حول العالم الروائي لتجربة الطبيب طارق أبو الخير

حول العالم الروائي لتجربة الطبيب طارق أبو الخير

للأديب‭ ‬الطبيب‭ ‬طارق‭ ‬أبو‭ ‬الخير‭ ‬ثلاث‭ ‬روايات،‭ ‬هي‭ ‬على‭ ‬الترتيب‭: ‬‮«‬موافقة‮»‬‭ ‬و«إهناسيا‮»‬‭ ‬و«ظفر‭ ‬غائر‮»‬،‭ ‬ويطالع‭ ‬القارئ‭ ‬في‭ ‬الروايات‭ ‬الثلاث‭ ‬لغةً‭ ‬سلسة‭ ‬التركيب‭ ‬صحيحة‭ ‬الصياغة،‭ ‬متداولةً‭ ‬تنأى‭ ‬عن‭ ‬الغريب‭ ‬والمهجور،‭ ‬كما‭ ‬يلمس‭ ‬تـقارب‭ ‬المستوى‭ ‬الأدبي‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الروايات؛‭ ‬ربما‭ ‬لتـقارب‭ ‬الخط‭ ‬الفكري‭ ‬الذي‭ ‬ينتظمها،‭ ‬أو‭ ‬لتقارب‭ ‬زمن‭ ‬كتابتها،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬خصائص‭ ‬مائزة‭ ‬لكل‭ ‬رواية‭ ‬على‭ ‬حدة؛‭ ‬فالرواية‭ ‬الأولى‭ (‬موافقة‭) ‬أكثر‭ ‬مباشرةً،‭ ‬والرواية‭ ‬الثـانية‭ (‬إهناسيا‭) ‬ممعنة‭ ‬في‭ ‬توظيف‭ ‬التـاريخ‭ ‬المصري‭ ‬قديمه‭ ‬وحديثه،‭ ‬والرواية‭ ‬الثـالثة‭ (‬ظفر‭ ‬غائر‭) ‬أكثر‭ ‬عمقًا‭ ‬ونضجًا‭. ‬لعلنا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬ندرج‭ ‬الروايات‭ ‬الثلاث‭ ‬تحت‭ ‬الأدب‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬الذي‭ ‬يصطبغ‭ ‬أحيانًا‭ ‬بالصبغة‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬تـتخذ‭ ‬من‭ ‬الوسطية‭ ‬الإسلامية‭ ‬جوهرًا،‭ ‬فقد‭ ‬أجاد‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬توظيف‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الآيات‭ ‬القرآنية‭ ‬والأحاديث‭ ‬النبوية‭ ‬في‭ ‬متنه‭ ‬الروائي،‭ ‬أو‭ ‬بالصبغة‭ ‬الإنسانية‭ ‬ذات‭ ‬البعد‭ ‬القيمي‭.‬

يستـشعر‭ ‬القارئ‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المشاهد‭ ‬الروائية‭ ‬وأحداثها‭ ‬تتقاطع‭ ‬مع‭ ‬السيرة‭ ‬الذاتـية‭ ‬للكاتب،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬بعضها‭ ‬يمثل‭ ‬القارئ‭ ‬فيتماهى‭ ‬مع‭ ‬النص‭ ‬بوصفه‭ ‬إحدى‭ ‬مفرداته،‭ ‬وقد‭ ‬ركز‭ ‬الكاتب‭ ‬على‭ ‬مجريات‭ ‬الأحداث‭ ‬والمغزى‭ ‬منها،‭ ‬مما‭ ‬جعله‭ ‬لا‭ ‬يسرف‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬شخصيات‭ ‬كثيرة‭ ‬قد‭ ‬تصرف‭ ‬انتباه‭ ‬القارئ‭ ‬عن‭ ‬البعدين‭ ‬الفكري‭ ‬والأسلوبي‭ ‬للرواية‭.‬

وحاول‭ ‬الكاتب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نصه‭ ‬الروائي‭ ‬أكثر‭ ‬تـكثيفًا،‭ ‬فعدد‭ ‬فصول‭ ‬الرواية‭ ‬الواحدة‭ ‬كثيرًا؛‭ ‬لتخرج‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬القصص‭ ‬القصيرة،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬بدايات‭ ‬تجربته‭ ‬السردية‭ ‬معها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬أسلوبه‭ ‬الروائي‭ ‬لم‭ ‬يخل‭ ‬من‭ ‬الشاعرية،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬مطالع‭ ‬الفصول‭ ‬فيما‭ ‬يدرج‭ ‬تحت‭ ‬براعة‭ ‬الاستهلال،‭ ‬كقوله‭: ‬‮«‬صباح‭ ‬تغازله‭ ‬الشمس‭ ‬الدافئة،‭ ‬نسمات‭ ‬الخريف‭ ‬تهدهد‭ ‬أوراق‭ ‬الشجر‭ ‬المجدبة،‭ ‬الماء‭ ‬يدغدغ‭ ‬حبيبات‭ ‬التراب‭ ‬المثلمة،‭ ‬يغمر‭ ‬حبات‭ ‬البرسيم‭ ‬بعد‭ ‬نثرها،‭ ‬تظهر‭ ‬طيور‭ ‬أبي‭ ‬قردان‭ ‬في‭ ‬سواد‭ ‬الأرض‭ ‬كنجوم‭ ‬تـتلألأ‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬ليلة‭ ‬دامسة،‭ ‬يغمس‭ ‬منسره‭ ‬لتـناول‭ ‬الحشرات‭ ‬المتوارية،‭ ‬يجلس‭ ‬الفلاحون‭ ‬على‭ ‬ريعان‭ ‬الحقول،‭ ‬يتصببهم‭ ‬العرق‭ ‬من‭ ‬جهد‭ ‬رفع‭ ‬المياه‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬قنواتها،‭ ‬تلك‭ ‬الترع‭ ‬المتـفرعة‭ ‬من‭ ‬بحر‭ ‬يوسف‭ ‬قد‭ ‬هدأ‭ ‬منسوبها‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬موسم‭ ‬الفيضان‮»‬‭.‬

التزم‭ ‬الكاتب‭ ‬السرد‭ ‬الفصيح،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬العادي‭ ‬بين‭ ‬الشخصيات‭ ‬الروائـية‭ ‬مر‭ ‬بمرحلتين،‭ ‬أولاهما‭: ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الحوار‭ ‬عامـيًا،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬الأولى‭ (‬موافقة‭)‬،‭ ‬ثانيتهما‭: ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الحوار‭ ‬فصيحًا،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬روايتـيه‭ ‬الثـانية‭ (‬إهناسيا‭) ‬والثـالثة‭ (‬ظفر‭ ‬غائر‭)‬،‭ ‬والصياغة‭ ‬بالفصحى‭ ‬ليست‭ ‬ضرورةً‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬السرد،‭ ‬لكن‭ ‬الكاتب‭ ‬آثر‭ ‬صوغ‭ ‬الحوار‭ ‬بالفصحى‭ ‬المعاصرة‭ ‬عدولًا‭ ‬عن‭ ‬العامـية؛‭ ‬ارتقاءً‭ ‬منه‭ ‬بأسلوب‭ ‬الكتابة،‭ ‬وفي‭ ‬الحالين‭ ‬فقد‭ ‬حافظ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المضمون‭ ‬الفكري‭ ‬للحوار‭ ‬متناسبًا‭ ‬مع‭ ‬بناء‭ ‬الشخصية‭ ‬الروائـية،‭ ‬فليس‭ ‬معنى‭ ‬تـفصيح‭ ‬الحوار‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مضمونه‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬معطيات‭ ‬الشخصية‭ ‬وإلا‭ ‬عـد‭ ‬خللًا‭.‬

 

روح‭ ‬ساخرة

ويمتاز‭ ‬الكاتب‭ ‬بدقة‭ ‬الوصف،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬الصور‭ ‬البيانية‭ ‬للأحداث‭ ‬والأشخاص،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬أضفاه‭ ‬على‭ ‬بعضها‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬ساخرة،‭ ‬كقوله‭: ‬‮«‬دق‭ ‬باب‭ ‬الحجرة‭ ‬باكرًا،‭ ‬صاحب‭ ‬البيت‭ ‬بجلافة‭ ‬صوته‭ ‬قد‭ ‬أيقظنا،‭ ‬ينادي‭ ‬أبي‭ ‬من‭ ‬خلف‭ ‬الباب،‭ ‬وعيناه‭ ‬تـترامى‭ ‬بين‭ ‬رضوضه‭ ‬ترقب‭ ‬صحوتـنا،‭ ‬يكاد‭ ‬شعر‭ ‬شاربه‭ ‬أن‭ ‬يمتد‭ ‬بينها‭ ‬ليخز‭ ‬به‭ ‬جلودنا،‭ ‬تداركت‭ ‬أمي‭ ‬سـترتها،‭ ‬ثـم‭ ‬لاقاه‭ ‬أبي‭ ‬على‭ ‬باب‭ ‬الغرفة‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬أجاد‭ ‬في‭ ‬ابتكار‭ ‬صياغة‭ ‬الصورة‭ ‬الأدبية‭ ‬كتشبيه‭ ‬لون‭ ‬زي‭ ‬المدرسة‭ ‬بالرمل‭ ‬فيسميه‭ (‬اللون‭ ‬الرملي‭).‬

ويمكننا‭ ‬أن‭ ‬نتـلمس‭ ‬ملامح‭ ‬الهوية‭ ‬المصرية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الروايات‭ ‬الثلاث،‭ ‬وما‭ ‬رسخ‭ ‬له‭ ‬الكاتب‭ ‬من‭ ‬مفردات‭ ‬البيئة‭ ‬وخصائص‭ ‬المكان،‭ ‬وقد‭ ‬بدا‭ ‬ذلك‭ ‬جليًا‭ ‬في‭ ‬روايته‭ (‬إهناسيا‭)‬،‭ ‬ذات‭ ‬البعد‭ ‬التاريخي‭ ‬بتطوافها‭ ‬على‭ ‬مشاهد‭ ‬مصرية‭ ‬قديمة‭ ‬وحديثة،‭ ‬وفضلًا‭ ‬عن‭ ‬كونها‭ ‬حالةً‭ ‬مصريةً‭ ‬فهي‭ ‬مسقط‭ ‬رأسه‭ ‬ومتربع‭ ‬شبابه،‭ ‬ولما‭ ‬صار‭ ‬طبيبًا‭ ‬ازداد‭ ‬ارتباطه‭ ‬ببيئة‭ ‬النشأة،‭ ‬فعمل‭ ‬في‭ ‬مشفاها‭ ‬العام‭ ‬لرعاية‭ ‬أهلها،‭ ‬وما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬حكايات‭ ‬يسردها‭ ‬فتـنم‭ ‬عن‭ ‬النوستالوجيا‭ ‬أو‭ ‬الحنين‭ ‬إلى‭ ‬الماضي،‭ ‬فقد‭ ‬اتخذ‭ ‬من‭ ‬والده‭ ‬راويًا‭ ‬لبعض‭ ‬حكايات‭ ‬مدينته‭ ‬إهناسيا،‭ ‬فاستخدم‭ ‬كلمة‭ (‬مديرية‭) ‬بدلًا‭ ‬من‭ (‬محافظة‭) ‬وفق‭ ‬التقسيم‭ ‬الإداري‭ ‬القديم،‭ ‬واستخدم‭ ‬كلمة‭ (‬ملاليم‭) ‬ومفردها‭ (‬مليم‭) ‬بوصفها‭ ‬عملةً‭ ‬انتهى‭ ‬العمل‭ ‬بها‭ ‬فصارت‭ ‬أثـرًا،‭ ‬بل‭ ‬إننا‭ ‬قد‭ ‬نعد‭ ‬مسردًا‭ ‬بمفردات‭ ‬البيئة‭ ‬المصرية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬الروائي،‭ ‬مثل‭: ‬‮«‬مصطبة‭ - ‬حصير‭- ‬سحارة‭ - ‬زلعة‭ - ‬زير‭- ‬بلاص‭ - ‬أبو‭ ‬قردان‭... ‬وغيرها‮»‬‭.‬

ولعلنا‭ ‬نلحظ‭ ‬تـماهي‭ ‬الكاتب‭ ‬مع‭ ‬البيئة،‭ ‬فمثلًا‭ ‬نجده‭ ‬يـؤنسن‭ (‬الليل‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬يخرج‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬الروائي‭ ‬عن‭ ‬مجرد‭ ‬كونه‭ ‬ظاهرةً‭ ‬كونيةً‭ ‬تتكرر‭ ‬بانتظام،‭ ‬إلى‭ ‬وصفه‭ ‬بالزائر‭ ‬والصاحب‭ ‬والحبيب،‭ ‬فيقول‭: ‬‮«‬أوصد‭ ‬الليل‭ ‬سواده‭ ‬بالسماء،‭ ‬ثـم‭ ‬مل‭ ‬من‭ ‬طول‭ ‬الهدوء،‭ ‬وسمع‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬أحدهم‭ ‬ينادي‭ ‬عليه،‭ ‬واصفًا‭ ‬إياه‭ ‬بـ‭(‬حضن‭ ‬السهارى‭)‬،‭ ‬أتى‭ ‬مهرولًا‭ ‬كي‭ ‬يطمئن‭ ‬على‭ ‬محبيه،‭ ‬فمر‭ ‬بذات‭ ‬المقاعد‭ ‬والطرب‭ ‬والمشروبات‭ ‬والأدخنة،‭ ‬ووجد‭ ‬رجالها‭ ‬يتسامرون‭ ‬فرحين‭ ‬به،‭ ‬ثـم‭ ‬أتى‭ ‬ذاك‭ ‬الطالب‭ ‬الدؤوب‭ ‬على‭ ‬تحصيل‭ ‬درسه،‭ ‬يحسب‭ ‬الدقائق‭ ‬خوفًـا‭ ‬من‭ ‬رحيله،‭ ‬وهذا‭ ‬الذي‭ ‬يراسل‭ ‬محبوبته‭ ‬متلهفًا‭ ‬مرتجيًا‭ ‬أن‭ ‬يـدق‭ ‬طبل‭ ‬عرسهما‭ ‬في‭ ‬ليل‭ ‬جديد،‭ ‬ثـم‭ ‬أتى‭ ‬أناسًا‭ ‬نائمةً‭ ‬تـتمنى‭ ‬أن‭ ‬يطول‭ ‬لترتاح‭ ‬أبدانهم،‭ ‬ما‭ ‬أولـتـه‭ ‬الطائرات‭ ‬ولا‭ ‬القاطرات‭ ‬ولا‭ ‬السـفن‭ ‬اهتمامًا،‭ ‬لكن‭ ‬النجوم‭ ‬قد‭ ‬انتظرتـه‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬القمر‮»‬،‭ ‬ليخلص‭ ‬بعدها‭ ‬إلى‭ ‬مخاطبة‭ ‬الليل،‭ ‬الذي‭ ‬تجاوز‭ ‬دوره‭ ‬كمجرد‭ ‬ظرف‭ ‬تـقع‭ ‬فيه‭ ‬الأحداث،‭ ‬إلى‭ ‬بطل‭ ‬يصنعها،‭ ‬قائلًا‭ ‬له‭: ‬‮«‬أيها‭ ‬الليل‭ ‬الحزين‭ ‬إنـك‭ ‬لا‭ ‬تـنجلي‭ ‬أبدًا‭ ‬عن‭ ‬ساكني‭ ‬القبور،‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬أعماق‭ ‬البحار‭ ‬وما‭ ‬تحت‭ ‬الثرى،‭ ‬صنع‭ ‬من‭ ‬أجلك‭ ‬المصباح،‭ ‬وأشعلت‭ ‬وقـتـك‭ ‬النيران،‭ ‬وارتاحت‭ ‬عندك‭ ‬الطرقات‭ ‬والسيارات‭ ‬والأنعام،‭ ‬أغلـقت‭ ‬أغلب‭ ‬أبواب‭ ‬التربح،‭ ‬واستـتـرت‭ ‬خلفك‭ ‬النزوات،‭ ‬وبدأ‭ ‬الندى‭ ‬يستحضر‭ ‬دموعه‭ ‬عند‭ ‬فراقك،‭ ‬أتـيت‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬شمس‭ ‬النهار،‭ ‬وما‭ ‬علم‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬منكم‭ ‬يهرول‭ ‬وراء‭ ‬الآخر،‭ ‬لكـنه‭ ‬أدرك‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التعاقـب‭ ‬يأكل‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬يا‭ ‬أيها‭ ‬الليل‭ ‬تجول‭ ‬كما‭ ‬يحلو‭ ‬لك‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬البلاد‭ ‬والمنازل،‭ ‬لكن‭ ‬رجائي‭ ‬ألا‭ ‬يشعر‭ ‬بك‭ ‬العابد‭ ‬في‭ ‬حرم‭ ‬عبادته‮»‬‭.‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬نلمح‭ ‬تأثر‭ ‬الكاتب‭ ‬بالشاعر‭ ‬الجاهلي‭ ‬امرئ‭ ‬القيس‭ (‬ت‭ ‬130ق‭.‬هـ‭/ ‬545م‭) ‬في‭ ‬معلقته،‭ ‬حيث‭ ‬خاطب‭ ‬الليل‭ ‬داعيًا‭ ‬إياه‭ ‬إلى‭ ‬الانجلاء؛‭ ‬ليسفر‭ ‬عن‭ ‬صبح‭ ‬وضاء‭ ‬يجدد‭ ‬ديباجة‭ ‬السماء،‭ ‬فيمكننا‭ ‬تأويل‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬بأن‭ ‬الليل‭ ‬برمـته‭ ‬صار‭ ‬رمزًا‭ ‬للثنائيات‭ ‬الضديـة‭ ‬للقـدر؛‭ ‬كـ‭(‬الموت‭) ‬الذي‭ ‬يمثـله‭ ‬جوف‭ ‬القبر،‭ ‬و‭(‬الحياة‭) ‬التي‭ ‬يمثـلها‭ ‬عمق‭ ‬البحر،‭ ‬أو‭ (‬النور‭) ‬بوصفه‭ ‬رمزًا‭ ‬للهداية،‭ ‬و‭(‬النار‭) ‬بوصفها‭ ‬رمزًا‭ ‬للضلالة،‭ ‬ومثلها‭ (‬النزوة‭) ‬رمزًا‭ ‬للدنس،‭ ‬و‭(‬الندى‭) ‬رمزًا‭ ‬للطهر،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬لليل‭ ‬بدورانه‭ ‬وتعاقبه‭ ‬دلالةً‭ ‬على‭ ‬انقضاء‭ ‬الآجال‭ ‬وانمحاء‭ ‬الآثار؛‭ ‬لذا‭ ‬لم‭ ‬يستمتع‭ ‬به‭ ‬سوى‭ ‬العابد‭ ‬في‭ ‬خلوته‭ ‬ومحرابه،‭ ‬فهو‭ ‬الذي‭ ‬رجا‭ ‬منه‭ ‬ألا‭ ‬يرحل؛‭ ‬لأنه‭ ‬أدرك‭ ‬علة‭ ‬الحياة‭ ‬وجوهرها‭ ‬في‭ ‬العبادة،‭ ‬فتغـشاه‭ ‬الليل‭ ‬وهو‭ ‬متفرغ‭ ‬لها‭ ‬متنعـم‭ ‬بها‭.‬

 

لغة‭ ‬فصيحة

وقد‭ ‬حرص‭ ‬الكاتب‭ ‬كثيرًا‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬الألفاظ‭ ‬الفصيحة‭ ‬عربية‭ ‬الأصل،‭ ‬فيما‭ ‬اعتيد‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬الكثيرين‭ ‬بدائلها‭ ‬الأجنبية‭ ‬أو‭ ‬المعربة،‭ ‬مثل‭:‬‭ (‬مزلاج‭ - ‬سحاب‭ - ‬ممحاة‭... ‬وغيرها‭). ‬بينما‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأخطاء‭ ‬اللغوية‭ ‬الشائعة،‭ ‬كتعدي‭ ‬الفعل‭ ‬بـ‭(‬اللام‭) ‬والصواب‭ ‬تعديته‭ ‬بـ‭(‬إلى‭)‬،‭ ‬كقوله‭: ‬‮«‬اقتادني‭ ‬لـ‭...‬‮»‬،‭ ‬ومثلها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ (‬من‭) ‬للبداية‭ ‬و‭(‬إلى‭) ‬للنهاية‭ ‬والتي‭ ‬تستبدل‭ ‬بـ‭(‬اللام‭) ‬خطأً،‭ ‬كقوله‭: ‬‮«‬من‭ ‬آن‭ ‬لآخر‮»‬‭. ‬كذلك‭ ‬وقوعه‭ ‬في‭ ‬الخطأ‭ ‬الشائع‭: ‬‮«‬تخرج‭ ‬من‭ ‬الجامعة‮»‬،‭ ‬والصواب‭ ‬تعدية‭ ‬الفعل‭ ‬بـ‭(‬في‭). ‬ووردت‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الجمل‭ ‬مباشرةً،‭ ‬خاصةً‭ ‬ما‭ ‬انطوى‭ ‬على‭ ‬مناقشة‭ ‬فكر،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬فقرات‭ ‬الرواية‭ ‬كانت‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬فقرات‭ ‬بمقالة،‭ ‬وكأن‭ ‬الكاتب‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يضمن‭ ‬آراءه‭ ‬في‭ ‬ثـنايا‭ ‬رواياته،‭ ‬والأدب‭ ‬جوهره‭ ‬الخيال‭ ‬والتلميح‭ ‬والإشارة‭ ‬والرمز‭ ‬■