البيروني مترجم العلوم الهندية ورائد العلوم ومجد العروبة

البيروني مترجم العلوم الهندية ورائد العلوم ومجد العروبة

‭ ‬أبو‭ ‬الريحان‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬البَيْرُونِي‭ (‬362هــ‭/‬973م‭ - ‬440هــ‭/‬1048م‭) ‬من‭ ‬أساطير‭ ‬الفلسفة‭ ‬والعلم‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬أخذ‭ ‬منه‭ ‬العالم‭ ‬كثيرًا،‭ ‬فهو‭ ‬أحد‭ ‬كبار‭ ‬علماء‭ ‬المسلمين‭ ‬الذين‭ ‬يعتز‭ ‬بهم‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭.  ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬مؤرخًا‭ ‬ورياضيًا‭ ‬وفلكيًا‭ ‬وفيلسوفًا‭ ‬ورحّالة‭ ‬وجغرافيًا‭ ‬ولغويًا‭ ‬وشاعرًا‭ ‬أديبًا‭ ‬وعالمًا‭ ‬موسوعيًا،‭ ‬وأعظم‭ ‬عقلية‭ ‬عرفها‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي‭.  ‬وهو‭ ‬أول‭ ‬مَن‭ ‬تكلّم‭ ‬بدوران‭ ‬الأرض‭ ‬حول‭ ‬محورها،‭ ‬ومؤسس‭ ‬علم‭ ‬الهنديات‭.  ‬وكانت‭ ‬له‭ ‬مؤلفات‭ ‬كثيرة‭ ‬وبحوث‭ ‬علمية‭ ‬مبتكرة‭ ‬رائدة‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬الرياضيات‭ ‬والفلك‭ ‬والهندسة‭ ‬والصيدلة‭ ‬والتاريخ‭ ‬والجغرافيا‭ ‬والعلوم‭ ‬الطبيعية‭ ‬والفيزياء‭. ‬

وُلد‭ ‬أبو‭ ‬الريحان‭ ‬البيروني‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬عام‭ ‬973م‭ ‬بضاحية‭ ‬من‭ ‬ضواحي‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬كاث‮»‬‭ ‬عاصمة‭ ‬دولة‭ ‬خوارزم‭ ‬المعروفة‭ ‬حاليًا‭ ‬بــ«خيوة‮»‬‭ (‬Khiva‭) ‬غرب‭ ‬أوزبكستان‭.  ‬والبيروني‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬البيرون‭ ‬وهي‭ ‬كلمة‭ ‬فارسية‭ ‬أصلًا‭ ‬تعني‭ ‬‮«‬خارج‭ ‬أو‭ ‬ظاهر‮»‬‭ ‬ويفسر‭ ‬السمعاني‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الأنساب‮»‬‭ ‬سبب‭ ‬تسمية‭ ‬أبي‭ ‬الريحان‭ ‬البيروني‭ ‬بهذه‭ ‬النسبة‭ ‬قائلًا‭: ‬‮«‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عائلة‭ ‬أبي‭ ‬الريحان‭ ‬من‭ ‬المشتغلين‭ ‬بالتجارة‭ ‬خارج‭ ‬المدينة،‭ ‬حيث‭ ‬بعض‭ ‬التجار‭ ‬كانوا‭ ‬يعيشون‭ ‬خارج‭ ‬أسوار‭ ‬المدينة‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬مكوس‭ ‬دخول‭ ‬البضائع‭ ‬إلى‭ ‬داخل‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬كاث‮»‬‭ ‬عاصمة‭ ‬خوارزم،‭ ‬فمن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬البلد‭ ‬ولا‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬نفسها‭ ‬يقال‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬الفارسية‭ ‬‮«‬فلان‭ ‬بيروني‭ ‬هست‮»‬‭. ‬والمشهور‭ ‬بهذه‭ ‬النسبة‭ ‬أبو‭ ‬الريحان‭ ‬المنجم‭ ‬البيروني‭. ‬

كان‭ ‬البيروني‭ ‬عربي‭ ‬الثقافة،‭ ‬وعربي‭ ‬الروح،‭ ‬ملمًا‭ ‬باللغة‭ ‬الخوارزمية‭ ‬والعربية‭ ‬والفارسية‭ ‬والسنسكريتية،‭ ‬ويجيد‭ ‬أيضًا‭ ‬اليونانية‭ ‬والعبرية‭ ‬والسريانية‭.  ‬قضى‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬غزنة‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬المعاصرة،‭ ‬عاصمة‭ ‬الدولة‭ ‬الغزنوية‭ ‬التي‭ ‬ارتفعت‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬حكم‭ ‬محمود‭ ‬سَبْكَتْكِيْن‭ ‬إلى‭ ‬أوجها‭ ‬بفضل‭ ‬علوّ‭ ‬همّته‭ ‬وحسن‭ ‬قيادته‭. ‬امتدت‭ ‬حدود‭ ‬مملكته‭ ‬من‭ ‬بخارى‭ ‬وسمرقند‭ ‬إلى‭ ‬غوجرات‭ ‬غرب‭ ‬الهند‭ ‬وقَـنَّوْج‭ (‬مديرية‭ ‬معروفة‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬أترابراديش‭ ‬حاليًا‭) ‬في‭ ‬شمالها،‭ ‬كما‭ ‬شملت‭ ‬حكومته‭ ‬أفغانستان‭ ‬وبلاد‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬النهر‭ ‬وسجستان‭ ‬وخراسان‭ ‬وطبرستان‭ (‬هي‭ ‬مناطق‭ ‬تاريخية‭ ‬قديمة‭ ‬تشمل‭ ‬جزءًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬أوزبكستان‭ ‬وكازاخستان‭ ‬وقيرغيزستان‭ ‬وتركمانستان‭ ‬حاليًا‭). ‬

درس‭ ‬الرياضيات‭ ‬والفلك‭ ‬والطب،‭ ‬وتناول‭ ‬الأدب‭ ‬والشعر‭ ‬والتاريخ،‭ ‬واضطلع‭ ‬بتدوين‭ ‬أخبار‭ ‬الأمم‭ ‬وأحوالها‭ ‬وتاريخ‭ ‬العلوم،‭ ‬وكتب‭ ‬عددًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬المؤلفات‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬العلوم‭. ‬ونقل‭ ‬في‭ ‬كتبه‭ ‬آراء‭ ‬علماء‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭ ‬القدماء،‭ ‬وناقش‭ ‬في‭ ‬المسائل‭ ‬العلمية‭ ‬المختلفة،‭ ‬فقد‭ ‬كتب‭ ‬عن‭ ‬تثبيت‭ ‬الزوايا‭ ‬في‭ ‬حساب‭ ‬المثلث‭ ‬والدائرة‭.  ‬وقدم‭ ‬بحثًا‭ ‬مستفيضًا‭ ‬في‭ ‬خطوط‭ ‬الطول‭ ‬والعرض‭ ‬ودوران‭ ‬الأرض‭ ‬حول‭ ‬محورها،‭ ‬ودخل‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المناقشات‭ ‬حول‭ ‬دوران‭ ‬الأرض‭ ‬مع‭ ‬ابن‭ ‬سينا،‭ ‬واعترض‭ ‬على‭ ‬توقعات‭ ‬أرسطو‭ ‬حول‭ ‬علم‭ ‬الفلك‭. ‬وبحث‭ ‬في‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬سرعة‭ ‬الضوء‭ ‬وسرعة‭ ‬الصوت،‭ ‬وأوضح‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬سرعتيهما‭. ‬واستخدم‭ ‬الأواني‭ ‬المستطرقة‭ ‬في‭ ‬شرح‭ ‬تدفق‭ ‬الينابيع‭ ‬والآبار‭ ‬الارتوازية‭. ‬وكانت‭ ‬له‭ ‬إسهامات‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الأرض‭ ‬وسمي‭ ‬بــ«أبو‭ ‬الجوديـسيـا‮»‬‭ (‬Geodesy‭). ‬

يُعد‭ ‬العلامة‭ ‬البيروني‭ ‬أحد‭ ‬ألمع‭ ‬الوجوه‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬تفتخر‭ ‬بها‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬الإنسانية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تاريخ‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي،‭ ‬فقد‭ ‬صنف‭ ‬كتبًا‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬العلم،‭ ‬وكلها‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وأكد‭ ‬مكانة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬عصره،‭ ‬حتى‭ ‬انتقلت‭ ‬المصادر‭ ‬العلمية‭ ‬العربية‭ ‬متونًا‭ ‬وشرحًا‭ ‬إلى‭ ‬الأفق‭ ‬الأوربية‭ ‬إبان‭ ‬عصر‭ ‬النهضة‭ (‬Renaissance‭) ‬وشارك‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمون‭ ‬في‭ ‬إحياء‭ ‬وبناء‭ ‬العلم‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬أوربا،‭ ‬وخير‭ ‬دليل‭ ‬عليه‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬العالم‭ ‬الفرنسي‭ ‬روبرت‭ ‬بريفولت‭ (‬Robert‭ ‬Stephen‭ ‬Briffault‭) ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬تكوين‭ ‬الإنسانية‮»‬‭ (‬The‭ ‬Making‭ ‬of‭ ‬Humanity‭): ‬العلم‭ ‬هو‭ ‬أجل‭ ‬خدمة‭ ‬أسدتها‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬الحديث،‭ ‬فالإغريق‭ ‬قد‭ ‬نظموا،‭ ‬وعمّموا،‭ ‬ووضعوا‭ ‬النظريات،‭ ‬لكن‭ ‬روح‭ ‬البحث‭ ‬وتركيم‭ ‬المعرفة‭ ‬اليقينية،‭ ‬وطرائق‭ ‬العلم‭ ‬الدقيقة،‭ ‬والملاحظة‭ ‬النائبة‭ ‬المتطاولة‭ ‬كانت‭ ‬غريبة‭ ‬عن‭ ‬المزاج‭ ‬الإغريقي،‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬العرب‭ ‬هم‭ ‬أصحاب‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬تعريف‭ ‬أوربا‭ ‬بهذا‭ ‬كله‭. ‬وبكلمة،‭ ‬فإن‭ ‬العلم‭ ‬الأوربي‭ ‬مدين‭ ‬بوجوده‭ ‬للعرب‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬اعترف‭ ‬جورج‭ ‬ألفريد‭ ‬سارتون‭ (‬George‭ ‬Alfred‭ ‬Sarton‭) ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬المدخل‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬العلم‮»‬‭: ‬‮«‬بأن‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي‭ ‬امتاز‭ ‬فيه‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬بإنتاج‭ ‬ضخم‭ ‬خلاق‭ ‬يسير‭ ‬على‭ ‬نهج‭ ‬التفكير‭ ‬العلمي‭ ‬الحديث‭ ‬وسمي‭ ‬بــعصر‭ ‬البيروني‮»‬‭.‬

 

علاقة‭ ‬العلامة‭ ‬البيروني‭ ‬

مع‭ ‬السلطان‭ ‬محمود‭ ‬الغزنوي

لما‭ ‬اشتهر‭ ‬البيروني‭ ‬وذاع‭ ‬صيته،‭ ‬حتى‭ ‬سمع‭ ‬السلطان‭ ‬محمود‭ ‬سَبُكَتْـكـِيـنْ‭ ‬الغزنوي‭ ‬عنه‭ ‬وأعجب‭ ‬به‭. ‬وطلب‭ ‬إلى‭ ‬ملك‭ ‬الخوارزم‭ ‬مامون‭ ‬بن‭ ‬مامون‭ ‬الملقب‭ ‬بــ«خوارزم‭ ‬شاه‮»‬‭ ‬أن‭ ‬يبعث‭ ‬إليه‭ ‬البيروني‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يزامل‭ ‬ابن‭ ‬سينا‭ ‬وابن‭ ‬مسكويه‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬العلوم‭ ‬تحت‭ ‬إشرافه‭. ‬أدرك‭ ‬الملك‭ ‬مامون‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬واجب‭ ‬الطاعة،‭ ‬ثم‭ ‬سافر‭ ‬أبو‭ ‬الريحان‭ ‬البيروني‭ ‬لكي‭ ‬يحيا‭ ‬حياة‭ ‬الجد‭ ‬والعزة‭ ‬مع‭ ‬الملك‭ ‬فاتح‭ ‬الهند‭ ‬محمود‭ ‬الغزنوي‭. ‬رحب‭ ‬به‭ ‬الملك‭ ‬محمود،‭ ‬وضمه‭ ‬إلى‭ ‬علماء‭ ‬مجلسه،‭  ‬وضمن‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬يكفيه‭ ‬للعيش‭ ‬عيشة‭ ‬كريمة‭ ‬ليتفرغ‭ ‬للعلم‭ ‬والاستنباط‭ ‬والاستكشاف‭.‬

دخل‭ ‬أبو‭ ‬الريحان‭ ‬البيروني‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬ركاب‭ ‬السلطان‭ ‬محمود‭ ‬نفسه،‭ ‬ورافقه‭ ‬في‭ ‬فتوحاته‭ ‬الظافرة‭ ‬طول‭ ‬البلاد،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يهتم‭ ‬بهذه‭ ‬الغزوات‭ ‬قدر‭ ‬اهتمامه‭ ‬بدرس‭ ‬واستقصاء‭ ‬وبحث‭ ‬أحوال‭ ‬الهند‭ ‬وعلومها‭. ‬واستعد‭ ‬نفسه‭ ‬لأجل‭ ‬ذلك،‭ ‬وأراد‭ ‬أن‭ ‬يستفيد‭ ‬بعلوم‭ ‬الهند‭ ‬وثقافاتها‭.  ‬فقد‭ ‬عكف‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬اللغة‭ ‬السنسكريتية،‭ ‬وهي‭ ‬لغة‭ ‬قديمة‭ ‬للهند،‭ ‬كتبت‭ ‬بها‭ ‬الكتب‭ ‬المقدسة‭ ‬الهندوسية،‭ ‬وتستخدم‭ ‬في‭ ‬الأوراد‭ ‬والوظائف‭ ‬والطقوس‭ ‬الدينية‭ ‬الهندوسية‭ ‬حتى‭ ‬اليوم،‭ ‬وتتفرّع‭ ‬منها‭ ‬اللغة‭ ‬الهندية‭ ‬التي‭ ‬تتخذ‭ ‬أحرفها‭ ‬وبعض‭ ‬كلماتها‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭. ‬

أتقن‭ ‬العلاّمة‭ ‬البيروني‭ ‬اللغة‭ ‬السنسكريتية،‭ ‬وبلغ‭ ‬بدراستها‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يبلغه‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬عصره‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التحقيق‭ ‬العلمي‭. ‬واختلط‭ ‬مع‭ ‬رجالها‭ ‬وعلمائها‭ ‬ومثقفيها،‭ ‬ووقف‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬عندهم‭ ‬من‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬والثقافة‭. ‬واطلع‭ ‬على‭ ‬كتبهم‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬والرياضيات‭ ‬ومختلف‭ ‬طوائفهم‭. ‬ودرس‭ ‬جغرافية‭ ‬الهند‭ ‬من‭ ‬سهول‭ ‬وأودية‭ ‬وأنهار‭ ‬وجبال‭ ‬وغيرها،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬عاداتها‭ ‬وتقاليدها‭ ‬ومعتقداتها‭ ‬المختلفة‭.  ‬فلما‭ ‬اطمأن‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وقف‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬فنون‭ ‬المعرفة‭ ‬عندهم‭ ‬وعرف‭ ‬بتقاليدهم‭ ‬ورسومهم،‭ ‬وألم‭ ‬بمناهجهم‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬وطرائقهم‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬الفكر‭. ‬وعرض‭ ‬لنا‭ ‬حضارة‭ ‬الهند‭ ‬ومدنيتها‭ ‬عرضًا‭ ‬شاملًا‭ ‬يتميز‭ ‬بدراسته‭ ‬النقدية‭ ‬العميقة‭ ‬المستفيضة‭. ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الملهمين‭ ‬للعلوم‭ ‬الهندية،‭ ‬ولقبوه‭ ‬بمؤسس‭ ‬علم‭ ‬الهنديات‭ (‬علم‭ ‬دراسة‭ ‬الهند‭ ‬وشعوبها‭)‬،‭ ‬ومترجم‭ ‬ثقافات‭ ‬الهند‭ ‬للعالم‭ ‬العربي‭. ‬وأثمرت‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬كتابه‭ ‬عن‭ ‬ثقافة‭ ‬الهند‭ ‬والذي‭ ‬دون‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أدرك‭ ‬ورآه‭ ‬خلال‭ ‬دراسته‭ ‬وتجواله،‭ ‬وهو‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬أعظم‭ ‬مؤلفاته،‭ ‬ويسمى‭ ‬بــ«تحقيق‭ ‬ما‭ ‬للهند‭ ‬من‭ ‬مقولة‭ ‬مقبولة‭ ‬في‭ ‬العقل‭ ‬أو‭ ‬مرزولة‮»‬‭.‬

‭ ‬

‭ ‬كتاب‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬للهند‭ ‬من‭ ‬مقولة‭ ‬مقبولة‭ ‬في‭ ‬العقل‭ ‬أو‭ ‬مرزولة

إن‭ ‬النسخة‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬أبو‭ ‬الريحان‭ ‬البيروني‭ ‬بنفسه‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬عام‭ ‬423هـ‭ / ‬1032م‭ ‬ــ‭ ‬ضاعت،‭ ‬وكانت‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬700‭ ‬صفحة‭. ‬وأقدم‭ ‬نسخة‭ ‬خطية‭ ‬موجودة‭ ‬له‭ ‬يرجع‭ ‬تاريخها‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬554‭ ‬هــــ‭/‬1159م‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬127‭ ‬عامًا‭ ‬على‭ ‬تأليف‭ ‬البيروني‭ ‬له‭.  ‬إن‭ ‬المستشرق‭ ‬الألماني‭ ‬إدوارد‭ ‬سخاو‭ (‬Dr‭. ‬Edward‭ ‬Sachau‭) ‬والأستاذ‭ ‬بجامعة‭ ‬برلين،‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬بتحقيق‭ ‬مخطوط‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬عام‭ ‬1887م،‭ ‬ونقله‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬ونشر‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬AlBeruni’s‭ ‬India‮»‬،‭ ‬قال‭: ‬‮«‬إن‭ ‬البيروني‭ ‬يعتبر‭ ‬أكبر‭ ‬ظاهرة‭ ‬بتاريخ‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬الحضارة‭ ‬الاسلامية‭. ‬والكثير‭ ‬مما‭ ‬يضمه‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬القيمة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بالجديد‭ ‬على‭ ‬المسلمين‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬للثقافة‭ ‬الأوربية‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬الحديثة‮»‬‭. ‬وكانت‭ ‬له‭ ‬مهارة‭ ‬تامة‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬مدلولات‭ ‬المصطلحات‭ ‬والعبارات‭ ‬السنسكريتية‭ ‬في‭ ‬أضيق‭ ‬حيز‭ ‬بأوضح‭ ‬كلمة‭ ‬عربية،‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬صاحب‭ ‬ثروة‭ ‬لغوية‭ ‬عربية‭ ‬غزيرة‭ ‬من‭ ‬الكلمات‭ ‬والتعاريف‭ ‬على‭ ‬السواء‭.‬

قسم‭ ‬البيروني‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬للهند‭ ‬من‭ ‬مقولة‭ ‬مقبولة‭ ‬في‭ ‬العقل‭ ‬أو‭ ‬مرزولة‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬ثمانين‭ ‬بابًا‭ ‬مع‭ ‬الترقيم‭ ‬الأبجدي‭ ‬دون‭ ‬الأعداد‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬‮«‬ألف‮»‬‭ ‬يعادل‭ ‬رقم‭ ‬1،‭ ‬و«ف‮»‬‭ ‬يعادل‭ ‬رقم‭ ‬80،‭ ‬فأولها‭: ‬‮«‬أ‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬ذكر‭ ‬أحوال‭ ‬الهند‭ ‬وتقريرها‭ ‬أمام‭ ‬ما‭ ‬نقصده‭ ‬من‭ ‬الحكاية‭ ‬عنهم‮»‬،‭ ‬وآخرها‭: ‬ف‭ (‬ثمانون‭) ‬–‭ ‬في‭ ‬ذكر‭ ‬أصولهم‭ ‬المدخلية‭ ‬في‭ ‬أحكام‭ ‬النجوم‭ ‬والإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أصولهم‮»‬‭. ‬وهو‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأبواب‭ ‬الثمانين‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬معتقدات‭ ‬الهندوس‭ ‬وشرائعهم‭ ‬وأحكام‭ ‬الفروض‭ ‬والعبادات‭ ‬عندهم‭ ‬كالمواريث‭ ‬والقرابين‭ ‬والكفاءات‭ ‬والحج‭ ‬والصدقات‭ ‬والصيام‭ ‬والأعياد‭ ‬والعقوبات‭ ‬والمباح‭ ‬والمآكل‭ ‬والمشارب‭ ‬والمحظورات‭. ‬كما‭ ‬ذكر‭ ‬نظام‭ ‬الطبقات‭ ‬في‭ ‬مجتمعهم‭ ‬وأحكامه،‭ ‬ويشير‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬عندهم‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬الخطوط‭ ‬وطرائق‭ ‬الكتابة‭.  ‬وتحدث‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬علم‭ ‬الفلك‭ ‬عند‭ ‬الهنود،‭ ‬يشرح‭ ‬فيه‭ ‬صورة‭ ‬الأرض‭ ‬عندهم‭ ‬وأصناف‭ ‬الشهور‭ ‬والسنين‭ ‬وتحليلها‭ ‬إلى‭ ‬الأيام‭ ‬مع‭ ‬ذكر‭ ‬مقياس‭ ‬الليل‭ ‬والنهار‭ ‬في‭ ‬حسابهم،‭ ‬كما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أحكام‭ ‬الكواكب‭ ‬والنجوم‭ ‬ومراصدهم‭ ‬عندهم،‭ ‬ومقالاتهم‭ ‬في‭ ‬المد‭ ‬والجزر‭ ‬والكسوف‭ ‬والخسوف‭.‬

لم‭ ‬يهتم‭ ‬البيروني‭ ‬في‭ ‬تأليفه‭ ‬بتدوين‭ ‬تاريخ‭ ‬الهند‭ ‬السياسي‭ ‬بل‭ ‬اعتنى‭ ‬كثيرًا‭ ‬بكتابة‭ ‬أوضاع‭ ‬الهند‭ ‬الثقافية‭ ‬والفلكية‭ ‬والعلمية‭ ‬والدينية،‭ ‬فهو‭ ‬أوسع‭ ‬دراسة‭ ‬عربية‭ ‬وصلت‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬عقائد‭ ‬الهنود‭ ‬وعاداتهم‭ ‬في‭ ‬الطعام‭ ‬والزواج‭ ‬والأعياد،‭ ‬ونظم‭ ‬حياتهم‭ ‬وخصائص‭ ‬لغاتهم‭.  ‬واعتبر‭ ‬بروكلمان‭ ‬في‭ ‬موسوعته‭ ‬تاريخ‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬‮«‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬أنتجه‭ ‬علماء‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬معرفة‭ ‬الأمم‮»‬‭. ‬

قام‭ ‬العلامة‭ ‬أبو‭ ‬الريحاني‭ ‬البيروني‭ ‬بترجمة‭ ‬اثنين‭ ‬وعشرين‭ ‬كتابًا‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬السنسكريتية‭ ‬إلى‭ ‬العربية،‭ ‬ومن‭ ‬أبرزها‭ ‬‮«‬كتاب‭ ‬باتنجلي‮»‬‭ (‬Patanjali‭) ‬وكتاب‭ ‬‮«‬سانك‮»‬‭ (‬Samkhya‭ ‬or‭ ‬Sankhya‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬ذكر‭ ‬البيروني‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬كتاب‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬للهند‭ ‬من‭ ‬مقولة‭ ‬مقبولة‭ ‬في‭ ‬العقل‭ ‬أو‭ ‬مرزولة‭: ‬‮«‬وكنت‭ ‬نقلت‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭ ‬كتابين‭ ‬أحدهما‭ ‬في‭ ‬المبادئ‭ ‬وصفة‭ ‬الموجودات‭ ‬واسمه‭ (‬سانك‭)‬،‭ ‬والآخر‭ ‬في‭ ‬تلخيص‭ ‬النفس‭ ‬من‭ ‬رباط‭ ‬البدن،‭ ‬ويعرف‭ (‬بباتنجلي‭)‬،‭ ‬وفيهما‭ ‬أكثر‭ ‬الأصول‭ ‬التي‭ ‬عليها‭ ‬مدار‭ ‬اعتقادهم‭ ‬دون‭ ‬فروع‭ ‬شرائعهم‮»‬‭. ‬يعتبر‭ ‬كتاب‭ ‬باتنجلي‭ ‬أقدم‭ ‬مصدر‭ ‬ونص‭ ‬تأسيسي‭ ‬لفلسفة‭ ‬اليوغا‭ ‬الذي‭ ‬ترجمه‭ ‬البيروني‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬ألف‭ ‬سنة‭. ‬وكتب‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬سؤال‭ ‬وجواب،‭ ‬كما‭ ‬يتناول‭ ‬الكتاب‭ ‬نظرية‭ ‬اليوغا‭ ‬وتطبيقها‭ ‬ومسألة‭ ‬تحرير‭ ‬الروح‭ ‬من‭ ‬حواجزها‭. ‬ويتحدث‭ ‬عن‭ ‬تقاليد‭ ‬دينية‭ ‬هندوسية،‭ ‬ويبحث‭ ‬في‭ ‬التفاعل‭ ‬بين‭ ‬التصوف‭ ‬الهندي‭ ‬وغيره‭.  ‬نشر‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬النص‭ ‬الكامل‭ ‬لكتاب‭ ‬باتنجلي‭ ‬للبيروني‭ ‬مقرونًا‭ ‬بشروحات‭ ‬وافية‭ ‬والنص‭ ‬الكامل‭ ‬لــفلسفة‭ ‬اليوغا‭ ‬ومباديها‭ ‬منقولًا‭ ‬عن‭ ‬لغته‭ ‬الأصلية‭ ‬السنسكريتية‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬كتاب‭ ‬باتنجلي‭ ‬الهندي‭ ‬في‭ ‬الخلاص‭ ‬من‭ ‬الارتباك‮»‬‭ ‬في‭ ‬عام2000م‭. ‬وكتاب‭ ‬سانك‭ ‬أو‭ ‬سامخيا‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬مدار‭ ‬الأستيكا‭ ‬الوجودية‭ ‬في‭ ‬الفلسفة‭ ‬الهندوسية،‭ ‬وتوصف‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬هي‭ ‬مدرسة‭ ‬عقلانية‭ ‬لفلسفة‭ ‬اليوغا‭ ‬الهندوسية‭.‬

 

كتاب‭ ‬القانون‭ ‬المسعودي

بعد‭ ‬وفاة‭ ‬محمود‭ ‬الغزنوي‭ ‬تولى‭ ‬مسعود‭ ‬بن‭ ‬محمود‭ ‬الحكم‭ ‬خلفًا‭ ‬لأبيه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1030م،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬الهواة‭ ‬المولعين‭ ‬بالعلم،‭ ‬فقرب‭ ‬إليه‭ ‬العلامة‭ ‬البيروني،‭ ‬وألحقه‭ ‬بمستشاريه،‭ ‬وأحاطه‭ ‬بما‭ ‬يستحق‭ ‬من‭ ‬مكانة‭ ‬وتقدير‭. ‬فلما‭ ‬استقر‭ ‬الوضع‭ ‬كتب‭ ‬موسوعته‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الفلك‭ ‬وسماه‭ ‬‮«‬القانون‭ ‬المسعودي‭ ‬في‭ ‬الهيئة‭ ‬والنجوم‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬أكبر‭ ‬موسوعة‭ ‬في‭ ‬الفلك‭ ‬والهندسة‭ ‬والجغرافيا،‭ ‬يشتمل‭ ‬على‭ ‬إحدى‭ ‬عشرة‭ ‬مقالة،‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬منقسم‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأبواب‭ ‬يبلغ‭ ‬مجموعها‭ ‬142‭ ‬بابًا،‭ ‬تغطي‭ ‬جميع‭ ‬الأرصاد‭ ‬والنظريات‭ ‬الفلكية‭ ‬آنذاك،‭ ‬فقد‭ ‬جمع‭ ‬كل‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬توصل‭ ‬إليها‭ ‬علماء‭ ‬الفلك‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬واليونان‭ ‬والمعاصرون‭ ‬له،‭ ‬ولم‭ ‬يطمئن‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬النتائج‭ ‬لاختلافها‭ ‬فيما‭ ‬بينها،‭ ‬لذلك‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بأرصاده‭ ‬الخاصة‭ ‬بنفسه‭. ‬ويعد‭ ‬كتاب‭ ‬القانون‭ ‬المسعودي‭ ‬أهم‭ ‬مؤلفات‭ ‬البيروني‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الفلك‭ ‬والأرصاد‭. ‬ويُروى‭ ‬أنه‭ ‬لما‭ ‬أتم‭ ‬تأليفه‭ ‬حمله‭ ‬إلى‭ ‬السلطان‭ ‬مسعود‭ ‬صاحب‭ ‬غزنة،‭ ‬فأراد‭ ‬أن‭ ‬يجزيه‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬العظيم‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬يستحقه،‭ ‬فوجه‭ ‬إليه‭ ‬ثلاثة‭ ‬جمال‭ ‬تنوء‭ ‬بأحمالها‭ ‬من‭ ‬نقود‭ ‬الفضة،‭ ‬فاعتذر‭ ‬عن‭ ‬قبولها‭ ‬أبو‭ ‬الريحان‭ ‬البيروني‭ ‬وردها‭ ‬قائلًا‭: ‬‮«‬إنه‭ ‬يخدم‭ ‬العلم‭ ‬للعلم‭ ‬لا‭ ‬للمال‮»‬‭.‬

‭ ‬

‮«‬الآثار‭ ‬الباقية‭ ‬من‭ ‬القرون‭ ‬الخالية‮»‬

يعد‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬هو‭ ‬أهم‭ ‬مؤلفات‭ ‬البيروني‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الفلك‭ ‬والجغرافيا‭ ‬والهندسة‭. ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬إحدى‭ ‬عشرة‭ ‬مقالة،‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬مقسم‭ ‬إلى‭ ‬أبواب‭. ‬وهو‭ ‬كتاب‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬العام‭ ‬يتناول‭ ‬التواريخ‭ ‬والتقويم‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تستخدمها‭ ‬العرب‭ ‬قبل‭ ‬الإسلام‭ ‬واليهود‭ ‬والروم‭ ‬والهنود،‭ ‬ويبين‭ ‬تواريخ‭ ‬الملوك‭ ‬من‭ ‬عهد‭ ‬آدم‭ ‬حتى‭ ‬وقته،‭ ‬وفيه‭ ‬جداول‭ ‬تفصيلية‭ ‬للأشهر‭ ‬الفارسية‭ ‬والعبرية‭ ‬والرومية‭ ‬والهندية،‭ ‬ويبين‭ ‬كيفية‭ ‬استخراج‭ ‬التواريخ‭ ‬بعضها‭ ‬من‭ ‬بعض‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬خلّف‭ ‬البيروني‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬180‭ ‬كتابًا،‭ ‬ضاع‭ ‬الكثير‭ ‬منها‭ ‬والباقي‭ ‬موزع‭ ‬في‭ ‬مكتبات‭ ‬العالم،‭ ‬وظل‭ ‬بعد‭ ‬رجوعه‭ ‬من‭ ‬الهند‭ ‬مقيمًا‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬غزنة‭ ‬منقطعًا‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬والدراسة‭ ‬حتى‭ ‬توفاه‭ ‬الله‭ ‬عام‭ ‬1048م‭. ‬وأطلقت‭ ‬الإدارة‭ ‬الوطنية‭ ‬للملاحة‭ ‬الجوية‭ ‬والفضاء‭ (‬NASA‭) ‬اسم‭ ‬العالم‭ ‬الكبير‭ ‬أبو‭ ‬الريحان‭ ‬البيروني‭ ‬على‭ ‬فوهة‭ ‬من‭ ‬فوهات‭ ‬سطح‭ ‬القمر‭ ‬عام‭ ‬1970م‭ ‬تكريمًا‭ ‬لإسهامه‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الفلك‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ‬احتفى‭ ‬موقع‭ ‬غوغل‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء‭ ‬4‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬بذكرى‭ ‬ميلاد‭ ‬العالم‭ ‬الفيزيائي‭ ‬والموسوعي‭ ‬أبو‭ ‬الريحان‭ ‬البيروني‭ ‬الذي‭ ‬تعتز‭ ‬به‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تاريخ‭ ‬الفكر‭ ‬العلمي‭ ‬الإسلامي‭ ‬■