«الصهيونية» ومعاداة السامية لا لتأجيج خطاب الكراهية

«الصهيونية» ومعاداة السامية لا لتأجيج خطاب الكراهية

‭ ‬اقترن‭ ‬مصطلح‭ ‬الإسلاموفوبيا‭ ‬بسياقات‭ ‬تصاعد‭ ‬النزعة‭ ‬‮«‬الشعبَوية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬وأمريكا‭ ‬داخل‭ ‬صفوف‭ ‬الأحزاب‭ ‬ذات‭ ‬التوجهات‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة،‭ ‬المؤطرة‭ ‬بالانتقادات‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬والهجمات‭ ‬العنصرية‭ ‬التي‭ ‬تتوجه‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬ضد‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي،‭ ‬إن‭ ‬العداء‭ ‬للإسلام‭ ‬مترسخ‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الغربي‭ ‬منذ‭ ‬الحروب‭ ‬الصليبية،‭ ‬وسوف‭ ‬ينتعش‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬الإسلاموفوبيا‮»‬‭ ‬عند‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬لتزامنه‭ ‬مع‭ ‬توسع‭ ‬الحركة‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬سنوات‭ ‬سيستعيد‭ ‬مصطلح‭ ‬الإسلاموفوبيا‭ ‬‮«‬بريقه‮»‬‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬‮«‬الإرهاب‮»‬‭ ‬ومحاولة‭ ‬رد‭ ‬الاعتبار‭ ‬إليه،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مراجعته‭ ‬وشحنه‭ ‬باستعمالات‭ ‬عنصرية‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬عَرَّاب‭ ‬الإسلاموفوبيا‭ ‬المتطرف‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬الإعلامي‭ ‬اليهودي‭ - ‬اليميني‭ ‬إريك‭ ‬زيمور،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يريد‭ ‬باستعماله‭ ‬هذا‭ ‬المصطلح‭ ‬اختلاق‭ ‬عدو‭ ‬جديد‭ ‬مُجَسَّد‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭.‬

‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يرجِع‭ ‬جذور‭ ‬الإسلاموفوبيا‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬إلى‭ ‬فترة‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬عندما‭ ‬هددت‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الملك‭ ‬فيصل‭ ‬بقطع‭ ‬البترول‭ ‬عن‭ ‬الغرب،‭ ‬فتسبب‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬أسعار‭ ‬الوقود،‭ ‬وقد‭ ‬جرى‭ ‬تصوير‭ ‬العربي‭ ‬المسلم‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬بأنه‭ ‬إنسان‭ ‬عنيف،‭ ‬بل‭ ‬ذهب‭ ‬بعض‭ ‬المستشرقين‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬العرب‭ ‬هم‭ ‬‮«‬سفاكون‭ ‬للدماء‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬يرى‭ ‬آخرون،‭ ‬أن‭ ‬ظاهرة‭ ‬الإسلاموفوبيا‭ ‬قد‭ ‬انتشرت‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬بحث‭ ‬الغرب‭ ‬عن‭ ‬عدو‭ ‬بديل‭ ‬غير‭ ‬الشيوعية،‭ ‬وحسب‭ ‬بعض‭ ‬الإحصائيات‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬نمو‭ ‬سريع‭ ‬للعنصرية،‭ ‬ولِنوع‭ ‬من‭ ‬الرُهاب‭ ‬من‭ ‬الإسلام‭ ‬ومعاداة‭ ‬للسامية،‭ ‬إن‭ ‬الهجرة‭ ‬الحالية‭ ‬للمسلمين‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬عملت‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬شحن‭ ‬الحقد‭ ‬ضدهم،‭ ‬وتم‭ ‬نقل‭ ‬‮«‬العداء‭ ‬للسامية‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬تجسيدها‭ ‬وتشخيصها‭ ‬ضمن‭ ‬خانة‭ ‬الإسلاموفوبيا‭. ‬لقد‭ ‬قام‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬مؤخرًا‭ ‬بتأجيج‭ ‬النعرة‭ ‬العنصرية‭ ‬وتوسيع‭ ‬جسر‭ ‬الهُوة‭ ‬بين‭ ‬اليهود‭ ‬والمسلمين‭ ‬لأسباب‭ ‬انتخابية،‭ ‬عندما‭ ‬صرح‭ ‬بأنه‭ ‬سيعمل‭ ‬على‭ ‬تجريم‭ ‬‮«‬العداء‭ ‬للصهيونية‮»‬،‭ ‬مضللاً‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الفرنسي‭ ‬بعدم‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الديانة‭ ‬اليهودية‭ ‬والعداء‭ ‬للحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬العنصرية،‭ ‬التي‭ ‬أنشأت‭ ‬وطنَها‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬طرد‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين،‭ ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬اليهود‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬من‭ ‬حاربوا‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬واليوم‭ ‬عندما‭ ‬يخلط‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون،‭ ‬بين‭ ‬العداء‭ ‬للسامية‭ ‬والعداء‭ ‬للصهيونية‭ ‬فإنه‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحييد‭ ‬الدولة‭ ‬الصهيونية‭ ‬الغاصبة‭ ‬من‭ ‬النقد‭ ‬وتبرئتها‭ ‬من‭ ‬المحاسبة‭ ‬على‭ ‬جرائمها‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يريد‭ ‬بتصريحاته‭ ‬المساندة‭ ‬للحركة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬أن‭ ‬يحرف‭ ‬الحقائق‭ ‬التاريخية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬اكتساب‭ ‬رضا‭ ‬اليهود‭ ‬لصالحه،‭ ‬كلُوبي‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬السياسة‭ ‬والإعلام‭ ‬الفرنسي،‭ ‬وقد‭ ‬بادر‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬ماكرون‭ ‬المؤرخ‭ ‬اليهودي‭ ‬شلومو‭ ‬صاند،‭ ‬الذي‭ ‬أعلن‭ ‬موقفه‭ ‬الصريح‭ ‬من‭ ‬محاولة‭ ‬خلط‭ ‬ماكرون‭ ‬ومطابقته‭ ‬بين‭ ‬العداء‭ ‬للسامية‭ ‬والعداء‭ ‬للصهيونية،‭ (‬لم‭ ‬أكن‭ ‬معنيًا‭ ‬كثيرًا‭ ‬بسؤال‭ ‬تعريف‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬أعمالي،‭ ‬لكنني‭ ‬اليوم‭ ‬أنا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬معادٍ‭ ‬للصهيونية‭) ‬التي‭ ‬يعاديها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬اليهود،‭ ‬أما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬‮«‬بالعداء‭ ‬للسامية‮»‬‭ ‬فإن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬يعطي‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬السامية‮»‬‭ ‬انطباعًا‭ ‬خاطئًا‭ ‬وملتبسًا،‭ ‬بكونها‭ ‬تشمل‭ ‬كل‭ ‬الشعوب‭ ‬السامية‭ ‬ومنهم‭ ‬اليهود‭ ‬والعرب،‭ ‬لكن‭ ‬استعمالها‭ ‬المعاصر‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬صار‭ ‬يرتبط‭ ‬بمشاعر‭ ‬الكراهية‭ ‬الموجهة‭ ‬تحديدًا‭ ‬لليهود‭ ‬كدين‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬ترتبط‭ ‬بمشاعر‭ ‬الكراهية،‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭ ‬بأوربا‭ ‬نحو‭ ‬المجتمعات‭ ‬اليهودية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعيش‭ ‬بينهم‭.‬

في‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬أجمعت‭ ‬جهود‭ ‬العرب‭ ‬لإدانة‭ ‬الصهيونية‭ ‬عالميًا،‭ ‬ووجدت‭ ‬السَند‭ ‬لدى‭ ‬دُول‭ ‬المعسكر‭ ‬الشرقي‭ ‬واليسار‭ ‬العالمي،‭ ‬وبعض‭ ‬دول‭ ‬إفريقيا‭ ‬وآسيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الإسلامية،‭ ‬لفرض‭ ‬القرار3379‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬10‭ ‬نوفمبر‭ ‬1975،‭ ‬وكان‭ ‬ينص‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬على‭ ‬أن‭ (‬الصهيونية‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬العنصرية‭ ‬والتمييز‭ ‬العنصري،‭ ‬ويطالب‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بمقاومة‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬الصهيونية‭ ‬التي‭ ‬تشكّل‭ ‬خطرًا‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬والسلم‭ ‬العالميين‭)‬،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬تفكك‭ ‬الصف‭ ‬العربي،‭ ‬عقب‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬وغزو‭ ‬الكويت،‭ ‬طالبت‭ ‬اسرائيل‭ ‬وتحت‭ ‬ضغط‭ ‬الرئيس‭ ‬بوش‭ ‬الابن‭ ‬بإلغاء‭ ‬ذلك‭ ‬القرار‭ ‬كشرط‭ ‬لمشاركتها‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬مدريد‭ ‬عام‭ ‬1991،‭ ‬الداعي‭ ‬إلى‭ ‬إحياء‭ ‬عملية‭ ‬السلام،‭ ‬لذلك‭ ‬خضعت‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬لمطلبها،‭ ‬وتم‭ ‬الإلغاء‭ ‬بموجب‭ ‬القرار86‭-‬46‭ ‬الصادر‭ ‬بتاريخ‭ ‬16‭ ‬ديسمبر‭ ‬1991،‭ ‬ولما‭ ‬كانت‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬جريمة‭ ‬يعاقب‭ ‬عليها‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬البلدان‭ ‬الغربية‭ ‬عملت‭ ‬الصهيونية‭ ‬شيئًا‭ ‬فشيئًا،‭ ‬على‭ ‬إخراس‭ ‬الأصوات‭ ‬المناهضة‭ ‬لها‭ ‬عبر‭ ‬نُخب‭ ‬سياسية‭ ‬وثقافية‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬معاداة‭ ‬الصهيونية‭ ‬معاداة‭ ‬للسامية‭ ‬ينبغي‭ ‬تجريمها‭ ‬ومقاضاة‭ ‬أصحابها،‭ ‬بل‭ ‬صارت‭ ‬حتى‭ ‬مناصرة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬سببا‭ ‬لتوجيه‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬التهمة‭.‬

‭ ‬يجب‭ ‬عدم‭ ‬التشكيك‭ ‬بالفظاعات‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬وهَوْل‭ ‬المحرقة‭ ‬أوالهولوكوست،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬التشكيك‭ ‬يبقى‭ ‬من‭ ‬اختصاص‭ ‬المؤرخين،‭ (‬وأظن‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬المرء‭ ‬أن‭ ‬يسلم‭ ‬بوجود‭ ‬تاريخ‭ ‬مرعب‭ ‬من‭ ‬المعاداة‭ ‬للسامية،‭ ‬وقد‭ ‬بلغ‭ ‬العداء‭ ‬للسامية‭ ‬ذروته‭ ‬في‭ ‬المحرقة‭ ‬أو‭ ‬الهولوكوست،‭ ‬وليس‭ ‬مقبولاً‭ ‬أن‭ ‬ينكر‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬تجربة‭ ‬المحرقة‭ ‬المريعة،‭ ‬إننا‭ ‬لا‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬يغفل‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬المعاناة‭ ‬التي‭ ‬يقاسيها‭ ‬أي‭ ‬أحد‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬إنكاره،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬هناك‭ ‬فرق‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬الاعتراف‭ ‬بتعرض‭ ‬اليهود‭ ‬للاضطهاد‭ ‬واستخدام‭ ‬ذلك‭ ‬كغطاء‭ ‬لاضطهاد‭ ‬شعب‭ ‬آخر‭)‬،‭ ‬لكن‭ ‬بعض‭ ‬النخب‭ ‬الإسلامية‭ ‬أطلقوا‭ ‬بعض‭ ‬التصريحات‭ ‬المعادية‭ ‬لليهود‭ ‬التي‭ ‬تسيء‭ ‬إلى‭ ‬العرب‭ ‬والقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وتسهم‭ ‬في‭ ‬عزلتهم‭. (‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬تصريحات‭ ‬الرئيس‭ ‬الإيراني‭ ‬السابق‭ ‬أحمدي‭ ‬نجاد،‭ ‬التي‭ ‬تشكك‭ ‬في‭ ‬الهولوكوست‭ ‬لها‭ ‬أصداء‭ ‬مذهلة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬فعندما‭ ‬وصف‭ ‬الرئيس‭ ‬الإيراني‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬لليهود‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬خرافة‮»‬،‭ ‬سانده‭ ‬السيد‭ ‬مهدي‭ ‬عاكف،‭ ‬المرشد‭ ‬العام‭ ‬للإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭)‬،‭ ‬وأنكر‭ ‬المجزرة‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬اليهود‭ ‬ضحايا‭ ‬الحكم‭ ‬النازي،‭ ‬وكان‭ ‬خالد‭ ‬مشعل‭ ‬أحد‭ ‬قادة‭ ‬منظمة‭ ‬حماس‭ ‬الفلسطينية‭ ‬قد‭ ‬أعرب‭ ‬من‭ ‬قَبل‭ ‬أثناء‭ ‬زيارته‭ ‬لطهران،‭ ‬عن‭ ‬أنه‭ ‬يؤيد‭ ‬الرئيس‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬رأيه،‭ ‬وفيما‭ ‬بعد‭ ‬قام‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬مهدي‭ ‬عاكف‭ ‬وخالد‭ ‬مشعل‭ ‬بنفي‭ ‬تصريحاتهما‭ ‬وقالا‭ (‬بأن‭ ‬الهولوكوست‭ ‬قضية‭ ‬تاريخية‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬بحث‭ ‬دقيق‭)‬،‭ ‬إن‭ ‬‮«‬العداء‭ ‬للسامية‮»‬‭ ‬واقع‭ ‬حقيقي،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬في‭ ‬‮«‬الإسلاموفوبيا‮»‬،‭ ‬لأن‭ ‬اليهود‭ ‬هم‭ ‬ضحايا‭ ‬‮«‬معاداة‭ ‬السامية‮»‬‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬النازية،‭ ‬والفلسطينيون‭ ‬هم‭ ‬‮«‬ضحايا‭ ‬الضحايا‮»‬‭ ‬اليهود‭ ‬لقد‭ ‬ندّد‭ ‬إدوارد‭ ‬سعيد‭ ‬بشدة‭ ‬بأصحاب‭ ‬أطروحات‭ ‬المراجعة‭ ‬التاريخية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بحقيقة‭ ‬المحرقة‭ ‬النازية،‭ ‬ووضح‭ ‬بتبصر،‭ ‬‭(‬أن‭ ‬معرفة‭ ‬الآخر‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬التطبيع‭ ‬معه،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬رده‭ ‬على‭ ‬أولئك‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب‭ ‬المفتونين‭ ‬بنظرية‭ ‬‮«‬غارودي‮»‬‭ ‬القائلة‭ ‬بأن‭ ‬محرقة‭ ‬اليهود‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬دعاية‭ ‬صهيونية،‭ ‬تدفعنا‭ ‬حتما‭ ‬إلى‭ ‬التساؤل‭ ‬عما‭ ‬يدفع‭ ‬الآخرين‭ ‬إلى‭ ‬الإحساس‭ ‬بمآسينا‭)‬،‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬يتحمسون‭ ‬لمنطق‭ ‬المؤامرة‭ ‬وينكرون‭ ‬عدد‭ ‬ضحايا‭ ‬المحرقة‭ ‬والهولوكوست،‭ ‬لقد‭ ‬قام‭ ‬أصحاب‭ ‬الأطروحة‭ ‬المناهضة‭ ‬لوجود‭ ‬المحرقة‭ ‬بالدعوة‭ ‬إلى‭ ‬عقد‭ ‬مؤتمر‭ ‬في‭ ‬مارس2001‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬للمؤرخين‭ ‬المُراجِعين‭ ‬لهذه‭ ‬الغاية،‭ ‬لكن‭ ‬تصدت‭ ‬لهم‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬والأدباء‭ ‬العرب،‭ ‬أمثال‭: ‬إدوارد‭ ‬سعيد‭ ‬ومحمد‭ ‬برادة‭ ‬والشاعرين‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬وأدونيس‭ ‬والروائي‭ ‬إلياس‭ ‬خوري‭ ‬والمؤرخ‭ ‬الياس‭ ‬صنبر‭ ‬الذين‭ ‬قاموا‭ ‬بتقديم‭ ‬طلب‭ ‬عاجل‭ ‬إلى‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬اللبناني‭ ‬آنذاك‭ ‬رفيق‭ ‬الحريري‭ ‬لمنع‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬و«للوقوف‭ ‬دون‭ ‬وقوع‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬المُهين‮»‬‭. ‬

بالطبع‭ ‬لقد‭ ‬استغل‭ ‬اليهود‭ ‬قضية‭ ‬‮«‬المحرقة‮»‬‭ ‬وما‭ ‬تعرضوا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬الاضطهاد‭ ‬والإبادة‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬النازي‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬حكومة‭ ‬فيشي‭ ‬الفرنسية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬موالية‭ ‬له،‭ (‬لذا‭ ‬حرصوا‭ ‬دائمًا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬قضيتهم‭ ‬في‭ ‬صدارة‭ ‬الاهتمام،‭ ‬واستعملوها‭ ‬كأداة‭ ‬للضغط‭ ‬والابتزاز‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬مناقشتها‭ ‬أو‭ ‬المساس‭ ‬بها،‭ ‬سواء‭ ‬اختص‭ ‬الأمر‭ ‬بنفي‭ ‬المحرقة‭ ‬أو‭ ‬بمعاداة‭ ‬السامية‭ ‬أو‭ ‬بالهجوم‭ ‬على‭ ‬الصهيونية‭). ‬من‭ ‬هنا‭ ‬أدار‭ ‬اليهود‭ ‬قضيتهم‭ ‬بعقلية‭ ‬محاكم‭ ‬التفتيش،‭ ‬حتى‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬سيف‭ ‬مسلّط‭ ‬على‭ ‬الرؤوس‭ ‬باسم‭ ‬الضحايا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬الفرنسي‭ ‬يشعر‭ ‬بأنه‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬بلده‭ ‬تحت‭ ‬رحمة‭ ‬الأوساط‭ ‬اليهودية‭ ‬التي‭ ‬تراقبه‭ ‬وتضعه‭ ‬تحت‭ ‬الفحص،‭ ‬فتبرئه‭ ‬وتعطيه‭ ‬شهادة‭ ‬حسن‭ ‬سلوك‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬يدعم‭ ‬ما‭ ‬يرونه‭ ‬قضيتهم،‭ ‬وإلا‭ ‬عمدوا‭ ‬إلى‭ ‬اتهامه‭ ‬وإدانته‭ ‬أو‭ ‬تشويه‭ ‬سمعته‭. ‬و‭(‬قد‭ ‬بلغ‭ ‬ببعضهم‭ ‬الهوَس‭ ‬الهُوياتي‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬دائرة‭ ‬الاتهام‭ ‬والإدانة‭ ‬لتشمل‭ ‬من‭ ‬يتعرض‭ ‬بالنقد‭ ‬لعالم‭ ‬أو‭ ‬مفكر‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬يهودي‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬مع‭ ‬الفيلسوف‭ ‬ميشيل‭ ‬أونفراي؛‭ (‬عندما‭ ‬انتقد‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬أُفول‭ ‬الأصنام‮»‬‭ ‬نظرية‭ ‬العالم‭ ‬سيجموند‭ ‬فرويد،‭ ‬مؤسس‭ ‬التحليل‭ ‬النفسي،‭ ‬لا‭ ‬لأنه‭ ‬يهودي،‭ ‬بل‭ ‬لأن‭ ‬نظرياته‭ ‬تنطوي،‭ ‬برأيه،‭ ‬على‭ ‬قدرٍ‭ ‬من‭ ‬الأغلاط‭ ‬والخرافات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جرّ‭ ‬عليه‭ ‬تهمة‭ ‬معاداة‭ ‬السامية،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬فرويد‭ ‬كان‭ ‬ناقدًا‭ ‬للديانات‭). ‬لقد‭ ‬بالغ‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬تضخيم‭ ‬دعوتهم‭ ‬الممثلة‭ ‬في‭ ‬‮«‬المحرقة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬الهولوكوست‭ ‬ومعاداة‭ ‬السامية‭ ‬التي‭ ‬استعملوها‭ ‬منذ‭ ‬قضية‭ ‬دريفوس‭ ‬العسكري‭ ‬اليهودي‭ ‬الذي‭ ‬اتهم‭ ‬بالتجسس‭ ‬لصالح‭ ‬ألمانيا‭ ‬واستُعملت‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬كأداة‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬النخب‭ ‬الفرنسية‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة،‭ ‬والذين‭ ‬تماهوا‭ ‬في‭ ‬الخضوع‭ ‬للأيديولوجية‭ ‬الصهيونية،‭ ‬أمثال‭ ‬كبار‭ ‬الفلاسفة‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬مثل‭ ‬جان‭ ‬بول‭ ‬سارتر‭ ‬وميشال‭ ‬فوكو‭ ‬واتخاذهم‭ ‬موقفهم‭ ‬المشين‭ ‬الذي‭ ‬يعادي‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وذلك‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬إلصاق‭ ‬تهمة‭ ‬المعاداة‭ ‬للسامية‭ ‬بهم،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الابتزاز‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يختلف‭ ‬مع‭ ‬اليهود‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تهمة‭ ‬التخوين‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬المثقف‭ ‬اليهودي‭ ‬الأمريكي‭ ‬تشومسكي‭ ‬الذي‭ ‬اعتبروه‭ ‬معاديًا‭ ‬للسامية‭ ‬ومن‭ ‬بعده‭ ‬هتلر،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬استعمال‭ ‬الترهيب‭ ‬والعنف‭ ‬كما‭ ‬وقع‭ ‬للمفكر‭ ‬الفرنسي‭ ‬باسكال‭ ‬بونيفاس‭ ‬صاحب‭ ‬كتاب‭ (‬‮«‬هل‭ ‬يجب‭ ‬نقد‭ ‬إسرائيل؟‮»‬‭) ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬للاعتداء‭ ‬عليه‭ ‬بعد‭ ‬إلقائه‭ ‬بعض‭ ‬محاضراته‭ ‬التي‭ ‬تنتقد‭ ‬العنف‭ ‬الصهيوني‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬ومن‭ ‬أمارات‭ ‬الاستعمال‭ ‬السلبي‭ ‬لأطروحة‭ ‬العداء‭ ‬للسامية‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬اليهود،‭ ‬أنها‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬ضد‭ ‬أهدافها‭ ‬ومقاصدها،‭ ‬كما‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬والمظاهرات‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬فرنسا،‭ ‬فيما‭ ‬عُرف‭ ‬بأحداث‭ ‬‮«‬شارلي‭ ‬إبدو‮»‬‭ ‬التي‭ ‬استغِلت‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬اليهود‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬العداء‭ ‬للسامية‭ ‬وأعمال‭ ‬العداء‭ ‬والعنف‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬شخصيات‭ ‬يهودية،‭ ‬أمام‭ ‬مواقف‭ ‬حركات‭ ‬أصحاب‭ ‬‮«‬السترات‭ ‬الصفراء‮»‬،‭ ‬الذين‭ ‬استهدفوا‭ ‬المفكر‭ ‬الان‭ ‬فكلكروفت‭ ‬قرب‭ ‬منزله‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬وأمطروه‭ ‬بالشتائم‭ ‬وهددوه‭ ‬بالقتل‭ ‬باعتباره‭ ‬يهوديًا‭ ‬فرنسيًا‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬بولوني‭. ‬

لقد‭ ‬بالغ‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬التموضع‭ ‬بموقع‭ ‬الضحية‭ ‬أمام‭ ‬الآخر‭ ‬المتهم‭ ‬بمعاداته‭ ‬دائمًا‭ ‬للسامية،‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بحرية‭ ‬التعبير‭ ‬غير‭ ‬المسموح‭ ‬بها‭ ‬أحيانًا،‭ ‬وتحولت‭ ‬كارثة‭ ‬ضحايا‭ ‬الاضطهاد‭ ‬الأوربي‭ ‬والظلم‭ ‬العنصري‭ ‬ضد‭ ‬اليهود‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬إلى‭ ‬شبه‭ ‬امتياز‭ ‬مخصوص‭ ‬ينفرد‭ ‬به‭ ‬اليهود‭ ‬وحدهم،‭ (‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يضم‭ ‬مفهوم‭ ‬الهولوكوست‭ ‬تلك‭ ‬الآلام‭ ‬والعذابات‭ ‬والتجارب‭ ‬الفظيعة‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬الأمريكيون‭ ‬الأفارقة‭ ‬الذين‭ ‬جُلبوا‭ ‬بالملايين‭ ‬ليعانوا‭ ‬العبودية‭ ‬والرق،‭ ‬لقد‭ ‬عرف‭ ‬فينكلشتين‭ ‬صناعة‭ ‬الهولوكوست‭ ‬بشكل‭ ‬صائب،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬لها‭ ‬صلة‭ ‬وثيقة‭ ‬بتكريس‭ ‬القوة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬ذات‭ ‬صلة‭ ‬بتأكيد‭ ‬الحقيقة‭ ‬التاريخية‭). ‬لهذه‭ ‬الأسباب‭ ‬مجتمعة،‭ ‬يجب‭ ‬تنقيح‭ ‬مصطلح‭ ‬العداء‭ ‬للسامية‭ ‬من‭ ‬مضامينه‭ ‬الشوفينية‭ ‬الضيقة،‭ ‬والشوائب‭ ‬التي‭ ‬لحقت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الدلالات‭ ‬التي‭ ‬تقصي‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬الهوية‭ ‬السامية‭ ‬وتمنح‭ ‬التفرد‭ ‬السامي‭ ‬بالمعنى‭ ‬المقدس‭ ‬الذي‭ ‬يرتبط‭ ‬بالدين‭ ‬اليهودي‭ ‬وحده،‭ ‬وذلك‭ ‬لكي‭ ‬يتم‭ ‬تبرير‭ ‬العلاقة‭ ‬الاضطهادية‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬داخل‭ ‬الدولة‭ ‬اليهودية‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬إقصاء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬‮«‬عرب‭ ‬فلسطين‭ ‬سنة1948‮»‬،‭ ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬أتباع‭ ‬الدين‭ ‬المسيحي‭ ‬أو‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭. ‬

‭ ‬لقد‭ ‬اعتبر‭ ‬المفكر‭ ‬إدوارد‭ ‬سعيد‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬الاستشراق‭ (‬أنه‭ ‬عند‭ ‬المقارنة‭ ‬بين‭ ‬العداء‭ ‬للسامية‭ ‬وجذور‭ ‬الاستشراق،‭ ‬فإن‭ ‬العداء‭ ‬للسامية‭ ‬يشبه‭ ‬الاستشراق،‭ ‬أو‭ ‬قُل‭ ‬إن‭ ‬الاستشراق‭ ‬هو‭ ‬الفرع‭ ‬الإسلامي‭ ‬للعداء‭ ‬للسامية‭...‬وهما‭ ‬يتشابهان‭ ‬تشابهًا‭ ‬وثيقًا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد،‭ ‬ويمثلان‭ ‬معًا‭ ‬حقيقة‭ ‬تاريخية‭ ‬وثقافية‭ ‬وسياسية،‭ ‬ولن‭ ‬يدرك‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬من‭ ‬مفارقة‭ ‬إدراكًا‭ ‬كاملًا‭ ‬إلا‭ ‬الفلسطيني‭ ‬العربي‭). ‬وفي‭ ‬أمريكا‭ ‬بدأ‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬أشعة‭ ‬الوعي‭ ‬الديمقراطي‭ ‬يتسرب‭ ‬لصالح‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬معترفًا‭ ‬بحقوقهم‭ ‬المشروعة،‭ ‬بعد‭ ‬وصول‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأعضاء‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬عربية‭ ‬أو‭ ‬إفريقية‭ ‬أو‭ ‬فلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬قبة‭ ‬البرلمان‭ ‬الأمريكي،‭ ‬هناك‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بإسرائيل،‭ ‬والتضامن‭ ‬مع‭ ‬فلسطين‭ ‬الذي‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬مواقع‭ ‬متقدمة‭ ‬ومؤثرة‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬للضغط‭ ‬من‭ ‬قاعدة‭ ‬الحزب‭ ‬المتحولة،‭ ‬وقد‭ ‬صوَّت‭ ‬أعضاء‭ ‬البرلمان‭ ‬الأمريكي‭ ‬لصالح‭ ‬القرار‭ ‬407‭ ‬بثلاثة‭ ‬وعشرين‭ ‬صوتًا‭ ‬فقط،‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬الديمقراطيين،‭ ‬تتقدمهم‭ ‬رئيسة‭ ‬المجلس‭ ‬نانسي‭ ‬بيلوسي،‭ ‬وينص‭ ‬منطوق‭ ‬القرار،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إدانته‭ ‬المواقف‭ ‬المعادية‭ ‬للسامية،‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬أي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬التمييز‭ ‬ضد‭ ‬المسلمين،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التعصب‭ ‬ضد‭ ‬الأقليات،‭ ‬سواء‭ ‬عبر‭ ‬التعبيرات‭ ‬البغيضة،‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تتناقض‭ ‬مع‭ ‬قيم‭ ‬وتطلعات‭ ‬مواطني‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭. ‬إن‭ ‬العداء‭ ‬للإسلام‭ ‬أو‭ ‬الإسلاموفوبيا‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬المسيحي‭ ‬الحديث‭ ‬انبثق‭ ‬من‭ ‬المصدر‭ ‬ذاته‭ ‬الذي‭ ‬ظهر‭ ‬به‭ ‬الاستشراق،‭ ‬وتغذى‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬منبع‭ ‬العداء‭ ‬للسامية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التحليلات‭ ‬النقدية‭ ‬للعقائد‭ ‬الجامدة‭ ‬المتشددة‭ ‬والدوغمائيات‭ ‬والاستشراق‭ ‬وإجراءاته‭ ‬التعليمية‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬فهمنا‭ ‬للأولويات‭ ‬الثقافية‭ ‬الكامنة‭ ‬وراء‭ ‬العداء‭ ‬للسامية‭). ‬لم‭ ‬يتعامل‭ ‬اليهود‭ ‬الذين‭ ‬ذاقوا‭ ‬إرهاب‭ ‬المحرقة‭ ‬أو‭ ‬الهولوكوست‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬العقلانية‭ ‬الرشيدة‭ ‬مع‭ ‬خصومهم‭ ‬وجلاديهم،‭ ‬لقد‭ ‬قام‭ ‬اليهود‭ ‬بابتداع‭ ‬خصوم‭ ‬وضحايا‭ ‬جدد،‭ ‬ليس‭ ‬لهم‭ ‬أدنى‭ ‬مسؤولية‭ ‬عن‭ ‬عذاباتهم،‭ ‬لكنهم‭ ‬دُفِعوا‭ ‬قسرًا‭ ‬إلى‭ ‬تأدية‭ ‬فاتورة‭ ‬الظلم‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬أوربا،‭ ‬وكان‭ ‬الأحرى‭ ‬بهم‭ ‬أن‭ ‬يستفيدوا‭ ‬من‭ ‬خصومهم‭ ‬ومن‭ ‬جلاديهم‭ ‬في‭ ‬ألمانيا،‭ ‬الذين‭ ‬دفعتهم‭ ‬عذابات‭ ‬المحرقة‭ ‬للقيام‭ ‬بمراجعة‭ ‬سياساتهم،‭ ‬وذلك‭ ‬بالعمل‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬هوية‭ ‬جديدة‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالآخر،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بناء‭ ‬جسور‭ ‬للمصالح‭ ‬المشتركة‭ ‬بين‭ ‬الجلاد‭ ‬والضحية‭ ‬بمنطق‭ ‬لا‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الغلبة،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالخطأ‭ ‬وبوجود‭ ‬الآخر،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬الجنوبية‭ ‬والتجربة‭ ‬الباهرة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬الزعيم‭ ‬نيلسون‭ ‬مانديلا،‭ ‬عندما‭ ‬تحررت‭ ‬بلاده‭ ‬من‭ ‬استعمار‭ ‬التمييز‭ ‬العنصري‭ ‬فعمل‭ ‬على‭ ‬القطع‭ ‬مع‭ ‬الماضي‭ ‬الاستعماري‭ ‬وجلادي‭ ‬الأمس،‭ ‬حيث‭ ‬قام‭ ‬بإشراك‭ ‬الأقلية‭ ‬البيضاء‭ ‬في‭ ‬الحكم،‭ ‬كمواطنين‭ ‬يشتركون‭ ‬مع‭ ‬المواطنين‭ ‬السود‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المصير‭ ‬المشترك،‭ ‬لقد‭ ‬تُوِّجت‭ ‬نضالات‭ ‬المواجهة‭ ‬ضد‭ ‬‮«‬العداوات‭ ‬الكبرى‮»‬‭ ‬للإسلام‭ ‬أو‭ ‬الإسلاموفوبيا،‭ ‬أو‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‭ ‬لليهود،‭ ‬والنزعة‭ ‬العنصرية‭ ‬الموجهة‭ ‬للون‭ ‬الأسود،‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬تجتمع‭ ‬كلها‭ ‬وتنصهر‭ ‬في‭ ‬بوتقة‭ ‬واحدة،‭ ‬يوحد‭ ‬بينها‭ ‬شعار‭ ‬معركة‭ ‬واحدة‭ ‬وجامعة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬محاربة‭ ‬‮«‬تأجيج‭ ‬نزوع‭ ‬الكراهية‮»‬،‭ ‬دون‭ ‬التخندق‭ ‬الضيق‭ ‬وراء‭ ‬النزوع‭ ‬الديني‭ ‬أو‭ ‬الانتماء‭ ‬العرقي‭. ‬وقد‭ ‬قام‭ ‬المغرب‭ ‬بصنع‭ ‬الحدث‭ ‬التاريخي‭ ‬الكبير،‭ ‬عندما‭ ‬تقدم‭ ‬ممثله‭ ‬لدى‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬يوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬18يونيو‭ ‬2021‭ ‬بمشروع‭ ‬قرار‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬جعل‭ ‬يوم‭ ‬18يونيو‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬سنة،‭ ‬اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬‮«‬لمناهضة‭ ‬الكراهية‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬حظي‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬الحضاري،‭ ‬الذي‭ ‬تقدم‭ ‬به‭ ‬المغرب،‭ ‬بتأييد‭ ‬أزيد‭ ‬من‭ ‬75‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء،‭ ‬يمثلون‭ ‬كل‭ ‬المجموعات‭ ‬الإقليمية‭ ‬ومختلف‭ ‬الحساسيات‭ ‬الدينية‭ ‬والثقافية،‭ ‬يهوداً‭ ‬أو‭ ‬مسلمين‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬المضطهدين‭ ‬بدافع‭ ‬لونهم‭ ‬الأسود،‭ ‬الذين‭ ‬صاروا‭ ‬كلهم‭ ‬يجدون‭ ‬تحت‭ ‬يافطة‭ ‬تأجيج‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬الذي‭ ‬يروجه‭ ‬التطرف‭ ‬العنيف‭ ‬والظلامية‭ ‬العمياء‭ ‬والشعبوية‭ ‬المقيتة‭ ‬والتمييز‭ ‬العنصري،‭ ‬أعلى‭ ‬أشكال‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬الإنسانية‭ ‬وعلى‭ ‬حق‭ ‬الشعوب‭ ‬في‭ ‬التعايش‭ ‬السلمي‭ ‬المشترك‭ ‬والحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬وقبول‭ ‬التعدد‭ ‬والاختلاف‭ ‬ومعاداة‭ ‬تأجيج‭ ‬الكراهية‭ ‬■