الأختام الإسلامية وانطباعاتها الدائمة

الأختام الإسلامية  وانطباعاتها الدائمة

يصف‭ ‬ابن‭ ‬منظور‭ ‬واضع‭ ‬معجم‭ ‬‮«‬لسان‭ ‬العرب‮»‬‭ ‬الخاتم‭ ‬بالشيء‭ ‬الذي‭ ‬يوضع‭ ‬على‭ ‬الطينة،‭ ‬والختام‭ ‬بالطين‭ ‬الذي‭ ‬يختم‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬الكتاب‭ ‬لحفظه،‭ ‬والختم‭ ‬بحفظ‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬بتعليم‭ ‬الطينة،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ابن‭ ‬منظور‭ ‬وضع‭ ‬كتابه‭ ‬في‭ ‬1290م،‭ ‬أي‭ ‬بزمن‭ ‬طويل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬ممارسة‭ ‬ختم‭ ‬الكتب‭ ‬والوثائق‭ ‬بالطين،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬المعنى‭ ‬كان‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬استخدامات‭ ‬الختم‭ ‬الأولى‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تطور‭ ‬التعريف‭ ‬ليشمل‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المعاني،‭ ‬بحيث‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬موسوعة‭ ‬الإسلام‭ ‬يتم‭ ‬تعريف‭ ‬الختم‭ ‬بالخاتم‭ ‬وطابع‭ ‬الختم‭ ‬ومصفوفة‭ ‬الختم‭ ‬وأشياء‭ ‬شبيهة‭ ‬بالأختام‭ ‬تتميز‭ ‬بوجود‭ ‬نقوش‭ ‬منتظمة‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬ديني‭ ‬عليها،‭ ‬مثل‭ ‬التمائم‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬تمييزها‭ ‬عن‭ ‬الأختام‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬اسم‭ ‬شخصي‭ ‬عليها‭. ‬

الأختام‭ ‬في‭ ‬العهود‭ ‬الإسلامية‭ ‬الأولى‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬بطاقات‭ ‬التعريف‭ ‬الشخصي‭ ‬التي‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬هوية‭ ‬الشخص‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬تاجرًا‭ ‬أو‭ ‬بحارًا‭ ‬أو‭ ‬معالجًا‭ ‬أو‭ ‬ذا‭ ‬مركز‭ ‬رسمي،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬الأوراق‭ ‬والمستندات‭ ‬والإثباتات‭ ‬الرسمية‭ ‬الأخرى،‭ ‬مثل‭ ‬براءة‭ ‬الذمة‭ ‬والرخص‭ ‬والمأذونيات‭ ‬بأنواعها،‭ ‬وكذلك‭ ‬لكونها‭ ‬تعريفًا‭ ‬بالممتلكات،‭ ‬أي‭ ‬باختصار‭ ‬كان‭ ‬وجودها‭ ‬ضرورة‭ ‬ثقافية‭ ‬وأمنية‭ ‬واجتماعية‭ ‬واقتصادية‭. ‬ونظرًا‭ ‬للارتباط‭ ‬الشخصي‭ ‬بين‭ ‬الختم‭ ‬ومالكه،‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬صانعي‭ ‬الأختام‭ ‬أن‭ ‬يبتكروا‭ ‬تصميمات‭ ‬مختلفة‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬بمثابة‭ ‬أعمال‭ ‬فنية‭ ‬بكتاباتها‭ ‬العربية‭ ‬الفريدة‭ ‬ونقوشها‭ ‬الجميلة‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬الأحجار،‭ ‬فبقي‭ ‬العديد‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬لتعكس‭ ‬الروح‭ ‬الفنية‭ ‬في‭ ‬زمانها‭ ‬ومكانها‭ ‬ولتنقل‭ ‬عن‭ ‬الحقبات‭ ‬الزمنية‭ ‬التي‭ ‬صنعت‭ ‬فيها‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬منقوشًا‭ ‬عليها‭. ‬

 

الأختام‭ ‬رموز‭ ‬للسلطة‭ ‬

منذ‭ ‬أيام‭ ‬الإسلام‭ ‬الأولى‭ ‬عملت‭ ‬الأختام‭ ‬كرموز‭ ‬للسلطة‭. ‬يقول‭ ‬البلاذري‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬فتوح‭ ‬البلدان‮»‬‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬أراد‭ ‬النبي‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬إلى‭ ‬الإمبراطور‭ ‬البيزنطي‭ ‬عام‭ ‬628‭ ‬م،‭ ‬قيل‭ ‬له‭ ‬إن‭ ‬الرسالة‭ ‬لن‭ ‬تُقرأ‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تحمل‭ ‬ختمًا،‭ ‬لذلك‭ ‬صُنع‭ ‬له‭ ‬خصيصًا‭ ‬خاتم‭ ‬من‭ ‬الفضة‭ ‬نُقش‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسطر‭ ‬ومن‭ ‬الأسفل‭ ‬إلى‭ ‬الأعلى‭: ‬‮«‬محمد‭ ‬رسول‭ ‬الله‮»‬‭ ‬بحيث‭ ‬كان‭ ‬أولها‭ ‬كلمة‭ (‬الله‭) ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬اسم‭ ‬الرسول‭ ‬فوق‭ ‬لفظ‭ ‬الجلالة،‭ ‬وكانت‭ ‬الحروف‭ ‬منقوشة‭ ‬بشكل‭ ‬مقلوب‭ ‬معكوس‭ ‬كصورة‭ ‬المرآة،‭ ‬وذلك‭ ‬كي‭ ‬تكون‭ ‬مستوية‭ ‬عند‭ ‬ختمها‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تم‭ ‬استخدام‭ ‬نفس‭ ‬الخاتم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدين‭ ‬أبوبكر‭ ‬وعمر‭ ‬وعثمان،‭ ‬حيث‭ ‬قيل‭ ‬إن‭ ‬الأخير‭ ‬قد‭ ‬أضاعه‭ ‬عندما‭ ‬سقط‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬بئر‭ ‬‮«‬أريس‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬البئر‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬جنوب‭ ‬غرب‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يمنع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدين‭ ‬خاتمه‭ ‬الخاص،‭ ‬فكان‭ ‬خاتم‭ ‬خليفة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬الصديق‭ ‬يحمل‭ ‬نقش‭ ‬‮«‬نِعْمَ‭ ‬القادر‭ ‬الله‮»‬،‭ ‬وخاتم‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخَطاب‭ ‬نقش‭ ‬‮«‬كفى‭ ‬بالموت‭ ‬واعظًا‮»‬،‭ ‬وخاتم‭ ‬عثمان‭ ‬بن‭ ‬عفان‭ ‬‮«‬آمنت‭ ‬بالذي‭ ‬خلق‭ ‬فسوى‮»‬،‭ ‬وخاتم‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ ‬نقش‭ ‬‮«‬الله‭ ‬الملك‭ ‬الحق‮»‬،‭ ‬وكانت‭ ‬لهذه‭ ‬الأختام‭ ‬أهمية‭ ‬كبيرة،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الخاتم‭ ‬كان‭ ‬يعطي‭ ‬الصفة‭ ‬الرسمية‭ ‬للمكتوب‭ ‬أو‭ ‬المحرر‭.‬

 

ثلاثة‭ ‬نصوص‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬شيوع‭ ‬

الأختام‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬كونها‭ ‬رموزًا‭ ‬للسلطة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأختام‭ ‬أصبحت‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬شائعة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬ويظهر‭ ‬هذا‭ ‬الاستخدام‭ ‬الشائع‭ ‬للأختام‭ ‬منذ‭ ‬عهود‭ ‬الإسلام‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬نصوص‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬حقبات‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وهي،‭ ‬أولاً،‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬الموَشّى‭ ‬أو‭ ‬الظرف‭ ‬والظرفاء‮»‬‭ ‬لمؤلفه‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬إسحاق‭ ‬بن‭ ‬يحيى‭ ‬الوشاء‭ ‬أبو‭ ‬الطيب،‭ ‬وفي‭ ‬كتابات‭ ‬الرحالة‭ ‬الفرنسي‭ ‬جون‭ ‬شاردان‭ ‬التي‭ ‬دوّن‭ ‬فيها‭ ‬مشاهداته‭ ‬في‭ ‬رحلاته‭ ‬إلى‭ ‬بلاد‭ ‬الفرس‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬إدوارد‭ ‬وليم‭ ‬لين‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬عادات‭ ‬المصريين‭ ‬المحدثين‭ ‬وتقاليدهم‮»‬‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭. ‬وكتاب‭ ‬الموشى‭ ‬هو‭ ‬كتاب‭ ‬من‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬الأشخاص‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬الراقية‭ ‬أو‭ ‬عما‭ ‬سماهم‭ ‬بن‭ ‬إسحاق‭ ‬‮«‬الظرفاء‮»‬‭ ‬وكيف‭ ‬كان‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يتصرفوا‭ ‬ويأكلوا‭ ‬ويتحدثوا،‭ ‬ولكن‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬فهو‭ ‬يذكر‭ ‬بعض‭ ‬العبارات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬مثل‭ ‬هؤلاء‭ ‬‮«‬الظرفاء‮»‬‭ ‬ينقشونها‭ ‬على‭ ‬أختامهم‭. ‬يبدأ‭ ‬بن‭ ‬إسحاق‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الأبيات‭ ‬الصوفية‭ ‬التي‭ ‬يحتوي‭ ‬الكثير‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬ذكر‭ ‬الله،‭ ‬والنبي‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬والإمام‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ ‬مثل‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬بالله‭ ‬واثق،‭ ‬إن‭ ‬ربي‭ ‬لرازق‮»‬‭ ‬و«بحب‭ ‬آل‭ ‬محمد،‭ ‬ألقى‭ ‬إله‭ ‬محمد‮»‬،‭ ‬و«حب‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب،‭ ‬فرض‭ ‬على‭ ‬الشاهد‭ ‬والغائب‮»‬‭. ‬كما‭ ‬يذكر‭ ‬نقوشًا‭ ‬أخرى‭ ‬تحمل‭ ‬أفكارًا‭ ‬متنوعة‭ ‬مثل‭: ‬‮«‬القناعة‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬الضراعة‮»‬‭ ‬و«الهرب‭ ‬قبل‭ ‬الطلب‮»‬‭ ‬و«لكل‭ ‬حق‭ ‬حقيقة،‭ ‬ولكل‭ ‬زمان‭ ‬خليقة‮»‬‭ ‬و«الحق‭ ‬ينْجي،‭ ‬والباطل‭ ‬يردي‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬قسم‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬تتركز‭ ‬الفكرة‭ ‬الأساسية‭ ‬حول‭ ‬الحب‭ ‬وما‭ ‬يكتبه‭ ‬أهل‭ ‬الهوى‭ ‬على‭ ‬أختامهم،‭ ‬بحيث‭ ‬هناك‭ ‬قصة‭ ‬حول‭ ‬شاب‭ ‬يدعى‭ ‬الحسن‭ ‬بن‭ ‬وهب،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬جارية‭ ‬تُدعى‭ ‬‮«‬ناعم‮»‬‭ ‬فقام‭ ‬بعكس‭ ‬اسمها‭ ‬ونقش‭ ‬على‭ ‬خاتمه‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬معان‮»‬‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬‮«‬ناعم‮»‬‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬كتب‭ ‬الأبيات‭ ‬التالية‭:‬

نقشت‭ ‬معانا‭ ‬على‭ ‬خاتمي‭    

لكيما‭ ‬أُعان‭ ‬على‭ ‬ظالمي

كذا‭ ‬اسم‭ ‬من‭ ‬هام‭ ‬قلبي‭ ‬به‭    

وأصبح‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الهائم

نكست‭ ‬الهجاء‭ ‬فأعلنته‭      

بطرفى‭ ‬ليخفى‭ ‬على‭ ‬الحازم‭ ‬

وهناك‭ ‬قصة‭ ‬أخرى‭ ‬تتعلق‭ ‬بشخص‭ ‬يُدعى‭ ‬‮«‬محمد‭ ‬بن‭ ‬عبدالملك‭ ‬الزيات‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كان،‭ ‬أيضًا،‭ ‬قد‭ ‬عشق‭ ‬جارية‭ ‬وعندما‭ ‬تركها‭ ‬قامت‭ ‬بنقش‭ ‬كلمات‭ ‬على‭ ‬خاتمها‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬بالعتاب،‭ ‬وعندما‭ ‬بلغه‭ ‬الأمر‭ ‬كتب‭ ‬على‭ ‬خاتمه‭ ‬ضد‭ ‬ما‭ ‬كتبت،‭ ‬فبلغها‭ ‬ذلك‭ ‬فمحت‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬خاتمها‭ ‬وكتبت‭ ‬ضد‭ ‬ما‭ ‬كتب‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬بلغه‭ ‬ما‭ ‬ردت‭ ‬به‭ ‬فمحا‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬خاتمه‭ ‬وكتب‭ ‬ضد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬أبيات‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭:‬

كتَبتْ‭ ‬على‭ ‬فص‭ ‬لخاتمها‭   

من‭ ‬ملّ‭ ‬من‭ ‬أحْبا‭ ‬به‭ ‬رقدا

فكتبْت‭ ‬في‭ ‬فصي‭ ‬ليبلُغَها‭   

من‭ ‬نام‭ ‬لم‭ ‬يشعر‭ ‬بمن‭ ‬سَهِدا

فمحته‭ ‬واكتتبت‭ ‬ليبلغني‭   

ما‭ ‬نام‭ ‬مَن‭ ‬يهوى‭ ‬ولا‭ ‬هَجَدا

فمحوته‭ ‬ثم‭ ‬اكتتبت‭ ‬أنا‭    

والله‭ ‬أول‭ ‬ميت‭ ‬كمدا

قالت‭: ‬يعارضني‭ ‬بخاتمه‭  

واللهِ‭ ‬لا‭ ‬كلّمته‭ ‬أبدا

وفي‭ ‬نصوص‭ ‬لاحقة‭ ‬يصف‭ ‬الرحّالة‭ ‬الفرنسي‭ ‬جون‭ ‬شاردان،‭ ‬الذي‭ ‬استقر‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬فارس‭ ‬1664‭ ‬و1670‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حكم‭ ‬سليمان‭ ‬الأول‭ ‬الصفوي‭ ‬خصائص‭ ‬الأختام‭ ‬الإسلامية‭ ‬ووظيفتها‭ ‬الرئيسية،‭ ‬ويقول‭ ‬إنه‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬اعتاد‭ ‬عليه‭ ‬المستشرقون‭ ‬وأهل‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬إثبات‭ ‬صحة‭ ‬وثائقهم‭ ‬بالتوقيع‭ ‬عليها‭ ‬بالريشة‭ ‬والحبر،‭ ‬فكان‭ ‬أهل‭ ‬بلاد‭ ‬فارس‭ ‬يستعملون‭ ‬الختم‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬التوقيع‭. ‬ولكنه‭ ‬يضيف‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬بالإمكان‭ ‬أخذ‭ ‬ختم‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬والقيام‭ ‬بتزويره‭ ‬بسهولة،‭ ‬لأن‭ ‬الناس‭ ‬كانوا‭ ‬يرتدونه‭ ‬على‭ ‬عنقهم‭ ‬بواسطة‭ ‬حبل‭ ‬حريري‭ ‬بين‭ ‬قميصهم‭ ‬الداخلي‭ ‬وردائهم‭ ‬ولم‭ ‬يكونوا‭ ‬يخلعونه‭ ‬إلا‭ ‬وقت‭ ‬الاستحمام‭ ‬وهناك‭ ‬أشخاص‭ ‬آخرون‭ ‬كانوا‭ ‬يضعون‭ ‬الختم‭ ‬على‭ ‬إصبعهم‭ ‬بواسطة‭ ‬حلقة‭ ‬حديدية‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يصف‭ ‬شاردان‭ ‬الأختام‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تصنع‭ ‬من‭ ‬العقيق‭ ‬أو‭ ‬العقيق‭ ‬الأبيض‭ ‬وكانت‭ ‬إما‭ ‬بيضاوية‭ ‬أو‭ ‬مربعة‭ ‬الشكل‭ ‬وكان‭ ‬ينقش‭ ‬عليها‭ ‬اسم‭ ‬حاملها‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬سطر‭ ‬أو‭ ‬سطرين‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬ثقة‭ ‬الشخص‭ ‬بالله‭ ‬وإيمانه‭ ‬به‭. ‬

 

الختم‭ ‬أكثر‭ ‬موثوقية

أما‭ ‬إدوارد‭ ‬وليم‭ ‬لين‭ ‬فقد‭ ‬كتب‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬عادات‭ ‬المصريين‭ ‬المحدثين‭ ‬وتقاليدهم‮»‬‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬أنه‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬الختم‭ ‬يوضع‭ ‬على‭ ‬الإصبع‭ ‬الصغير‭ ‬لليد‭ ‬اليمنى‭ ‬وبأن‭ ‬انطباعه‭ ‬كان‭ ‬يعتبر‭ ‬أكثر‭ ‬موثوقية‭ ‬من‭ ‬إمضاء‭ ‬الاسم‭ ‬بالقلم،‭ ‬وبأنه‭ ‬كان‭ ‬لكل‭ ‬شخص‭ ‬ختمه‭ ‬الخاص‭ ‬‮«‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬خادمًا‮»‬،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبيره‭. ‬أما‭ ‬عن‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يستخدم‭ ‬بها‭ ‬فيقول‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬دهنه‭ ‬بقليل‭ ‬من‭ ‬الحبر‭ ‬بأحد‭ ‬الأصابع‭ ‬ويتم‭ ‬ضغطه‭ ‬على‭ ‬الورقة،‭ ‬بحيث‭ ‬يكون‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يستخدم‭ ‬الختم‭ ‬قد‭ ‬لمس‭ ‬لسانه‭ ‬أولًا‭ ‬بإصبع‭ ‬آخر‭ ‬ورطّب‭ ‬المكان‭ ‬في‭ ‬الورقة‭ ‬المراد‭ ‬ختمها‭.‬

‭ ‬

قيمة‭ ‬فنية‭ ‬دائمة

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الأختام‭ ‬المعدنية‭ ‬والحجريّة‭ ‬بدأت‭ ‬تختفي‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حلَّت‭ ‬مكانها‭ ‬الأختام‭ ‬المطّاطيَّة،‭ ‬وانتشرت‭ ‬المَكْننة‭ ‬الآليّة‭ ‬في‭ ‬صناعتها‭ ‬وانفصلت‭ ‬صناعتها‭ ‬عن‭ ‬مهنة‭ ‬الخطّاط‭ ‬الذي‭ ‬اكتفى‭ ‬بكتابة‭ ‬النَّصّ‭ ‬وزخرفته،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬الختم‭ ‬المعدني‭ ‬النّافر‭ ‬لا‭ ‬يظهر‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬ختم‭ ‬الوثائق‭ ‬المهمة‭ ‬كجوازات‭ ‬السّفر‭ ‬والشّهادات‭ ‬العلميَّة‭ ‬وغيرِها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬شيوع‭ ‬الأختام‭ ‬ذات‭ ‬الصناعة‭ ‬اليدوية‭ ‬والزخارف‭ ‬والكتابات‭ ‬الجميلة‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬وما‭ ‬قبله‭ ‬في‭ ‬الحقبات‭ ‬الإسلامية‭ ‬المتتالية‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬بقاء‭ ‬العديد‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭. ‬ولأنها‭ ‬تعتبر‭ ‬قطعًا‭ ‬فنية‭ ‬يظهر‭ ‬فيها‭ ‬الفن‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬أبهى‭ ‬حلله‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬نجدها‭ ‬معروضة‭ ‬في‭ ‬مجموعات‭ ‬فريدة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المتاحف‭ ‬العالمية،‭ ‬وكذكرى‭ ‬جميلة‭ ‬متوارثة‭ ‬من‭ ‬الأجداد،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬بيعها‭ ‬في‭ ‬المزادات‭ ‬العلنية‭ ‬بأسعار‭ ‬باهظة‭. ‬وعلى‭ ‬عكس‭ ‬الأختام‭ ‬الأوربية‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬على‭ ‬الصور‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬التركيز‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬الأختام‭ ‬الإسلامية‭ ‬على‭ ‬الكتابة‭ ‬بالخط‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬الأختام‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬تركيا،‭ ‬ومن‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬الهند،‭ ‬ومن‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬إندونيسيا‭. ‬ففن‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬أرقى‭ ‬أشكال‭ ‬الفن‭ ‬الإسلامي‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬بسبب‭ ‬الدور‭ ‬الخاص‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬كلمة‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬ولذلك‭ ‬يتم‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬القيمة‭ ‬الفنية‭ ‬للأختام‭ ‬الإسلامية‭ ‬أولًا‭ ‬وقبل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬من‭ ‬جمال‭ ‬ومهارة‭ ‬الكتابات‭ ‬التي‭ ‬تحتوي‭ ‬عليها‭. ‬تعكس‭ ‬أنماط‭ ‬الخط‭ ‬الموجودة‭ ‬على‭ ‬الأختام‭ ‬تطور‭ ‬الكتابة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬المخطوطات‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬النقوش‭ ‬على‭ ‬الحجر‭ ‬والمعدن‭ ‬والخزف‭ ‬بحيث‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬أقدم‭ ‬الأختام‭ ‬كانت‭ ‬منقوشة‭ ‬بالخط‭ ‬الكوفي‭ ‬البسيط‭ ‬وكان‭ ‬يتم‭ ‬تضخيم‭ ‬الخطوط‭ ‬الأفقية‭ ‬للحروف‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التأثير‭ ‬الفني،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬مد‭ ‬الأحرف‭ ‬الأخرى‭ ‬بتكوينات‭ ‬زخرفية‭ ‬متوازنة‭ ‬ومنسجمة‭. ‬كما‭ ‬يمكن،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأختام‭ ‬أيضًا،‭ ‬تتبع‭ ‬التطور‭ ‬اللاحق‭ ‬للنسخ‭ ‬والنصوص‭ ‬المتصلة‭ ‬الأخرى‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬خط‭ ‬‮«‬النستعليق‮»‬‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬عشر،‭ ‬الذي‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬أصبحت‭ ‬معه‭ ‬الخطوط‭ ‬الشاملة‭ ‬والمنحنيات‭ ‬هي‭ ‬النص‭ ‬المفضل‭ ‬للأختام‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬الهندي‭. ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬السلطنة‭ ‬العثمانية‭ ‬كانت‭ ‬الأختام‭ ‬الدّقيقة‭ ‬تنقش‭ ‬بالخط‭ ‬الغباريّ،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬الأختام‭ ‬الكبيرة‭ ‬كأختام‭ ‬المحاكم‭ ‬والإجازات‭ ‬الصّوفيّة‭ ‬والعلميّة‭ ‬والمراسيم‭ (‬الفِرمانات‭) ‬تنقش‭ ‬بخط‭ ‬الطُّغراء‭ ‬والخطّ‭ ‬الدّيوانيّ‭ ‬الجليّ،‭ ‬والثُّلث‭ ‬وغيرِها‭.‬

 

أحكام‭ ‬الأختام‭ ‬وقانونيتها

كما‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الأختام‭ ‬تعكس‭ ‬مهاراة‭ ‬الخطّاطين‭ ‬في‭ ‬زمانهم‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يصنعون‭ ‬الأختام‭ ‬ويكتبون‭ ‬ما‭ ‬عليها‭ ‬وينقشونها‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬النقاشين‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬على‭ ‬دراية‭ ‬في‭ ‬الخط‭ ‬وعلم‭ ‬الأرقام‭ ‬والهندسة‭ ‬بالاضافة‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬ضليعين‭ ‬بالشعر‭ ‬ويتحلون‭ ‬بتقوى‭ ‬الله،‭ ‬خاصة‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬مؤتمنين‭ ‬على‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الأختام‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬تزويرها‭. ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الطابع‭ ‬الفني‭ ‬البحت‭ ‬للأختام‭ ‬الإسلامية‭ ‬فقد‭ ‬ترافقت‭ ‬تلك‭ ‬الأختام‭ ‬مع‭ ‬إرث‭ ‬ثقافي‭ ‬مهم‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬مباشرة‭ ‬بدراسة‭ ‬أحكام‭ ‬الأختام‭ ‬وقانونيتها،‭ ‬ولغتها،‭ ‬وشأنها‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬الشرعي‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬أحكام‭ ‬الخواتيم‮»‬‭ ‬لمؤلفه‭ ‬ابن‭ ‬رجب‭ ‬الحنبلي‭ (‬ت795هـ‭) ‬الذي‭ ‬اعتمد‭ ‬في‭ ‬مصادره‭ ‬على‭ ‬كتابي‭ ‬‮«‬الخواتيم‮»‬‭ ‬لحمزة‭ ‬السهمي‭ (‬ت428هـ‭)‬،‭ ‬و«الخواتيم‮»‬‭ ‬لابن‭ ‬منجويه‭. ‬ومن‭ ‬المؤلفات‭ ‬الأخرى‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬الخواتيم‮»‬‭ ‬لابن‭ ‬أبي‭ ‬الدنيا،‭ ‬وكتاب‭ ‬‮«‬التختيم‭ ‬من‭ ‬اليمين‭ ‬أو‭ ‬اليسار‮»‬‭ ‬للبيهقي،‭ ‬وكتاب‭ ‬‮«‬الخواتيم‮»‬‭ ‬لابن‭ ‬أبي‭ ‬حية،‭ ‬وكتاب‭ ‬‮«‬الخواتيم‮»‬‭ ‬لعبدالله‭ ‬الدبيلي‭ ‬وكذلك‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬الدر‭ ‬الثمين‭ ‬في‭ ‬التختم‭ ‬باليمين‮»‬‭ ‬لمؤلفه‭ ‬محمد‭ ‬رضا‭ ‬الطبسي‭ ‬النجفي‭.‬

يبقى‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الأختام‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬إلينا‭ ‬من‭ ‬حقبات‭ ‬غابرة‭ ‬لا‭ ‬زالت‭ ‬تحمل‭ ‬معها‭ ‬انطباعاتها‭ ‬الدائمة‭ ‬واستمرت‭ ‬نقوشها‭ ‬لتشهد‭ ‬على‭ ‬مهارة‭ ‬صانعيها‭ ‬وعلى‭ ‬جمال‭ ‬الفن‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬أصغر‭ ‬وأدق‭ ‬إبداعاته‭ ‬الجميلة‭ ‬■