ‬الفتاة‭ ‬روبي،‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬مع‭ ‬عائلتها‭ ‬الصَّمَّاء،‭ ‬هي‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تسمع‭ ‬وتتكلَّم‭ ‬منذ‭ ‬مولدها،‭ ‬وحين‭ ‬ردَّت‭ ‬على‭ ‬اتصال‭ ‬خفر‭ ‬السواحل،‭ ‬علمنا‭ ‬أنها‭ ‬المُنْقِذة‭ ‬لهذه‭ ‬المركب‭ ‬الصامت‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬البحر،‭ ‬هذه‭ ‬الفتاة‭ ‬سوف‭ ‬يدور‭ ‬حولها‭ ‬الفيلم،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬ستقودنا‭ ‬لمعرفة‭ ‬هذه‭ ‬العائلة‭ ‬الصَّمَّاء‭.‬

في‭ ‬الفيلم‭ ‬مساحات‭ ‬صمت‭ ‬كثيرة،‭ ‬يختفي‭ ‬الصوت‭ ‬في‭ ‬مشاهد‭ ‬متعددة،‭ ‬فهو‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الإشارات،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لن‭ ‬يشعر‭ ‬المشاهد‭ ‬بأي‭ ‬إزعاج،‭ ‬صمت‭ ‬وإشارات‭ ‬تشدّك‭ ‬أكثر‭ ‬لمتابعة‭ ‬ما‭ ‬يحدث،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬الإشارات‭ ‬مع‭ ‬التعمُّق‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬بدت‭ ‬ضرورية،‭ ‬حيث‭ ‬تجعل‭ ‬المشاهد‭ ‬يتفاعل‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬وهذه‭ ‬اللغة،‭ ‬وبدا‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬أن‭ ‬للغة‭ ‬الإشارة‭ ‬أسرارًا‭ ‬خفيَّة،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬سوء‭ ‬فهم‭ ‬الإشارات‭ ‬كان‭ ‬يصنع‭ ‬كوميديا‭ ‬خفيفة‭ ‬رائقة،‭ ‬وأيضًا‭ ‬بعض‭ ‬الحزن‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬إحساس‭ ‬بالفَقْد‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬يختفي‭ ‬الصوت‭ ‬وتختفي‭ ‬الموسيقى‭ ‬والغناء،‭ ‬فالحوار‭ ‬بالإشارات‭ ‬كان‭ ‬كافيًا‭ ‬لتوصيل‭ ‬مُبْتَغَى‭ ‬الفيلم‭ ‬ورسالته،‭ ‬ثم‭ ‬يدخل‭ ‬الصوت‭ ‬بعد‭ ‬الصمت‭ ‬ناعمًا‭ ‬مميزًا‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬تصوير‭ ‬المَشَاهد‭ ‬التالية،‭ ‬ومتفاعلًا‭ ‬في‭ ‬رحابة‭ ‬مُتْقَنة‭.‬

لغة‭ ‬الإشارة‭ ‬كانت‭ ‬فاكهة‭ ‬الفيلم‭ ‬وعذابه،‭ ‬حيث‭ ‬تعطي‭ ‬للمشاهد‭ ‬معنى‭ ‬بأن‭ ‬الأصم‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يُعَبِّر‭ ‬عن‭ ‬مشاعره‭ ‬بكامل‭ ‬الثقة‭ ‬ومطلق‭ ‬الحرية،‭ ‬يقول‭ ‬بإشارة‭ ‬من‭ ‬يده‭ ‬ما‭ ‬يعجز‭ ‬اللسان‭ ‬أحيانًا‭ ‬عن‭ ‬البوح‭ ‬به،‭ ‬لغة‭ ‬الإشارة‭ ‬كانت‭ ‬رهيفة‭ ‬ويمكنك‭ ‬أن‭ ‬تفهمها‭ ‬دون‭ ‬صوت،‭ ‬لذيذة‭ ‬وممتعة،‭ ‬وبدت‭ ‬فكاهية‭ ‬تداعب‭ ‬المشاهد،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬إشارات‭ ‬الأب‭ ‬الحوارية‭ ‬الممزوجة‭ ‬بالفكاهة‭ ‬والحب‭ ‬والحنين،‭ ‬أيضًا‭ ‬بدت‭ ‬لغة‭ ‬الإشارة‭ ‬مميزة‭ ‬حين‭ ‬أرادت‭ ‬صديقة‭ ‬روبي‭ ‬أن‭ ‬تداعب‭ ‬شقيق‭ ‬روبي،‭ ‬فطلبتْ‭ ‬من‭ ‬روبي‭ ‬أن‭ ‬تعلِّمها‭ ‬لغة‭ ‬الإشارة‭ ‬لتُبَلِّغه‭ ‬رسالة‭ ‬بأنها‭ ‬تريده،‭ ‬فأعطتها‭ ‬روبي‭ ‬لغة‭ ‬خطأ،‭ ‬ما‭ ‬أعطانا‭ ‬إحساسًا‭ ‬فكاهيًا‭ ‬لذيذًا‭.‬

 

حلقة‭ ‬الوصل‭ ‬مع‭ ‬العالم

الفتاة‭ ‬روبي،‭ ‬والتي‭ ‬قامت‭ ‬بدورها‭ ‬الممثلة‭ ‬الشابة‭ ‬إميليا‭ ‬جونز،‭ ‬أتقنت‭ ‬الدور‭ ‬ببراعة‭ ‬ورهافة‭ ‬وتلقائية‭ ‬وعفوية،‭ ‬كان‭ ‬الدور‭ ‬متوافقًا‭ ‬تمامًا‭ ‬مع‭ ‬عمرها‭ ‬وتكوينها‭ ‬الجسماني‭ ‬المتين‭ ‬الرقيق،‭ ‬فهي‭ ‬فتاة‭ ‬مراهقة،‭ ‬طالبة‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬غلوستر‭ ‬الثانوية‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تعمل‭ ‬مع‭ ‬والدها‭ ‬بجدّ‭ ‬على‭ ‬مركب‭ ‬الصيد،‭ ‬وتساعد‭ ‬عائلتها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬تُتَرْجم‭ ‬لهم‭ ‬صوت‭ ‬العالم،‭ ‬وتنقله‭ ‬إليهم‭ ‬عبر‭ ‬الإشارة‭ ‬التي‭ ‬تجيدها،‭ ‬وتنقل‭ ‬ما‭ ‬تريده‭ ‬عائلتها‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬للناس‭ ‬بلسانها‭ ‬الناطق،‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬السماع،‭ ‬هي‭ ‬حلقة‭ ‬الوصل‭ ‬والاتصال‭ ‬بين‭ ‬عائلتها‭ ‬والعالم،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬داخلي‭ ‬بين‭ ‬رغبتها‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ما‭ ‬تريده،‭ ‬وتلبية‭ ‬احتياجات‭ ‬عائلتها،‭ ‬فَهُم‭ ‬من‭ ‬دونها‭ ‬سيفقدون‭ ‬الصلة‭ ‬بالعالم،‭ ‬ولن‭ ‬يتواصلوا‭ ‬مع‭ ‬الدنيا،‭ ‬إنهم‭ ‬لا‭ ‬يسمعون‭ ‬صوت‭ ‬العالم‭. ‬

تشعر‭ ‬روبي‭ ‬بأن‭ ‬داخلها‭ ‬غناءً‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬أعماقها،‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تتحقَّق‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الموهبة‭ ‬التي‭ ‬تؤرق‭ ‬كيانها،‭ ‬هذه‭ ‬الموهبة‭ ‬تمثل‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬إخراج‭ ‬الصوت‭ ‬المعبر‭ ‬عمَّا‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬أعماقها،‭ ‬كأنها‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تُخْرِج‭ ‬كل‭ ‬الإشارات‭ ‬التي‭ ‬تترجمها‭ ‬بصوتها‭ ‬الخاص،‭ ‬حدث‭ ‬هذا‭ ‬التزاوج‭ ‬البارع‭ ‬بين‭ ‬لغة‭ ‬الإشارات‭ ‬والصوت‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬بديع‭ ‬نهاية‭ ‬الفيلم‭.‬

 

الغناء‭ ‬رابط‭ ‬محبَّة

حين‭ ‬انضمت‭ ‬روبي‭ ‬لفريق‭ ‬الكورال‭ ‬عاتبتها‭ ‬زميلتها‭ ‬بسبب‭ ‬اختيارها‭ ‬فريقًا‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬مواهبها،‭ ‬قالت‭ ‬روبي‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬أُغَنِّي‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‮»‬‭ ‬مما‭ ‬أعادنا‭ ‬إلى‭ ‬مقدمة‭ ‬الفيلم،‭ ‬وفي‭ ‬مشهد‭ ‬بارع‭ ‬أثناء‭ ‬تناول‭ ‬طعام‭ ‬العائلة‭ ‬الصَّمَّاء،‭ ‬نَهَرت‭ ‬الأم‭ ‬روبي‭ ‬عن‭ ‬سماع‭ ‬الموسيقى‭ ‬والغناء‭ ‬بسماعة‭ ‬الأُذن‭ ‬أثناء‭ ‬الطعام‭ ‬الجماعي‭ ‬للعائلة،‭ ‬اعتبرت‭ ‬الأم‭ ‬ذلك‭ ‬قلة‭ ‬أدب،‭ ‬فأشارت‭ ‬روبي‭ ‬إلى‭ ‬أخيها‭ ‬الذي‭ ‬يستخدم‭ ‬صور‭ ‬الهاتف‭ ‬أمامهم‭ ‬على‭ ‬المائدة‭ ‬وهم‭ ‬ينظرون‭ ‬ويبتسمون،‭ ‬لكن‭ ‬الأم‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬نظرة‭ ‬مختلفة،‭ ‬فالصور‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬مشاهدتها‭ ‬على‭ ‬الهاتف‭ ‬يمكنهم‭ ‬جميعًا‭ ‬مشاركتها‭ ‬بأعينهم،‭ ‬أما‭ ‬استماع‭ ‬الأغاني‭ ‬فيخرجها‭ ‬عنهم،‭ ‬يعزلها‭ ‬وهي‭ ‬وسطهم،‭ ‬بدا‭ ‬المشهد‭ ‬مركبًا‭ ‬بين‭ ‬صراع‭ ‬الفتاة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ممارسة‭ ‬حريتها‭ ‬كفتاة‭ ‬طبيعية،‭ ‬ومتطلبات‭ ‬العائلة‭ ‬والتزامها‭ ‬بعادات‭ ‬الصَّمَم‭. ‬

في‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يواجه‭ ‬صوت‭ ‬روبي‭ ‬العالم‭ ‬حين‭ ‬أخرجها‭ ‬معلمها‭ ‬برناردو‭ ‬لتغني‭ ‬أمام‭ ‬زملائها،‭ ‬وقفت‭ ‬ساكنة‭ ‬يبدو‭ ‬عليها‭ ‬الرَّهب،‭ ‬ارتعدت،‭ ‬فقال‭ ‬المعلم‭ ‬برناردو‭: ‬‮«‬هل‭ ‬نسيتِ‭ ‬الكلمات؟‮»‬‭  ‬نظرت‭ ‬روبي‭ ‬لزملائها‭ ‬فوجدتهم‭ ‬يسخرون‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬ابتسامة‭ ‬واضحة؛‭ ‬ثم‭ ‬انطلقت‭ ‬خارجة‭ ‬من‭ ‬حجرة‭ ‬التعليم،‭ ‬وقال‭ ‬برناردو‭: ‬‮«‬لدينا‭ ‬هاربة‮»‬‭ ‬وبدا‭ ‬المشهد‭ ‬حزينًا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬صناع‭ ‬الفيلم‭ ‬انطلقوا‭ ‬وراء‭ ‬روبي‭ ‬في‭ ‬الحقول‭ ‬عند‭ ‬بحيرة‭ ‬صافية،‭ ‬منظر‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الجاذبية‭ ‬والمتعة،‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬نعق‭ ‬غراب،‭ ‬وكان‭ ‬صوت‭ ‬الغراب‭ ‬مميزًا،‭ ‬ينطلق‭ ‬بحرّية‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬السخرية،‭ ‬ثم‭ ‬ظهرت‭ ‬أصوات‭ ‬طيور‭ ‬أخرى،‭ ‬ثم‭ ‬دخلت‭ ‬الموسيقى‭ ‬البارعة‭ ‬تتابع‭ ‬روبي‭ ‬جالسة‭ ‬أمام‭ ‬الماء،‭ ‬وكان‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تُلْقِي‭ ‬بنفسها‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬كي‭ ‬تتخلَّص‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬ومن‭ ‬الرهبة‭ ‬والاستخفاف‭ ‬التي‭ ‬عانت‭ ‬منه‭ ‬بسبب‭ ‬زملائها،‭ ‬لكنها‭ ‬غَنَّت‭ ‬الأغنية‭ ‬التي‭ ‬طلبها‭ ‬المعلم،‭ ‬غَنَّتها‭ ‬وحدها‭ ‬للطبيعة،‭ ‬بصوت‭ ‬رائق‭ ‬كالماء،‭ ‬أخضر‭ ‬كالزرع‭ ‬الذي‭ ‬يحيطها،‭ ‬كان‭ ‬صوتها‭ ‬جميلًا‭ ‬ومحبوبًا،‭ ‬وشعرنا‭ ‬بأن‭ ‬أعماقها‭ ‬تتفجَّر‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬وتندمج‭ ‬مع‭ ‬الخضرة‭ ‬والماء،‭ ‬والعصافير‭. ‬

أيضًا‭ ‬الأغنية‭ ‬كانت‭ ‬الرابط‭ ‬العاطفي‭ ‬في‭ ‬الفيلم،‭ ‬فقد‭ ‬لاحظ‭ ‬المعلم‭ ‬برناردو‭ ‬أن‭ ‬روبي‭ ‬لديها‭ ‬حالة‭ ‬شغف‭ ‬بزميلها‭ ‬ويلز‭ ‬فجمع‭ ‬بينهما‭ ‬في‭ ‬أغنية‭ ‬حب‭ ‬ثنائية،‭ ‬مما‭ ‬تطلَّب‭ ‬أن‭ ‬يغنياها‭ ‬معا‭ ‬بمفردهما،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬سببًا‭ ‬كافيًا‭ ‬لربط‭ ‬علاقة‭ ‬المحبَّة‭ ‬بينهما‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الصوت،‭ ‬الأغنية،‭ ‬وتحولت‭ ‬الأغنية‭ ‬لرابط‭ ‬محبَّة‭. ‬

القطع‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الغناء‭ ‬بين‭ ‬حركات‭ ‬الإشارة‭ ‬الصامتة‭ ‬كان‭ ‬بارعًا،‭ ‬وناعمًا‭ ‬في‭ ‬التنقل‭ ‬بين‭ ‬المشاهد،‭ ‬فالأذن‭ ‬تستمتع‭ ‬وهي‭ ‬تسمع‭ ‬الغناء‭ ‬الصافي‭ ‬المنتقى،‭ ‬ثم‭ ‬تنتقل‭ ‬المشاهد‭ ‬في‭ ‬نعومة‭ ‬عبر‭ ‬لغة‭ ‬الإشارة،‭ ‬نسمع‭ ‬صوت‭ ‬الموسيقى‭ ‬الحماسية‭ ‬والعاطفية‭. ‬تملأ‭ ‬الشاشة‭ ‬وتتجاوب‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬ركوب‭ ‬الدراجة‭ ‬التي‭ ‬تقودها‭ ‬روبي‭ ‬أغان‭ ‬تعطي‭ ‬الحماسة‭ ‬والقوة‭ ‬الدافعة‭ ‬للحياة،‭ ‬وكانت‭ ‬تضع‭ ‬سماعات‭ ‬الأذن،‭ ‬وحين‭ ‬تفصلها‭ ‬عن‭ ‬أذنها‭ ‬تتوقَّف‭ ‬الموسيقى‭ ‬فجأة‭ ‬ويتوقف‭ ‬الغناء،‭ ‬وتدخل‭ ‬الحياة،‭ ‬تتحدث‭ ‬إلى‭ ‬الناس،‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬صيَّادي‭ ‬السمك،‭ ‬والغناء‭ ‬داخلها‭ ‬ينقطع‭ ‬حين‭ ‬تدخل‭ ‬دنيا‭ ‬الواقع،‭ ‬الغناء‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يصدر‭ ‬من‭ ‬أعماقها،‭ ‬هو‭ ‬شغفها‭ ‬الحقيقي‭ ‬النابع‭ ‬من‭ ‬روحها‭... ‬الصوت‭ ‬والصمت‭ ‬والإشارة‭ ‬كانت‭ ‬محاور‭ ‬الفيلم‭ ‬الأصيلة‭ ‬متضافرة‭ ‬مع‭ ‬الغناء‭. ‬

 

مشاعر‭ ‬الغناء

برناردو‭ ‬فيلالوبوس‭ ‬معلم‭ ‬الكورال‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬الفيلم؛‭ ‬لأنه‭ ‬معلم‭ ‬الغناء،‭ ‬حسَّاس‭ ‬جدًا‭ ‬ناحية‭ ‬الصوت،‭ ‬يدرك‭ ‬جمالة‭ ‬ويميزه،‭ ‬يعرف‭ ‬قيمة‭ ‬الصوت،‭ ‬ومن‭ ‬أين‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬الصوت‭ ‬الحقيقي،‭ ‬وهو‭ ‬متناسب‭ ‬تمامًا‭ ‬ومتوافق‭ ‬مع‭ ‬موضوع‭ ‬الفيلم،‭ ‬المعتمد‭ ‬على‭ ‬الصوت‭ ‬والصمم‭. ‬وقد‭ ‬قال‭ ‬المعلم‭ ‬برناردو‭ ‬لروبي‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬صوت‭ ‬بلا‭ ‬تنفّس،‭ ‬وفعلها‭ ‬مع‭ ‬روبي،‭ ‬جعلها‭ ‬تتنفَّس‭ ‬بعمق‭ ‬ثم‭ ‬خرج‭ ‬صوتها‭ ‬المكتوم،‭ ‬قويًا،‭ ‬جليًا،‭ ‬بديعًا،‭ ‬أذهل‭ ‬زملاءها‭ ‬الذين‭ ‬سخروا‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬قالت‭ ‬من‭ ‬داخلها‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تبوح‭ ‬به‭ ‬وأن‭ ‬تُعَبِّر‭ ‬عنه،‭ ‬وتحولت‭ ‬السخرية‭ ‬إلى‭ ‬إعجاب‭.‬

من‭ ‬أهم‭ ‬المشاهد‭ ‬الملتصقة‭ ‬بسحر‭ ‬الصوت‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬حين‭ ‬سألها‭ ‬المعلم‭ ‬برناردو‭: ‬‮«‬بِمَ‭ ‬تشعرين‭ ‬وأنت‭ ‬تغنين؟‮»‬‭ ‬قالت‭ ‬روبي‭: ‬‮«‬لا‭ ‬أدري،‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬شرح‭ ‬ذلك‮»‬‭ ‬قال‭ ‬برناردو‭: ‬‮«‬جَرِّبي‮»‬‭ ‬كأن‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬هو‭ ‬الغرض‭ ‬الرئيس‭ ‬من‭ ‬الفيلم،‭ ‬خروج‭ ‬الصوت‭ ‬الغناء‭ ‬الحياة،‭ ‬أن‭ ‬تعرف‭ ‬لماذا‭ ‬تفعل‭ ‬ما‭ ‬تحبه،‭ ‬حاولت‭ ‬روبي‭ ‬أن‭ ‬تبوح‭ ‬فلم‭ ‬تستطع،‭ ‬لم‭ ‬تخرج‭ ‬منها‭ ‬كلمات،‭ ‬ثم‭ ‬امتزج‭ ‬مشهد‭ ‬الإشارة‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عَمَّا‭ ‬عجز‭ ‬لسانها‭ ‬عن‭ ‬البوح‭ ‬به،‭ ‬عَبَّرت‭ ‬عن‭ ‬شعورها‭ ‬بالإشارة،‭ ‬وكأنها‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬شيئًا‭ ‬ما‭ ‬داخلها‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬منها‭ ‬وهي‭ ‬تغني،‭ ‬الصمت‭ ‬والإشارة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬يبدوان‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬البراعة‭ ‬والدقة‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬ما‭ ‬يشعر‭ ‬وهو‭ ‬يمارس‭ ‬أحب‭ ‬الأفعال‭ ‬لقلبه،‭ ‬وأظهرت‭ ‬الإشارة‭ ‬المعنى‭ ‬كأن‭ ‬شيئًا‭ ‬يتحرك‭ ‬داخلها،‭ ‬ثم‭ ‬يخرج،‭ ‬التعبير‭ ‬بالإشارة‭ ‬أعطى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعطيه‭ ‬الكلمات،‭ ‬وفهمنا‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬داخلها‭ ‬وما‭ ‬تشعر‭ ‬به‭ ‬دون‭ ‬كلمة،‭ ‬لقد‭ ‬استطاع‭ ‬المعلم‭ ‬أن‭ ‬يستخرج‭ ‬صوتها‭ ‬المتوحش‭ ‬البدائي‭ ‬دون‭ ‬تجميل،‭ ‬أن‭ ‬تغني‭ ‬من‭ ‬أعماقها،‭ ‬أن‭ ‬يجعلها‭ ‬تغني‭ ‬كالأصم،‭ ‬بطبيعتها‭ ‬الخاصة‭.‬

 

بين‭ ‬الموهبة‭ ‬والعائلة

اللحظة‭ ‬القاسمة‭ ‬للروح‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬هي‭ ‬لحظة‭ ‬وقوفها‭ ‬الحائر‭ ‬بين‭ ‬متطلبات‭ ‬عائلتها‭ ‬ودرس‭ ‬الغناء‭ ‬الذي‭ ‬تحبه،‭ ‬المعلم‭ ‬يريدها‭ ‬أن‭ ‬تلتزم‭ ‬بالحضور،‭ ‬وعائلتها‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬من‭ ‬دونها،‭ ‬وحين‭ ‬تأخرت‭ ‬عن‭ ‬المعلم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬عائلتها؛‭ ‬لأن‭ ‬التلفزيون‭ ‬سيقوم‭ ‬بالتسجيل‭ ‬مع‭ ‬عائلتها،‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬حيرة،‭ ‬من‭ ‬سيقوم‭ ‬بترجمة‭ ‬إشاراتهم‭ ‬للعالم؟‭ ‬من‭ ‬سيفسر‭ ‬رغبات‭ ‬الصم‭ ‬سوى‭ ‬الابنة؟‭ ‬وقالت‭ ‬للمعلم‭ ‬تعتذر‭: ‬‮«‬لم‭ ‬أفعل‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬عائلتي‭ ‬قط‮»‬،‭ ‬ليظهر‭ ‬مدى‭ ‬ارتباطها‭ ‬بعائلتها‭. ‬

حين‭ ‬عرضت‭ ‬على‭ ‬عائلتها‭ ‬أن‭ ‬تترك‭ ‬الصيد‭ ‬وتتوجُّه‭ ‬للجامعة‭ ‬ظهرت‭ ‬مشاعر‭ ‬الوالد‭ ‬معها‭ ‬وكذلك‭ ‬الأخ،‭ ‬والأم‭ ‬كانت‭ ‬تنظر‭ ‬للأمر‭ ‬بعقلانية،‭ ‬فالتحاقها‭ ‬بالموسيقى‭ ‬سيفسد‭ ‬حياتهم‭ ‬الصَّمَّاء،‭ ‬وهي‭ ‬حائرة‭ ‬بين‭ ‬موهبتها‭ ‬وعائلتها،‭ ‬تريد‭ ‬حياتها‭ ‬الخاصة‭ ‬ولا‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تتركهم؛‭ ‬فربما‭ ‬تسقط‭ ‬العائلة‭ ‬من‭ ‬دونها‭. ‬وقالت‭: ‬‮«‬الغناء‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬أحب،‭ ‬إنه‭ ‬كل‭ ‬شيء‮»‬‭ ‬وحين‭ ‬انتهت‭ ‬المناقشة‭ ‬ضبطت‭ ‬روبي‭ ‬المنبه‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬الاستيقاظ‭ ‬للصيد‭ ‬في‭ ‬الثالثة‭ ‬صباحًا،‭ ‬وصرخت‭ ‬صرخة‭ ‬عنيفة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنام،‭ ‬صرخة‭ ‬سمعها‭ ‬الكون‭ ‬ولم‭ ‬تسمعها‭ ‬عائلتها‭ ‬الصَّمَّاء،‭ ‬صرخة‭ ‬تُمَزِّق‭ ‬الأحشاء‭ ‬من‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬ترك‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬فيه،‭ ‬واتجاهها‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تحب‭... ‬الغناء‭.‬

مرَّت‭ ‬لحظة‭ ‬صمت‭ ‬مليئة‭ ‬بالإشارات‭ ‬المعبرة‭ ‬وهي‭ ‬تعرض‭ ‬على‭ ‬عائلتها‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬الجامعة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الغناء،‭ ‬وأنها‭ ‬قرَّرت‭ ‬أن‭ ‬تمكث‭ ‬معهم؛‭ ‬لأنهم‭ ‬يحتاجونها‭ ‬أكثر،‭ ‬كان‭ ‬الأب‭ ‬حزينًا‭ ‬لما‭ ‬تفعله‭ ‬ابنته‭ ‬في‭ ‬نفسها،‭ ‬وتمزّقه‭ ‬من‭ ‬احتياجه‭ ‬إليها،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يتركها‭ ‬تمارس‭ ‬حياتها‭ ‬الطبيعية‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬تحب،‭ ‬وقال‭ ‬الأخ‭ ‬صارخًا‭ ‬بالإشارة‭: ‬‮«‬القديسة‭ ‬روبي،‭ ‬سنبني‭ ‬لها‭ ‬ضريحًا‭ ‬على‭ ‬المركب‮»‬‭ ‬كان‭ ‬الأخ‭ ‬رافضًا‭ ‬تمامًا‭ ‬تضحيتها‭. ‬وقررت‭ ‬العائلة‭ ‬أن‭ ‬تذهب‭ ‬روبي‭ ‬إلى‭ ‬الجامعة‭ ‬كي‭ ‬تغني‭.‬

في‭ ‬مشهد‭ ‬بارع‭ ‬مميز‭ ‬وروبي‭ ‬تغني‭ ‬في‭ ‬الحفل،‭ ‬والأب‭ ‬والأم‭ ‬داخل‭ ‬صالة‭ ‬المسرح‭ ‬لا‭ ‬يسمعان‭ ‬شيئًا،‭ ‬فقط‭ ‬ينظران‭ ‬إلى‭ ‬وجوه‭ ‬الناس،‭ ‬فنرى‭ ‬مدى‭ ‬المتعة‭ ‬التي‭ ‬يستمتع‭ ‬بها‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬صوت‭ ‬روبي،‭ ‬كان‭ ‬المشهد‭ ‬على‭ ‬المحك،‭ ‬الأب‭ ‬والأم‭ ‬والأخ‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬لا‭ ‬يسمعون‭ ‬شيئًا،‭ ‬يشاهدون‭ ‬الأيادي‭ ‬تصفق‭ ‬لروبي‭ ‬فيصفقون‭ ‬مثلهم‭.‬

وحين‭ ‬غَنَّت‭ ‬روبي‭ ‬الأغنية‭ ‬المفضلة‭ ‬مع‭ ‬ويلز‭ ‬صديقها‭ ‬في‭ ‬فقرة‭ ‬خاصة‭ ‬انتبه‭ ‬الأب‭ ‬بشدَّة،‭ ‬كان‭ ‬تركيزه‭ ‬عاليًا،‭ ‬واضحًا‭ ‬على‭ ‬الشاشة،‭ ‬وفجأة‭ ‬اختفت‭ ‬جميع‭ ‬الأصوات،‭ ‬ودخلنا‭ ‬في‭ ‬أُذُن‭ ‬الأب‭ ‬الأصم،‭ ‬صرنا‭ ‬في‭ ‬صمم‭ ‬معه،‭ ‬وشعرنا‭ ‬بمشاعر‭ ‬الأصم‭ ‬وهو‭ ‬يرى‭ ‬مَن‭ ‬حوله‭ ‬يتفاعلون‭ ‬مع‭ ‬صوت‭ ‬ابنته‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يسمعه،‭ ‬وبدا‭ ‬الأب‭ ‬وحيدًا‭ ‬في‭ ‬صممه،‭ ‬ضاع‭ ‬الصوت‭ ‬من‭ ‬الشاشة،‭ ‬ثم‭ ‬ظهرت‭ ‬تعبيرات‭ ‬رائعة‭ ‬على‭ ‬عينيه‭ ‬وهو‭ ‬يتابع‭ ‬وجوه‭ ‬الناس،‭ ‬فيرى‭ ‬الابتسامات‭ ‬الراضية‭ ‬واندماج‭ ‬الآخرين‭ ‬الجميل‭ ‬مع‭ ‬صوت‭ ‬ابنته،‭ ‬يشاهد‭ ‬التركيز‭ ‬البديع‭ ‬مع‭ ‬صوتها‭ ‬الناعم،‭ ‬والبكاء‭ ‬المتأثر‭ ‬لشجن‭ ‬صوتها،‭ ‬ثم‭ ‬هزَّ‭ ‬رأسه‭ ‬وعاد‭ ‬الصوت‭ ‬إلى‭ ‬الشاشة‭ ‬مع‭ ‬التصفيقات‭ ‬الحارة،‭ ‬وكأن‭ ‬الجميع‭ ‬يصفقون‭ ‬لهذا‭ ‬الأب‭ ‬الأفضل‭ ‬في‭ ‬الحياة‭.‬

في‭ ‬غاية‭ ‬البراعة‭ ‬دمج‭ ‬المشهد‭ ‬بين‭ ‬الصمت‭ ‬والصمم‭ ‬والغناء‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬شعرنا‭ ‬بمشاعر‭ ‬الأصم،‭ ‬وسمعنا‭ ‬الصمت‭ ‬الأصم‭ ‬الذي‭ ‬يسمعه،‭ ‬ورأينا‭ ‬ما‭ ‬يراه،‭ ‬رأينا‭ ‬المشاعر‭ ‬واضحة،‭ ‬مليئة‭ ‬بالتعبيرات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عين‭ ‬الأب،‭ ‬كان‭ ‬الأب‭ ‬منفعلًا‭ ‬داخليًا،‭ ‬عبر‭ ‬عنه‭ ‬الممثل‭ ‬تروي‭ ‬كوتسور‭ ‬بحساسية‭ ‬عالية‭ ‬وإتقان‭ ‬رهيف‭ ‬يستحق‭ ‬عليه‭ ‬الأوسكار‭ ‬بجدارة،‭ ‬رهافة‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يسمع‭ ‬العالم،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬المعلم‭ ‬حين‭ ‬قابله‭ ‬بعد‭ ‬الحفل‭ ‬قال‭: ‬‮«‬هذا‭ ‬هو‭ ‬نوعي‭ ‬المفضَّل‭ ‬من‭ ‬الآباء‮»‬‭. ‬

ثم‭ ‬تلاه‭ ‬مشهد‭ ‬بارع‭ ‬آخر،‭ ‬حين‭ ‬رغب‭ ‬الأب‭ ‬في‭ ‬سماع‭ ‬الأغنية‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬ابنته،‭ ‬غنَّتها‭ ‬له‭ ‬بشجن‭ ‬واضح،‭ ‬وهو‭ ‬يضع‭ ‬يده‭ ‬على‭ ‬رقبتها،‭ ‬يتحسَّس‭ ‬أحبالها‭ ‬الصوتية‭ ‬في‭ ‬حنان،‭ ‬كان‭ ‬متأثرًا‭ ‬بما‭ ‬رآه‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬ابنته،‭ ‬فأراد‭ ‬أن‭ ‬يلمس‭ ‬ذلك‭ ‬بأنامله،‭ ‬يلمس‭ ‬الصوت‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬سماعه،‭ ‬واستمع‭ ‬بيديه‭ ‬لأوتار‭ ‬حنجرتها،‭ ‬واحتضنها‭ ‬متأثرًا‭ ‬وسط‭ ‬النجوم،‭ ‬ثم‭ ‬أخذها‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬للجامعة‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬بارع،‭ ‬وقالت‭ ‬الأم‭:‬‮«‬إذا‭ ‬كنا‭ ‬سنطردك،‭ ‬سنفعل‭ ‬ذلك‭ ‬بصفتنا‭ ‬عائلة‮»‬‭.‬

 

اذهبي‭ ‬إلى‭ ‬موهبتك

عندما‭ ‬كانت‭ ‬روبي‭ ‬تجري‭ ‬اختبار‭ ‬قبولها‭ ‬بالجامعة‭ ‬بدت‭ ‬خائفة‭ ‬وقلقة‭ ‬وتبحث‭ ‬عن‭ ‬شيء،‭ ‬وحين‭ ‬تسلَّلت‭ ‬عائلتها‭ ‬الصَّمَّاء‭ ‬لتسمعها‭ ‬وهي‭ ‬تغني‭ ‬تماسكت‭ ‬روبي‭ ‬حين‭ ‬شاهدتهم،‭ ‬أغمضت‭ ‬عينيها‭ ‬وغنت‭ ‬بمشاعر‭ ‬رهيفة،‭ ‬وهي‭ ‬تنظر‭ ‬لهم‭ ‬أعلى‭ ‬مدرجات‭ ‬مسرح‭ ‬الاختبار،‭ ‬ثم‭ ‬اندمجت‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬من‭ ‬أجود‭ ‬مشاهد‭ ‬الفيلم،‭ ‬تغني‭ ‬بصوتها‭ ‬ويديها‭ ‬تعبر‭ ‬عمَّا‭ ‬تغني‭ ‬بالإشارة‭. ‬أرادت‭ ‬أن‭ ‬تفهم‭ ‬عائلتها‭ ‬ما‭ ‬تغني،‭ ‬وهي‭ ‬الآن‭ ‬تغني‭ ‬لهم‭ ‬ومن‭ ‬أجلهم،‭ ‬انطلقت‭ ‬مشاعرها‭ ‬وحركات‭ ‬يدها‭ ‬متَّحدة‭ ‬مع‭ ‬صوتها‭ ‬وعائلتها‭ ‬تستمع‭ ‬للأغنية‭ ‬بالعيون‭ ‬في‭ ‬سعادة،‭ ‬اتَّحدت‭ ‬الإشارة‭ ‬مع‭ ‬الصوت‭ ‬في‭ ‬براعة،‭ ‬وتداخلت‭ ‬مشاهد‭ ‬خارجية‭ ‬مع‭ ‬الأغنية‭ ‬وانتهت‭ ‬بقبولها‭ ‬في‭ ‬الجامعة،‭ ‬وتحقَّق‭ ‬حلمها‭ ‬وخرج‭ ‬صوتها‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭.‬

انطلقت‭ ‬سيارة‭ ‬روبي‭ ‬تريد‭ ‬الجامعة،‭ ‬لكنها‭ ‬أوقفت‭ ‬السيارة‭ ‬وعادت‭ ‬إلى‭ ‬عائلتها؛‭ ‬لتُنهي‭ ‬الفيلم‭ ‬في‭ ‬حضن‭ ‬جماعي‭ ‬دافئ،‭ ‬في‭ ‬كتلة‭ ‬واحدة،‭ ‬لا‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تلمح‭ ‬شعرة‭ ‬فراغ‭ ‬تفصل‭ ‬بين‭ ‬جسد‭ ‬العائلة‭ ‬المتماسك‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحضن‭ ‬الأخير‭ ‬على‭ ‬الشاشة،‭ ‬كانت‭ ‬روبي‭ ‬وسطهم‭ ‬جميعًا،‭ ‬يضمونها‭ ‬في‭ ‬حماية،‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬قلبهم،‭ ‬وخرجت‭ ‬أول‭ ‬كلمة‭ ‬من‭ ‬الأب‭ ‬طوال‭ ‬الفيلم،‭ ‬قال‭: ‬‮«‬اذهبي‮»‬‭ ‬بحنان‭ ‬ورغبة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يراها‭ ‬في‭ ‬السماء،‭ ‬وانطلقت‭ ‬السيارة‭ ‬عبر‭ ‬حلمها‭ ‬في‭ ‬الغناء،‭ ‬وانتهى‭ ‬الفيلم‭ ‬بإشارة‭ ‬وداع‭ ‬من‭ ‬الجميع،‭ ‬إشارة‭ ‬وداع‭ ‬رائعة‭ ‬من‭ ‬العائلة‭ ‬لروبي‭ ‬ومن‭ ‬روبي‭ ‬للعائلة،‭ ‬وكأنها‭ ‬تواجه‭ ‬المُشاهد‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬بإشارة‭ ‬تخرج‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬قلبها‭ ‬من‭ ‬محبَّة‭ ‬■