مستقبل أفغانستان المقبض

مستقبل أفغانستان المقبض

طالبان بين خطوط النمط وتجارة المخدرات
المؤلف: أحمد رشيد

ربما يبدو النزاع في أفغانستان نائيا وغامضا بالنسبة لمعظم الناس في الغرب، لكن مؤلف هذا الكتاب يذهب إلى أن الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية إذا استمر في تجاهل النزاع الأفغاني فإنه قد يتصاعد ويتحول إلى أزمة أوسع بكثير ستجتاح المنطقة بأسرها، وتهدد السلام العالمي.

يتذكر الرأي العام عدم الاستقرار المستمر في أفغانستان بين حين وآخر عندما تتحدث عناوين نشرات الأخبار التلفزيونية أو الصحف عن اختطاف أفغان لطائرة، أو هجوم إرهابي تلقى باللائمة فيه على أسامة بن لادن، أو عن حوادث قمع حركة طالبان للنساء.

لكن الرأي العام الغربي لا يعرف شيئا آخر يذكر عن ذلك البلد الذي خلفت فيه 21 عاما من الحرب دمارا واسعاو 1.5 مليون قتيل. لكن عدم الاستقرار في أفغانستان والمنطقة يتبدى على نحو غير مباشر في شوارع المدن الغربية في صورة كميات متزايدة من الهيروين (وصلت قيمة صادرات باكستان وأفغانستان من الهيروين، وفقا لبيانات الأمم المتحدة، إلى ثلاثة مليارات دولار في العام 1998، وهي ضعف قيمة صادرات العام 1995).

وكان السكرتير العام السابق للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي قد قال في العام 1995: "إن نزاع أفغانستان قد أصبح أحد النزاعات اليتيمة في العالم، وهي تلك النزاعات التي اختار الغرب تجاهلها عن عمد أو غير عمد لصالح النزاع في يوغوسلافيا".

ويحذر أحمد رشيد من أنه إذا واصل الغرب تجاهله للنزل " اليتيم " وإذا استمر عدم الاستقرار في أفغانستان، فإن هذا قد يقود إلى نتائج خطيرة أحدها قيام ثورة على النمط الطالباني في باكستان. وهو ما ينطوي على عواقب مفزعة بالنظر إلى وضع باكستان كقوة نووية. والفشل في حل النزاع الأفغاني قد يعني أيضا أن تبقى إيران على هامش المجتمع الدولي. وستصبح دول أواسط آسيا عاجزة عن نقل صادراتها النفطية والتعدينية من خلال أقصر الطرق، الأمر الذي قد يفضي إلى انهيار اقتصاداتها ويقود إلى مزيد من عدم الاستقرار وصعود التيارات الأصولية.

والواقع أن أحمد رشيد صحفي باكستاني بارز بدأت تغطيته الصحفية لأحداث أفغانستان منذ 22 عاما عندما شاهد بعينيه دبابات الجيش تشق طريقها إلى القصر الرئاسي أثناء الانقلاب الدموي الذي أطاح بالرئيس الأفغاني محمد داود. ومنذ ذلك الوقت يقوم أحمد رشيد بزيارات منتظمة لأفغانستان ويعتبر شاهد عيان على اضطراباتها المتأججة.

ورغم أن كتابه مليء بالمعلومات ويقدم وصفا شديد التدقيق للأبعاد الكثيرة للنزل الأفغاني، فإنه في الوقت نفسه ممتع القراءة يضفي الحيوية على هذا البلد وشخوصه. ومع أن حركة طالبان تلف نفسها بسرية شديدة، فإن رشيد أجرى حوارات مع بعض أعضاء قيادتها. (وقد وصف طالبان بأنها الحركة التي تضم القيادة الأكثر إعاقة جسديا في العالم - وزراء عديدون يمتلكون عينا واحدة، بينما فقد آخرون ساقا أو عددا من أصابعهم). ويتضمن الكتاب أيضا عددا من الملاحق المفيدة، أحدها يقدم بيانات تفصيلية عن أعمار، وأصول، ورتب، والجذور العرقية لقادة طالبان الأربعة والعشرين.

ويقدم ملحق آخر وصفا للهياكل القيادية للحركة.

تركيبة معقدة

والواقع أن أفغانستان بلد أكثر تعقيدا من أن يفهم، نظرا لتركيبته العرقية والدينية والثقافية المتباينة. ففي الجنوب والشرق هناك قبائل الباشتون، بينما تقطن القبائل التي تتحدث اللغة الفارسية في الغرب، وفي الوسط هناك الطاجيك والشيعة الهازاريون. بينما تتمركز في الشمال القبائل الأوزبكية، والتركمانية والقرقيزية والقبائل الأخرى التي تتحدث اللغة التركية السائدة في أواسط آسيا، والتي تضيف علاقاتها مع بلدان وسط آسيا المزيد من الضغوط على الوضع في أفغانستان.

ويضع الكتاب صعود طالبان داخل الصورة الأوسع للتاريخ الأفغاني. وعندما نقرأ أن هراة في غربي أفغانستان كانت مهد تاريخ أفغانستان وثقافتها، حيث تأسست قبل خمسة آلاف عام، واحة كانت مركزا رائعا للعمارة والشعر والتعليم، ندرك كم كان مروعا قيام القوات السوفييتية بتدميرها في عام 1979. وعندما استولت حركة طالبان على هراة في سبتمبر 1995، قامت بإغلاق كل المدارس، التي كانت تضم في عهد حاكمها السابق إسماعيل خان 45 ألف طفل - نصفهم من الفتيات. لكن طالبان منعت فتيات هراة حتى من التعليم في بيوتهن.

ويصف رشيد حالة شبه التحلل التي كانت سائدة في أفغانستان قبل ظهور طالبان المفاجئ في نهاية العام 1994، عندما كانت البلاد مقسمة بين أمراء الحرب المختلفين. وقد جاء أعضاء حركة طالبان الشبان من جيل لم يعرف أبدا السلام، وشب العديد منهم عن الطوق في مدارس ومخيمات اللاجئين في باكستان. ويشير رشيد إلى أن الكثيرين منهم كانوا يتامى لم يقتربوا طوال حياتهم من امرأة - أم، شقيقة أو حتى ابنة عم. وربما يفسر هذا جزئيا معاملتهم القاسية للنساء. وقد أخبر زعماء طالبان رشيد مرارا أنهم لو منحوا النساء حرية أكبر أو فرصة الذهاب إلى المدارس فسيفقدون تأييد أتباعهم، الذين لا يحبون رؤية قيادة طالبان تتنازل عن المبادئ تحت الضغوط.

ويحمل الكتاب عنوانا جانبيا هو "الإسلام، والنفط، واللعبة الكبيرة الجديدة في أواسط آسيا". وكانت بريطانيا وروسيا قد لعبتا، في القرن التاسع عشر، " اللعبة الكبيرة " الأولى للسيطرة والهيمنة على أفغانستان وأواسط آسيا. وفي " اللعبة الكبيرة الجديدة " اليوم، تدور المعركة حول ثروات النفط والغاز الطبيعي الهائلة في أواسط آسيا. وتجري المنافسة بين الدول الإقليمية وشركات النفط الغربية على من يقوم بمد خطوط الأنابيب لنقل الطاقة إلى الأسواق في أوربا وآسيا.

اللاعبون والحرب

وتتمحور إحدى الأطروحات الرئيسية في كتاب رشيد حول الطريقة التي خاض من خلالها اللاعبون الإقليميون حروبا بالوكالة في أفغانستان، حيث دعمت باكستان، حركة طالبان، بينما كان للقوى الإقليمية الأخرى مصالحها الخاصة في أفغانستان.

ويرى رشيد في الحوار الإيراني - الباكستاني عنصرا أساسيا في أي حل لمشكلة أفغانستان. وكانت إيران قد اقتربت في خريف 1998 من غزو أفغانستان بعد المذبحة التي ارتكبتها حركة طالبان ضد الشيعة في مزار شريف واغتيالها للدبلوماسيين الإيرانيين هناك، ثم ارتكابها لعمليات قتل واسعة في باميان أيضا. وقد اتهمت إيران باكستان بالتورط في عمليات القتل هذه.

وفي فصل حمل عنوان " الجهاد الكوني: الأفغان العرب وأسامة بن لادن "، يبحث رشيد الكيفية التي أصبحت بها أفغانستان ملجأ للمجاهدين الإسلاميين من بلدان عديدة، حيث توافرت لهم المعسكرات والأسلحة والمخدرات التي استخدموها لتمويل حركاتهم. والواقع أن البعض من طالبان يريد بالفعل تصدير الأصولية، ويتفقون كثيرا مع تفكير أسامة بن لادن.

ويناقش رشيد الدور المحوري الذي تحتله المخدرات في اقتصاد حركة طالبان، فضلا عن العمليات الضخمة لتهريب السلع بين أفغانستان والبلدان المجاورة. ويصل حجم عمليات التهريب هذه إلى بلايين الدولارات وتستنزف الاقتصادات الرسمية في المنطقة. وسيكون من الصعب جدا تفكيك شبكات التهريب العالية التنظيم هذه، التي ترتبط بعلاقات وثيقة. ببارونات المخدرات.

ويقدم رشيد وصفا دقيقا للمنافسة، خلال الأعوام 1994 - 1999، بين شركة النفط الأرجنتينية بيرداس، وشركة أونوكال الأمريكية على بناء خط أنابيب الغاز من تركمانستان إلى باكستان عبر المناطق التي تسيطر عليها حركة طالبان في أفغانستان. وهي قصة مليئة بالصفقات والمكائد. وكان كارلوس بورغيروني، رئيس شركة بيرداس، هو أول من أدخل حركة ، ش طالبان إلى عالم عمليات التمويل الكبرى، والسياسة النفطية، و" اللعبة الكبيرة الجديدة ".

لكن واشنطن ألقت بثقلها خلف شركة أونوكال الأمريكية المنافسة، وفي أكتوبر 1995، وقع الرئيس التركمانستاني سابارمراد نيازوف اتفاقية مع شركة أونوكال وشركة دلتا السعودية لبناء خط أنابيب الغاز عبر أفغانستان. وعندما استولت حركة طالبان على كابول في سبتمبر 1995 بدا الأمر وكأن الولايات المتحدة قد فوجئت بأن حركة طالبان قد تكون هي الوحيدة من بين فرقاء الحرب القادرة على ترسيخ الاستقرار في أفغانستان. ويشرح رشيد بالتفصيل إلى أي مدى دعمت الولايات المتحدة حركة طالبان في ذلك الوقت.

وانهار مشروع شركة أونوكال عندما اضطرت الشركة إلى سحب عامليها من باكستان وقندهار في أغسطس ما 1998 بعد أن قصفت الولايات المتحدة معسكرات أسامة بن لادن. ويؤكد رشيد أن فشل شركة أونوكال يجب أن يكون قد علم الولايات المتحدة " أنه لا يمكن بناء خط أنابيب نفط كبير في آسيا الوسطى ما لم يكن هناك التزام أمريكي ودولي أكبر بكثير بحل النزاعات في أفغانستان، وآسيا الوسطى، والقوقاز والاتحاد السوفييتي السابق والأكراد".

انتقاد أمريكا

وينتقد رشيد بشدة الولايات المتحدة، التي يعتبرها القوة العالمية الوحيدة القادرة على التأثير في كل الدول المجاورة حتى تتوقف عن التدخل في أفغانستان. فالأفغان يشعرون بمرارة عميقة لأن الولايات المتحدة تخلت عنهم، بعد أن حاربوا من أجلها إبان الحرب الباردة. فبعد الانسحاب السوفييتي لم تكن الولايات المتحدة جاهزة للمساعدة على التوصل إلى حل سلمي أو إطعام الشعب الجائع، وترك التراجع الأمريكي فراغا سياسيا استفادت منه القوى الإقليمية.

ويهاجم رشيد بحدة الولايات المتحدة لأنها لا تمتلك استراتيجية شاملة لترسيخ السلام في المنطقة. وتهتم بدلا من ذلك بقضايا مفردة، مثل خطوط النفط، ومعاملة النساء والإرهاب، وتصوغ سياساتها بأكملها حول هذه القضايا.

ويناقش المؤلف إمكان تغيير حركة طالبان لسياساتها، أو جعلها أكثر اعتدالا، وامتصاصها للتنوع الثقافي والعرقي الشديد الثراء في أفغانستان، لتصبح الحاكم الشرعي للبلاد، لكنه يخلص إلى أن هذا الأمر بعيد الاحتمال. فالانقسامات داخل حركة طالبان تتزايد بسرعة، وأن مزيدا من الاعتدال داخل الحركة من الممكن أن يقود إلى انقلاب على الملا محمد عمر وعلماء قندهار.

وفي ظل شكلها الراهن، لا يمكن لحركة طالبان أن تأمل في أن تحكم أفغانستان وتحظى باعتراف المجتمع الدولي. فعملية إعادة البناء الوحيدة التي نجحوا فيها حتى الآن تتعلق، كاملة، بتحسين فعالية عمليات تهريب السلع والمخدرات. غير أن البديل الوحيد لحركة طالبان في الحزام الباشتوني لأفغانستان هو المزيد من الاختلالات والفوضى. وربما تشكل طالبان تحالفات مع الإقطاعيات المنافسة في كابول، وقندهار وربما هراة.

ويفترض رشيد أنه من أجل التوصل إلى حل للنزاع في أفغانسان، يتعين على دول المنطقة أن تتفق على فرض حظر، تراقبه الأمم المتحدة، على تصدير الأسلحة لأفغانستان. ويجب على دول المنطقة أن تتوقف عن حث حلفائها الأفغان على فرض هيمنتهم على البلد بأكمله. بل ويجب على الفرقاء جميعا أن يلتزموا بمناطق النفوذ القائمة. ويعد الحوار الإيراني- الباكستاني عنصرا جوهريا في هذا الصدد. وينبغي على باكستان أن تقبل بتقليص نفوذها في الحزام الباشتوني، بينما سيتعين على إيران أن تقبل بالأمر نفسه في غربي وأواسط أفغانستان، مع ضمانات للأقلية الشيعية.

وهو لا يعتقد بإمكان تكوين "حكومة ائتلافية واسعة " في أفغانستان، بل يجب تحقيق درجة كبيرة من الحكم الذاتي في المناطق التي يسيطر عليها فرقاء النزاع، غير أنه سيتعين عليهم الاتفاق على بناء حكومة مركزية قوية على المدى البعيد. ومع أنه من الواضح أن السلام سيأتي بمكاسب هائلة للمنطقة وسيمكن الولايات المتحدة من الوصول إلى مصادر الطاقة في أواسط آسيا، إلا أنه من الصعب أن ينتهي المرء من قراءة كتاب رشيد دون أن يخرج بشعور عميق بالتشاؤم وبنذر الشر إزاء ما سيحيق بأفغانستان وجاراتها في العقد الأول من هذا القرن .

 

سوزانا طربوش

 
  




غلاف الكتاب