بين الفطور العربي والغربي
هل سمعتم عن مطاعم تقدم وجبة الإفطار طوال اليوم؟!
إذن... لمن يضع مكانة رفيعة لوجبة الإفطار، ولمن يستيقظ مبكرًا فقط من أجلها، وللأشخاص المستعجلين الراغبين في الإفطار قبل اللحاق بأشغالهم اليومية، وأولئك الذين يحملون فطورهم إلى مقرات عملهم، ولهؤلاء الذين يجلّون الإفطار كوجبة ملكية وذات طقوس محددة... لهم فقط نستعرض موائد الإفطار من هنا وهناك.
كلنا يعلم أن فوائد وجبة الإفطار الصحي عديدة للجسم والذاكرة والطاقة والنفسية، لما لها من دور أساسي في تطور القدرات التعلمية والأدائية الذهنية؛ فهي التي توفر للدماغ حاجته من الطاقة من خلال السكر والنشويات المركّبة بطيئة الامتصاص، والبروتينات الضرورية لعملية البناء والإشباع. فإفطار صباحي متكامل يحتوي على عناصر غذائية مفيدة لبدء يوم مليء بالانتباه والهمّة والحيوية، ويحسّن بدوره عملية الهضم، مع إبقاء معدل حرق السعرات الحرارية في مسارٍ جيد، فيمدّ الجسم بالاحتياجات الضرورية للعمل والإنتاج.
من أطياب عالمنا الشرقي:
تختلف موائد الإفطار العربي من بلد إلى آخر، على الرغم من تشابه ثقافات الشعوب العربية إلى حد ما، ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى الأرض الزراعية ومصادر توفر الغذاء النباتي أو الحيواني في كل منطقة من مناطق الشرق الأوسط.
إفطار عالَمنا العربي غالبًا ما يكون من الخبز بشتى أنواعه، سواء كان خبز التنور الإيراني أو خبز التاوه أو خبز الرقاق وخبز السمسم بالكويت أو خبز التميس والبر والمراصيع والمراقيش وقرص عمر والعايدي في المملكة العربية السعودية، أما خبز الرقاق والجباب فيشتهر في دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي سلطنة عمان يطلق عليه خبز الرخال، وفي العراق يسمى الصمون والتنور.
أما بلاد الشام، من سورية ولبنان وفلسطين والأردن، فيفتتح أهلها نهارهم بخبز الفرن والصاج والفرنجي والكعك والمشروح وخبز الطابون وغيرها. ولرغيف العيش في جمهورية مصر العربية أسماء متعددة، فتتغير التسمية ما بين منطقة وأخرى، فيطلق عليه عيش شمسي، وعيش مرحرح وعيش كناج، وعيش فينو وعيش بلدي... وهناك أيضًا «الفطير المشلتت» المشهور في الأرياف. أما في دول المغرب العربي، فتشتهر المغرب بخبز البطبوط والهشيش، أما في تونس فلديهم خبز الصفاقسي والطابونة والباي، وفي الجمهورية الليبية خبزهم المفضل هو الطاجين وخبزة بالتن والزيتون وخبز الفرن. وفي جيبوتي والصومال واليمن يسمى خبز اللحوح.
وتشترك دول وطننا العربي في تقديم الخضراوات مع الإفطار، وما هو متوفر منها حسب طبيعة البلد، ففي دول الخليج يكون التمر بأنواعه متواجدًا على السفرة، وكذلك صناعاته المشتقة منه فيستخدم الحلوى وفي عمل (الرهش) أيضًا هو عبارة عن الحلاوة التي تشتهر بها عدد من الأقطار العربية، لكن يضاف إليها زيت السمسم (الهردة) ودبس التمر كي يعطيه طعمًا حلوًا مميزًا. كما يتربع على مائدة الإفطار الخليجية طبق (العصيدة) المعجونة في التمر وسمن ودقيق وهيل وزنجبيل وتقدم مع البيض.
ومازال القمح هو المتسيّد في جميع الوجبات خاصة الإفطار، فينتج منها ما يفضّله الشعب الخليجي من (قرص العقيلي) وهو كعك يدخل في صناعته فقط الطحين والسكر والبيض ويضاف إليه الهيل المطحون وقليل من الزعفران والسمسم حسب الرغبة، وهو يشبه إلى حد ما (الخنفروش) من البحرين، أما (لسان الثور) فهو عبارة عن نوع من أنواع الخبزات الجافة والصلبة، ويكون حجمه كبيرًا بحجم كف اليد، ويؤكل بعد غطسه وتغميسه بالحليب ليصبح طريًا. ويشبه في ذلك (البقصم) الذي هو نوع من أنواع البقسماط، لكن حجمه صغير طول الإصبع تقريبًا ويؤكل بتغميسه بالشاي أو الحليب.
وتلتف حول نفسها كمطوية ملفلفة تسمى باللهجة الشعبية الكويتية (درابيل) وسميت بذلك لأنها تشبه المنظار، وهي رقائق خفيفة جدًا من عجينة القمح ملفوفة على بعضها البعض بإحكام وتناسق، ويرش بين الرقائق السكر الناعم والهيل والدراسين المطحون، وهي أيضًا من منتجات القمح الناشفة التي تؤكل مع الشاي والحليب.
السويق من الأكلات الخليجية المشهورة في المملكة العربية السعودية، ويتم تناولها كوجبة فطور صحي يومي تحضر من السويق المطحون والسمن والتمر، وأحيانًا يستخدم خبز القمح المفروم مع القشطة والعسل والموز في الصباح كونها تمد الجسم بالطاقة والحيوية، ويعتبر سكان الحجاز أكثر من يتناولها باعتبارها الطبق الرئيسي لهم في الصباح.
سفرة خليجية
تحتوي على نوع من المخبوزات كما سبق أن ذكرنا، إضافة إلى (البلاليط) وهي الشعرية بالسكر والزعفران وتؤكل مع البيض، و(النخي والباجلا) وهما الحمص والفول، القشطة والتمر، وطبق الكبدة المميز بالبصل والطماطم في السعودية، وما يتوفر من أجبان.
سفرة شامية
الفطور الشعبي التقليدي الذي تُشتهر به بلاد الشرق الأوسط ويعشقه السياح من كل أنحاء العالم عادة ما يكون عامرا بالفلافل والفول المدمس، مع بابا غنوج، كذلك بيض الشكشوكة المغربي والباذنجان مع سلطة طحينة، وأنواع من الأجبان مثل جبن الحلوم والنابلسية، وحمص مع خبز بيتا أو شامي أو بلدي، ينضم لها أيضًا كيك ولبنة، عسل ومربى، وزعتر، ولا تخلو من دكة وزيت زيتون، ومناقيش ولحم بعجين وغيرها.
سفرة مصرية
لا تقل إمتاعًا أو تنوعًا عن غيرها، بل إنها مليئة بالمغذيات الصحية للجسم، من الفول المدمس والطعمية والجبنة البلدي والخضراوات الطازجة مثل الطماطم والخيار والفلفل الأخضر وكذلك الفجل والبصل والباذنجان والمسقعة والمخلل، إلى البطاطا المحمرة والبيض، زبادي، مربى، وعسل أسود وحلاوة، إضافة إلى قطع من فطير مشلتت، والعيش البلدي وأصناف أخرى.
من طيبات الإفطار العالمي
ينصح أطباء أمريكيون بضرورة تناول وجبة الإفطار يوميًا، وتنظيم الوجبات التقليدية والوجبات الخفيفة مسبقًا، لأنها تساعد على تقليل مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. وقد ذكر بيان علمي من جمعية القلب الأمريكية، أن تناول المزيد من السعرات الحرارية في وقت مبكر من النهار واستهلاك كمية أقل من الطعام أثناء الليل قد يقلص مخاطر حدوث أزمة قلبية أو سكتة دماغية.
وقالت ماري بيير سانت أونجي، التي ترأس المجموعة التي كتبت القواعد الإرشادية، والباحثة في مجال التغذية في المركز الطبي في جامعة كولومبيا بنيويورك: «ربما يكون موعد الأكل مهمًا إلى جانب ما نأكله».
فطور كونتيننتال
ذلك الإفطار النموذجي الذي يعبر عن ثقافة الشعوب الأجنبية بشكل عام بسيط وسريع وخفيف. وهو من أكثر أنواع الفطور الصباحي شهرة خاصة في الفنادق والمطاعم الكبرى. وعادة ما يُقدم على طاولة الضيف، أو عرضه على شكل بوفيه إفطار مفتوح، مع مجموعة واسعة من عصائر الفاكهة الطازجة والحبوب والمخبوزات والعسل والجبن والزبد وبعض اللحوم الباردة.
يضاف لها أيضًا تشكيلة واسعة من أنواع مختلفة من القهوة: (ماكياتو) أي مع رشّة من الحليب البارد أو الساخن منزوعة الكافيين، قهوة شعير، قهوة أمريكية أو قهوة إسبريسو إيطالية مع حليب ساخن أو بارد، كابتشينو، شوكولاتة ساخنة.
فطور إنجليزي
يشتهر الفطور الإنجليزي بأنه الأكثر تنوعًا من الأطعمة المختلفة بين الحادق والحلو... فتتكون العناصر الموجودة من بيضتين مسلوقتين، بيض مقلي، أو بيض مخفوق، ولحم ساخن مقدد، وفاصوليا مشوية، طماطم مشوية، مع نقانق ومشروم، ولا تخلو من الفواكه الطازجة، والأجبان. ولحبوب الشوفان حصة كبيرة من التشكيلات وكذلك الخبز المحمص مع معلبات عسل ومربى وزبدة، ومشروبات العصائر والشاي أو شوكولاتة ساخنة مع حليب.
فطور إيطالي
هو الفطور الأكثر تفضيلًا لفئة الشباب والصغار والحافل بالمخبوزات، يتكون من (كافيه لاتيه) وهو الحليب الساخن مع قهوة، أو قهوة مع خبز أو لفائف وزبدة ومربى، وعادةً ما يقدم معه خبز صلب يشبه البسكويت مع خبز كرواسون محشو أو سادة، أو نوع مختلف من المخبوزات الحلوة والخبز بالزبدة والمربى.
فطور ألمانيا
يشتهر الألمان بتنوعهم الواسع في إنتاج الخبز لا سيما الطازج منه... ونجد انتشارًا كبيرًا للمخابز في مدنها، كما أنها لا تستغني عن اللحوم الباردة والجبنة المحلية والزبدة والمربى في وجبات الإفطار.
إفطار فرنسا
هي وجبة الفطور الفرنسية التقليدية، وتحتوي على خبز الباغيت والكرواسون مع القهوة، حيث يحب الفرنسيون تغميس الخبز بالقهوة.
في الولايات المتحدة
بسبب اتساعها وامتدادها الجغرافي تختلف وجبات الفطور بين منطقة وأخرى في الولايات المتحدة، ويبقى طبق البيض والبطاطا واللحم المقدّد أوالنقانق الأكثر شيوعًا مع القهوة الأمريكية.
الإفطار الهندي
بسبب مساحة الهند الكبيرة وتنوع البشر وتقاليدهم فتختلف وجبة الفطور بحسب المنطقة، لكن في الغالب سنجد صينية مليئة بالصلصات والبهارات الحارة المصنوعة من الفواكه أو الخضراوات المقلية والمهروسة مع الخل والتوابل والسكر، إلى جانب أنواع من الخبز كالدوسا والروتي والإدلي والنان.
الفطور التركي
تتكوّن وجبة الفطور التقليدية التركية من الخبز والجبن والزبدة والزيتون والبيض والطماطم والخيار والمربى وخلية العسل والقشطة الطازجة، كذلك النقانق التركية الحارة، إلى جانب الشاي الأخضر وجبة (المينيمين) التركية، وهي عبارة عن بيض مخفوق مع مهروس الطماطم والفلفل والخضراوات... ومن طيبات الخبز لديهم السميط المدور بالسمسم المفرّغ من الداخل، والبوريك، وهو عبارة عن عجين محشو بالخضراوات أو محشو باللحم أو الجبن، يتم خبزه بالفرن ويقدم ساخنًا، ويتم تناوله مع كوب من الشاي التركي المغلي.
وإلى اليابان، حيث حساء الميسو الذي يقدّم إلى جانبه الأرز الأبيض على البخار مع الخضار المخللة والبروتينات مثل الأسماك والعجة اليابانية. وإلى إفطار جنوب إفريقيا، الذي يشمل على رقائق القمح والحبوب المغلية، التي تسمى (بوتو باب)، إلى روسيا التي تقدم الكعكة الروسية المميزة المحشوة بالجبنة، وبقية دول العالم التي لم تبخل على أطباقها النهارية أي لذة ومتعة في الأكل.
اجعلها غنية بالبروتينات
إذا كنت راغبًا في تقليل الشهية والشعور بالجوع وكذلك فقدان الوزن مع الحفاظ على عضلاتك، فالبروتينات هي الحل الأمثل؛ فهي تؤدي إلى تقليل كمية السعرات الحرارية التي يتم تناولها، دون التقليل من كميات الطعام التي تتناولها في كل وجبة.
وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة (أرشيف طب الأطفال وطب المراهقين)، فإن الطلاب الذين زادوا من مشاركتهم في تناول وجبة الإفطار المدرسية أدى ذلك إلى تحسين الأداء المعرفي ودرجات الاختبار والتحصيل لديهم، خاصة عند الأطفال الأصغر سنًا، كما أدى ذلك إلى زيادة مؤشر كتلة الجسم، أي إن قياسات نمو الجسم كانت أفضل، وقد ثبت أن الأطفال الذين يتناولون وجبة إفطار كاملة يعملون بشكل أسرع، ويرتكبون أخطاء أقل في مسائل الرياضيات، ويؤدون أداء أفضل في اختبارات المفردات من أولئك الذين تناولوا وجبة إفطار جزئية فقط، كما أنها تظهر تحسّن التركيز واليقظة والفهم والذاكرة والتعلم.
كما تذكر الدراسة أن زيادة نسبة تناول البروتين بحوالي 30 في المئة يمكن أن يقلل عدد السعرات الحرارية بحوالي 441 سعرًا في اليوم. فالبروتين يمنع خسارة العضلات ويبطئ من عملية الأيض، لذلك أفضل طريقة لحرق الدهون مع المحافظة عليها، هي تناول كميات أكبر من البروتين مع ممارسة التمارين الرياضية أيضًا، لأن المحافظة على معدل الأيض عالٍ مع تقوية العضلات ستجعل شكل الجسم يبدو أفضل وليس مترهلًا بعد فقدان الوزن، فهي تعطي الطاقة للجسم وتعتبر بمنزلة الوقود اللازم لممارسة النشاط سواء البدني أو العقلي.
إفطار طوال اليوم
ومع انفتاح العالم على بعضه أكثر فأكثر، تداخلت ثقافة الأطعمة بين الدول، فأصبحت وجبة الإفطار تشمل كل ما لذ وطاب ومن أي بلد في العالم، وتغنيك حتى عن وجبة الغداء، مما أدى إلى انتشار مطاعم تقدم وجبات الفطور على مدار 24 ساعة في اليوم، أو في كل أوقات عملها، فها أنت جالس في بيتك أو في المطعم ويوضع أمامك البيض على الطريقة التركية، إلى جانبه الزعتر الفلسطيني والرهش الكويتي والكرواسون الفرنسي، وعلى مقربة منها يتربع الفول المصري واللبنة اللبنانية مع الزيتون الأردني والعسل الجبلي اليمني، فيحتلان جانبًا آخر من السفرة، وكما تداخلت الثقافات تداخلت الأطعمة. ولكم وحدكم القرار في الاختيار بين جميع ملذات الدنيا، شرط أن تحتوي هذه الوجبة النهارية على المغذيات الضرورية لبداية نشاط يومي مثمر ■