الحكومة العربية وطوابعها

الحكومة العربية وطوابعها

دخلت‭ ‬كتائب‭ ‬الثورة‭ ‬العربية‭ ‬دمشق‭ ‬في‭ ‬29‭ ‬سبتمبر‭ ‬1918،‭ ‬بعد‭ ‬تراجع‭ ‬القوات‭ ‬العثمانية‭ ‬باتجاه‭ ‬الشمال‭ ‬إذعانًا‭ ‬بنهاية‭ ‬حكم‭ ‬العثمانيين‭. ‬وفي‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬1918‭  ‬دخل‭ ‬الأمير‭ ‬‮«‬فيصل‮»‬‭ ‬ابن‭ ‬الشريف‭ ‬حسين‭ ‬قائد‭ ‬جند‭ ‬الثورة‭ ‬والجنرال‭ ‬اللنبي‭ ‬إلى‭ ‬دمشق‭ ‬وأعلن‭ ‬في‭ ‬الخامس‭ ‬منه‭ ‬عن‭ ‬تأليف‭ ‬حكومة‭ ‬عربية‭ ‬مستقلة‭ ‬تشمل‭ ‬جميع‭ ‬البلاد‭ ‬السورية‭ ‬عاصمتها‭ ‬دمشق‭. ‬وفي‭ ‬23‭ ‬سبتمبر‭ ‬أصدر‭ ‬الجنرال‭ ‬اللّنبي‭ ‬قرارًا‭ ‬بإنشاء‭ ‬ثلاث‭ ‬مناطق‭ ‬إدارية‭: ‬الساحل‭ ‬السوري‭ ‬واللبناني‭ ‬يتولى‭ ‬إدارتها‭ ‬قائد‭ ‬فرنسي،‭ ‬وسورية‭ ‬الداخلية‭ ‬يتولى‭ ‬إدارتها‭ ‬قائد‭ ‬عربي،‭ ‬والمنطقة‭ ‬الجنوبية‭ ‬فلسطين‭ ‬يتولى‭ ‬إدارتها‭ ‬قائد‭ ‬إنجليزي‭. ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬1920‭ ‬أعلن‭ ‬الأمير‭ ‬فيصل‭ ‬قراره‭ ‬التاريخي‭ ‬باستقلال‭ ‬سورية‭ ‬بمناطقها‭ ‬الثلاث‭ ‬الداخلية‭ ‬والساحلية‭ ‬والجنوبية‭.  ‬بايع‭ ‬‮«‬المؤتمر‭ ‬السوري‮»‬‭ ‬الأمير‭ ‬فيصل‭ ‬ملكًا‭ ‬على‭ ‬سورية‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬مارس‭ ‬1920‭. ‬وفي‭ ‬14‭ ‬يوليو‭ ‬أنذر‭ ‬الجنرال‭ ‬الفرنسي‭ ‬غورو‭ ‬حكومة‭ ‬فيصل‭ ‬بقبول‭ ‬الانتداب،‭ ‬ثم‭ ‬أُنذر‭ ‬الملك‭ ‬بمغادرة‭ ‬البلاد،‭ ‬فتوجه‭ ‬وزير‭ ‬الحربية‭ ‬يوسف‭ ‬العظمة‭ ‬إلى‭ ‬ميسلون‭ ‬لمواجهة‭ ‬الفرنسيين‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬استشهاده‭ ‬مع‭ ‬800‭ ‬من‭ ‬مقاتليه‭. ‬وفي‭ ‬السابع‭ ‬والعشرين‭ ‬منه‭ ‬اضطر‭ ‬الملك‭ ‬فيصل‭ ‬إلى‭ ‬مغادرة‭ ‬سورية‭ ‬إلى‭ ‬العراق،‭ ‬وبذلك‭ ‬ينتهي‭ ‬الحكم‭ ‬الفيصلي‭ ‬الذي‭ ‬دام‭ ‬22‭ ‬شهرًا‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬سورية‭.‬

تعتمد‭ ‬دراسة‭ ‬تاريخ‭ ‬البريد‭ ‬في‭ ‬حيز‭ ‬أساسي‭ ‬على‭ ‬الطوابع‭ ‬البريدية‭ ‬كمادة‭ ‬توثيقية‭ ‬لمآلات‭ ‬سياسة‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬تدبير‭ ‬عُرى‭ ‬التواصل‭ ‬وتمتينها‭ ‬بين‭ ‬الناس‭. ‬وتعتبر‭ ‬طوابع‭ ‬‮«‬الحكومة‭ ‬العربية‮»‬،‭ ‬خصوصًا‭ ‬‮«‬المجموعة‭ ‬الفيصلية‮»‬‭ ‬من‭ ‬المجموعات‭ ‬القيمة‭ ‬جدًا‭ ‬في‭ ‬الإرث‭ ‬الطوابعي‭ ‬العربي‭ ‬عمومًا‭ ‬وعند‭ ‬المحترفين‭ ‬من‭ ‬هواة‭ ‬جمع‭ ‬الطوابع‭ ‬تخصيصًا‭. ‬فما‭ ‬هي‭ ‬قصتها؟

مع‭ ‬دخول‭ ‬القوات‭ ‬العسكرية‭ ‬البريطانية‭ ‬المرافقة‭ ‬للقوات‭ ‬العربية‭ ‬عام‭ ‬1918‭ ‬توقف‭ ‬استعمال‭ ‬الطوابع‭ ‬العثمانية،‭ ‬وكانت‭ ‬‮«‬إدارة‭ ‬العدو‭ ‬المحتلة‮»‬‭ ‬التابعة‭ ‬للجيش‭ ‬البريطاني‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ (‬The Occupied Enemy Territory Administration / O.E.T.A‭). ‬قد‭ ‬أصدرت‭ ‬طابعًا‭ ‬خاصًا‭ ‬لاستخدامه‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬احتلها‭ ‬الجيش‭ ‬البريطاني‭ ‬ومنها‭ ‬سورية‭. ‬حُددت‭ ‬قيمته‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬قرش‭ ‬صاغ‭ ‬مصري‮»‬‭ ‬وكُتبت‭ ‬عليه‭ ‬كلمتا‭ ‬‮«‬خالص‭ ‬الأجرة‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬القيمة‭ ‬مدفوعة‭ ‬وأحرف‭ ‬E.E.F‭. ‬أي‭: (‬الفرقة‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬قوات‭ ‬الحملة‭ ‬المصرية‭ (‬Egyptian Expeditionary Force)‭  ‬وتم‭ ‬نقل‭ ‬البريد‭ ‬عبر‭ ‬الخط‭ ‬العسكري‭ ‬البريطاني‭. ‬

في‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬1919‭ ‬اتبعت‭ ‬إدارة‭ ‬البريد‭ ‬والبرق،‭ ‬كما‭ ‬كل‭ ‬أجهزة‭ ‬الحكومة،‭ ‬الأنظمة‭ ‬العثمانية‭ ‬السابقة،‭ ‬وورثت‭ ‬أجهزتها‭ ‬فقامت‭ ‬بجمع‭ ‬كل‭ ‬الطوابع‭ ‬العثمانية‭ (‬حوالي‭ ‬نصف‭ ‬مليون‭ ‬صدرت‭ ‬بين‭ ‬الأعوام‭ ‬1905‭ ‬و1919‭)‬،‭ ‬وتم‭ ‬توشيحها‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الحكومة‭ ‬العربية‮»‬‭. ‬وباعتبار‭ ‬أن‭ ‬إعلان‭ ‬الحكومة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬في‭ ‬30‭ ‬سبتمبر‭ ‬1918‭ ‬وقد‭ ‬أذن‭ ‬بقيام‭ ‬أول‭ ‬مظاهر‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬عروبة‭ ‬الدولة‭. ‬وجاء‭ ‬التوشيح‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬فقط،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬هذه‭ ‬الطوابع‭ ‬غير‭ ‬متوافقة‭ ‬مع‭ ‬قرارات‭ ‬الاتحاد‭ ‬العالمي‭ ‬التي‭ ‬تحتم‭ ‬استعمال‭ ‬اللغة‭ ‬الأجنبية‭ (‬الفرنسية‭ ‬أو‭ ‬الإنجليزية‭). ‬وتم‭ ‬تسعير‭ ‬هذه‭ ‬الطوابع‭ ‬بالعملة‭ ‬المصرية‭. ‬

يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نفترض‭ ‬أن‭ ‬توشيح‭ ‬الحكومة‭ ‬العربية‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬بواسطة‭ ‬ختم‭ ‬نقش‭ ‬مُصنّع‭ ‬يدويًا،‭ ‬من‭ ‬ميزاته‭ ‬أنه‭ ‬نحاسي‭ ‬بيضاوي‭ ‬الشكل‭ ‬أبعاده‭ ‬12x9‭ ‬مم،‭ ‬ويتصف‭ ‬بالدقة‭ ‬والجمال،‭ ‬والخط‭ ‬المستعمل‭ ‬هو‭ ‬الثلث‭. ‬

وإذا‭ ‬فككنا‭ ‬كلمتيه‭ ‬بهدف‭ ‬قراءته‭ ‬تكون‭ ‬الحروف‭ ‬كالتالي‭:‬

في‭ ‬دراسة‭ ‬مرجعية‭ ‬من‭ ‬إعداد‭ ‬الأستاذ‭ ‬سامي‭ ‬الحسني،‭ ‬يورد‭ ‬أن‭ ‬غالبية‭ ‬الرسائل‭ ‬البريدية‭ ‬التي‭ ‬حملت‭ ‬هذه‭ ‬الطوابع‭ ‬مؤرخة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1920،‭ ‬وأن‭ ‬أقدمها‭ ‬يحمل‭ ‬تاريخ‭ ‬1919‭/‬12‭/‬9‭. ‬بينما‭ ‬تذكر‭ ‬دراسة‭ ‬للضابط‭ ‬البريطاني‭ ‬كريلز‭ ‬أن‭ ‬أقدمها‭ ‬لديه‭ ‬مؤرخ‭ ‬في‭ ‬1020‭/‬1‭/‬13‭.‬

يمتلك‭ ‬هذا‭ ‬الوسم‭ ‬دورًا‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬كونه‭ ‬شأنًا‭ ‬بريديًا‭ ‬صرفًا،‭ ‬إذ‭ ‬لعب‭ ‬دورًا‭ ‬إعلاميًا‭ ‬بامتياز‭ ‬بإعلانه‭ ‬رسميًا‭ ‬عن‭ ‬قيام‭ ‬الدولة‭ ‬العربية‭ ‬المستقلة‭ ‬الأولى‭. ‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬1920‭ ‬تم‭ ‬توشيح‭ ‬طوابع‭ ‬عثمانية‭ ‬باللون‭ ‬الأسود‭ ‬أو‭ ‬البنفسجي‭ ‬أو‭ ‬الأخضر‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الحكومة‭ ‬العربية‭ ‬السورية‮»‬‭. ‬

المجموعة‭ ‬الفيصلية

صدرت‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الحكومة‭ ‬العربية‭ ‬مجموعة‭ ‬طوابع‭ ‬بريدية‭ ‬وحيدة‭ ‬تم‭ ‬تبادلها‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬حكمها‭. ‬ففي‭ ‬مارس‭ ‬1920‭ ‬قامت‭ ‬إدارة‭ ‬البريد‭ ‬بإصدار‭ ‬أول‭ ‬مجموعة‭ ‬تطبع‭ ‬في‭ ‬سورية،‭ ‬وبالطريقة‭ ‬الحجرية،‭ ‬وتدعى‭ ‬‮«‬المجموعة‭ ‬الفيصلية‮»‬‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬الأمير‭ ‬فيصل،‭ ‬وتألفت‭ ‬من‭ ‬تسعة‭ ‬طوابع،‭ ‬واحد‭ ‬منها‭ ‬لتغريم‭ ‬البريد،‭ ‬واستعملت‭ ‬لفترة‭ ‬وجيزة‭ ‬جدًا‭. ‬

وبمناسبة‭ ‬تتويج‭ ‬الأمير‭ ‬فيصل‭ ‬بن‭ ‬الحسين‭ ‬ملكًا‭ ‬على‭ ‬سورية،‭ ‬وُشِّح‭ ‬أحد‭ ‬طوابع‭ ‬المجموعة‭ ‬الفيصلية‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬5‭ ‬مليم‭ ‬بعبارة‭: ‬‮«‬تذكار‭ - ‬استقلال‭ ‬سورية‭ - ‬8‭ ‬آذار 1920‮»‬‭.‬

وللمناسبة‭ ‬عينها‭ ‬أصدرت‭ ‬إدارة‭ ‬البريد‭ ‬والبرق‭ ‬ختمًا‭ ‬بريديًا‭ ‬خاصًا‭ ‬يتميز‭ ‬عن‭ ‬سواه‭ ‬بظهور‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬شام‮»‬‭ ‬بخط‭ ‬الثلث‭ ‬مع‭ ‬إغفال‭ ‬تدوين‭ ‬التاريخ‭ ‬الهجري‭ ‬الموافق،‭ ‬كما‭ ‬درجت‭ ‬العادة،‭ ‬مما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬خصوصيته‭. ‬وظهرت‭ ‬منه‭ ‬ثلاثة‭ ‬أنواع‭ ‬متميزة‭. ‬

في‭ ‬عام‭ ‬1921،‭ ‬ونتيجة‭ ‬للاحتلال‭ ‬الفرنسي‭ ‬لسورية،‭ ‬وُشِّح‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬طوابع‭ ‬الحكومة‭ ‬الفيصلية‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬مكاتب‭ ‬البريد‭ ‬بعبارة‭: ‬‮«‬O‭. ‬M‭. ‬F‭ ‬Syrie‮»‬‭ ‬اختصارًا‭ ‬لعبارة‭ (‬Occupation‭ ‬Militarie‭ ‬Française‭) ‬وتعني‭ ‬الاحتلال‭ ‬العسكري‭ ‬الفرنسي،‭ ‬وبالقيمة‭ ‬المعدلة‭ ‬لسعر‭ ‬الطابع،‭ ‬واستُخدمت‭ ‬حينها‭ ‬لتخليص‭ ‬الرسائل‭. ‬وبذلك‭ ‬تم‭ ‬إطلاق‭ ‬الرصاصة‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬طوابع‭ ‬الحكومة‭ ‬العربية‭ ‬وأُسدل‭ ‬السّتارُ‭ ‬عليها‭. ‬

تمكّنت‭ ‬السلطة‭ ‬المُشكّلة‭ (‬الحكومة‭ ‬العربية‭) ‬من‭ ‬تعميم‭ ‬إصدارات‭ ‬طوابعية‭ ‬بالعربية‭ ‬حصرًا،‭ ‬تُشهر‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬اعتباريتها‭ ‬الدّوْلتيّة،‭ ‬وتعلن‭ ‬عبرها‭ ‬اكتسابها‭ ‬شرعيّةً‭ ‬مُفترضة‭ ‬على‭ ‬‮«‬أراضيها‮»‬،‭ ‬كان‭ ‬الغرض‭ ‬منها‭ ‬تأكيد‭ ‬حضورها‭ ‬السياسي‭ ‬منه،‭ ‬وذاك‭ ‬الإداري‭ ‬الإجرائي‭ ‬المعهود‭. ‬ويسجل‭ ‬لهذه‭ ‬السلطة‭ ‬الوليدة‭ ‬الريادة‭ ‬في‭ ‬إدراج‭ ‬صفة‭ ‬‮«‬المتحدة‮»‬‭ ‬على‭ ‬سورية،‭ ‬وبذلك‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الطابع‭ ‬التذكاري‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬حمل‭ ‬الصفة‭ ‬عينها‭ ‬في‭ ‬الطوابعية‭ ‬العربية‭. ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬تسارع‭ ‬الأحداث‭ ‬واندثار‭ ‬الحلم‭ ‬بقيام‭ ‬حكومة‭ ‬عربية‭ ‬وما‭ ‬استتبعه‭ ‬من‭ ‬انتكاسات‭ ‬تبدّت‭ ‬في‭ ‬حركات‭ ‬تراجع‭ ‬وانكسار‭ ‬وإخفاق،‭ ‬انسحب‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬النهاية‭ ‬التي‭ ‬آلت‭ ‬إليها‭ ‬هذه‭ ‬الإصدارات‭ ‬‮«‬اليتيمة‮»‬‭. ‬فَوُئدَ‭ ‬الحلمُ‭ ‬وتم‭ ‬إنزالُ‭ ‬العلم،‭ ‬وطُويت‭ ‬بذلك‭ ‬صفحة‭ ‬‮«‬الحكومة‮»‬،‭ ‬وسُحبت‭ ‬طوابعها‭ ‬من‭ ‬التداول،‭ ‬ومُهِرت‭ ‬على‭ ‬عجل‭ ‬بأختام‭ ‬فرنسية‭ ‬إشارةً‭ ‬دالّة‭ - ‬لِمن‭ ‬يتّعظ‭ - ‬إلى‭ ‬‮«‬عودة‭ ‬القديم‭ ‬إلى‭ ‬قدمه‮»‬‭.‬

في‭ ‬لفتة‭ ‬مشكورة،‭ ‬أصدرت‭ ‬إدارة‭ ‬البريد‭ ‬السوري‭ ‬عام‭ ‬1976،‭ ‬وبمناسبة‭ ‬يوم‭ ‬البريد،‭ ‬طابعين‭ ‬بريديين‭ ‬حملا‭ ‬التشكيل‭ ‬عينه‭ ‬لطابع‭ ‬من‭ ‬المجموعة‭ ‬الفيصلية‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬تذكارية‭ ‬لأول‭ ‬حكومة‭ ‬عربية‭ ‬سورية‭. ‬

الطابعُ‭ ‬البريدي‭ ‬صنوُ‭ ‬حيثية‭ ‬الدولة‭/‬الحكومة‭ ‬المُصدِّرة‭ ‬له،‭ ‬فإن‭ ‬غاب‭ ‬أو‭ ‬غُيّب،‭ ‬أو‭ ‬استُبدِل‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬مسوّغٍ،‭ ‬أو‭ ‬مُهِر‭ ‬بغير‭ ‬ما‭ ‬وُضِع‭ ‬له‭ ‬أساسًا‭ ‬فهذه‭ ‬إشارات‭ ‬شديدة‭ ‬الدلالة‭ ‬على‭ ‬الرغبة‭ ‬المُبيّتة‭ ‬في‭ ‬إماتته‭ ‬المعنوية،‭ ‬بل‭ ‬الجيوسياسية،‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬جمهوره‭ ‬وحاملي‭ ‬هويته‭ ‬السيادية‭ ‬المفترضين،

وهذا‭ ‬تمامًا‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬سالف‭ ‬الأيام،‭ ‬ورغبنا‭ ‬في‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬الطوابعية،‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬هي‭ ‬علم‭ ‬قائم‭ ‬بذاته‭ ‬ولذاته‭ ‬فحسب‭. ‬فجلُّ‭ ‬انشغاله‭ ‬الاستقراء‭ ‬والاستدلال‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬التاريخ‭ ‬وتقلبات‭ ‬العمران‭ ‬الإنساني،‭ ‬بل‭ ‬باعتبارها‭ ‬مسارًا‭ ‬معرفيًا‭ ‬يتبصّر‭ ‬ويجلو‭ ‬بالشواهد‭ ‬ما‭ ‬يستتر‭ ‬عادةً‭ ‬خلف‭ ‬منمنمات‭ ‬الطوابع‭ ‬البريدية،‭ ‬أيًّا‭ ‬تكن‭ ‬الدول‭ ‬والحكومات‭ ‬المُصدرة‭ ‬لها،‭ ‬وبغضّ‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬موضوعاتها‭ ‬والرموز‭ ‬التي‭ ‬تزيّن‭ ‬متنها‭ ‬وتزركش‭ ‬هوامشها‭ ‬الملونة‭. ‬هذا‭ ‬غيض‭ ‬من‭ ‬فيضٍ‭ ‬باحَ‭ ‬به‭ ‬قلمنا‭ ‬تكريمًا‭ ‬لطوابع‭ ‬متفرّدة‭ ‬لحكم‭ ‬‮«‬عربي‮»‬‭ ‬و«فيصليّ‮»‬‭ ‬غاب‭ ‬ذكرُه‭  ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬ارتباطه‭ ‬بحقبة‭ ‬مفصلية‭ ‬ومأزومة‭ ‬من‭ ‬تاريخنا‭ ‬العربي‭ ‬الحديث‭ ‬■