وسائل الاتصال والتكنولوجيا وتأثيرها على الأسرة العربية
تعرف وسائل الاتصال بأنها الوسائط التي عن طريقها يتم إرسال واستقبال المعلومات، كما أنها تتيح التواصل بين الأفراد، بصور مختلفة عبر اللقاءات الإلكترونية المرئية، والمحادثات ...إلخ. ومما لا شك فيه أن وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة مثل: الإنترنت، والهاتف الجوّال، أصبح لهما دور واضح، وملموس في حياتنا، لا يمكن الاستغناء عنهما، كما لا نستطيع أن ننكر مدى أهميتهما في تيسير الكثير من أمور الحياة، وكذلك الحصول على المعلومات، والمعارف المختلفة في فترة وجيزة ...إلخ، لكن على الرغم من أهمية هاتين الوسيلتين من وسائل الاتصال والتكنولوجيا، فإنه لا يمكننا أن نغض الطرف، أو نغفل السلبيات التي تنعكس علينا نتيجة استخدامهما بصورة غير صحيحة، وأثرهما على العلاقات بين الأفراد والأسر والمجتمعات.
كانت الأسر قديمًا قبل ظهور وسائل الاتصال والتكنولوجيا تتمتع بجو أسري يسوده الدفء وتغلّفه المحبة، وكان التواصل عن قرب أمرًا طبيعيًا سائدًا، فتنامت أواصر المحبة والمودة، فالفرد بطبعه وفطرته كائن اجتماعي، فقد كان من الطبيعي أن يكتسب الكثير من العلم والمعرفة والقيم والمبادئ من أسرته، ثم من المدرسة والمجتمع المحيط به، لكن للأسف تراجع الدور المنوط بمعظم هذه المؤسسات، لتحل وسائل الاتصال والتكنولوجيا محلها.
في عالم منعزل
فلا غرو حينما نجد بشكل ملحوظ، لافت للنظر، أن السمة الغالبة على معظم الأفراد على اختلاف أعمارهم، أن كل فرد منهم يعيش في عالم بمعزل عن الآخرين، منشغلًا بعالمه أو جوّاله، الذي يطالعه بشكل دائم، طوال الليل والنهار، يكاد يكون ملاصقًا له، لا يفارقه، فهم في انعزال تام عن أسرهم الذين هم أيضًا ليسوا أحسن حالًا منهم في بعض الأحيان، فالانشغال طال أغلب الناس صغارًا وكبارًا، بسبب تعاملهم مع التكنولوجيا بصورة سيئة، وإدمانهم عالم الإنترنت، مما أثّر سلبًا على الصحة النفسية والعلاقات الأسرية فنشأت الخلافات والمشكلات العائلية والزوجية، فقد لوحظ أن مدمني الإنترنت من الشباب الأكثر إخفاقًا في إقامة علاقات اجتماعية سوية مع من حولهم، فهم يعانون من العزلة الاجتماعية، ولديهم تخوّف، ويخشون الاستهزاء بهم، أو التقليل من شأنهم من قِبل المحيطين بهم، لذا وجدوا ضالتهم في هذا العالم الآخر، يقيمون من خلاله علاقاتهم مع الآخرين، فهو عالمهم الآمن من وجهة نظرهم، وهو الملاذ الذي يجدون فيه الألفة المزيّفة، بدلًا من انخراطهم في مجتمعهم على أرض الواقع. لكن بمضي الوقت نرى جليًا مدى العواقب الوخيمة التي تؤثر على مجتمعاتنا من أمثال هؤلاء، الذين قد نجد من بينهم مَن يتعاطى المخدرات وغيرها من الآفات، ومَن يبدو عليهم العزلة والسلبية، والميل إلى الانطواء ونفورهم من ثوابت الدين، والأخلاقيات التي يشب المرء عليها منذ صغره.
الهشاشة بين الفرد والأسرة
الحقيقة التي لا جدال فيها، أن وسائل الاتصال والتكنولوجيا رغم ما لها من فوائد نعلمها جيدًا، أحدثت هشاشة وفتورًا بين الأفراد وأسرهم، وأبعدتهم عن بعضهم البعض، بعدما وجد الغالبية منهم وسائل أخرى أكثر جذبًا وإبهارًا كالفيسبوك، يبثون من خلاله مشاعرهم ومشاكلهم، ويمكثون أوقاتًا وساعات طوالًا أمام الشبكة العنكبوتية مقتحمين بعض المواقع، التي لا تضع أمامهم قيودًا أو عقبات، فيعتادون الانعزال والانزواء، بعدما أوجد كل منهم لنفسه عالمًا افتراضيًا، وأصدقاء من كل الأرجاء، غير مدركين لأهمية الوقت واستغلاله الاستغلال الأمثل.
وكما للشبكة العنكبوتية سلبياتها، على النشء والأفراد الذين يسيئون استخدامها، كذلك الهاتف الجوال، له أضراره إن لم يحسن استخدامه، فكثير من الأسر سُلبت سعادتها بسبب الإفراط في استخدامه وسوء استعماله.
خلاصة القول، إن وسائل الاتصال والتكنولوجيا رغم أهميتها ينبغي ألا تفسد حياتنا وألا تسلب منا الدفء، الذي لن يجده المرء، ولن يحظى به، إلا في تواصله الفعلي، واقترابه من أفراد أسرته ومجتمعه، وعلى المربين أن يبذلوا قصارى جهدهم، ويعملوا جاهدين لسدّ الفجوة التي اتسعت بينهم وبين الأبناء لتعود الأمور إلى نصابها الصحيح، وتعود المشاعر الطيبة، والتفاهم والدفء المفتقد، بدلًا من التباعد والجفاء، فكل شيء ينبغي أن يكون استخدامنا له استخدامًا وسطيًا، وباعتدال وعقلانية، وهذا لن يتأتى إلا بالقرب من أبنائنا وأسرنا، وبأن نكون قدوة، ونموذجًا طيبًا يقتدون به مع الحوار الهادف معهم، فليس من الصواب الابتعاد عن مواكبة العصر والمستجدات، وإنما بتوجيه الأبناء والشباب، وتدريبهم منذ نعومة أظفارهم على الحوار الراقي، وهذا من شأنه أن يكون له مردوده الإيجابي على أفكارهم وسلوكياتهم، وسيبث في نفوسهم الطمأنينة والثقة بأنفسهم، وسيوطد العلاقات.
فكلما كان المربون أكثر قربًا من أبنائهم، نهلوا من معينهم وخبراتهم، وتعلموا من تجاربهم ■