الكشوف الجغرافية وأثرها في لغات العالم الجديد
تعد الكشوف الجغرافية الحديثة نقطة تحول حاسمة في تاريخ العالم وجغرافيته، فقد أسهمت في تزايد المعرفة بكوكب الأرض، أرضًا وسكانًا وموارد، وحتى أواخر القرن الخامس عشر كان العالم القديم هو مجال النشاط البشري والصراع السياسي عبر تاريخه الطويل، واستمر ذلك حتى بدأت حركة الكشوف الحديثة التي ارتبطت بدايتها باتجاه (كريستوفر كولومبس) غربًا - عبر بحر الظلمات (المحيط الأطلنطي) - للوصول إلى الهند وجنوب شرق آسيا، وتوالى خروج مستكشفين آخرين من غرب أوربا لارتياد المجهول وكشف أسرار مناطق وأقاليم لم تكن معروفة من قبل، وتمثل ذلك بجلاء في كشف الأمريكتين وأستراليا وجزر المحيط الهادي، وقد نتج عن هذه الكشوف نتائج عدة لعل من أبرزها النتائج الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والتعرف على شعوب وقبائل لم تكن معروفة، وكذلك رسم خرائط للمناطق المكتشفة وما احتوتها من ظاهرات طبيعية كالجبال والأنهار والبحيرات، وما بها من مجتمعات قبلية تتباين في أصولها، وحضاراتها، ولغاتها وأساليب حياتها، مما أسهم في تزايد المعرفة الجغرافية بهذا العالم، وتبادل العلاقات معه في مجالات عديدة.
وتتناول هذه الدراسة مراحل الكشوف الجغرافية في العالم الجديد - وهو هنا مقصور على الأمريكتين - وما ترتب على هذه الكشوف من نتائج وآثار في لغات هذا العالم الجديد سواء كانت لغات أصيلة وما اعتراها من تغير وما شهدته من اندثار، أو لغات الوافدين من أوروبا - واستعمروا هاتين القارتين، ونشروا فيها لغاتهم الأوربية حتى أصبحت لغات رسمية للدول الأمريكية في الشمال والوسط والجنوب، بل أصبحت صفة مميزة للقارتين حضاريًا وثقافيًا - فأمريكا الشمالية - أنجلو ساكسونية، وأمريكا الجنوبية - لاتينية ، وجزر البحر الكاريبي تحمل الصفتين معًا حسب تاريخ كل منهما الاستعماري، وما ترتب على ذلك من سيادة لغة المستعمر في التعليم والإدارة - والثقافة، كل ذلك في آن معًا.
والمتأمل في سيرة الكشوف الجغرافية الحديثة ومسيرتها منذ خرجت من شبه جزيرة أيبيريا سنة 1492 وما تلاها يدرك أنها تمت على مراحل - وبإيقاع تراكمي مستمر، فقد بدأت بالجزر الساحلية التي أصبحت نقاط ارتكاز للتغلغل نحو الداخل، وكانت جزر البحر الكاريبي - أو جزر الهند الغربية التي اشتقت اسمها من هدف هذه الكشوف المبكرة للوصول إلى الهند بالاتجاه غربًا بدلاً من الطرق العابرة لبلاد المشرق الإسلامي، ثم تلا بعد ذلك بسنوات قليلة اكتشاف المناطق الساحلية الشرقية في يابس القارتين وبدأ استيطان الأوربيين الأوائل في مراكز محددة على امتداد هذه السواحل، وأصبحت تلك المراكز فيما بعد نوايات ارتكاز وتوسع نحو الداخل لكشف غموضه ومعرفه أسراره تدريجيًا في مراحل تالية ومتعاقبة.
وقد جذبت المستعمرات البريطانية في أمريكا الشمالية أعدادًا ضخمة من المهاجرين ذوي الميول الدينية، ومن فقراء أوربا على امتداد القرنين السابع عشر والثامن عشر، قدموا من الجزر البريطانية وألمانيا وهولندا وغيرها من الأقطار الأوربية. وقد بلغ عدد السكان نحو 3 ملايين أوربي في سبعينيات القرن الثامن عشر، وبدأت أعداد السكان الأصليين في التناقص بشدة بسبب الأمراض الأوربية، والحروب التي خاضوها ضد الأوربيين في المستعمرات الجديدة.
دوافع الكشوف الجغرافية
كانت دوافع الكشوف الجغرافية المبكرة عديدة - لعل أبرزها الدوافع الدينية، حيث أدى الصراع بين العرب المسلمين والإمارات المسيحية في شبه جزيرة أيبيريا إلى سقوط الأندلس وطرد العرب نهائيًا منها سنة 1492، وهي السنة التي بدأ فيها كريستوفر كولومبس أولى رحلاته للكشف عن طريق يؤدي إلى الهند بالاتجاه غربًا. وقد ارتبط بالدوافع الدينية الرغبة في التبشير الديني لنشر المسيحية، وساعدت جمعيات تبشيرية كثيرة على القيام بهذه الكشوف لنشر المسيحية لدى الجماعات والقبائل في المناطق التي ارتادها المستكشفون.
والواقع أن أوربا المسيحية وجمعياتها التبشيرية والعلمية والمستكشفين الأوربيين رأوا في الكشف الجغرافي والتبشير ونشر الحضارة الأوربية واجبًا مفروضًا عليهم، وكانت إفريقيا وأمريكا اللاتينية بشعوبها وقبائلها المجال الخصب لتلك الجهود، فقد اعتقد الأوربيون أن أمريكا اللاتينية تسكنها جماعات هندية وثنية متخلفة يجب هدايتها إلى المسيحية وتغيير معتقداتها المتباينة، لذلك كانت الكنائس والكاتدرائيات هي المنشآت الأوربية المبكرة في المناطق التي اكتشفها الأوربيون وسيطروا عليها في العالم الجديد.
كانت العوامل السياسية التي أعقبت سقوط الأندلس في 1492 دافعًا رئيسيًا لدى الأوربيين للبحث عن طريق يؤدي إلى شرقي آسيا - بعيدًا عن الطرق المعتادة التي تخترق المشرق الإسلامي، وقد وجدت هذه الدعوة استجابة كبرى خاصة بعد اكتشاف «بارثليمو دياز» - طريق رأس الرجاء الصالح في 25 ديسمبر 1497 والوصول إلى الهند سنة 1498 - وكان ذلك من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى اكتشاف العالم الجديد - في نصف الكرة الغربي، وتنافست في ذلك دول أوربية عديدة، أبرزهم الإسبان والبرتغاليون ثم الإنجليز والفرنسيون وغيرهم بعد ذلك، وقد سلك الإسبان من خلال رحلة كريستوفر كولومبس طريق الجنوب الغربي - أو طريق الغرب بحثًا عن الممر البحري المؤدي إلى الهند والصين وعبر المسافة بين الساحلين الأوربي والأمريكي التي تصل إلى حوالي 4800 كيلومتر في رحلات أربع متعاقبة بدأها سنة 1492، وكانت جزر البحر الكاريبي أولى المحطات التي وصل إليها الإسبان في الأمريكتين في ذلك الوقت.
وإذا كان الدافع لكشف طريق بحري يؤدي إلى جنوب شرقي آسيا هو الذي أسهم مبكرًا في كشف الأمريكتين، فإن الثروات الطبيعية بها خاصة الذهب والفضة في أمريكا اللاتينية، والفراء في شمال أمريكا الشمالية إلى جانب الإمكانات الطبيعية المساعدة على قيام الزراعة، كل ذلك كان حافزًا رئيسيًا لتطور هذه الكشوف في العالم الجديد.
ورغم تعدد المستكشفين من الدول الأوربية، فإن السمة الغالبة للكشوف الجغرافية في الأمريكتين قد أخذت منحى خاصًا بالدول الكبرى في حركة الكشوف التي حددت الظاهرات الطبيعية مساراتها نحو الداخل الأمريكي، ففي أمريكا الشمالية وصل الإسبان حتى الأطراف الجنوبية بما في ذلك شبه جزيرة فلوريدا سعيًا وراء الذهب، في حين سلك الفرنسيون محورًا شماليًا غربيًا عبر حوض نهر سانت لورانس الذي قادهم إلى منطقة البحيرات العظمي، وهو نفس الدور الذي قام به نهر المسيسبي الذي ساعد على تقدم الكشوف الفرنسية في محور شمالي/ جنوبي حتى خليج المكسيك، بينما استقر الإنجليز على السواحل الشرقية لأمريكا الشمالية المواجهة للجزر البريطانية في غرب أوربا، ثم اخترقوا نطاق مرتفعات الأبلاش بعد ذلك مستغلين نهر أوهايو (بوابة الغرب) في الوصول إلى النطاق الأوسط من أمريكا الشمالية.
وقد شكلت المرتفعات الغربية (جبال الروكى) حاجزًا كبيرًا ممتدًا من الشمال إلى الجنوب وعائقًا صعبًا أمام المستكشفين للوصول إلى ساحل المحيط الهادي، والذى تحقق بعد فترة طويلة من وصول الأوربيين إلى القارة. الجدير بالذكر أن المرشدين من الهنود الأمريكيين هم الذين ساعدوا كلًا من «ميريويدز لويس»، «وويليام كلارك» - في عبور هذه المرتفعات - كأول مستكشفين لها - وكان ذلك بداية القرن التاسع عشر خلال عهد توماس جيفرسون الذي تولى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1801.
اكتشاف أمريكا اللاتينية
ويكاد الأمر يتكرر في كشف أمريكا اللاتينية، فقد كان البحث عن الذهب والمعادن النفيسة دافعًا رئيسيًا لتدفق الإسبان والبرتغاليين لكشف هذه القارة منذ بداية القرن الخامس عشر، وتلاهم في ذلك الإنجليز والفرنسيون والهولنديون. حددت مظاهر البيئة الجغرافية محاور الكشف الجغرافي، فكانت الجزر والمناطق الساحلية هي أولى المناطق المكتشفة التي استوطنها الأوربيون بعد ذلك، إلا أن سمات الموقع المتطرف وظروف البيئة غير الملائمة وأشكال السطح الشاهقة الارتفاع أخرت اتجاه الكشوف حتى منتصف القرن التاسع عشر، ومن أوضح الأمثلة على ذلك الأجزاء الداخلية من حوض الأمازون وهضبة بتاجونيا وإقليم (الجران – شاكو) والقطاع الجنوبي من مرتفعات الأنديز.
أما المناطق الساحلية ذات المواقع الجغرافية الجيدة فقط كانت في مقدمة المناطق التي تم كشفها خاصة شمال شرق القارة - وغربها ومن ثم كانت الأسبق في الاستيطان والتعمير من غيرها من المناطق الداخلية.
وتكاد أدبيات علم الجغرافيا تجمع على أن هناك اتصالات بشرية قديمة بين العالمين القديم والجديد، ويرجع بعض الباحثين هذه الاتصالات إلى نحو 14000 سنه قبل الميلاد عندما عبر المهاجرون الآسيويون الأوائل مضيق برنج من سيبيريا إلى ألاسكا في مجموعات صغيرة منتشرة عبر الأمريكتين. وقبل مجيء الأوربيين في العصر الحديث كانت الأمريكتان عامرتين بالسكان في مجتمعات مركبة، وأقدم هذه الحضارات تلك التي عاشت في النطاق النهري الساحلي لبيرو الحالية بين 500 و3500 سنة قبل الميلاد اعتمادًا على الزراعة.
كذلك الحال بالنسبة لشمال غرب أوربا حيث اتجه «النورسمن» الذين أبحروا من آيسلنده وجرينلند، وهؤلاء يمثلون الأوربيين الأوائل الذين وصلوا أمريكا عبر نحو خمس رحلات تمت حوالي سنة 1000 ميلاديه إلى ما يعرف بمنطقة لبرادور ونوڤاسكوشيا ونيوانجنلند.
غير أن الاتصال الدائم بين أوربا والأمريكتين تَمثل في أولى رحلات كريستوفر كولومبس (ولد في جنوب إيطاليا) التي بدأت من إسبانيا ولحساب الإسبان، في 3 أغسطس عام 1492 بثلاث سفن عليها 88 بحارًا، ووصلت إلى جزر (Watling) من جزر بهاما الحالية في 12 أكتوبر 1492، كما وصل إلى كوبا وهسبانيولا. أما رحلته الثانية فغادرت إسبانيا أيضًا في 25 سبتمبر 1493 وكانت مكونة من 17 سفينة و1500 بحار، ووصلت إلى جزر الأنتيل الصغرى في 3 نوفمبر 1493. وجاءت رحلته الثالثة من إسبانيا فكانت في 30 مايو 1498 ومعه 6 سفن ووصل إلى السواحل الشمالية لأمريكا الجنوبية. أما الرحلة الرابعة فقد كانت في 9 مايو 1502، والتي وصل فيها كولومبس إلى أمريكا الوسطى ومات سنة 1506، مقتنعًا بأنه وصل إلى آسيا بالاتجاه غربًا.
أما (جون وسبسيتان كابوت) وهما مستكشفان إيطاليان، فقد أبحرا من إنجلترا ووصلا إلى نيوفوندلاند وربما نوفاسكوشيا سنه 1497، وجاءت رحلة جون الثانية (1498) باحثًا عن طريق تجاري نحو آسيا وفشل في ذلك وخسر كل أسطوله البحري، وخلال هذه الفترة سيطر الإسبان والبرتغاليون على الكشوف الجغرافية، وفي عامي 1497 و1499 أبحر المستكشف الإيطالي (أمريجو فسبوتشي) من إسبانيا ووصل إلى السواحل الشمالية والشرقية لأمريكا الجنوبية. وكان أول مستكشف يقرر أن الأراضي التي اكتشفت كانت قارة جديدة، ولم تكن قارة آسيا، لذا أطلق اسمه على هذه القارة الجديدة.
والواقع أن مكتشفي الأمريكتين في الفترة من 1492 - 1806 بلغ عددهم نحو أربعين مكتشفًا أشهرهم كولومبس، وأمريجو فسبوتشي وكابوت، وماجلان، وكانوا هم الرواد الأوائل، ثم جاء الآخرون من بعدهم في تعاقب زمني وتراكمي يضيف كل منهم جديدًا إلى سابقيه سواء في كشف المناطق والأقاليم الداخلية أو السواحل والأنهار وغيرها.
المستكشفون والقبائل الأصلية
في أمريكا الشمالية
سبق القول إن الكشوف الجغرافية بدأت بالجزر والمناطق الساحلية شرق الأمريكتين، وبدأت في التغلغل تدريجيًا نحو الداخل لتكتشف جماعات وقبائل تختلف في عددها وقوتها ولغاتها، ولم تجد الكشوف التي تمت في شمال أمريكا الشمالية - لغات أو جماعات قوية تقف أمام لغة الفاتحين، حتى جماعات الاسكيمو كانوا من القلة بحيث لم يكن لها تأثير كبير في لهجات شمال القارة ولغاتها.
أما في وسط أمريكا الشمالية وجنوبها فالأمر يختلف اختلافًا كبيرًا، وذلك لأن القبائل الهندية في الوسط والغرب والجنوب كانت من الكثرة العددية ما سمح بسيادة لغاتها على نطاق واسع وصمدت أمام الإنجليزية ردحًا طويلًا من الزمن، أبرزها جماعات الشيروكي.
وقد قاومت لغات هذه القبائل اللغات الأوربية الوافدة - الدخيلة غير أنها لم تصمد أمام كثرة الوافدين والمستوطنين وسيادة لغتهم الإنجليزية، وارتبط ذلك بعدد المهاجرين الأوربيين إلى أمريكا الشمالية والسيطرة الاستعمارية على أراضيها، فقد سيطر البريطانيون على مساحات ضخمة منها، وشاركتهم إسبانيا في الأطراف الجنوبية خاصة فلوريدا ونيومكسيكو الحالية، أما فرنسا فقد سيطرت على إقليم كويبك الحالي، وتنازلوا لبريطانيا عن مناطق أخرى في الولايات المتحدة الحالية - وهي لويزيانا التي سميت باسم امبراطور فرنسا لويس الرابع عشر.
وقد شهدت الأمريكتان قيام حضارات قديمة بها لعل أهمها تلك التي نشأت في الفترة من 300 - 600 ميلادية حيث امتدت امبراطورية أمريكية قديمة من وادي المكسيك حتى جواتيمالا - ومركزها مدينة ضخمة هي مدينة - تيتيهواكان - ونحو الجنوب في جواتيمالا تطورت حضارة المايا من (150-900 ميلادية) حول مئات من مراكز العمران الريفي، وطورت هذه الحضارة طريقة للكتابة عرفت باسم (أوملك)، كما عرفت تقويمًا خاصًا بها، كما عرفت الفلك والرياضيات.
كذلك قامت حضارة «الأزتك» ووحَد أصحاب هذه الحضارة مساحات كبيرة من أمريكا الوسطى حيث ظهرت على هيئة امبراطورية عسكرية سنة 1519 وعاصمتها تينوشتتلان، (قدر سكانها آنذاك بنحو 300000 نسمة) وكانت معظم المناطق المتحضرة في أمريكا الجنوبية خاضعة لإمبراطورية «الإنكا» (بين 1476 - 1534) تمتد من إكوادور شمالًا حتى شمال غرب الأرجنتين الحالية جنوبًا، وقد عرفت صناعة الفخار والعمارة والنحت. وقبلها ظهرت حضارة ما قبل الإنكا وتطورت هذه الحضارة في بوليفيا الحالية قرب بحيرة تيتي كاكا (أي بوابة الشمس) وذلك نحو سنة 700 ميلادية.
وعلى ذلك كانت الجماعات الهندية الأصلية تتركز في المرتفعات الغربية لأمريكا الجنوبية، وكذلك في الهضاب الداخلية، ومن الواضح أن هذه المناطق كانت مناطق صعوبة دائمة احتمت بها هذه الجماعات البشرية من هجمات جماعات أخرى.
لغات القبائل الأصلية
تتباين تقديرات السكان الأصليين في العالم الجديد قبل مجيء الأوربيين تباينًا كبيرًا، فهي تتراوح بين 35 مليون إلى 100 مليون نسمة، وليس هناك اتفاق على رقم محدد حتى إن هناك تقديرات تهبط بهذه الأرقام إلى 20 مليون نسمة. كذلك تباينت الآراء في توزيع القبائل بالقارتين سواء في عددها - أو في حجم سكان كل منها، غير أن هناك اتفاقًا بين جمهرة الباحثين على أن أكبر القبائل كانت في أمريكا اللاتينية الحالية، هي قبائل المايا، والشبشا والأزتك فى الإنديز.
والواقع أن اللغات الأصلية في العالم الجديد لم تدرس بما فيه الكفاية حيث أدى التدفق الأوربي إلى انقراض عدد كبير من اللغات، أو تغيير لغوي واضح وذلك بسبب الهجرات الوافدة والاندماج وانعزال الهنود الأمريكيين (الأمريند)، وحسب المعلومات الراهنة فإن بعض المئات من اللغات التي كانت في أمريكا قد انبثقت من عدة أصول لغوية آسيوية أبرزها:
- مجموعة الإسكيمو - الألوت.
- مجموعة أتباسكا فى غرب أمريكا الشمالية.
- مجموعة يوتو أزتك (من ولاية أيداهو إلى كوستاريكا).
- مجموعة هوكان - سوان - وهما مجموعتان نظريتان لقلة الدراسات اللغوية عنهما.
ورغم أن اللغات الهندية آخذة في التدهور، فإن العديد منها دخل اللغات الأوربية الوافدة خاصة الإنجليزية، مثل كلمة (moose) - وهو ذكر الغزال الأمريكي الضخم، وكلمة (Chipmunk) وهو السنجاب الأمريكى الصغير، وكلمة (Raccoon) وهو حيوان له فرو رمادي، وكلمة (Squash) - أي القرع العسلي من الخضر، كما أن هناك كلمات كثيرة مستعارة من اللغات الهندية سواء لأسماء وأماكن أو أنهار أو غيرها، بل إن حوالي نصف عدد الولايات الأمريكية استمد اسمه من هذه اللغات الهندية. والأمثلة كثيرة على ذلك منها: نهر المسيسيبى، وتعني النهر العظيم في اللغة الهندية، ومينيسوتا - وتعني مياه السماء الزرقاء، وأوكلاهوما وتعني البشر ذوي البشرة الحمراء، وملووكي - وتعني إحاطة المكان بالنهر، ووينيبيج - وتعني المياه الطيبة، ونياجرا نسبة إلى إحدى المدن الهندية الأمريكية، وميامي - مشتق من اسم قبيلة هندية، والمكسيك اسم مشتق من حضارة الأزتك، ويعني المكان الذي يعيش فيه إله الحرب، وهكذا.
والواقع أن الكشوف الجغرافية، وقد أدت إلى أكبر تغير في انتشار اللغات بالعالم الجديد، فقد انتشرت اللغات الجرمانية (الإنجليزية على وجه التحديد) انتشارًا واسعًا في أمريكا الشمالية، وانتشرت اللغات اللاتينية (الإسبانية والبرتغالية) في أمريكا اللاتينية، وعامة فإن انتشار بعض اللغات الرسمية في العالم الجديد هو انتشار حضاري بالمقام الأول، وقد حدث ذلك في الماضي كثيرًا مثل انتشار اللغة العربية، وحروف الكتابة العربية في بعض المجموعات اللغوية المختلفة (الإيراني - الأفغاني - التركي في آسيا - وكل شمال إفريقيا)، والملاحظ في عمليات الانتشار الحضاري اللغوي أن المجموعات البشرية - التي تقع تحت تأثير مباشر للحضارة القادمة عبر هجرة بشرية لمدة طويلة - تتبنى اللغة الجديدة كلامًا أو كتابةً، وتترك لغتها الأصلية شيئًا فشيئًا، وهذا ما حدث في الأمريكتين.
وفي العالم الجديد تسود ظاهرة يمكن تعريفها بظاهرة (الجزر اللغوية) وهي تعبّر عن وجود مجموعات بشرية تتركز في مكان محدد من الدولة يتحدثون لغة مغايرة للأغلبية، ويطلق عليها أحيانًا «لغات الأقلية»، وهي لغات الأقليات المهاجرة الوافدة، ويتمثل ذلك بوضوح في المدن الأمريكية الكبرى مثل الحي الصيني، وكذلك يبدو في تركز الأمريكيين الأفارقة في حي هارلم بنيويورك حيث يتكلمون ما يعرف بالإنجليزية السوداء.
أما في المناطق الداخلية من أمريكا الجنوبية - وهي مناطق صعبة دائمًا - وتكاد الجماعات البشرية تكون منعزلة فيها، فيقلّ التواصل مع باقي الجماعات والمجموعات البشرية الأخرى، وهي جماعات بدائية - ويتمثل ذلك بوضوح في أمازونيا - أو حوض الأمازون ■