لماذا «الشَّرَك» هو مسلسل عظيم؟

لماذا «الشَّرَك» هو مسلسل عظيم؟

‮«‬نحن‭ )‬في‭ ‬أمريكا‭( ‬لسنا‭ ‬ديمقراطية،‭ ‬إننا‭ ‬سوق‭ ‬حرة،‭ ‬والسوق‭ ‬الحرة‭ ‬هي‭ ‬لعبة‭ ‬مكسب‭ ‬وخسارة،‭ ‬وهي‭ ‬لعبة‭ ‬صفرية‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬إلا‭ ‬بالمكسب‭ ‬الكامل‭ ‬لنا‭ ‬والخسارة‭ ‬الكاملة‭ ‬للخصم‮»‬‭. ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬إحدى‭ ‬مقولات‭ ‬جوردن‭ ‬جيكو‭ ‬سمسار‭ ‬البورصة‭ ‬العتيد‭ ‬للشاب‭ ‬المبتدئ‭ ‬الذي‭ ‬يتطلع‭ ‬لتعلم‭ ‬الحرفة،‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬أوليفر‭ ‬ستون‭ )‬وول‭ ‬ستريت)‬1987؛‭ ‬أهم‭ ‬الأفلام‭ ‬الناقدة‭ ‬لنظام‭ ‬السوق‭ ‬المتوحش‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬مبكرة‭ ‬من‭ ‬النيولبرالية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬التي‭ ‬اجتاحت‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬تولت‭ ‬مارجريت‭ ‬ثاتشر‭ ‬رئاسة‭ ‬الوزراء‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬عام‭ ‬1979،‭ ‬ورونالد‭ ‬ريجان‭ ‬رئاسة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬عام‭ ‬1980‭.‬

مقولة‭ ‬جوردن‭ ‬جيكو‭ ‬يفردها‭ ‬مسلسل‭ ‬‮«‬الشَّرَك‮»‬‭ ‬ويفصصها‭ ‬ويمحصها‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬مواسمه‭ ‬الخمسة‭ (‬2008-2002‭)‬،‭ ‬مختارًا‭ ‬مدينة‭ ‬بالتيمور‭ (‬ولاية‭ ‬ميريلاند،‭ ‬أمريكا‭)‬؛‭ ‬مدينة‭ ‬الفقر‭ ‬والجريمة‭ ‬والتعصب،‭ ‬كنموذج‭ ‬للتركيز،‭ ‬كعينة‭ ‬تحت‭ ‬مجهر‭ ‬الفحص‭ ‬تصلح‭ ‬لاستخلاص‭ ‬العبر‭.‬

يبدو‭ ‬‮«‬الشَّرَك‮»‬‭ ‬للوهلة‭ ‬الأولى‭ ‬مسلسلًا‭ ‬عن‭ ‬عصابات‭ ‬الاتجار‭ ‬في‭ ‬المخدرات‭ ‬والجريمة‭ ‬المنظمة،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬ندرك‭ ‬أنه‭ ‬يتجاوز‭ ‬ذلك‭ ‬بعيدًا‭ ‬إلى‭ ‬رسم‭ ‬صورة‭ ‬بانورامية‭ ‬لمختلف‭ ‬العوامل‭ ‬الهيكلية‭ ‬التي‭ ‬تنشأ‭ ‬بسببها‭ ‬الجريمة‭ ‬المنظمة‭ ‬وتدعم‭ ‬وجودها‭ ‬واستمرارها‭ ‬واستفحالها‭. ‬

إذا‭ ‬استعنا‭ ‬بتصريحات‭ ‬ديفد‭ ‬سايمون؛‭ ‬المؤلف‭ ‬الرئيسي‭ ‬للمسلسل‭ ‬سنجده‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬‭(‬الشَّرَك‭) ‬ليس‭ ‬مهتمًا‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬بثنائية‭ ‬الخير‭ ‬والشر‭ ‬التقليدية،‭ ‬إن‭ ‬مجالات‭ ‬اهتمامه‭ ‬هي‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وعلم‭ ‬الاجتماع‭ ‬والسياسة‮»‬‭. ‬بعد‭ ‬مشاهدة‭ ‬المسلسل‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬اعتبار‭ ‬هذا‭ ‬التصريح‭ ‬مبالغة‭ ‬أو‭ ‬نزقًا‭ ‬أو‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬الدعاية‭ ‬المألوفة‭ ‬من‭ ‬مؤلفي‭ ‬الدراما‭ ‬لأعمالهم،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬عين‭ ‬الحقيقة‭. ‬

نستطيع‭ ‬القول‭ ‬بأنه،‭ ‬وعلى‭ ‬امتداد‭ ‬حلقاته‭ ‬الستين،‭ ‬يبدو‭ ‬‮«‬الشَّرَك‮»‬‭ ‬مثل‭ ‬منشور‭ ‬ضوئي‭ ‬يحلل‭ ‬العوامل‭ ‬البنيوية‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الأمريكي‭ ‬إلى‭ ‬أطيافها‭ ‬المتعددة،‭ ‬ويُوِّلد‭ ‬سلسلة‭ ‬غزيرة‭ ‬من‭ ‬المعاني‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬المُشاهد‭ ‬لا‭ ‬يستطيعها‭ ‬البحث‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الإمبريقي‭ ‬مهما‭ ‬حاول‭ ‬الدقة‭ ‬والشمول،‭ ‬فيفتح‭ ‬بذلك‭ ‬أعيننا‭ ‬على‭ ‬قوى‭ ‬الإكراه‭ ‬الخفية‭ ‬المدفونة‭ ‬تحت‭ ‬السطح‭ ‬البراق‭ ‬لمجتمعات‭ ‬السوق‭ ‬النيولبرالية،‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬الآليات‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬الظلم‭ ‬والعنف‭ ‬والاستغلال‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬أسباب‭ ‬عظمة‭ ‬‮«‬الشَّرَك‮»‬‭.‬

 

ويظل‭ ‬الملك‭ ‬هو‭ ‬الملك

تتصدر‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬المكتوبة‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬سوداء‭ ‬افتتاحية‭ ‬الحلقة‭ ‬الثالثة‭ (‬الصفقات‭) ‬من‭ ‬الموسم‭ ‬الأول‭. ‬ستجيء‭ ‬العبارة‭ ‬لاحقًا‭ ‬في‭ ‬متن‭ ‬الدراما‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬دي‭ ‬آنجلو‭ ‬وهو‭ ‬يشرح‭ ‬قواعد‭ ‬لعبة‭ ‬الشطرنج‭ ‬لصبية‭ ‬النواصي‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬تحت‭ ‬إمرته‭ ‬في‭ ‬توزيع‭ ‬المخدرات‭. ‬يتم‭ ‬التضحية‭ ‬بالبيادق،‭ ‬والأفيال‭ ‬والأحصنة،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬بالوزير‭ ‬ذاته،‭ ‬وتظل‭ ‬اللعبة‭ ‬مستمرة‭ ‬طالما‭ ‬الملك‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬على‭ ‬لوح‭ ‬الشطرنج‭.‬

تظل‭ ‬اللعبة‭ ‬مستمرة‭ ‬طالما‭ ‬بقي‭ ‬النظام‭ ‬وآليات‭ ‬عمله‭ ‬دون‭ ‬تغيير‭. ‬عبر‭ ‬الستين‭ ‬حلقة‭ ‬من‭ ‬المسلسل،‭ ‬نشهد‭ ‬تبدلات‭ ‬في‭ ‬قادة‭ ‬المنظمات‭ ‬الإجرامية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭. ‬وفي‭ ‬الجهة‭ ‬المقابلة،‭ ‬نشهد‭ ‬أيضًا‭ ‬تغييرًا‭ ‬في‭ ‬قادة‭ ‬الشرطة،‭ ‬وفي‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحكومية،‭ ‬ومكتب‭ ‬العمدة،‭ ‬ومجلس‭ ‬المدينة،‭ ‬والهيئات‭ ‬المنتخبة‭. ‬لكن‭ ‬يظل‭ ‬النظام‭ ‬وقواعد‭ ‬لعبته‭ ‬هي‭ ‬هي‭. ‬النظام‭ ‬يشمل‭ ‬الاثنين؛‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحكومية‭ ‬والشرطية،‭ ‬ويشمل‭ ‬أيضًا‭ ‬عصابات‭ ‬المخدرات‭ ‬الإجرامية‭. ‬الأخيرة‭ ‬هي‭ ‬الجانب‭ ‬الليلي‭ ‬من‭ ‬الأولى،‭ ‬هي‭ ‬الجانب‭ ‬الليلي‭ ‬من‭ ‬السوق‭.‬

يعين‭ ‬‮«‬الشَّرَك‮»‬‭ ‬المشاهد‭ ‬على‭ ‬إدراك‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬نفسه‭ ‬هو‭ ‬الملك‭ ‬على‭ ‬رقعة‭ ‬الشطرنج‭. ‬النظام‭ ‬نفسه‭ ‬أعمق‭ ‬من‭ ‬فاسديه،‭ ‬وطالما‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬باق‭ ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬يتحرر،‭ ‬ويقع‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬شرك‭ ‬النظام‭. ‬النظام‭ ‬هو‭ ‬الشكل‭ ‬الحالي‭ ‬من‭ ‬رأسمالية‭ ‬السوق‭. ‬بصوت‭ ‬جوردن‭ ‬جيكو‭: ‬‮«‬نحن‭ ‬لسنا‭ ‬ديمقراطية،‭ ‬نحن‭ ‬سوق‭ ‬حرة‮»‬‭. ‬السوق‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬النسخة‭ ‬الحديثة‭ ‬من‭ ‬القدر‭ ‬الغاشم‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬الإغريقي‭ ‬القديم‭.‬

 

لن‭ ‬تخسر‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تلعب

تأتي‭ ‬العبارة‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬المحامية‭ ‬مارلا،‭ ‬زوجة‭ ‬ضابط‭ ‬الشرطة‭ ‬سدريك‭ ‬دانيلز،‭ ‬في‭ ‬الحلقة‭ ‬الثانية‭ (‬المفرزة‭) ‬من‭ ‬الموسم‭ ‬الأول‭. ‬

نعرف‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأحداث‭ ‬أن‭ ‬دانيلز‭ ‬يتنازعه‭ ‬صراع‭ ‬داخلي‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬قبوله‭ ‬لقيادة‭ ‬مفرزة‭ ‬الشرطة‭ ‬المكلفة‭ ‬بإجراء‭ ‬التحريات‭ ‬السرية‭ ‬عن‭ ‬رؤساء‭ ‬عصابات‭ ‬المخدرات،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تأدية‭ ‬وظيفته‭ ‬كرجل‭ ‬شرطة‭ ‬حقيقي‭ ‬يعرف‭ ‬الأسباب‭ ‬الخفية‭ ‬لتجارة‭ ‬المخدرات‭ ‬المتفشية‭ ‬في‭ ‬بالتيمور،‭ ‬وبين‭ ‬خوفه‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬النظام‭ ‬بنفيه‭ ‬أو‭ ‬عقابه‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬عمله‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬الواجب‭ ‬وكشف‭ ‬المستور‭. ‬

حين‭ ‬يستشير‭ ‬زوجته،‭ ‬تقول‭ ‬له‭: ‬‮«‬لن‭ ‬تخسر‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تشارك‭ ‬أصلًا‭ ‬في‭ ‬اللعبة‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬تنصحه‭ ‬بالاعتذار‭ ‬عن‭ ‬قبول‭ ‬رئاسة‭ ‬المفرزة‭. ‬هذه‭ ‬النصيحة‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬محامية‭ ‬عليمة‭ ‬وخبيرة‭ ‬ببواطن‭ ‬الأمور،‭ ‬فمجال‭ ‬عملها‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحريات‭ ‬المدنية‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬يجعلها‭ ‬في‭ ‬مواجهات‭ ‬يومية‭ ‬مع‭ ‬النظام‭. ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬ثانية،‭ ‬طموحها‭ ‬في‭ ‬الترشح‭ ‬لمناصب‭ ‬قيادية‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬يجعلها‭ ‬ترى‭ ‬النظام‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬فقط‭. ‬ترى‭ ‬مارلا‭ ‬الغابة‭ ‬كلها‭ ‬بصورة‭ ‬بانورامية‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬ثم‭ ‬تدخل‭ ‬الغابة‭ ‬لتلمس‭ ‬الأشجار‭ ‬شجرة‭ ‬شجرة‭. ‬لذلك‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نأخذ‭ ‬كلامها‭ ‬على‭ ‬محمل‭ ‬الجدية‭. ‬وهذا‭ ‬بعينه‭ ‬ما‭ ‬يتضح‭ ‬حلقة‭ ‬إثر‭ ‬حلقة‭ ‬في‭ ‬‮«‬الشَّرَك‮»‬‭.‬

يتكشّف‭ ‬للمشاهد‭ ‬طوال‭ ‬المسلسل‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬ليس‭ ‬لخدمة‭ ‬المواطنين‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬سعادتهم،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬لإعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬نفسه‭. ‬النظام‭ ‬ليس‭ ‬لخدمة‭ ‬الجميع‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬لخدمة‭ ‬طبقة‭ ‬أرستقراطية‭ ‬تراكم‭ ‬المال‭ ‬والسلطة‭ ‬والنفوذ‭. ‬الباقي‭ ‬موقعهم‭ ‬الخارج‭. ‬وأحيانًا‭ ‬موقعهم‭ ‬في‭ ‬خارج‭ ‬الخارج‭. ‬نرى‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬عديدة‭ ‬كيف‭ ‬يضطهد‭ ‬السود‭ ‬المهاجرون‭ ‬المكسيكيين،‭ ‬والمكسيكيون‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬أقل‭ ‬منهم،‭ ‬وهكذا‭ ‬دواليك‭. ‬ضحية‭ ‬تقتل‭ ‬ضحيتها‭.‬

تدرك‭ ‬مارلا‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬تثبتها‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع؛‭ ‬النظام‭ ‬محصًّن‭ ‬ضد‭ ‬الإصلاح،‭ ‬ويكره‭ ‬مصلحيه،‭ ‬ويتعامل‭ ‬معهم‭ ‬بوصفهم‭ ‬عائقًا‭ ‬لا‭ ‬باعتبارهم‭ ‬فرصة‭ ‬ينبغي‭ ‬اغتنامها‭. ‬النظام‭ ‬قاطع‭ ‬طريق‭ ‬على‭ ‬مصلحيه‭. ‬ونرى‭ ‬بأعيننا‭ ‬كيف‭ ‬أنه‭ ‬ينفي‭ ‬ضباط‭ ‬الشرطة‭ ‬المخلصين‭ ‬والنزهاء‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬المسلسل‭ ‬وعرضه؛‭ ‬ماكنولتي،‭ ‬ولستر،‭ ‬وبوني‭ ‬كولفن،‭ ‬وسدرك‭ ‬دانيلز‭ ‬نفسه‭ ‬لاحقًا،‭ ‬وآخرون‭.‬

 

‭ ‬الدنيا‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬والناس‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬آخر

تأتي‭ ‬هذه‭ ‬الحكمة‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬أحد‭ ‬صبية‭ ‬موزعي‭ ‬النواصي،‭ ‬بووت‭. ‬ما‭ ‬يلفت‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الحكمة‭ ‬التي‭ ‬ينطق‭ ‬بها‭ ‬بووت‭ ‬أنها‭ ‬قابلة‭ ‬للتخصيص‭ ‬وللتعميم‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬معًا،‭ ‬إن‭ ‬خصصناها‭ ‬نستطيع‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬لجاجة‭ ‬قادة‭ ‬الشرطة‭ ‬وإلحاحهم‭ ‬الدائم‭ ‬على‭ ‬أولوية‭ ‬خفض‭ ‬المؤشرات‭ ‬الإحصائية‭ ‬السلبية‭ ‬للجريمة،‭ ‬ولو‭ ‬تزويرًا،‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬تنافر‭ ‬تام‭ ‬مع‭ ‬التصاعد‭ ‬اليومي‭ ‬لنسب‭ ‬الجرائم‭ ‬والقتل‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭. ‬هذا‭ ‬التناقض‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬ذروته‭ ‬حين‭ ‬يُفاجئ‭ ‬الجميع‭ ‬باكتشاف‭ ‬مقبرة‭ ‬جماعية‭ ‬لمئات‭ ‬القتلى‭ ‬المجهولي‭ ‬الهوية‭ ‬المدفونين‭ ‬في‭ ‬مجمع‭ ‬للمساكن‭ ‬المهجورة،‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬التوقيت‭ ‬الذي‭ ‬يتباهى‭ ‬فيه‭ ‬قادة‭ ‬الشرطة‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬المحلي‭ ‬بنجاحهم‭ ‬في‭ ‬خفض‭ ‬معدلات‭ ‬الجريمة‭. ‬النظام‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬اتجاه،‭ ‬والواقع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬معاكس‭. ‬يحيا‭ ‬قادة‭ ‬النظم‭ ‬النيولبرالية‭ ‬ويعملون‭ ‬وفقًا‭ ‬لشعار‭: ‬‮«‬ماتت‭ ‬السياسة‭ ‬فلتحيا‭ ‬الدعاية‮»‬‭. ‬ولعل‭ ‬عصابة‭ ‬مارلو،‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬معظم‭ ‬قتلى‭ ‬المقبرة‭ ‬الجماعية،‭ ‬قد‭ ‬فطنت‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الحقيقة؛‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يهم‭ ‬النظام‭ ‬هو‭ ‬خفض‭ ‬الإحصائيات،‭ ‬هي‭ ‬الدعاية،‭ ‬وليس‭ ‬إصلاح‭ ‬الواقع‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬فقررت‭ ‬بناء‭ ‬عليه‭ ‬إعطاء‭ ‬النظام‭ ‬ما‭ ‬يريده؛‭ ‬دفن‭ ‬ضحاياها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬خفي‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يظهرون‭ ‬في‭ ‬إحصائيات‭ ‬الشرطة‭.‬

أما‭ ‬إن‭ ‬عممنا‭ ‬حكمة‭ ‬بووت،‭ ‬فنستطيع‭ ‬القول‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬نظام‭ ‬السوق‭ ‬تكون‭ ‬الإحصائيات‭ ‬والمؤشرات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬في‭ ‬تضاد‭ ‬تام‭ ‬مع‭ ‬المؤشرات‭ ‬الاجتماعية‭. ‬ترسم‭ ‬الإحصائيات‭ ‬والموازنات‭ ‬العامة‭ ‬للحكومات‭ ‬صورة‭ ‬مزدهرة،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مستقرة،‭ ‬لواقع‭ ‬رأس‭ ‬المال،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاجتماعية‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬خربة‭ ‬وفاسدة‭ ‬ومتحللة‭. ‬النظام‭/‬رأس‭ ‬المال‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬اتجاه،‭ ‬والناس‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬آخر‭.‬

 

كل‭ ‬التفاصيل‭ ‬مهمة

تتصدر‭ ‬العبارة‭ ‬بداية‭ ‬الحلقة‭ ‬السادسة‭ ‬من‭ ‬الموسم‭ ‬الأول‭. ‬الحلقة‭ ‬نفسها‭ ‬تحمل‭ ‬نفس‭ ‬عنوان‭ ‬المسلسل‭: ‬‮«‬الشَّرَك‮»‬‭. ‬يولي‭ ‬صناع‭ ‬المسلسل‭ ‬عناية‭ ‬فائقة‭ ‬بالتفاصيل‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬وفي‭ ‬الإخراج‭. ‬ولأن‭ ‬‮«‬الشَّرَك‮»‬‭ ‬ممتلئ‭ ‬بهذه‭ ‬التفاصيل،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬منسوج‭ ‬نسجًا‭ ‬منها،‭ ‬فمن‭ ‬المستحيل‭ ‬عمليًا‭ ‬سردها‭ ‬جميعًا‭ ‬أو‭ ‬تعدادها‭ ‬واحدة‭ ‬واحدة‭. ‬لكن‭ ‬لأغراض‭ ‬الإيضاح‭ ‬والإرشاد‭ ‬سوف‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬منها‭:‬

‭- ‬من‭ ‬التفاصيل‭ ‬الصغيرة‭ ‬المدهشة‭ ‬مثلًا‭ ‬في‭ ‬ثنايا‭ ‬المسلسل‭ ‬وحواشيه‭ ‬هو‭ ‬تناول‭ ‬الرؤساء‭ ‬والقادة‭ ‬والمستويات‭ ‬المتوسطة‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬الشرطة‭ ‬طعامهم‭ ‬دائمًا‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬منفرد‭. ‬بينما‭ ‬يتناول‭ ‬أعضاء‭ ‬المفرزة‭ ‬طعامهم‭ ‬في‭ ‬جماعة‭ ‬وفي‭ ‬منادمة‭. ‬تعلمنا‭ ‬الخبرة‭ ‬الإنسانية‭ ‬أن‭ ‬تناول‭ ‬الطعام‭ ‬منفردًا‭ ‬يجعل‭ ‬المرء‭ ‬أكثر‭ ‬قسوة‭ ‬وفظاظة،‭ ‬والعكس‭ ‬بالعكس‭.‬

‭- ‬من‭ ‬التفاصيل‭ ‬المدهشة‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬أعضاء‭ ‬مفرزة‭ ‬الشرطة‭ ‬لا‭ ‬يُصر‭ ‬أي‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بما‭ ‬يجيد‭ ‬عمله،‭ ‬بل‭ ‬يرتجلون‭ ‬جميعًا‭. ‬هذا‭ ‬الارتجال‭ ‬هو‭ ‬السر‭ ‬في‭ ‬الانتصارات‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬تحققها‭ ‬المفرزة‭. ‬في‭ ‬نظام‭ ‬السوق‭ ‬وتنافراته‭ ‬الفظة‭ ‬تكمن‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬الارتجال‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تجيد‭ ‬عمله‭.‬

‭- ‬ما‭ ‬بين‭ ‬اقتصاد‭ ‬السوق‭ ‬وبين‭ ‬الجريمة‭ ‬المنظمة‭ ‬من‭ ‬المشتركات‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬سترنجر‭ ‬بل،‭ ‬أحد‭ ‬زعماء‭ ‬عصابات‭ ‬المخدرات،‭ ‬يسعى‭ ‬لدراسة‭ ‬علم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬بصورة‭ ‬منهجية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬المدينة،‭ ‬ثم‭ ‬تطبيق‭ ‬ما‭ ‬تعلمه‭ ‬على‭ ‬أنشطة‭ ‬تجارته‭ ‬الإجرامية‭. ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الحلقات‭ ‬نرى‭ ‬في‭ ‬مكتبة‭ ‬بيته‭ (‬رأس‭ ‬المال‭) ‬لماركس‭. ‬صورة‭ ‬واضحة‭ ‬للأعمال‭ ‬الإجرامية‭ ‬التي‭ ‬تتحول‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬نظام‭ ‬السوق‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬بزنس‮»‬‭ ‬تطبيع‭ ‬الجريمة‭ ‬مادامت‭ ‬تدر‭ ‬ربحًا‭. ‬زعماء‭ ‬المخدرات‭ ‬يسرحون‭ ‬ويمرحون‭ ‬طوال‭ ‬المسلسل،‭ ‬وإن‭ ‬خرقوا‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬وتجاوزوا‭ ‬الخطوط‭ ‬الحمراء‭ ‬للنظام،‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬عقابهم‭ ‬إلا‭ ‬بأحكام‭ ‬مخففة‭. ‬لا‭ ‬يعاقب‭ ‬نظام‭ ‬السوق‭ ‬المنظمات‭ ‬الإجرامية‭ ‬في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬بل‭ ‬يحاكيها‭. ‬وتحاكيه‭ ‬هي‭ ‬أيضًا‭ ‬بدورها‭ ‬في‭ ‬مواضع‭ ‬أخرى‭ ‬بالمسلسل‭. ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬صراحة‭ ‬أحد‭ ‬كبار‭ ‬تجار‭ ‬المخدرات‭ ‬العالميين،‭ ‬الملقب‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬اليوناني‮»‬،‭ ‬في‭ ‬الحلقة‭ ‬الأخيرة‭ (‬ميناء‭ ‬في‭ ‬العاصفة‭) ‬من‭ ‬الموسم‭ ‬الثاني،‭ ‬قائلًا‭: ‬‮«‬إنها‭ ‬تجارة،‭ ‬مجرد‭ ‬تجارة‮»‬‭.‬

‭- ‬بينما‭ ‬يحاول‭ ‬أعضاء‭ ‬المفرزة‭ ‬فك‭ ‬شفرات‭ ‬الاتصال‭ ‬بين‭ ‬عصابات‭ ‬المخدرات،‭ ‬يبدأون‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬أبعاد‭ ‬ارتباط‭ ‬الجريمة‭ ‬بالنظام‭ ‬الأكبر،‭ ‬نظام‭ ‬السوق‭ ‬الرأسمالي،‭ ‬والذي‭ ‬يتخذ‭ ‬أبعادًا‭ ‬عابرة‭ ‬للقومية‭ ‬منذ‭ ‬الموسم‭ ‬الثاني،‭ ‬عولمة‭ ‬السوق‭. ‬‮«‬مساحة‭ ‬العالم‭ ‬الآن‭ ‬صارت‭ ‬أصغر»؛‭ ‬عبارة‭ ‬يقولها‭ ‬الرئيس‭ ‬العالمي‭ ‬لإحدى‭ ‬أكبر‭ ‬عصابات‭ ‬المخدرات‭ ‬على‭ ‬الكوكب‭ ‬‮«‬اليوناني‮»‬،‭ ‬مرادفها‭ ‬هو‭ ‬‮«‬العالم‭ ‬الآن‭ ‬صار‭ ‬قرية‭ ‬صغيرة‮»‬‭. ‬عولمة‭ ‬السوق‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬تتضمن‭ ‬داخلها‭ ‬عولمة‭ ‬الجريمة‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬العالم‭ ‬قد‭ ‬صار‭ ‬قرية‭ ‬صغيرة‭ ‬فيحق‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نتوقع‭ ‬سيادة‭ ‬‮«‬نمط‭ ‬إنتاج‭ ‬الفلاحين‮»‬‭ ‬فيه‭.‬

يعرض‭ ‬‮«‬الشَّرَك‮»‬‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬مصالح‭ ‬كل‭ ‬عصابة‭ ‬محلية‭ ‬منعزلة‭ ‬ومنفصلة‭ ‬عن‭ ‬الباقين،‭ ‬كانعزال‭ ‬مصالح‭ ‬الفلاحين‭ ‬عن‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬بل‭ ‬وتكون‭ ‬في‭ ‬غالب‭ ‬الأحيان‭ ‬في‭ ‬تعارض‭ ‬وتناقض‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬التعارض‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬سمتين‭ ‬لنمط‭ ‬إنتاج‭ ‬الفلاحين،‭ ‬فإننا‭ ‬نرى‭ ‬سمته‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬اعتماد‭ ‬جميع‭ ‬العصابات‭ ‬في‭ ‬بالتيمور‭ ‬على‭ ‬مُورِّد‭ ‬واحد‭ ‬عالمي‭ ‬هو‭ ‬عصابة‭ ‬‮«‬اليوناني‮»‬‭. ‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬يعتمد‭ ‬الفلاحون‭ ‬على‭ ‬حكومة‭ ‬مركزية‭ ‬قوية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬المياه‭ ‬للجميع‭ ‬وحماية‭ ‬تدفقه‭.‬

‭- ‬تقول‭ ‬روني‭ ‬بيرلمان،‭ ‬المحامية‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬الادعاء‭ ‬العام‭ ‬بالمدينة،‭ ‬في‭ ‬الحلقة‭ ‬السابعة‭ ‬من‭ ‬الموسم‭ ‬الخامس‭: ‬‮«‬لم‭ ‬نتعلم‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الحقوق‮»‬‭. ‬في‭ ‬ظل‭ ‬نظام‭ ‬السوق،‭ ‬يتعلم‭ ‬المحامون‭ ‬في‭ ‬كليات‭ ‬الحقوق‭ ‬كيف‭ ‬يدافعون‭ ‬عن‭ ‬القانون،‭ ‬ثم‭ ‬يخرجون‭ ‬للحياة‭ ‬العملية‭ ‬فيعلمهم‭ ‬السوق‭ ‬كيف‭ ‬يخرقون‭ ‬القانون‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭.‬

أكفأ‭ ‬المحامين‭ ‬في‭ ‬بالتيمور‭ ‬هو‭ ‬محامي‭ ‬عصابات‭ ‬المخدرات‭. ‬وهو‭ ‬أيضًا‭ ‬قيادة‭ ‬متنفذة‭ ‬وصاحب‭ ‬كلمة‭ ‬مسموعة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬نقابة‭ ‬المحامين‭ ‬بالمدينة،‭ ‬وقادر‭ ‬على‭ ‬إيذاء‭ ‬أعضاء‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬أنفسهم‭. ‬منظومة‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬السوق‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬خصم‭ ‬النظام‭ ‬بل‭ ‬حوارييه؛‭ ‬السناتور‭ ‬الفاسد‭ ‬حتى‭ ‬النخاع‭ ‬الذي‭ ‬يصلب‭ ‬نفسه‭ ‬زورًا‭ ‬على‭ ‬القضايا‭ ‬النبيلة‭ ‬ويستعطي‭ ‬عليها،‭ ‬عمدة‭ ‬المدينة،‭ ‬أعضاء‭ ‬المجالس‭ ‬المنتخبة،‭ ‬قادة‭ ‬الشرطة،‭ ‬المحامون،‭ ‬آلية‭ ‬الانتخابات‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬التلاعب‭ ‬فيها‭ ‬وبها‭.‬

‭- ‬يصل‭ ‬الشرطي‭ ‬ماكنولتي،‭ ‬أبرز‭ ‬وأنشط‭ ‬أعضاء‭ ‬المفرزة،‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬اللامبالاة‭ ‬من‭ ‬الإصلاح،‭ ‬ويتحول‭ ‬غضبه‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الفاسد‭ ‬إلى‭ ‬استهزاء‭ ‬متصل‭. ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬أصدق‭ ‬من‭ ‬ذلك‭. ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬أخطر‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬نظام‭ ‬من‭ ‬الاستهزاء‭. ‬الاحتقار‭ ‬أخطر‭ ‬بدرجة‭ ‬أقل‭ ‬أو‭ ‬درجتين‭. ‬لكن‭ ‬الاستهزاء‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬ينسف‭ ‬حالة‭ ‬الاحترام‭ ‬الضرورية‭ ‬لاستمرار‭ ‬هيبة‭ ‬أي‭ ‬نظام‭ ‬أو‭ ‬مؤسسة‭ ‬أو‭ ‬شخص‭.‬

 

كانوا‭ ‬يصنعون‭ ‬صلبًا‭ ‬هنا‭ ‬فيما‭ ‬مضى

‮«‬كانت‭ ‬مصانع‭ ‬الصلب‭ ‬فيما‭ ‬مضى‭ ‬هي‭ ‬مكمن‭ ‬فخر‭ ‬بالتيمور،‭ ‬قبل‭ ‬إغلاقها‭ ‬وتحولها‭ ‬إلى‭ ‬خرابات‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التحول‭ ‬الحاد‭ ‬الذي‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬النيولبرالية‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الصناعي‭ ‬إلى‭ ‬الأعمال‭ ‬الترفيهية‭ ‬والخدمية‭ ‬والمضاربات‭ ‬والتسويق‭ ‬العقاري‭ ‬وخلافه‮»‬‭. ‬

العبارة‭ ‬الآنفة‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬الحلقة‭ ‬الخامسة‭ ‬من‭ ‬الموسم‭ ‬الثاني‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬سبيروس،‭ ‬اليد‭ ‬اليمنى‭ ‬لـ«اليوناني‮»‬‭ ‬زعيم‭ ‬عصابة‭ ‬المخدرات‭ ‬العالمية،‭ ‬والذي‭ ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬يونانيًا‭ ‬بالمناسبة‭. ‬في‭ ‬ظل‭ ‬العولمة‭ ‬اللفظ‭ ‬ومعناه‭ ‬ليسا‭ ‬نفس‭ ‬الشيء‭. ‬

لكن‭ ‬سمعة‭ ‬‮«‬الشَّرَك‮»‬‭ ‬وعظمته‭ ‬هي‭ ‬شيء‭ ‬واحد،‭ ‬أحد‭ ‬الأصدقاء‭ ‬السينمائيين‭ ‬قال‭ ‬مرة‭: ‬‮«‬إن‭ ‬صنع‭ ‬عمل‭ ‬درامي‭ ‬عظيم‭ ‬هو‭ ‬صدفة‭ ‬كونية‮»‬‭. ‬ولعل‭ ‬‮«‬الشَّرَك‮»‬‭ ‬يثبت‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬طريقًا‭ ‬استثنائيًا‭ ‬بخلاف‭ ‬الصدف،‭ ‬طريق‭ ‬هو‭ ‬حاصل‭ ‬جمع‭ ‬إرادات‭ ‬واتفاقات‭ ‬وسبق‭ ‬إصرار‭ ‬وتصميم،‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬صنع‭ ‬عمل‭ ‬درامي‭ ‬عظيم‭. ‬ظننا‭ ‬أن‭ ‬له‭ ‬وصفة‭ ‬ثنائية‭ ‬هي‭ ‬اجتماع‭ ‬الخبرة‭ ‬والمعرفة‭ ‬العميقة‭ ‬بمادة‭ ‬العمل‭ (‬التجربة‭ ‬الشعرية‭ ‬بتعبيرات‭ ‬الشعراء‭)‬،‭ ‬مع‭ ‬صرامة‭ ‬نظام‭ ‬الستوديو‭.‬

ديفد‭ ‬سايمون،‭ ‬المؤلف‭ ‬الرئيسي‭ ‬للمسلسل،‭ ‬هو‭ ‬ابن‭ ‬بالتيمور،‭ ‬وسبق‭ ‬له‭ ‬العمل‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬بالتيمور‭ ‬صن‮»‬،‭ ‬وألف‭ ‬عدة‭ ‬كتب‭ ‬عن‭ ‬الجريمة‭ ‬في‭ ‬بالتيمور،‭ ‬ومسلسلات‭ ‬تلفزيونية‭ ‬أيضًا‭ ‬عن‭ ‬الجريمة‭ ‬والسياسة‭ ‬والانتخابات‭ ‬بالمدينة‭. ‬شريكه‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬المسلسل،‭ ‬إد‭ ‬برنز،‭ ‬سبق‭ ‬له‭ ‬العمل‭ ‬كمحقق‭ ‬في‭ ‬شرطة‭ ‬بالتيمور،‭ ‬ثم‭ ‬كمعلم‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬مدارسها،‭ ‬ثم‭ ‬كصحفي،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يشارك‭ ‬سايمون‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬الدرامية‭. ‬رافييل‭ ‬ألفاريز،‭ ‬أحد‭ ‬الكتاب‭ ‬المشاركين،‭ ‬كان‭ ‬صحفيًا‭ ‬أيضًا‭ ‬وزامل‭ ‬سايمون‭ ‬في‭ ‬‮«‬بالتيمور‭ ‬صن‮»‬،‭ ‬وكان‭ ‬مسؤولًا‭ ‬عن‭ ‬تغطية‭ ‬أخبار‭ ‬ميناء‭ ‬بالتيمور‭ ‬بالصحيفة‭. ‬باقي‭ ‬كتاب‭ ‬المسلسل‭ ‬هم‭ ‬إما‭ ‬أبناء‭ ‬بالتيمور‭ ‬مع‭ ‬خبرة‭ ‬كثيفة‭ ‬بواقع‭ ‬المدينة،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬المدينة‭ ‬مع‭ ‬خبرة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬الدرامية‭ ‬الواقعية‭ ‬المختصة‭ ‬بالجريمة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭.‬

الخبرة‭ ‬والمعرفة‭ ‬بمادة‭ ‬العمل‭ ‬لم‭ ‬تقتصر‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬‮«‬الشَّرَك‮»‬‭ ‬على‭ ‬الكتاب‭ ‬والمخرجين،‭ ‬لكنها‭ ‬امتدت‭ ‬لتشمل‭ ‬الممثلين‭. ‬معظم‭ ‬من‭ ‬شارك‭ ‬من‭ ‬الممثلين‭ ‬المحترفين‭ ‬في‭ ‬المسلسل‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬الصفين‭ ‬الثالث‭ ‬والرابع‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬والدراما‭ ‬الأمريكية،‭ ‬لكن‭ ‬المدهش‭ ‬هو‭ ‬إصرار‭ ‬صناع‭ ‬المسلسل‭ ‬على‭ ‬إسناد‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأدوار،‭ ‬الرئيسية‭ ‬والثانوية‭ ‬والشرفية،‭ ‬لشخصيات‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬الواقعية‭ ‬في‭ ‬بالتيمور‭. ‬هناك‭ ‬مدمنون‭ ‬يمثلون‭ ‬شخصياتهم‭ ‬الحقيقية،‭ ‬وضباط‭ ‬شرطة‭ ‬متقاعدون‭ ‬وعاملون،‭ ‬ومحامون،‭ ‬ورجال‭ ‬سياسة،‭ ‬وهلم‭ ‬جرا‭.‬

سنضرب‭ ‬مثلًا‭ ‬بالأداء‭ ‬العظيم‭ ‬الذي‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬سنوب‭ ‬‮«‬الفنانة‭ ‬فيليشا‭ ‬بيرسون‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬الساعد‭ ‬الأيسر‭ ‬لمارلو‭ ‬زعيم‭ ‬أقوى‭ ‬عصابات‭ ‬المخدرات‭ ‬في‭ ‬بالتيمور‭. ‬إذا‭ ‬قرأت‭ ‬التاريخ‭ ‬الشخصي‭ ‬لفيليشا‭ ‬ستجد‭ ‬شبه‭ ‬تطابق‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الشخصية‭. ‬هي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مدمنة‭ ‬مخدرات‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬ومن‭ ‬أبوين‭ ‬لصين‭ ‬ومدمنين،‭ ‬ونشأت‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬للرعاية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬بالتيمور،‭ ‬وعملت‭ ‬وهي‭ ‬طفلة‭ ‬مع‭ ‬صبية‭ ‬النواصي‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬بالتيمور‭ ‬في‭ ‬بيع‭ ‬المخدرات‭. ‬كان‭ ‬دور‭ ‬‮«‬سنوب‮»‬‭ ‬مكتوبًا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتعرف‭ ‬عليها‭ ‬صناع‭ ‬المسلسل،‭ ‬وصادف‭ ‬أن‭ ‬عمر‭ ‬ليتل‭ (‬الفنان‭ ‬مايكل‭ ‬وليامز‭) ‬قرأ‭ ‬بضع‭ ‬ورقات‭ ‬من‭ ‬دورها،‭ ‬فرشحها‭ ‬لصناع‭ ‬المسلسل‭ ‬الذين‭ ‬طلبوا‭ ‬مقابلتها،‭ ‬ولم‭ ‬تمض‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬دقيقة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬بداية‭ ‬المقابلة‭ ‬إلا‭ ‬وقد‭ ‬اتفقوا‭ ‬عليها‭ ‬بالإجماع،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬حياتها‭ ‬أبدًا‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬كانت‭ ‬فيليشا‭ ‬قد‭ ‬خرجت‭ ‬منذ‭ ‬يومين‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬سجن‭ ‬الولاية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أمضت‭ ‬فيه‭ ‬ست‭ ‬سنوات‭ ‬لارتكابها‭ ‬جريمة‭ ‬قتل‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الثانية‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬السادسة‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬عمرها‭. ‬هناك‭ ‬مستويات‭ ‬من‭ ‬التوهج‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬ممثل‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬حرفيته‭ ‬أن‭ ‬يحاكيها‭. ‬الجسد‭ ‬ونبرة‭ ‬الصوت‭ ‬وطريقة‭ ‬النطق‭ ‬تتشكل‭ ‬لدى‭ ‬المدمن‭ ‬والمجرم‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬ممارساته‭ ‬اليومية‭.‬

هذا‭ ‬التوهج‭ ‬المستمر‭ ‬في‭ ‬الأداء،‭ ‬والتماسك‭ ‬في‭ ‬الدراما،‭ ‬والوحدة‭ ‬في‭ ‬الهدف‭ ‬النهائي،‭ ‬برغم‭ ‬تعدد‭ ‬الكتاب‭ ‬والمخرجين‭ ‬وطول‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬العمل،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنتج‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬النظام‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬الصارم‭ ‬لعمل‭ ‬الستوديو‭. ‬هو‭ ‬نفس‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬أنتج‭ ‬أعمالًا‭ ‬‮«‬صلبة‮»‬‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الأربعينيات‭ ‬والخمسينيات،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تغرق‭ ‬في‭ ‬الدوامة‭ ‬المستمرة‭ ‬للإفراط‭ ‬الدرامي‭ ‬والبصري‭ ‬والتفاهة‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬كتاب‭ ‬ومخرجين‭ ‬ليست‭ ‬السينما‭ ‬هي‭ ‬لغتهم‭ ‬الأم‭.‬

 

مسلسل‭ ‬‮«‬الشَّرَك‮»‬

The‭ ‬Wire‭ (‬ترجمناه‭ ‬‮«‬الشَّرَك‮»‬‭) ‬هو‭ ‬مسلسل‭ ‬أمريكي‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬شبكة‭ ‬HBO‭ (‬هوم‭ ‬بوكس‭ ‬أوفيس‭) ‬إحدى‭ ‬الأذرع‭ ‬الإعلامية‭ ‬لشركة‭ ‬تايم‭ ‬وارنر‭. ‬عُرض‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ (‬2002-2008‭).‬

تدور‭ ‬أحداث‭ ‬المسلسل‭ ‬حول‭ ‬مفرزة‭ ‬مخصوصة‭ ‬لشرطة‭ ‬بالتيمور‭ ‬وهي‭ ‬تحاول‭ ‬الإيقاع‭ ‬بعصابات‭ ‬المخدرات‭ ‬بالمدينة،‭ ‬مع‭ ‬تركيز‭ ‬كل‭ ‬موسم‭ ‬على‭ ‬قضية‭ ‬بعينها؛‭ ‬كأحد‭ ‬الأسباب‭ ‬الهيكلية‭ ‬لاستمرار‭ ‬ونمو‭ ‬الجريمة‭ ‬المنظمة‭. ‬يركز‭ ‬الموسم‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬تأسيس‭ ‬مفرزة‭ ‬الشرطة‭ ‬وأفرادها‭ ‬المتنوعين،‭ ‬وصراعهم‭ ‬اليومي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬جمع‭ ‬معلومات‭ ‬عن‭ ‬المنظمات‭ ‬الإجرامية‭ ‬والتنصت‭ ‬على‭ ‬اتصالاتهم،‭ ‬وسط‭ ‬شح‭ ‬الموارد‭ ‬التي‭ ‬توفرها‭ ‬لهم‭ ‬الإدارة‭. ‬والموسم‭ ‬الثاني‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬الصعبة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬عمال‭ ‬ميناء‭ ‬بالتيمور،‭ ‬والتي‭ ‬تدفع‭ ‬رئيس‭ ‬نقابتهم‭ ‬إلى‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬عصابة‭ ‬عالمية‭ ‬لتسهيل‭ ‬إدخال‭ ‬المخدرات‭ ‬عبر‭ ‬ميناء‭ ‬المدينة‭. ‬الموسم‭ ‬الثالث‭ ‬يتناول‭ ‬قضية‭ ‬الفساد‭ ‬والتراخي‭ ‬وتغليب‭ ‬المصالح‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحكومية‭ ‬والمنتخبة،‭ ‬مما‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬تفشي‭ ‬الجريمة‭ ‬في‭ ‬المدينة‭. ‬الموسم‭ ‬الرابع‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬انهيار‭ ‬التعليم‭ ‬وتدهور‭ ‬المدارس‭ ‬الحكومية،‭ ‬مما‭ ‬يدفع‭ ‬بالأطفال‭ ‬والمراهقين‭ ‬إلى‭ ‬أحضان‭ ‬عصابات‭ ‬المخدرات‭. ‬أما‭ ‬الموسم‭ ‬الخامس‭ ‬فمركز‭ ‬الثقل‭ ‬فيه‭ ‬هو‭ ‬الإعلام‭ ‬والصحافة؛‭ ‬كيف‭ ‬يساهم‭ ‬بعض‭ ‬الصحفيين‭ ‬المعدومي‭ ‬الضمير‭ ‬في‭ ‬الترويج‭ ‬للأكاذيب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الشهرة‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬والمعاناة‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬الصحافة‭ ‬المكتوبة‭ (‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬بالتيمور‭ ‬صن‭) ‬في‭ ‬ظل‭ ‬نظام‭ ‬السوق‭ ‬وأولوية‭ ‬مبدأ‭ ‬الربح‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬ثانية‭.‬

يعد‭ ‬‮«‬الشَّرَك‮»‬‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المسلسلات‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الدراما‭ ‬العالمية،‭ ‬حظي‭ ‬باهتمام‭ ‬كبار‭ ‬المفكرين‭ ‬والفلاسفة‭ ‬المعاصرين‭ ‬وكتبوا‭ ‬عنه‭. ‬خصص‭ ‬له‭ ‬سلافوي‭ ‬جيجيك‭ ‬مثلًا‭ ‬فصلًا‭ ‬كاملًا‭ ‬في‭ (‬سنة‭ ‬الأحلام‭ ‬الخطيرة،‭ ‬2012‭) ‬وهو‭ ‬الآن‭ ‬مادة‭ ‬دراسية‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬أقسام‭ ‬الإعلام،‭ ‬والسينما،‭ ‬والاجتماع‭ ‬في‭ ‬جامعات‭ ‬العالم‭ ‬الكبرى؛‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭: ‬جون‭ ‬هوبكنز،‭ ‬وهارفارد،‭ ‬وبراون،‭ ‬وتكساس،‭ ‬ويورك،‭ ‬ولندن،‭ ‬والسوربون‭ ‬■

‭ ‬