مشهد الشعر في الكويت راهنًا: عشرة شعراء في عشر سنوات

مشهد الشعر في الكويت راهنًا: عشرة شعراء في عشر سنوات
        

          ينفتح المشهد الشعري الراهن في الكويت على تجارب شبابية متطلعة بشكل جدي، ومتنوع في أغلب الأسماء المكونة لذلك المشهد، وإن بمستويات فنية متفاوتة تجمع بينها الحماسة والتطلع و.. التسرع أحيانًا.

          على الرغم من انحياز الأدباء الشباب الكويتيين في السنوات العشر الأخيرة إلى القصة القصيرة والرواية في معظم اختياراتهم الإبداعية للكتابة، فإن الشعر يبقى خيارًا مفضلاً لدى عدد لابأس به من الذين يحاولون النشر للمرة الأولى في حياتهم الإبداعية والكتابية بشكل عام، حتى وإن تحولوا عنه لاحقًا لأسباب تتعدد وتتنوع ولكن الأثر الشعري يبقى في الغالب وإن بشكل أطياف هلامية في كل ما يكتبون من قصة قصيرة ورواية بعد ذلك.

          والملاحظ على التجارب الشعرية في العقد الأخير، وهي الفترة التي نتناولها هنا بالتقديم والاختيار، جنوحها للتفعيلة بشكل واضح كأسلوب شعري أول، وأحيانا أوحد، بالرغم من أنه خيار لم يعد يغري الكثيرين خارج الخريطة الكويتية، وذلك على عكس الجيل الذي سبق ذلك الجيل واصطلح على تسميته بجيل التسعينيات. فإذا كان شعراء التسعينيات في الكويت قد تركوا قصيدة التفعيلة منذ مجموعاتهم الشعرية الأولى، ولم يعودوا إليها الا لمامًا وبشكل خجول، فإننا نجد أغلب الشعراء الشباب يراوحون ما بين التفعيلة والقصيدة العمودية التي وجدت من يتشبث بها بطريقة عصابية بحت، دون أن يخوض غمار التجريب الذي هو أصل الشعر، وديدن الشاعر في كل عصر. لكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى تجارب ناضجة جدًا لبعض الشعراء الشباب على صعيد قصيدة النثر.

          وقد كان واضحًا جرأة هؤلاء الشعراء على النشر منذ بداياتهم الأولية، وقد ساعدهم على ذلك انفتاحهم على وسائل النشر والتوصيل الحديثة والمعتمدة على الحلول التكنولوجية كالإنترنت وفضاءاته الواسعة والمتوافرة للجميع من دون عناء ولا رقابة. وقد وفر لهم ذلك الانفتاح التكنولوجي الأفقي أن يتواصلوا على التجارب العربية الأخرى المجايلة لتجربتهم في محاورة مشتركة بين الجميع، حيث فقد النص في كثير من الأحيان خصوصيته الجغرافية والبيئية تحت وطأة الاستجابة لمعطيات المساحة المشتركة لنصوص ذلك الجيل العربي كله على شاشات الحواسيب.

          وفي سياق ما اخترت من تجارب شعرية لافتة في هذا العقد يبدو محمد هشام المغربي في كل ما نشر من نصوص شعرية على مدى خمس مجموعات شعرية مخلصا لتراثه العربي، فهو يختار موضوعاته وفقا لذلك السياق العربي العام، من دون أن يلتفت إلى ذاته والتي بدا أنه عبر عنها في روايته الوحيدة «ساق العرش» أكثر مما عبر عنها في مجمل قصائده التي قدمها في جماليات متصاعدة كتابا بعد آخر. أما سعد الجوير فقد بدت تجربته مختلفة قليلاً ربما لأنه بدا كأنه يرسم مخططًا فكريًا دقيقًا لشعريته المتحققة في خمس مجموعات صدرت تباعًا وقوض بعضها ما سبقه بوعي مسبق. وقد دعم الجوير تجربته الشعرية باهتمامات نقدية أفرزت كتابين ورواية، وهو في كل ما أنتج بقي حريصًا على عناصر إبداعه لغويًا وفكريًا وإيقاعيًا أيضًا.

          وبالرغم من تواري حمود الشايجي عن المشهد المعلن للقصيدة الشبابية في الكويت، فإن نصه المغاير يشير إلى شاعر مختلف بقصيدة مثقلة برموزها وإيحاءاتها ودلالاتها المتطلعة إلى استشراف المستقبل وإرهاصاته في سياقات فنية عالية وتجريب مشهود تميز فيه عن غيره من شعراء هذا الجيل.

          أما ماجد الخالدي فقدم تجربة زاوج فيها ما بين القصيدة الفصيحة والقصيدة العامية في إصدارات غزيرة قياسا إلى عمره، لكن التجربة في الشكلين ظلت تدور في إطار رومانسي تقليدي كرس من خلالها صورته واستفاد من التقنيات الحديثة في تقديم قصيدته إلى المتلقي بكل الوسائل الممكنة بدأب واجتهاد كبيرين وحماسة طاغية.

          وبالرغم من أن أغلب شعراء هذه المرحلة بدأوا بدايات تفعيلية صاخبة فإن سامي القريني فضل أن يبدأ تقليديًا بحتًا من خلال التزامه بالوزن والقافية وفقا للطريقة الخليلية قبل أن يناوش التفعيلة في مجموعته الشعرية الأولى.. ويكرّس ذلك التوجه فيما صدر له من مجموعات شعرية لاحقًا.

          ويتشابه حسين العندليب مع القريني في تفضيله لعمودية الخليل، فهو يكتب قصيدته في ذلك الإطار حتى وهو يتحاور في إطارها مع مفردات العصر بتلاوين مختلفة وعلى قلق بانتظار صدور مجموعته الأولى. وعلى النقيض منهما يبدو محمد قاسم الحداد مندغما مع التجارب الحداثية في إطار فلسفي يميل إلى الوجودية في كثير من نصوصه ذات الإيقاع الموسيقي الخفي.

          وفي حين اكتفت حوراء الحبيب بتجربتها الشعرية الأولى في سجينة الجسد بأن تقدم صورة تقليدية للمرأة الشاعرة المحبوسة بصيغة الجسد في سياق المرجعية الشرقية، قدمت أسماء سعد في تجربة يتيمة شعرية لافتة وذكية ولكنها اختفت وراء غلاف الكتاب ولم تظهر لتقدم نصها كما يليق به وبها، خاصة أن هذا النص تحديدًا يتميز بمرجعية فلسفية نادرة ودلالات شعرية وفكرية متوهجة، ومثلها فعلت دلال جازي التي نشرت لها نصوص متقدمة جدًا في بعض الصحف، قبل أن تختفي وراء جدران الغياب. هنا.. أختار عشر قصائد لعشرة من الشعراء الشباب والذين تبلورت تجاربهم ، على مختلف مستوياتها ومدى جدية كل منها خلال العقد الأخير لتمثل النسخة الأحدث من القصيدة العربية في الكويت تحديدًا. ولا أدّعي أنني في هذه العجالة أقدم رؤية، تستحقها التجربة، بقدر ما أحاول التعريف بتلك الأسماء الشابة لقارئ مجلة «العربي»، في إطار الاحتفالات الكويتية بأعيادها الوطنية هذا الشهر، وبما يفرضه ذلك الظرف الخاص من أجواء احتفائية إعلامية.

الشعراء وقصائدهم

  • محمد هشام المغربي

          ولد في الكويت العام 1982 ، يحمل إجازة جامعية في اللغة العربية. عمل في التدريس ثم في الصحافة الثقافية وحاليا يعمل محررًا في سلسلة المسرح العالمي الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت. صدر له: على العتبات الأخيرة (شعر)، أخبئ وجهك في وأغفو (شعر). خارج من سيرة الموت (شعر) هو المطر (شعر)، ساق العرش (رواية).

بكائيته *

أماهُ
خانَ النجمُ
والأقدارُ باعتنا
وسرنا في الفجيعة حاسريّ الرأسِ
يلسعنا هجير اليأسِ
أصرخُ في العيون:
أتفرحونَ؟
تطبّلون، وترقصونَ؟
اللعن ! ألعنكمْ
أنا أمي بلا وردٍ غفتْ في رمسها النائي.
أنا أمي تراوغُ هجركمْ فيها.
أنا أمي البعيدةُ - دون فاتحةٍ بهذا الحلكِ تُتلى فوقها- تبكي، يُريع الليل وجنتها،
ولا أحدٌ بباب القبر يحمل ما تيسّر من دموعٍ /
يرفع الإخلاص / يعطي للموات حقيقةً أخرى!
أتوا
في ليلةٍ قمراء وانتبذوا مكانَ الحزنِ
وارتقصوا
وماجتْ أعينٌ سحّتكِ إفكًا
يسمرون،
يشيعون اليوم - يا أمي - أبي
يمشي إليها زاهيًا
ويكاد يرمقني
فيحجم إذ يرى في نظرتي (أنتِ).
العروسُ جميلةٌ
والجرحُ مبتذلٌ
ووحدي بتُّ أصرخ باسمكِ الملعونِ
في لغط الحضورِ
عمىً
يرونَ تضاؤلي
ونحولَ قامتيَ / ارتباكي،
وازديادَ اليأس في وجهي،
وحملقتي بباب العرسِ.
كانوا
لم يروني
إذ يرون صبيَّهم سحبَ الترابَ على يديهِ ووجههِ حُجبًا!!
وكنتُ بكيتُ
لم يبصر دموعي واحدٌ
آليتُ ألا ...
آهِ يا أمي
وميراث السنين،
وصوتكِ المهموس،
والتنور
والطلُّ الغزيرِ
لقد مضتْ فينا الفصولُ،
وخانني أن ماتَ في قلبي البكاءُ
أنا زُرعتكِ في (أمينةَ)
فاطمئني
لن تضيعي من جديدْ!

  • سعد الجوير

          ولد في الكويت عام 1982. يحمل إجازة جامعية في اللغة العربية. يعمل في التدريس. صدر له: ظل لا ترسمه نخلة (شعر)، طقوس صاخبة (شعر)، خطيئة الكائن (شعر)، تم الكتاب (شعر)، بعيد كجندي.. بارد كتابوت (شعر)، باربار (رواية)، بوصلة الجهات العشر: المشهد الشعري في الكويت التسعينيات نموذجًا (نقد)، غريب على ضفة نائية: جان دمو (نقد).

مقطع من خارطةُ المعنى

تدفعني خارطةُ المعنى؛
«أن أنشدْ جراحَك في سديمٍ وغامضٍ»
كأنَّ الحجرَ يحركُ لسانَه
كأنَّ غفلةً في الناسِ/
أو ناسًا في الغفلةِ
كأنني أعبثُ ..
هذه الجرائرُ تمتدُ،
وتصيرُ آيةَ الطغيانِ والغرابةَ
تصيرُ العالمَ //
الأسماءَ الجديدةَ والنوايا
الغريبُ؛
ملائكُ وقوافلُ عطشًا تتناوبُ الخطيئة
// ودّعتُ الورقَ //
لدى صحراءَ قاحلةٍ
ونفختُ النارَ في الأجسادِ
هل جاءَ ليلٌ
أم المخاضُ قريبٌ ؟!
لِنمدَّ المائدة !
صار بوسعِ الحقيقةِ
أن تغفرَ الخطواتِ
و تجعلُ النارَ للآدميِّ
وصار بوسعِ المكانِ
بركنةُ الزمنِ الذي يطلُّ مثلَ جبانٍ ويقولُ الحقيقةَ
«تأتي على قدمين»

  • أسماء سعد

          ولدت في الكويت العام 1974. تحمل إجازة جامعية في علوم الكومبيوتر وتتابع دراستها في الأدب الإنجليزي. صدر لها: دم كذب (شعر)، ولها مجموعة شعرية أخرى تحت الطبع.

وحل

حجرًا حجرًا
ينمو عملاقًا ضخمًا في المرآة
أيدي بائسة
شكلته بكلمات من الرمل
والحقيقة مشرعة أبوابها للرياح..
هرم يتداعى
يستند على ما بقي من الملامح
تتفطر.. تتآكل
السنون تطرحه أرضًا
ويسقط أنفه في الوحل.

عتمة

في فراغ الأشباح
مجهولٌ يتقدم
على امتداد اللانهاية
صور ترسمها العتمة
سوداء لا نهائية..
أرواح عائدة
تخترق جدران الكائن الضعيف
ولا تطردها أية تعويذة.
املأني
هدهد حشرجات الوحدة فيّ
واجعلني أتقيأ الفراغ الأسود
القابع في عيوني
...............
...............
بددّ صور العتمة.

رقصة

ارقصي
وامتطي صهوة جواد رجولتهم
المثخنة بالعربدة
وابصقي في وجوه الشهوة
واكتبي تموجك قصصًا حزينة
ملونة بالقحط وألوان أغطية الأسرة
اسكبي ربيع أنفاسك
في رحم القرى القاحلة
زوادة الوحدة
وأمل البائس الفقير.

حمود الشايجي

          ولد في الكويت العام 1981. يحمل إجازة جامعية في العلوم السياسية والفلسفة. عمل صحفيًا في وكالة الأنباء الكويتية، ويعمل الآن في السلك الدبلوماسي في بلجراد عاصمة صربيا.

          صدر له: هيولى (شعر)، العزف الثامن (شعر).

أنا أنت

أنا أنت يا حبيبي أقف بين يديك عسى أتذكر وجهك الغائب عني
أنا أنت كحرف واحد في كلمة متناقضة المعاني
أنا أنت أغسل ذنبي عند ركبتيك
وأغادر نفسي في حضرتك
لأواسي بقائي خارجك
أنا أنت
يا .. سلام!
السلام خرج على أصابعك
السلام لن يتوقف حتى ينهي معاناتنا فيك
سيقتلك
سيدمرك
سيمزق أحلامك
وسيبقى السلام
س
ل
ا
م
!

أول الأمر

ليت السلام يكفي لكل شيء
فكل رغبة مخالفة لضمير هابيل
باتت محرمة
لم يعد هناك أحد يعرف أين الخطيئة وأين سرابها
فكل أمرٍ هنا يبالغ في ترجمة الشهوة!
كمن:
كمن يحب العالم كله
عند وجه حبيبته
كمن يحب العالم كله
في وجه حبيبته
كمن يحب العالم كله
بوجه حبيبته
كمن يحب حبيبته
لوجه الله

في الحب

اليوم فارقت نفسي
حيث خرجت من باب
أدخلني على ما تسمونه الآخر
فلم أجد أحدًا يشبهني
أكثر منه
يأكل مثلي
ويشرب مثلي
ويقبل مثلي
لكن الفرق الذي بيني وبينه لا يكاد يذكر
ولولا هذا الفرق لقلت
إن هذا الآخر هو أنا
لكنه
كان يعرف الأسماء كلها
وفي الوقت ذاته
يقل للشيء كن فيكون
وله حبيبة

فكين

من منا له الأشياء كلها
من منا له الروح والتهلكه
من منا بيديه تعب
وبرأسه النجاة
غير ذاك الساكن بين
فكين من حب
فكين من
ذ
هـ
ب!

  • ماجد سلمان الخالدي

          ولد في الكويت العام 1984. يحمل إجازة جامعية في اللغة العربية وآدابها. صدر له: لا تحزني، شيء يشبه التمرد، شاعر حب متجول، قصائد جريئة جدا، حكايات القمر، حفلة حزن، مسجاتي، مسجاتي2.

إعصاري

          الآن .. ؟ أعجز عن توضيح أعذاري
                                        إني أعاني انقلابات بأطواري
          من يجعل الوهم والرؤيا بضاعته
                                        يُفلسْ ويخرجْ من الدنيا بلا شاري
          كل الأعاصير كانت تحت سيطرتي
                                        وها أنا - دون حول - مات إعصاري
          لا لحن يحضرني حتى أرتله
                                        ولست أسطيع أن أهديكِ أشعاري
          وما أنا بضعيف يا مدمرتي
                                        أو نرجسيٍّ ومحدودٍ بأفكاري
          لكن حزني هو المسئول عن كسلي
                                        وقد تورط في تقطيع أزهاري
          والحزن جارٌ لئيمٌ في تغطرسهِ
                                        ولا يراعي بتاتا حرمة الجارِ
          لِمَ الصقيع على عينيكِ يرهبني؟
                                        وكنت أسرق من عينيكِ أقماري
          الابتسامة تخفي ما يدمرني
                                        والشعر يفضح آلامي وأسراري
          كمثل بائعة الكبريت إذ ملكت
                                        وجهًا جميلًا يغطي جوعها العاري
          أنا تركتكِ .. والمنديل ممتزج
                                        بالدمع والكحل والخيباتِ والعارِ
          أنا خذلتكِ .. والأبواب مغلقةٌ
                                        أقرُّ بالذنب .. هل يرضيكِ إقراري؟
          لقد تهربتُ حين الحب أتعبني
                                        خلعت تضحيتي عني .. وإيثاري
          إذا غفرتِ .. فكيف الحب يغفر لي؟
                                        خذي بثأركِ .. حان الأخذ بالثارِ
          خذي بثأركِ .. كي أرتاح من هربي
                                        فقد أعود إلى رعدي وأمطاري
          وقد أحرر وجهي من كآبته
                                        وربما أضع التاريخ في النارِ
          لولا الحدائق في جفنيكِ ذابلةٌ
                                        غمستُ في معجم الأفراح جيتاري

  • محمد قاسم الحداد

          ولد في الكويت العام 1987. له: الفطم والكتابة (شعر وفكر) بالاشتراك مع آخر، اسمي (شعر).

ما تقول الهامة

«أرى الحياة بلون الدم»
في عواصم الرمل والملح
يتردد الصدى بين تلال الأرواح إلى الغياب
واخضر وجه واحد أحببت منذ طفولتي
الشعر في قلبي مد عال إلى الرؤية:
أن أستجمع ذاتك التي زرعت في الأكفان وسر
تسكن الهامة دفأها في رئتي الباردتين
فأستجمع عمري وأحجار الوطن المنفي في صدور المعدمين
هنا الفرد
يرتد عن الأجساد المجهولة وعن دبابات الموت
ما عادت له المجرات يعشقها
ولا ذاكرة
فانتفض
بلا أرض
فمن الممكن للفرد أن يظن أنه جزء من قرار...
حين يمتلك حاسوبا أو يحتكر التكنولوجيا...
ولكن من المضحك فعلا أنه حين تكون الهوية مبنية على اللغة.. أن لا يحاول الإصغاء.. أن لا يهتم بالحوار.

الشوق **

هأنذا أغرس قدمي في الأرض العاشقة
عند السفح... وكان من قبل حصار الظلام
كصوف يلتف على مغزل
كان سواد الغيم من حولي
وإذ بريح فاطمة... كخبر طيب من الشمس البعيدة
كالخبز الساخن
كالبرتقال
كأني الآن أرى بابها
ووقوفي على عتبات الغياب.

  • سامي القريني

          ولد في الكويت العام 1986. يعمل في القطاع الخاص. صدر له: شواطئ الكريستال (شعر)، عندما لا أحد (شعر)، كأني أرى شيئا (شعر)، عرايا بلا مفردات (شعر)، منسيون (مسرحية).

مشهد صباحي

صَبَاحًا فَتَحْتُ الشَّبَابِيْكَ
حَدَّقْتُ أَكْثَرَ فِيْ نَخْلَةِ البَيْتِ
كُنْتُ أَرَاهَا صَغِيْرًا
وَهَا هِيَ تَنْمُوْ
وَأَنْمُو أَنَا مَعَهَا مِثْلَ سَعْفٍ جَرِيْحْ
رَغِيْفِيْ غُبَارٌ وَرِيْحْ !

تَسَاءَلْتُ كَيْفَ إِذَا نَحْنُ مِتْنَا جَمِيعًا
وَلَمْ يَبْقَ فِيْ البَيْتِ بَيْتٌ لِيَسْكُنَهُ البَيْتُ -
هَلْ سَوْفَ يَبْقَى النَّخِيْلْ،
يُكَفْكِفُ أَدْمُعَهُ فِيْ مَهَبِّ الرَّحِيْلْ؟

وَأَيْقَنْتُ مِنْ بَعْدِ عِشْرِيْنَ عَامْ
بِأَنَّ النَّخِيْلَ بِإمْكَانِهِ
أَنْ يُلَخِّصَ أَوْجَاعَ صَاحِبِهِ
دُوْنَ أَنْ يَنْحَنِيْ حَسْرَةً أَوْ يَنَامْ!

صَبَاحًا صَحَوْتُ
وَأَعْدَدْتُ لِلشَّمْسِ قَهْوَتَهَا
لَمْ تَجِئْنِيْ كَعَادَتِهَا .. اخْتَصَرَتْنِيْ العِبَارَاتُ
وَالاِسْتِعَارَاتُ صَارَتْ حُقُوْلًا مِنَ الضَّوْءِ
وَحْدِيْ مَشَيْتُ عَلَى ضِفَّةِ الوَقْتِ نَهْرًا / 
تَأَنَّقَ صَمْتِيْ بِثَرْثَرَةٍ حَافِيَةْ
وَأَدْرَكْتُ بَعْدَ امْتِزَاجِيْ بِمَا أَنَا فِيْهِ،
بِأَنِّيْ أُمَارِسُ حَالَةَ عِشْقٍ -
مَعَ القَافِيَةْ!

  • دلال جازي

          طالبة جامعية تدرس في كلية العلوم الصحية. تنتمي لأحدث جيل للشعرية الكويتية الراهنة. يصدر لها قريبا كتابها بعنوان «تشريح الأرنب الأبيض» (شعر).

هذا الأسود

لنقل إنه حل ضيفًا على بيتنا يومًا
متخفيًا في صورة جارة أو صديق
جلس إلى المائدة بهدوء، وراقب طريقتنا في الأكل
واستمع إلى أحاديثنا الجانبية
لنقل إنه وقف في شرفتنا
وعرف المارة بأسمائهم، وحفظ ترتيب نباتاتنا
الأسود ليس مستعدًا لأن يمرّن عضلاته فقط
فالكآبة يمكنها أن تفعل ذلك، وأن تتبعنا حتى بألفه مثل كلب يهز ذيله
الأسود الجدير بمجده،
يحتفظ بسجل كامل يرصد فيه عاداتنا ومخاوفنا ونكاتنا السمجة
ليقيس فيما بعد عمق الحفرة اللازمة للدفن
ارتفاع الشعلة من الإطارات التي تحترق إلى الدم المتطاير

يحرص على أن تكون الأفعى بسماكة الشريان
وأن يكون للكلمة نصل، وأن يفيض الماء بما يكفي
ليس هو النهاية، لكنه ما قبل النهاية بقليل
يثبت ضحاياه بمسامير، ثم ينساب
فيقولون: حياتنا مرت ببطء أمام أعيننا
تدحرجنا من التل ثم عدنا
رأينا الموت،
ولم يكن ذلك إلا الأسود، ممسكًا بسياطه
يرغمنا على القفز مثل حيوانات السيرك
بين حين وآخر في حلقات من نار
الأسود ما تبقى، من انفجار نجم معتم
الأسود عصارتنا الداخلية
نصيب الفرد من الحوادث المؤسفة مقسومًا على زمنه ومقاس قميصه
الأسود
الجدة ترفع يدها، تظلل جبينها عن الشمس
وتحدق في نقطة بعيدة
: يبدو أنها ستمطر!

حوراء الحبيب

          ولدت في الكويت العام 1988. تحمل إجازة جامعية في الحقوق. عملت في الصحافة اليومية. صدر لها: سجينة الجسد (شعر)، بلا والي (رواية).

مختلفة أنا

ثقيلة يا صحراء
تهزين الخصر
إن داعبتك الأرض
تغنين للشمس
أن أغواك الأصفر
فبلتك ترصع الندى برمل أعوض
لن يكون للندى وجود..
تسكبين الماء
تختفي التجاعيد
سوداء في الليل
تتوجين بقمر وزمرد
مختلفة أنا.

أنثى

أنثى الروح تلون الفراغ
تغسل العسل برحيق عبيرها
للأنثى حق الوجود
يختنق أنفاسها برجولة الشر
لهيب الغضب يكسر المرايا
لا ترى سوى خيبات حزن
يكنفها الخوف
للأنثى حق السعادة في زوايا دموع
تغرق في ليل أبيض
تتساقط النجوم كضحايا تمرد
للأنثى حق التمرد
رائحة الظلم تكفي لأرى كيف قيدها
ثم ابتلع المفاتيح
كيف قطع جذورها
حتى سقطت الأزهار ذليلة
للأنثى حق الحرية
برروا للكلمات خطيئتهم
ليس للمرأة مشاعر إنها من عدم
إذا كيف تضجر الروايات كلما افتقدتها
ولماذا تغتصب الأشعار إذا تزينت بها
للأنثى حق المشاعر.

سوسن

يمتص دماءك
رجفة أخيرة في يقظة عاسرت روحك
لا تموتي
في جسدك رائحة أمي
ناشدتك بتلك الكلمات كما علمتني
لكن الحياة خائنة
أرأيت كيف تبتلع الأرض
أجساد أبنائها
كم قاسية أنت يا أرض
لا تحزني يا ودجة أحن إليها
ذبلت في ذنب السرحان
عطرها نزف لحنًا ينكب على شفتي
من يقدس الموت حينها
من يكتب شعرًا يحييها
من يحمل ريشة بيضاء تعيد الروح لجسدها
سوسن ..
كبف البرزخ هناك؟
أترين الحزن المرير يتوج النفوس
ولباس الوحدة تفعم اليقظة بنيران الشوق
أشعلي الشموع كلما عاتبك حنين الديار
هنا... الأرواح تعذب
العالم يبتهج
يكفننا الحزن
ماعدنا أحياء
هنا ...
يعتصر الشوق أفئدتنا
كيف نلقاكم ؟ ... وقيود الطّلَقِ تحاصر الروح.

  • حسين العندليب

          ولد في الكويت العام 1987. يحمل إجازة جامعية في علوم المكتبات والمعلومات. يعمل موظفا في القطاع الخاص. نشرت له عدد من القصائد في عدد من الصحف والمجلات. له مجموعة شعرية تصدر قريبا.

يا نَفْسُ..

          تناهتْ إلى اللّا انتِهاء جُروحي 
                                        وقَرَّ بِحَيْثُ اللّا قرارُ طُموحي
          فأصبحُ صبحٍ فيّ وَقْدُ عزيمتي
                                        وأليلُ ليلٍ كونُ جسمي ضَريحي
          أُقَوِّمُ نفسي من هواها تَواضُعًا
                                        ويُعوِجُها بينَ العِظامِ مَديحي
          فإنْ لَمْ أصُنْها خلفَ أهدابِ عِزّتي
                                        فَسِيانِ فيها عاذِلي ونَصوحي
          إذا ما بِعَيْني رُمتُ برقًا سُقيتُهُ
                                        بِدَمْعٍ، على ما قَدْ جَنيتُ، فَصيحِ
          فما أَتَوقّى الشَّرَّ إلاّ رَأيتُ ما
                                        تَوَقّيتُ مِنْ غَيْري يُقيمُ بِرُوحي
          وأَقْتَلُ للإِنسانِ .. موتٌ مُؤَمَّنٌ
                                        بِمكمَنِ حُسْنٍ .. ظَنَّهُ بِقَبيحِ
          رُوَيْدَكَ .. تبّاعَ اللّذائِذِ والهَوى
                                        فكُلُّهُما للبُؤسِ عَدْوُ جَموحِ
          فقَدْ كنتَ دومًا باسطَ الكَفِّ للخَطا
                                        ولَمْ تَكُ يَوْمًا في الهوى بِشَحيحِ
          لعَلَّ وَميضًا سوفَ يَأتي .. مُؤَيَّدًا
                                        بِشَطحَةِ عَقْلي الغائِبِ المُسْتَريحِ
          يُفَجِّرُ أَشلائي رُؤىً آدَمِيّةً
                                        ويُبدي هَديلي مِنْ صَميمِ فَحيحي
          بِلا سَبقِ ميعادٍ يَحُلُّ على الْـ (أَنا)
                                        فَيُسْلِكُها مَفطورَةً بِرُجوحِ
          ويُبلي بلاءُ خَيِّرًا في شُرورِها
                                        يُطَوِّعُها كُرْهًا لِدَرْبٍ صَحيحِ
          يُرَفِّهُ عنها الحُزنَ والبُؤْسَ والضّنى
                                        وَيُوقِدُها قَدْحًا فُوَيْقَ صَفيحِ
          فأَمّارَتي بِالسُّوءِ أَقصَتْ مَحاسِني
                                        وأَدْنَتْ عَنِ الدُّنيا الغَرُورِ نُزُوحي
          وحادِثَةٍ لا كُنْتُ إنْ لَمْ أَقُمْ بِها
                                        مَقامَ الجِبالِ الصُّمِّ في وَجْهِ ريحِ
          وزَعْزَعَةٍ في كُلِّ يَوْمٍ تَنوشُني
                                        تَقِرُّ بِها عَيْنًا بَناتُ جُروحي
          أُمَنّي بها نَفسي بِرُشْدٍ أَنالُهُ
                                        فَتُنْذِرُ بِالطّيْشِ العَتيقِ وَتُوحي
          ومِنْ تَضحِياتي أَنَّ حِملَ قَصيدَتي
                                        هُمومُ البَرايا في سَفينَةِ نُوحِ
          فَيا بَحْرَ دَمْعي لَيْسَ يَنْضُبُ غَمْرُهُ
                                        سَئِمْتُكَ مِنْ وَجْهٍ عَلَيَّ وَقيحِ
          طَلَتْهُ مَطاميرُ العَداواتِ تارَةً
                                        وأُخرى رَمى بِالضَّغْنِ فَوْقَ سُفوحي
          سَئِمْتُكَ نيرانًا تُذيبُ جَوانِحي
                                        بِوَقْدٍ لإِهْلاكي عَلَيَّ لَحوحِ
          حَمَلْتُ سِنيني فَوقَ صَدْري مَواجِعاُ
                                        فَأَلْقَيْتُها.. حتّى أقَمْتُ فُتوحي
          فَيا نَفْسُ قَدْ ضَيّعْتِ رَيْعانَ خاطِري
                                        فَلا تَغْتَدي للْمُنْقَضي وَتَرُوحي
          ويا فَرْحَةَ الأيّامِ يَعْبِقُ عِطْرُها
                                        عَلى النّاسِ.. قَدْ رُمْتُ الْعَبيرَ فَفُوحي
---------------------------------
* من مطوّلة (هو المطر) قصيدة سيرة شعرية عن السياب
** من كتاب الفطم والكتابة

 

 

 

تقديم واختيار: سعدية مفرح