الشاعر العراقي علي العلاق: الشعر فن نوعيّ بامتياز... وسيّد الآداب

الشاعر العراقي علي العلاق: الشعر فن نوعيّ بامتياز... وسيّد الآداب

أكد‭ ‬الشاعر‭ ‬العراقي‭ ‬الكبير‭  ‬الدكتور‭ ‬علي‭ ‬جعفر‭ ‬العلاق،‭ ‬أن‭ ‬المشهد‭ ‬الأدبي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬كان‭ ‬شديد‭ ‬الغنى‭ ‬والتنوع‭ ‬دائمًا‭ ‬وعلى‭ ‬مر‭ ‬التاريخ،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أشد‭ ‬الظروف‭ ‬قتامة،‭ ‬كما‭ ‬الحال‭ ‬الآن،‭ ‬حيث‭ ‬ظل‭ ‬المشهد‭ ‬الأدبي‭ ‬والشعري‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬يعمل‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬جبروت‭ ‬الدولة،‭ ‬بل‭ ‬يمكنني‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الشعرية‭ ‬العراقية‭ ‬هي‭ ‬بنت‭ ‬التراجيديا،‭ ‬والفرح‭ ‬الشحيح‭ ‬باستمرار‭.‬

يعد‭ ‬العلاق‭ ‬أحد‭ ‬كبار‭ ‬الشعراء‭ ‬العراقيين‭ ‬الذين‭ ‬أثروا‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬بأعمالهم،‭ ‬وناقدًا‭ ‬وأستاذًا‭ ‬جامعيًا،‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬العويس‭ ‬للشعر،‭ ‬للعام‭ ‬2019‭. ‬ولد‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬واسط‭ ‬عام‭ ‬1945،‭ ‬ونال‭ ‬الدكتوراه‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬إكستر‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬عام‭ ‬1984‭. ‬غادر‭ ‬العراق‭ ‬عام‭ ‬1991،‭ ‬وعمل‭ ‬أستاذًا‭ ‬للأدب‭ ‬والنقد‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬صنعاء،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الإمارات‭. ‬وله‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الإصدارات‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الشعر‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1973‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬ديوان‭ ‬‮«‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يحدث…لا‭ ‬أحد‭ ‬يجيء‮»‬،‭ ‬و«وطن‭ ‬لطيور‭ ‬الماء‮»‬،‭ ‬و«شجر‭ ‬العائلة،‭ ‬بغداد‮»‬،‭ ‬و«فاكهة‭ ‬الماضي‮»‬،‭ ‬و«أيام‭ ‬آدم‮»‬،‭ ‬و«ممالك‭ ‬ضائعة‮»‬،‭ ‬و«سيد‭ ‬الوحشتين‮»‬،‭ ‬و«هكذا‭ ‬قلت‭ ‬للريح‮»‬،‭ ‬مرورًا‭ ‬بـ«عشبة‭ ‬الوهم‮»‬،‭ ‬و«ذاهب‭ ‬لاصطياد‭ ‬الندى‮»‬،‭ ‬و«نداء‭ ‬البدايات‮»‬،‭ ‬و«حتى‭ ‬يفيض‭ ‬الحصى‭ ‬بالكلام‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬‮«‬وطن‭ ‬يتهجى‭ ‬المطر‮»‬‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬ديوانه‭ ‬‮«‬طائر‭ ‬يتعثر‭ ‬بالضوء‭ ‬2018م‮»‬‭. ‬ومؤخرًا‭ ‬‮«‬تفاحة‭ ‬الضوء‮»‬‭ ‬مختارات‭ ‬شعرية،‭ ‬وتشتمل‭ ‬على‭ ‬قصائد‭ ‬مختارة‭ ‬من‭ ‬أربع‭ ‬عشرة‭ ‬مجموعة‭ ‬شعرية،‭ ‬وله‭ ‬مجموعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الإصدارات‭ ‬النقدية،‭ ‬بدأها‭ ‬بـ«مملكة‭ ‬الغجر‮»‬‭ (‬1981‭)‬،‭ ‬ودماء‭ ‬القصيدة‭ ‬الحديثة‭ (‬1988‭)‬،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬في‭ ‬مديح‭ ‬النصوص‮»‬‭ (‬2019‭)‬،‭ ‬و«المعنى‭ ‬المراوغ‮»‬‭ (‬2020‭).‬

 

شاعر‭ ‬وناقد‭ ‬مبدع

ويميز‭ ‬العلاق‭ ‬لغة‭ ‬شعرية‭ ‬مكثفة‭ ‬عميقة،‭ ‬هادئة،‭ ‬شجية،‭ ‬صافية،‭ ‬غنية‭ ‬بالمفردات‭ ‬والصياغات‭ ‬الجديدة،‭ ‬ومثلما‭ ‬يتألق‭ ‬في‭ ‬دراساته‭ ‬النقدية،‭ ‬فهو‭ ‬شاعر‭ ‬وناقد‭ ‬مبدع‭ ‬متفرد‭ ‬صاحب‭ ‬رسالة،‭ ‬لا‭ ‬يشبه‭ ‬إلا‭ ‬نفسه،‭ ‬شعرًا‭ ‬ونقدًا‭ ‬وإبداعًا،‭ ‬عاش‭ ‬حياته‭ ‬منحازًا‭ ‬إلى‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال،‭ ‬وقلقًا‭ ‬من‭ ‬بؤسه‭ ‬ومعاناته‭. ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬معه‭: ‬

●‭ ‬لنبدأ‭ ‬بما‭ ‬قاله‭ ‬اليوناني‭ ‬إليتيس‭ ‬بأن‭ ‬الشعر‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬الشدة‭ ‬ليشهد‭ ‬على‭ ‬الأسرار‭ ‬والضوء‭ ‬في‭ ‬آن،‭ ‬هل‭ ‬تعتقد‭ ‬بأن‭ ‬وظيفة‭ ‬الشعر‭ ‬فعلًا‭ ‬هي‭ ‬رؤية‭ ‬الضوء‭ ‬في‭ ‬عتمات‭ ‬الذات‭ ‬والوجود؟‭ ‬

‭- ‬الشعر‭ ‬أكثر‭ ‬فنون‭ ‬القول‭ ‬اشتباكًا‭ ‬بالذات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وأنا‭ ‬من‭ ‬المؤمنين‭ ‬بأن‭ ‬اقترانه‭ ‬بعذاب‭ ‬النفس‭ ‬وكدرها‭ ‬يفوق،‭ ‬في‭ ‬الغالب،‭ ‬ارتباطه‭ ‬بساعات‭ ‬الصفاء‭ ‬والمرح‭ ‬النادرين،‭ ‬وبذلك‭ ‬فالقصيدة‭ ‬هي‭ ‬ذلك‭ ‬المشعل‭ ‬من‭ ‬الضوء‭ ‬النحيل‭ ‬الذي‭ ‬يضيء‭ ‬ذات‭ ‬المتلقي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينسيه‭ ‬حقائق‭ ‬وجوده‭ ‬الصادمة‭.‬

●‭ ‬هل‭ ‬يقلقك‭ ‬تراجع‭ ‬الشعر‭ ‬عن‭ ‬حضوره‭ ‬في‭ ‬المشهد؟

‭- ‬لا‭ ‬أسمّيه‭ ‬تراجعًا،‭ ‬بل‭ ‬تخفف‭ ‬من‭ ‬حمولته‭ ‬النرجسية‭ ‬والإعلان‭ ‬المرضي‭ ‬عن‭ ‬الذات،‭ ‬حالة‭ ‬الشعر‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬تبعث‭ ‬على‭ ‬القلق‭ ‬لكنها‭ ‬محزنة،‭ ‬والفرق‭ ‬بين‭ ‬الحالتين‭ ‬كبير،‭ ‬لا‭ ‬خوف‭ ‬على‭ ‬الشعر‭ ‬مما‭ ‬يجري،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يشهده‭ ‬الشعر‭ ‬من‭ ‬تناقص‭ ‬مساحة‭ ‬انتشاره‭  ‬أو‭ ‬دوره‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬ظاهرة‭ ‬أوسع‭ ‬تتعلق‭ ‬بإعراض‭ ‬الجمهور‭ ‬عن‭ ‬الثقافة‭ ‬الجادة،‭ ‬وانصرافه‭ ‬إلى‭ ‬الاهتمامات‭ ‬السهلة،‭ ‬والمتع‭ ‬العابرة‭.‬

●‭ ‬حدّثنا‭ ‬عن‭ ‬ديوانك‭ ‬قبل‭ ‬الأخير‭ ‬‮«‬طائر‭ ‬يتعثر‭ ‬بالضوء‮»‬‭ ‬وعن‭ ‬التجربة‭ ‬الإبداعية‭ ‬التي‭ ‬يطرحها‭ ‬هذا‭ ‬الديوان؟

‭- ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الديوان،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬دواويني‭ ‬الأخرى،‭ ‬أواصل‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬القصيدة،‭ ‬تصورًا‭  ‬وممارسة،‭ ‬باعتبارها‭ ‬فنًا،‭ ‬أو‭ ‬طريقة‭ ‬غير‭ ‬عادية‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬حالات‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬عادية‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ديوان‭ ‬‮«‬طائر‭ ‬يتعثر‭ ‬بالضوء‮»‬‭ ‬قطيعة‭ ‬مع‭ ‬دواويني‭ ‬السابقة،‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬وليد‭ ‬لحظة‭ ‬من‭ ‬التمازج‭ ‬الجمالي‭ ‬والشكلي‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬الشعرية،‭ ‬أو‭ ‬لحظة‭ ‬جمالية‭  ‬تتشكل‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬زلقة‭. ‬بعض‭ ‬القصائد‭ ‬أو‭ ‬النصوص‭ ‬تتوزع‭ ‬على‭ ‬جغرافية‭ ‬فنية‭ ‬متعددة‭: ‬كان‭ ‬النثر‭ ‬والتفعيلة‭ ‬والبيت‭ ‬العمودي‭ ‬فضاءات‭ ‬لترتيب‭ ‬الأداء‭ ‬الشعري،‭ ‬لكنها‭ ‬فضاءات‭ ‬لم‭ ‬تتنازل‭ ‬عن‭ ‬شرطها‭ ‬الفني‭ ‬ومستواها‭ ‬اللغوي‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬إنعاش‭ ‬الروح‭ ‬وتحريك‭ ‬الذاكرة‭.‬

●‭ ‬في‭ ‬قصائدك‭ ‬عمومًا،‭ ‬وفي‭ ‬‮«‬نهرُ‭ ‬الغياب‮»‬،‭ ‬‮«‬غموض‮»‬،‭ ‬‮«‬عكاز‭ ‬في‭ ‬الظلام‮»‬‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الخصوص،‭ ‬حنين‭ ‬جارف‭ ‬إلى‭ ‬الأماكن‭ ‬الضائعة‭ ‬والمدن‭ ‬المنسية،‭ ‬فهي‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬خارطة‭ ‬وجود‭ ‬جديدة‭ ‬وأزمنة‭ ‬جديدة،‭ ‬هل‭ ‬تفسر‭ ‬لنا‭ ‬ذلك،‭ ‬وهل‭ ‬عثرت‭ ‬عليها،‭ ‬أم‭ ‬ما‭ ‬زلت‭ ‬تبحث‭ ‬عنها؟

‭- ‬محنة‭ ‬المكان،‭ ‬في‭ ‬قصائدي،‭ ‬تمثل‭  ‬عذابًا‭ ‬يتجدد‭ ‬باستمرار‭. ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬عامًا‭ ‬وأنا‭ ‬أتحرّق‭ ‬ملهوفًا‭ ‬إلى‭ ‬فراديس‭ ‬مفقودة‭ ‬ومدن‭ ‬لا‭ ‬تُنسى‭. ‬وكأنّ‭ ‬شعرية‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬قصائدي‭ ‬تتأسس‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الجدلية‭ ‬المرة‭: ‬ذاتٌ‭  ‬تشهد‭ ‬على‭ ‬عذابها‭ ‬أمام‭ ‬الكون‭ ‬بأقل‭ ‬كلام‭ ‬جميل‭ ‬ممكن،‭ ‬وهي‭ ‬ذات‭  ‬لا‭ ‬تطيق‭ ‬الثرثرة‭ ‬ولا‭ ‬تقوى‭ ‬على‭ ‬النسيان‭.‬

●‭ ‬اشتُهرت‭ ‬قصائدك‭ ‬بتميزها‭ ‬باستخدام‭ ‬التشخيص‭ ‬الدرامي‭ ‬واليومي‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الشخصيات‭ ‬يلاحظ‭ ‬استحياؤها‭ ‬من‭ ‬عمق‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعي‭. ‬من‭ ‬البلد،‭ ‬لماذا‭ ‬هذا‭ ‬التميز؟‭ ‬

‭- ‬كل‭ ‬قصيدة‭  ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬قصيرة‭ ‬تشتمل،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الناقد‭ ‬الأمريكي‭ ‬بروكس،‭ ‬على‭ ‬دراما‭ ‬صغيرة‭. ‬وقد‭ ‬نوقشت‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الموصل‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬رسالة‭ ‬دكتوراه‭ ‬كرّست‭ ‬لدراسة‭ ‬الظاهرة‭ ‬الدرامية‭ ‬في‭ ‬شعري‭. ‬أحاول‭ ‬دائمًا‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬قصيدتي‭ ‬قلبية،‭ ‬تحفل‭ ‬بالحركة‭ ‬والقلق‭ ‬والتنامي،‭ ‬وتفتح‭ ‬حواسها‭ ‬جميعًا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬من‭ ‬فرح‭ ‬أو‭ ‬فجيعة‭ ‬وأحلام‭ ‬عصية‭ ‬على‭ ‬التحقق‭ ‬وعلى‭ ‬الاندثار‭ ‬أيضًا‭.‬

 

حداثة‭ ‬الشاعر‭ ‬

●‭ ‬ما‭ ‬منظورك‭ ‬للحداثة‭... ‬هل‭ ‬تراها‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬أم‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬أم‭ ‬في‭ ‬الرؤية‭ ‬ومقوماتها؟

‭- ‬الحداثة‭ ‬في‭ ‬الإبداع،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬لا‭ ‬تؤخذ‭ ‬بالمفرد،‭ ‬لا‭ ‬نختار‭ ‬بعضًا‭ ‬منها‭ ‬دون‭ ‬بعض،‭ ‬مثلما‭ ‬نختار‭ ‬السلع‭ ‬أو‭ ‬البضائع‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬العامة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬كلٌّ‭ ‬ثقافي‭ ‬ونفسي‭ ‬وفكري‭ ‬وسلوكي،‭ ‬يمس‭ ‬اللغة‭ ‬والرؤية‭ ‬والمزاج‭ ‬وطرق‭ ‬الإفصاح‭ ‬والتشكل‭ ‬الفني‭. ‬قد‭ ‬يلامس‭ ‬الشاعر،‭ ‬أو‭ ‬يستعير‭ ‬أحدث‭ ‬التقنيات‭ ‬الفنية،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حديثًا‭. ‬حداثة‭ ‬الشاعر‭ ‬الحقة‭ ‬في‭ ‬روحه‭ ‬وعقله‭ ‬ولغته‭ ‬ونظرته‭ ‬إلى‭ ‬الحياة،‭ ‬وإلا‭ ‬فإنه‭ ‬كائن‭ ‬يتدحرج‭ ‬على‭ ‬السطوح‭ ‬الملساء‭ ‬للحداثة‭ ‬والتغذي‭ ‬على‭ ‬قشورها‭. ‬

●‭ ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬المشهد‭ ‬الأدبي‭ ‬والثقافي‭ ‬العراقي‭ ‬حاليًا؟

‭- ‬المشهد‭ ‬الأدبي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬كان‭ ‬شديد‭ ‬الغنى‭ ‬والتنوع‭ ‬دائمًا‭ ‬وعلى‭ ‬مر‭ ‬التاريخ‭. ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أشد‭ ‬الظروف‭ ‬قتامة،‭ ‬كما‭ ‬الحال‭ ‬الآن،‭ ‬لكن‭ ‬يظل‭ ‬المشهد‭ ‬الأدبي‭ ‬والشعري‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬معزل‭ ‬عن‭ ‬جبروت‭ ‬الدولة،‭ ‬بل‭ ‬يمكنني‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الشعرية‭ ‬العراقية‭ ‬هي‭ ‬بنت‭ ‬التراجيديا،‭ ‬والفرح‭ ‬الشحيح‭ ‬باستمرار،‭ ‬وهي‭ ‬بنت‭ ‬الحياة‭ ‬المشوبة‭ ‬دائمًا‭ ‬بالشجن‭ ‬والفقدان‭.‬

هناك‭ ‬جيل‭ ‬شعري‭ ‬جديد‭ ‬يتجه‭ ‬بقوة،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬انسجام‭ ‬أحيانًا،‭ ‬صوب‭ ‬النثر‭ ‬بمعناه‭ ‬الواسع،‭ ‬سيرة‭ ‬الذات،‭ ‬القصيدة،‭ ‬الرواية،‭ ‬اليوميات‭. ‬وهناك‭ ‬شعراء‭ ‬يكتبون‭ ‬القصيدة‭ ‬العمودية‭ ‬بروح‭ ‬مختلفة‭: ‬تحتفي‭ ‬بالصورة‭ ‬وحركة‭ ‬البيت‭ ‬الشعري‭ ‬ولغة‭ ‬المفارقة‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬الغزير‭ ‬والمزدحم‭ ‬بالأسماء‭ ‬سيفرز‭ ‬حتمًا‭ ‬شعراءه‭ ‬المهمّين‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬شعرية‭ ‬لا‭ ‬يطول‭ ‬انتظارها‭... ‬أما‭ ‬قصيدة‭ ‬التفعيلة‭ ‬فربما‭ ‬لا‭ ‬يقتحم‭ ‬كتابتها‭ ‬اليوم‭ ‬إلا‭ ‬القليلون‭ ‬جدًا،‭ ‬باستثناء‭ ‬مَن‭ ‬بقي‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الكتابة‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬الستينيات‭. ‬

 

الوعي‭ ‬والموهبة

●‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬انعكس‭ ‬التغيير‭ ‬السياسي‭ ‬مؤخرًا‭ ‬على‭ ‬الشعر‭ ‬في‭ ‬العراق؟‭ 

‭- ‬لا‭ ‬تنعكس‭ ‬التحولات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬الشعراء‭ ‬أو‭ ‬أعمالهم‭ ‬الشعرية‭  ‬بالطريقة‭ ‬ذاتها،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬العصور،‭ ‬يعتمد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬المبدع‭ ‬نفسه،‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬الشعراء‭ ‬يتفاوتون‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬والموهبة‭ ‬وفي‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الراهن‭ ‬وتحولاته،‭ ‬فإنهم‭ ‬لا‭ ‬يكونون‭ ‬تكرارًا‭ ‬لبعضهم‭ ‬بعضًا،‭ ‬وهكذا‭  ‬تنعكس‭ ‬التغيرات‭ ‬السياسية‭ ‬بطرق‭ ‬شتى،‭ ‬وبزوايا‭ ‬نظر‭ ‬فنية‭ ‬وثقافية‭ ‬مختلفة‭.‬

●‭ ‬وأين‭ ‬يقع‭ ‬العراق‭ ‬ضمن‭ ‬مصادر‭ ‬إلهامك‭ ‬الشعري؟

‭- ‬كان‭ ‬العراق‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬المنبع‭ ‬الأول‭ ‬للخليقة،‭ ‬وانبثاق‭ ‬أساطيرها‭ ‬الكبرى،‭ ‬وهو‭ ‬اليوم‭ ‬بلاد‭ ‬تنهار‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬أبنائها‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة،‭ ‬وبين‭ ‬هذين‭ ‬القوسين‭ ‬الكبيرين‭ ‬تختلط‭ ‬محنة‭ ‬الذات‭ ‬الفردية‭ ‬وشتاتها‭ ‬اليومي‭ ‬بمحنة‭ ‬البلاد‭ ‬وتشظيها‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتوقف،‭ ‬وكأن‭ ‬العراق،‭ ‬كما‭ ‬قلت‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬قصائدي،‭ ‬حلم‭ ‬لا‭ ‬يغيب‭ ‬ولا‭ ‬يتعافى‭... ‬وقد‭ ‬زوّدتني‭ ‬أساطيره‭ ‬الرافدينية‭ ‬بخزين‭ ‬لا‭ ‬ينفد‭ ‬من‭ ‬السرديات‭ ‬التراجيدية‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الانهيار‭ ‬المريع‭.‬

●‭ ‬هل‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬للشعر‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬مسكون‭ ‬بالتوحش؟

‭- ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يشغل‭ ‬الشعر‭ ‬الآن‭ ‬المساحة‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬فيما‭ ‬مضى،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬مساحته‭ ‬تزداد‭ ‬ضيقًا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬لحظة،‭ ‬لكن‭ ‬دوره‭ ‬اليوم‭ ‬أشد‭ ‬عمقًا،‭ ‬كما‭ ‬أرى،‭ ‬كأنه‭ ‬تخلى‭ ‬عن‭ ‬امتداده‭ ‬الأفقي‭ ‬لصالح‭ ‬تغلغله‭ ‬عموديًا‭ ‬في‭ ‬الأعماق‭. ‬ويظل‭ ‬للقصيدة‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬كلما‭ ‬تكسرت‭ ‬النهارات‭  ‬وتصادمت‭ ‬الأحلام‭ ‬‭ ‬وتعاظمت‭ ‬الخسارات‭ ‬واتسعت‭ ‬مساحة‭ ‬الوهم‭.‬

 

الشعر‭ ‬سيد‭ ‬الأنواع‭ ‬الأدبية

●‭ ‬هل‭ ‬تحن‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الأزمنة‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬الشعر‭ ‬فيها‭ ‬سيد‭ ‬الأنواع‭ ‬الأدبية،‭ ‬وكان‭ ‬الشاعر‭ ‬محاطًا‭ ‬بهالة‭ ‬من‭ ‬الأضواء؟

‭- ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الشعر‭ ‬يمر‭ ‬بحالة‭ ‬واضحة‭ ‬من‭ ‬الضنك‭ ‬في‭ ‬النشر‭ ‬والتلقي،‭ ‬فإنه‭ ‬يظل‭ ‬فنًا‭ ‬نوعيًا‭ ‬بامتياز،‭ ‬إنه‭ ‬سيد‭ ‬الأنواع‭ ‬الأدبية‭ ‬حقًا،‭ ‬فلا‭ ‬فن‭ ‬سواه‭ ‬يؤسس‭ ‬مجده‭ ‬الحقيقي‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬ومن‭ ‬خلالها‭ ‬يعيد‭ ‬لها‭ ‬براءتها‭ ‬الأولى‭ ‬وتوحشها‭ ‬البكر،‭ ‬ويرتقي‭ ‬بها‭ ‬ومعها‭ ‬لتكون‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬فتنته‭ ‬وسحره،‭ ‬لا‭  ‬خادمة‭ ‬لأغراضه‭. ‬

●‭ ‬هل‭ ‬تعتقد‭ ‬بعدما‭ ‬مضت‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬على‭ ‬كتابة‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر،‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬خاصة‭ ‬والوطن‭ ‬العربي‭ ‬عامة،‭ ‬أنها‭ ‬أثبتت‭ ‬وجودها‭ ‬وأصبحت‭ ‬بديلًا‭ ‬عن‭ ‬القصيدة‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬وقصيدة‭ ‬التفعيلة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬كتاب‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬الشعري‭ ‬الحديث‭ ‬منذ‭ ‬الستينيات‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬يعتبرون‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬الشعراء‭ ‬العرب،‭ ‬فثمة‭ ‬أنسي‭ ‬الحاج‭ ‬والماغوط‭ ‬وحسين‭ ‬مردان‭ ‬وشعراء‭ ‬جماعة‭ ‬كركوك‭ ‬وآخرون؟

‭- ‬أخشى‭ ‬أن‭ ‬أسئلة‭ ‬كهذه،لا‭ ‬تقع‭ ‬تمامًا‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬الفعل‭ ‬الحقيقي‭ ‬لقصيدة‭ ‬النثر،‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬نماذجها‭ ‬المتقدمة‭ ‬عبر‭ ‬مراحلها‭ ‬جميعًا‭. ‬وليس‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬بدايات‭ ‬الأشكال‭ ‬الشعرية،‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬أو‭ ‬قصيدة‭ ‬التفعيلة‭ ‬منفعة‭ ‬ترجى‭. ‬إن‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الشعري‭ ‬متسعًا‭ ‬لهذا‭ ‬التنوع‭ ‬الشعري‭ ‬كله،‭ ‬وللتفاعل‭ ‬الحي‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬أشكاله‭ ‬وتقنياته‭.‬

 

سحر‭ ‬الموهبة

●‭ ‬متى‭ ‬تكون‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬الرواية‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬هجرة‭ ‬ملحّة‭ ‬وليست‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬الأضواء‭ ‬والاهتمام؟

‭- ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬الشاعر‭ ‬صاحب‭ ‬موهبة‭ ‬سردية،‭ ‬عارفًا‭ ‬بلعبة‭ ‬الرواية،‭ ‬وتصريف‭ ‬الأحداث،‭ ‬والتحكم‭ ‬بحركة‭ ‬الشخوص،‭ ‬والوصول‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬مآلات‭ ‬فنية‭ ‬وإنسانية‭ ‬بارعة‭. ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬لافتة‭ ‬على‭ ‬صهر‭ ‬تلك‭ ‬المكونات‭ ‬جميعًا‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬روائي‭ ‬متجانس،‭ ‬وشديد‭ ‬التماسك‭ ‬والحيوية‭.‬

وبخلاف‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬التحول،‭ ‬أو‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬القصيدة‭ ‬إلى‭ ‬الرواية‭ ‬لا‭ ‬يعدو‭ ‬كونه‭ ‬سباحة‭ ‬على‭ ‬سطوح‭ ‬الأشياء،‭ ‬أو‭ ‬مجاراة‭ ‬خارجية‭ ‬لمهارات‭ ‬لا‭ ‬جذر‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬الكاتب‭ ‬أو‭ ‬إحساسه،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬الروائي‭ ‬الذي‭ ‬ينتج‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬سيكون‭ ‬بالضرورة‭ ‬مفتقرًا‭ ‬إلى‭ ‬سحر‭ ‬الموهبة‭ ‬الخلاقة،‭ ‬وغير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬التقاط‭ ‬الداخل‭ ‬الإنساني‭ ‬المحتشد‭ ‬بالأهواء‭ ‬والتوتر،‭ ‬وإعادة‭ ‬بنائه‭ ‬ضمن‭ ‬عمارة‭ ‬سردية‭ ‬مؤثرة‭.‬

●‭ ‬لك‭ ‬موقع‭ ‬إلكتروني‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت،‭ ‬فكيف‭ ‬أسهم‭ ‬الإنترنت‭ ‬في‭ ‬إيصال‭ ‬الشعر‭ ‬وتداوله‭ ‬بسرعة‭ ‬كبيرة؟‭ ‬وهل‭ ‬أنت‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬يسوق‭ ‬الشاعر‭ ‬إبداعه‭ ‬وإنتاجه‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت؟‭ ‬

‭- ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسهم‭ ‬الإنترنت،‭ ‬كوسيط‭ ‬شديد‭ ‬التأثير،‭ ‬في‭ ‬تقريب‭ ‬جانبي‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬المتلقي‭ ‬والأعمال‭ ‬الشعرية،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬الإمكانية‭ ‬تظل‭ ‬أحيانًا‭ ‬مجرد‭ ‬افتراض‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬قارئ‭ ‬جاد‭ ‬وذائقة‭ ‬مدربة‭. ‬

●‭ ‬السلطة،‭ ‬المبدع‭ ‬والمثقف‭... ‬علاقة‭ ‬تلاقٍ‭ ‬أم‭ ‬تضاد؟‭ ‬والأمثلة‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬الذاكرة‭ ‬الإبداعية‭ ‬العربية‭... ‬هل‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬للفنان‭ ‬أن‭ ‬يعارض‭ ‬الأنظمة؟‭ ‬أم‭ ‬إن‭ ‬الإبداع‭ ‬عندنا‭ ‬ارتبط‭ ‬بالمعارضة‭ ‬والمقاومة؟

‭- ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬خندقًا‭ ‬أزليًا‭ ‬يمتد‭ ‬بين‭ ‬السلطة‭ ‬وأعدائها‭ ‬التاريخيين،‭ ‬أعني‭ ‬صنّاع‭ ‬الشعر‭ ‬والجمال‭ ‬والفكر،‭ ‬هناك‭ ‬قوتان‭ ‬تعملان‭ ‬في‭ ‬اتجاهين‭ ‬متضادين،‭ ‬السلطة‭ ‬ترتكز‭ ‬في‭ ‬بقائها‭ ‬على‭ ‬جهل‭ ‬الناس،‭ ‬وانحطاط‭ ‬ذائقتهم،‭ ‬وذبول‭ ‬إحساسهم‭ ‬بالكرامة،‭ ‬بينما‭ ‬الإبداع‭  ‬يبني‭ ‬شعبًا‭ ‬حالمًا،‭ ‬وشديد‭ ‬الإحساس‭ ‬بكرامته،‭ ‬وحقه‭ ‬في‭ ‬الحياة‭. ‬وهكذا،‭ ‬فالمبدع‭ ‬الحقيقي‭ ‬يقف‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬ضدية‭ ‬مع‭ ‬السلطة‭ ‬ومنظومتها‭ ‬الرمزية‭. ‬

 

عيشة‭ ‬الاضطرار

●‭ ‬هل‭ ‬تظل‭ ‬هذه‭ ‬الثنائية‭ ‬سارية‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬سطوة‭ ‬المكان‭ ‬أو‭ ‬الزمان؟

‭- ‬أبدًا،‭ ‬فهذا‭ ‬القانون‭ ‬يتعرض‭ ‬للانتهاك‭ ‬باستمرار،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العربية‭ ‬والشرقية‭. ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬بلداننا‭ ‬المغلوبة‭ ‬على‭ ‬أمرها‭ ‬يعيش‭ ‬المبدع‭ ‬والمثقف‭ ‬عيشة‭ ‬الاضطرار،‭ ‬من‭ ‬عمله‭ ‬موظفًا‭ ‬لدى‭ ‬الدولة،‭ ‬حتى‭ ‬تتحول‭ ‬الوظيفة‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الإدمان،‭ ‬تفقده‭ ‬بعضًا‭ ‬من‭ ‬نضارة‭ ‬روحه‭ ‬ونزوعه‭ ‬إلى‭ ‬التمرد‭ ‬أو‭ ‬الحرية‭. ‬

●‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تقدمه‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬وتسعى‭ ‬إلى‭ ‬تقديمه‭... ‬أعمالًا‭ ‬لم‭ ‬تطبع،‭ ‬شعرًا،‭ ‬ونقدًا؟

‭-  ‬رضا‭ ‬الشاعر‭ ‬عن‭ ‬منجزه‭ ‬الشعري‭ ‬مطمح‭ ‬بعيد‭ ‬المنال‭ ‬وغاية‭ ‬لا‭ ‬تدرك،‭ ‬وهو‭  ‬إحساس‭ ‬معافى،‭ ‬لأن‭ ‬تحقق‭ ‬هذا‭ ‬الرضا‭ ‬هو‭ ‬حراثة‭ ‬في‭ ‬البحر،‭ ‬وبذلك‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬قصيدة‭ ‬جديدة،‭ ‬وكل‭ ‬ديوان‭ ‬جديد،‭ ‬هما‭ ‬إطلالة‭ ‬على‭ ‬بقية‭ ‬الطريق،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬ظلّ‭ ‬من‭ ‬ماء‭ ‬يفصل‭ ‬بين‭ ‬الشاعر‭ ‬والضفة‭ ‬الأخرى‭ ‬للكلام‭.‬

‭ ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬تأثير‭ ‬الجوائز‭ ‬في‭ ‬إثراء‭ ‬تجربة‭ ‬الشاعر‭ ‬وتطويرها؟

‭-  ‬الجائزة‭ ‬ليست‭ ‬مرْتبة‭ ‬شعرية‭ ‬تتحقق‭  ‬للحاصل‭ ‬عليها‭ ‬وتنتفي‭ ‬عمن‭ ‬لم‭ ‬ينلها‭ ‬من‭ ‬الشعراء،‭ ‬فالكثير‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬المرموقين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لم‭ ‬يحصلوا‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬مثل‭ ‬بورخيس،‭ ‬ريلكه،‭ ‬إزرا‭ ‬باوند،‭ ‬جيمس‭ ‬جويس،‭ ‬تيد‭ ‬هيوز،‭ ‬بينما‭ ‬نالها‭ ‬شعراء‭ ‬أقل‭ ‬شأنًا‭ ‬منهم‭ ‬ربما‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يمثل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الجائزة‭ ‬قيمة‭ ‬معنوية‭ ‬كبرى،‭ ‬فهي‭ ‬اعتراف‭ ‬لا‭ ‬يرقى‭ ‬إليه‭ ‬الشك‭ ‬بصواب‭ ‬اجتهاداته‭ ‬اللغوية‭ ‬والتخيلية‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬عمر‭ ‬شعري‭ ‬بأكمله‭ ‬أحيانًا‭ ‬■