الخضْراوات وهل الطبيعة إلّا لونٌ أخضر؟!

 لا يُمكن لِلحدائق والمتنزّهات والغابات إلّا أن تسبح في اللون الأخضر الذي يضفي عليها بهاءً خاصًا، ولا يتوقّف عن التذكير بِقوّة النباتات الواهبة للحياة في كوكبنا. ويكمن سرُّ هذه القوّة في مادّة، أو صبغ، الكلوروفيل (اليخضور)، الذي لا تخلو منه أوراق وبعض أجزاء أخرى من النباتات، وله مقدرة على استقبال ضوء الشمس وحبسه وتحويله إلى طاقة كيميائية، للقيام بعملية التمثيل الضوئي، وفيها تعمل الورقة الخضراء كمصنع رائع لا يكاد يكفّ عن إنتاج المواد النشوية، المكوّن الأساسي للسلسلة الغذائية في الأرض.
 وقد تتشبّه حيوانات بالنباتات فتكتسب اخضرارًا، ولكنه ليس باللون الأصيل فيها، وتلجأ إلى عمليات معقّدة لإنتاج أصباغ تضفي عليها، جزئيًا، نوعًا من الاخضرار، ليس كاخضرار النباتات التي لا تبذل أي جهد لِتكون خضراء. فثمّة أنواع من الطيور والزواحف والأسماك تمزج أصباغًا صفراء و زرقاء تحت جلودها لِتزدان، جزئيًا، بالأخضر الباهي، المثالي بالنسبة للحياة التي يقضيها حيوان ارتضى أن يعيش مُختبئًا في الغطاء النباتي. 
والكسلان واحد من الكائنات الحيوانية المُخضَرَّة، ويُشارُ إليه على أنه الثدييّ الوحيد أخضر اللون، والحقيقة هي أنه ليس كذلك، ففراؤه يكتسب اللون الأخضر من الطحالب التي تعلق به في حركته بينها. فلِخيوط الفراء أخاديدٌ أو شقوقٌ غير منتظمة في بنيتها، تسهّل للطحالب أن تعلق بها، فيخضرُّ لون الفًراء. ومن جهة أخرى، فإن حركة الحيوان صاحب الفراء تُسهِّل للطحالب الوصول إلى الماء. 

 

أما حلزون الأشجار الزمرّدي الأخضر، فهو مثال نادر على الكائنات الحيوانية المصطبغة بالأخضر. وهو من الرخويات البطنقدمية التي تقضي حياتها تحمل صدفتها الحلزونية، متحرّكة بها، وتخلد للراحة بداخلها، وتتّقي شرّ الأعداء، فهو من الكائنات الحيوانية التي جرَّ عليها اللون الأخضر الكثير من المشاكل والأخطار، إذ ذاع صيت تلك الصدفة الجميلة بين جامعِي الأصداف وصانعي المجوهرات في ثلاثينيات القرن الماضي، ممّا أدّى إلى تصاعد نشاط جمعها وتصديرها من أحد أهم مواطنها الطبيعية، جزيرة مانوس، في بابوا غينيا الجديدة، حتى إنه صار أوّل كائن من لافقاري يُدرج في قائمة الأنواع المهدّدة بالانقراض. 
ولِلدبّور الزمردي تألُّق مصدرُه لونان: الأخضر الناضر والأزرق المعدني، وينتجان من انكسار موجات الضوء عند مروره خلال الهيكل الخارجي لِلدبّور، مع بقع حمراء موزّعة على بعضٍ من أرجله، ممّا يجعله مختلفًا تمامًا عن سائر أنواع عائلة الصراصير التي ينتمي إليها. وله علاقة غريبة بالصرصور المنزلي الشائع الذي تلسعه أنثى الدبّور، وتضعُ بيضها على بطنه، فلا يلبث أن يفقس لتخرج منه يرقات تتغذّى على الصرصور! والاخضرار نادر جدًا بين الدبابير، ويكاد يقتصر على الأنواع التي تعيش في تشيلي ومدغشقر. 
 ويقدّم لنا ببّغاء إكليكتوس المتكلّم مثالًا صارخًا لِاختلاف الذكور عن الإناث من حيث المظهر، بالرغم من انتمائهما لنفس النوع، حتى ليحسب بعض الناس أنهما من نوعين مختلفين. فلِلذكور ريش أخضر مع ذيل أحمر أو أزرق، بينما لِلإناث كساء أرجواني وأحمر غامق. وبالطبع، فليس لهذه الطيور صبغة خضراء في ريشها، وإنما يترتّب الاخضرار على تشتيت الضوء عبر صبغة صفراء في عملية تُسمّى (تأثير تيندال)، حيث يضرب الضوء مكوّنات هيكلية دقيقة تدعم الريش، فيُظهر الضوء المنعكس من الصبغة الصفراء لونًا أخضر تراه عيوننا.
ويمثّل اللون الأخضر، بالنسبة للكائنات الحيوانية التي تسكن قمم الأشجارأو تتردّد عليها، لونًا مثاليًا لِلتمويه، كما هو الحال مع الحرباء المُلثَّمة التي تمتلك القدرة على إنتاج هذا اللون وألوان أخرى، مثل الذهبي والأزرق والأصفر والبرتقالي- إن دعت الضرورة وتواجدت في أوساط تسود فيها هذه الألوان- لِتضلّل أعداءها الطبيعيين. ومن الكائنات الحيوانية التي تلجأ للأخضر لِتضليل أعدائها، العنكبوت الفهد ذو اللون الأخضر، إذ يتيح له هذا اللون المُكتَسَب التنقّل من نبات إلى آخر على أرجل طويلة شائكة، حيث تمتزج أجسامها الشفّافة بسلاسة مع البيئة.
وأخيرًا، نأتي إلى الحشرة الجنوبية الخضراء المُدرَّعة، التي يميّزها جسم أخضر بِهيئة الدرع، وميلها إلى إصدار رائحة غريبة، ويبلغ أقصى طول لها 12 ملليمترًا. وبالرغم من هذا الحجم الضئيل، فإن لها آثارًا مدمّرة، إذ تهاجم المحاصيل الغذائية، الأمر الذي يصيب بالضرر الفادح اقتصاديات كثير من البلدان الاستوائية.