وقفة مع الذكرى الستين لاستقلال الجزائر

وقفة مع الذكرى الستين لاستقلال الجزائر

‭ ‬تحتفل‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬يوليو‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬عام‭ ‬بعيد‭ ‬استقلالها‭ ‬وعودتها‭ ‬إلى‭ ‬الفضاء‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كاد‭ ‬يودي‭ ‬بشخصيتها‭ ‬ليلُ‭ ‬الاستعمار‭ ‬الحالك‭ ‬وقهريتُه‭ ‬الفتّاكة،‭ ‬ذلك‭ ‬الليل‭ ‬الطويل‭ ‬الذي‭ ‬دام‭ ‬قرنًا‭ ‬واثنين‭ ‬وثلاثين‭ ‬سنة‭.‬

‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬المحطة‭ ‬التاريخية‭ ‬الحساسة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الجزائر‭ ‬المعاصر،‭ ‬لهذا‭ ‬العام‭ ‬الميلادي‭ ‬2022‭ ‬تُعتبر‭ ‬ذات‭ ‬فرادة‭ ‬وخصوصية،‭ ‬فهي‭ ‬تمثل‭ ‬الذكرى‭ ‬الستين‭ ‬لانتصار‭ ‬الثورة‭ ‬الجزائرية‭ ‬المظفرة‭ (‬1954‭ - ‬1962م‭) ‬على‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي،‭ ‬وعلى‭ ‬الحلف‭ ‬الأطلسي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يقف‭ ‬خلف‭ ‬فرنسا‭ ‬ويدعمها‭ ‬ماديًا‭ ‬ومعنويًا‭ ‬علنًا‭ ‬وفي‭ ‬كلّ‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‭.‬

إن‭ ‬افتكاك‭ ‬الجزائر‭ ‬لاستقلالها‭ ‬واسترجاع‭ ‬شخصيتها‭ ‬التاريخية‭ ‬المتماهية‭ ‬مع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلام،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أمرًا‭ ‬بسيطًا،‭ ‬أو‭ ‬حدثًا‭ ‬عابرًا،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬منعطفًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬ودرسًا‭ ‬تاريخيًا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُنسى،‭ ‬لكافة‭ ‬الشعوب‭ ‬المحبة‭ ‬للسلام‭ ‬وللحق‭ ‬في‭ ‬الانعتاق‭ ‬وتحرير‭ ‬أرضها‭ ‬من‭ ‬الغاصبين‭ ‬المحتلين‭ ‬لأرض‭ ‬وممتلكات‭ ‬وخيرات‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬البشر،‭ ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬العبر‭ ‬المستخلصة‭ ‬لهذه‭ ‬المحطة‭ ‬التاريخية‭ ‬أن‭ ‬الحرية‭ ‬تحتاج‭ ‬دومًا‭ ‬إلى‭ ‬تضحيات‭ ‬جسام‭ ‬وإلى‭ ‬مهر‭ ‬ثمين‭ ‬وباهظ‭ ‬القيمة،‭ ‬ودليل‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬ثمن‭ ‬حرية‭ ‬الجزائر‭ ‬مليون‭ ‬ونصف‭ ‬مليون‭ ‬من‭ ‬الشهداء،‭ ‬هذا‭ ‬أثناء‭ ‬فترة‭ ‬الثورة‭ ‬التحريرية‭ ‬فحسب،‭ ‬أما‭ ‬الشهداء‭ ‬وضحايا‭ ‬الاحتلال‭ ‬منذ‭ ‬1832‭ ‬فقد‭ ‬تجاوز‭ ‬ستة‭ ‬ملايين‭ ‬كما‭ ‬صرّح‭ ‬بذلك‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬الجزائرية‭ ‬السيد‭ ‬عبدالمجيد‭ ‬تبون‭!!‬

لقد‭ ‬كانت‭ ‬فرحة‭ ‬استعادة‭ ‬الجزائر‭ ‬شخصيتها‭ ‬وهُويتها‭ ‬الطبيعية‭ ‬الأثيلة‭ ‬لا‭ ‬توصف،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬شعور‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري،‭ ‬وإنما‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬شعور‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬جميعًا،‭ ‬وكافة‭ ‬الأحرار‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬والأمم‭ ‬التي‭ ‬تقدس‭ ‬الحرية‭ ‬وتبغض‭ ‬الاستعمار‭ ‬والتبعية‭ ‬والتعدي‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬ومحو‭ ‬مقومات‭ ‬شخصيتهم‭ ‬وحقهم‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ ‬والعيش‭ ‬بكرامة‭.‬

 

استقلال‭ ‬الجزائر‭ ‬هدية‭ ‬للعروبة‭ ‬والإسلام

حتى‭ ‬إن‭ ‬الفنان‭ ‬الجزائري‭ ‬الراحل‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬عزيز،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬الكشافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬الجزائرية،‭ ‬كان‭ ‬يُلقب‭ ‬في‭ ‬وقتها‭ ‬بمطرب‭ ‬الشباب،‭ ‬صَدحَ‭ ‬بأغنية‭ ‬مؤثرة‭ ‬جدًا‭ ‬من‭ ‬نظم‭ ‬الشاعر‭ ‬‮«‬السعيد‭ ‬حايف‮»‬،‭ ‬مطلعها‭:‬

يا‭ ‬محمد‭ ‬مبروك‭ ‬عليك‭ ‬

الجزائر‭ ‬رجعت‭ ‬ليك‭ ‬

أنا‭ ‬عملت‭ ‬اللّي‭ ‬عليَّ‭ 

باقي‭ ‬تعمل‭ ‬اللّي‭ ‬عليك‭ ‬

 

وشرح‭ ‬هذين‭ ‬البيتين‭ ‬باختصار‭: ‬أنّ‭ ‬شهداء‭ ‬ثورة‭ ‬التحرير‭ ‬الجزائرية‭ ‬الذين‭ ‬ضحوا‭ ‬بدمائهم،‭ ‬وأرواحهم‭ ‬الزكية،‭ ‬اعتبروا‭ ‬استقلال‭ ‬الجزائر‭ ‬هديةً‭ ‬لسيدنا‭ ‬محمد‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ (‬أي‭ ‬هدية‭ ‬للعروبة‭ ‬والإسلام‭)... ‬لأنهم‭ ‬أعادوا‭ ‬الجزائر‭ ‬إلى‭ ‬فضائها‭ ‬الحضاري‭ ‬والثقافي‭ ‬الطبيعي،‭ ‬أي‭ ‬الفضاء‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أخرجتها‭ ‬فرنسا‭ ‬الاستعمارية‭ ‬منه‭ ‬عنوة،‭ ‬وسلبتها‭ ‬هُويتها‭ ‬التي‭ ‬عُرفت‭ ‬بها‭ ‬منذ‭ ‬الفتح‭ ‬الإسلامي‭ ‬المبارك؛‭ ‬وأن‭ ‬أي‭ ‬شهيد‭ ‬من‭ ‬شهداء‭ ‬الثورة‭ ‬الجزائرية‭ ‬ترك‭ ‬وصية‭ ‬لأجيال‭ ‬الاستقلال،‭ ‬مفادها‭: ‬أنه‭ ‬عمل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬عليه،‭ ‬وقدم‭ ‬روحه‭ ‬فداءً‭ ‬للوطن‭ ‬وتحريره‭ ‬من‭ ‬نير‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وأنّ‭ ‬الذي‭ ‬يتبقى‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬أبناء‭ ‬الاستقلال‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬أمانة‭ ‬الشهداء‭ ‬وتنفيذ‭ ‬وصيتهم،‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬تشييد‭ ‬صروح‭ ‬الوطن‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬رفعته‭ ‬وتعزيز‭ ‬نهضته‭ ‬ومكانته‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭. ‬ففي‭ ‬نظر‭ ‬الفنان‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬عزيز‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬القصيدة‭ ‬تمثل‭ ‬وصية‭ ‬الشهداء‭ ‬لأبناء‭ ‬الاستقلال،‭ ‬وأن‭ ‬الأجيال‭ ‬الجزائرية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تَعرف‭ ‬مرارة‭ ‬الاحتلال‭ ‬يجب‭ ‬عليها‭ ‬ألا‭ ‬تنسى‭ ‬هذه‭ ‬الوصية‭ ‬أبدًا‭ ‬مهما‭ ‬تغيّرت‭ ‬الظروف‭ ‬وأحوال‭ ‬الدنيا‭ ‬ومعادلاتها‭.‬

 

تمهيد‭ ‬دولي‭ ‬لستينية‭ ‬الاستقلال

قبل‭ ‬حلول‭ ‬موعد‭ ‬الذكرى‭ ‬الستين‭ ‬لاستقلال‭ ‬الجزائر،‭ ‬بذلت‭ ‬الجزائر‭ ‬جهودًا‭ ‬جبارة،‭ ‬خاصة‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الخارجي،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬معالجة‭ ‬ثلاثة‭ ‬ملفات‭ ‬تعتبرها‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬كبيرة‭ ‬جدًا‭ ‬من‭ ‬الأهمية،‭ ‬وهي‭ ‬كالآتي‭: ‬

الملف‭ ‬الأول‭: ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬ضرورة‭ ‬تقديم‭ ‬فرنسا‭ ‬اعتذارًا‭ ‬رسميًا‭ ‬للجزائر‭ ‬والشعب‭ ‬الجزائري،‭ ‬على‭ ‬جرائمها‭ ‬ومجازرها‭ ‬الدموية‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬تدينها‭ ‬وتدين‭ ‬معها‭ ‬ثقافتها‭ ‬وحضارتها،‭ ‬ورغم‭ ‬أنّ‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬يُعد‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬فرنسي‭ ‬وُلد‭ ‬بعد‭ ‬استقلال‭ ‬الجزائر،‭ ‬ولم‭ ‬يشهد‭ ‬الحقبة‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فهو‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬فرنسي‭ ‬يعترف‭ ‬بجرائم‭ ‬فرنسا‭ ‬إبان‭ ‬حقبة‭ ‬احتلالها‭ ‬للجزائر،‭ ‬بيد‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الاعتذار،‭ ‬اقتفى‭ ‬أثر‭ ‬الساسة‭ ‬الفرنسيين‭ ‬السابقين‭ ‬الذين‭ ‬رفضوا‭ ‬تقديم‭ ‬اعتذار‭ ‬رسمي‭ ‬للجزائر‭ ‬عما‭ ‬تمّ‭ ‬اقترافه‭ ‬من‭ ‬مجازر‭ ‬وإبادات‭ ‬جماعية‭ ‬وتعذيب‭ ‬وحرق‭ ‬للقرى‭ ‬والأراضي‭ ‬الزراعية‭ ‬والمحاصيل‭ ‬الفلاحية،‭ ‬ونهب‭ ‬الثروات‭ ‬الباطنية‭ ‬الجزائرية‭ ‬وتحويلها‭ ‬مجانًا‭ ‬إلى‭ ‬المصانع‭ ‬الفرنسية‭.‬

وكانت‭ ‬الدولة‭ ‬الجزائرية‭ ‬تأمل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تقديم‭ ‬الاعتذار‭ ‬المطلوب‭ ‬رسميًا‭ ‬قبل‭ ‬حلول‭ ‬الذكرى‭ ‬الستين‭ ‬لاستقلال‭ ‬الجزائر،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬وما‭ ‬يزال‭ ‬مطلبًا‭ ‬معلقًا،‭ ‬وهو‭ ‬مطلب‭ ‬ذو‭ ‬تأثير‭ ‬شديد‭ ‬في‭ ‬سيرورة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الجزائرية‭ - ‬الفرنسية‭.‬

الملف‭ ‬الثاني‭: ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬فتح‭ ‬باب‭ ‬المفاوضات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬مع‭ ‬الطرف‭ ‬الفرنسي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استعادة‭ ‬رفات‭ ‬قادة‭ ‬المقاومة‭ ‬الشعبية‭ ‬الجزائرية،‭ ‬ممن‭ ‬احتفظت‭ ‬بهم‭ ‬فرنسا،‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬وطأ‭ ‬الاحتلال‭ ‬الفرنسي‭ ‬أرض‭ ‬الجزائر‭ ‬سنة‭ ‬1832م،‭ ‬وإلى‭ ‬أن‭ ‬اندحر‭ ‬ومُني‭ ‬بهزيمة‭ ‬شنيعة‭ ‬نكراء‭ ‬منتصف‭ ‬عام‭ ‬1962م‭.‬

وقبل‭ ‬الحديث‭ ‬بإسهاب‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬دلالات‭ ‬هذا‭ ‬الحدث،‭ ‬يجدر‭ ‬بي‭ ‬أن‭ ‬أذكّر‭ ‬قراء‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬الكرام‭ ‬بأن‭ ‬الاحتلال‭ ‬الفرنسي‭ ‬البغيض‭ ‬الوحشي‭ ‬قَتل‭ ‬وعذّب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬المقاومة‭ ‬الشعبية‭ ‬الجزائرية،‭ ‬ثم‭ ‬قَطعَ‭ ‬رؤوسهم‭ ‬وقرّر‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬عسكرية‭ ‬مجهولة‭. ‬وبعد‭ ‬مضي‭ ‬عقود‭ ‬زمنية‭ ‬طويلة‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الجرائم‭ ‬الوحشية،‭ ‬سلّمت‭ ‬السلطات‭ ‬الفرنسية‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الجماجم‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬المتحف‭ ‬الوطني‭ ‬للتاريخ‭ ‬الطبيعي‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬مؤسسة‭ ‬فرنسية‭ ‬تُعنى‭ ‬بالبحث‭ ‬العلمي‭ ‬ونشر‭ ‬الثقافة‭ ‬العلمية،‭ ‬تأسست‭ ‬سنة‭ ‬1793م،‭ ‬يقع‭ ‬مقرها‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬حديقة‭ ‬النباتات‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الفرنسية‭ ‬باريس‭.‬

وهذا‭ ‬المتحف‭ ‬يضم‭ ‬آلاف‭ ‬الجماجم،‭ ‬معظمها‭ ‬مجهولة‭ ‬الهُوية؛‭ ‬ولقد‭ ‬حرصت‭ ‬الدولة‭ ‬الجزائرية‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬استرجاع‭ ‬الرفات‭ ‬والجماجم‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬المقاومة‭ ‬الشعبية‭ ‬الجزائرية؛‭ ‬ومما‭ ‬عزّز‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬أكثر‭ ‬إعلان‭ ‬منظمة‭ ‬اليونسكو‭ ‬سنة‭ ‬2008م،‭ ‬بأن‭ ‬احتفاظ‭ ‬المتحف‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬بالجماجم‭ ‬أمر‭ ‬قد‭ ‬حقق‭ ‬أهدافه‭ ‬العملية‭ ‬والبحثية،‭ ‬وأن‭ ‬الوقت‭ ‬قد‭ ‬حان‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إرجاعها‭ ‬إلى‭ ‬أهلها‭ ‬وإلى‭ ‬موطنها‭ ‬الأصلي‭ ‬شرط‭ ‬أن‭ ‬تُدفن‭ ‬في‭ ‬التراب‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬توضع‭ ‬في‭ ‬متحف‭ ‬آخر‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭!‬

و‭ ‬قد‭ ‬سبق‭ ‬للسيد‭ ‬برونو‭ ‬ديفيد‭ ‬مدير‭ ‬المتحف‭ ‬الوطني‭ ‬أن‭ ‬صرّح‭ ‬لبعض‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الفرنسية‭ ‬بأن‭ ‬لائحةً‭ ‬تتشكّل‭ ‬من‭ ‬41‭ ‬جمجمة‭ ‬ثبت‭ ‬أنها‭ ‬تعود‭ ‬لمقاومين‭ ‬جزائريين‭ ‬تصدوا‭ ‬للاحتلال‭ ‬الفرنسي،‭ ‬وأن‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬الجماجم‭ ‬جمجمة‭ ‬الشيخ‭ ‬الشهيد‭ ‬بوزيان‭ ‬الذي‭ ‬فجر‭ ‬ثورة‭ ‬الزعاطشة‭ ‬قرب‭ ‬مدينة‭ ‬بسكرة‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬الجزائري‭ ‬سنة‭ ‬1849م،‭ ‬وجمجمة‭ ‬الشيخ‭ ‬الشهيد‭ ‬محمد‭ ‬الأمجد‭ ‬عبدالملك‭ ‬المشهور‭ ‬بلقبه‭ ‬الثوري‭ (‬الشريف‭ ‬بوبغلة‭) ‬الذي‭ ‬فجر‭ ‬ثورة‭ ‬شعبية‭ ‬بين‭ ‬منطقة‭ ‬القبائل‭ ‬ومناطق‭ ‬وجبال‭ ‬الهضاب‭ ‬العليا‭ ‬سنة‭ ‬1854م‭.‬

 

فرنسا‭ ‬تخجل‭ ‬من‭ ‬جرائمها

وكان‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬قد‭ ‬تعهد‭ ‬خلال‭ ‬آخر‭ ‬زيارة‭ ‬له‭ ‬إلى‭ ‬الجزائر‭ ‬بتاريخ‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬ديسمبر‭ ‬2019‭ ‬م،‭ ‬بإعادة‭ ‬رفات‭ ‬بعض‭ ‬رموز‭ ‬المقاومة‭ ‬الشعبية‭ ‬الجزائرية‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬ومنذ‭ ‬تلك‭ ‬الزيارة‭ ‬تم‭ ‬التنسيق‭ ‬مع‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الجزائرية‭ ‬والهيئات‭ ‬والمنظمات‭ ‬المعنية‭ ‬بهذا‭ ‬الملف،‭ ‬مما‭ ‬أفضى‭ ‬إلى‭ ‬استعادة‭ ‬24‭ ‬رفاتًا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ظلت‭ ‬في‭ ‬المتحف‭ ‬الوطني‭ ‬الفرنسي‭ ‬لمدة‭ ‬زمنية‭ ‬تربو‭ ‬على‭ ‬170‭ ‬سنة‭!!‬

ويمكن‭ ‬الآن‭ - ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬العرض‭ - ‬أن‭ ‬ألخص‭ ‬بعض‭ ‬دلالات‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬التاريخي‭ ‬في‭ ‬النقاط‭ ‬الآتية‭:‬

-1‭ ‬مماطلة‭ ‬فرنسا‭ ‬لمدة‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬القرنين،‭ ‬وتأجيل‭ ‬إعادة‭ ‬رفات‭ ‬وجماجم‭ ‬المقاومين‭ ‬الجزائريين،‭ ‬يكشفان‭ ‬حجم‭ ‬خجلها‭ ‬من‭ ‬جرائمها‭ ‬أمام‭ ‬الأجيال‭ ‬الفرنسية‭ ‬والغربية‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬تجهل‭ ‬حيثيات‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬جهلًا‭ ‬كاملًا،‭ ‬كما‭ ‬يعكس‭ ‬خشيتها‭ ‬من‭ ‬المطالبة‭ ‬بالتعويض‭.‬

-2‭ ‬وضع‭ ‬فرنسا‭ ‬لجماجم‭ ‬رموز‭ ‬المقاومة‭ ‬الشعبية‭ ‬الجزائرية‭ ‬في‭ ‬متحف‭ ‬يهتم‭ ‬بالقضايا‭ ‬العلمية‭ ‬والطبيعية،‭ ‬يستبطن‭ ‬في‭ ‬أعماقه‭ ‬محاولة‭ ‬فرنسا‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬الجريمة‭ ‬التي‭ ‬تؤشر‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬قساوة‭ ‬وبشاعة‭ ‬وهمجية‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭.‬

-3‭ ‬إعادة‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬رفات‭ ‬وجماجم‭ ‬المقاومين‭ ‬الجزائريين‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬محاولة‭ ‬فرنسا‭ ‬إصلاح‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬الجزائرية،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬التغيير‭ ‬الذي‭ ‬فرضه‭ ‬حراك‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري‭ ‬منذ‭ ‬تاريخ‭ ‬22‭ ‬فبراير‭ ‬2019م؛‭ ‬وهو‭ ‬حراك‭ ‬تبنته‭ ‬السلطة‭ ‬الجزائرية‭ ‬وأقرت‭ ‬بعدالة‭ ‬مطالبه‭ ‬وسلامة‭ ‬غاياته‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬أقضّ‭ ‬مضاجع‭ ‬فرنسا،‭ ‬فلم‭ ‬تخف‭ ‬خشيتها‭ ‬على‭ ‬تقلص‭ ‬مصالحها‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭.‬

-4‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬له‭ ‬دلالة‭ ‬ثقافية‭ ‬عميقة،‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬تودد‭ ‬السلطة‭ ‬الفرنسية‭ ‬إلى‭ ‬الجزائريين‭ ‬الذين‭ ‬أعلنوا‭ ‬في‭ ‬مناسبات‭ ‬كثيرة‭ ‬ــ‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬رؤساء‭ ‬الجامعات‭ - ‬تخليهم‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬وبدء‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬في‭ ‬تدريس‭ ‬المواد‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬الجزائرية‭. ‬ثمّ‭ ‬جاءت‭ ‬الخطوة‭ ‬الحاسمة‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬الجزائر،‭ ‬بتبنّي‭ ‬هذه‭ ‬الرغبة‭ ‬رسميًا،‭ ‬حيث‭ ‬أعلن‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬السيد‭ ‬عبدالمجيد‭ ‬تبون‭ ‬والسيد‭ ‬وزير‭ ‬التربية‭ ‬عن‭ ‬برمجة‭ ‬تدريس‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬في‭ ‬المستوى‭ ‬الابتدائي،‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬الموسم‭ ‬الدراسي‭ ‬القادم‭: ‬2022‭/‬2023‭.‬

أما‭ ‬الملف‭ ‬الثالث‭: ‬فيتمثل‭ ‬في‭ ‬إصرار‭ ‬الدولة‭ ‬الجزائرية‭ ‬على‭ ‬استرجاع‭ ‬الأرشيف‭ ‬الجزائري؛‭ ‬حيث‭ ‬بدأت‭ ‬الجزائر‭ ‬فتح‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬مع‭ ‬السلطات‭ ‬الفرنسية‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬1967م،‭ ‬وبين‭ ‬الفيّنة‭ ‬والأخرى‭ ‬تذكّر‭ ‬أصحاب‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬بقضية‭ ‬الأرشيف‭ ‬المسروق،‭ ‬وهو‭ ‬متنوّع‭ ‬المضامين،‭ ‬يتمثل‭ ‬القسم‭ ‬الأول‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬الجزائر‭ ‬بالدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬قبل‭ ‬الاحتلال‭ ‬الفرنسي‭ ‬للجزائر‭ ‬سنة‭ ‬1830م،‭ ‬وهو‭ ‬يغطي‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬طويلة‭ ‬استمرت‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬علــى‭ ‬ثلاثة‭ ‬قرون‭ (‬1514-1830م‭)... ‬بينما‭ ‬يتمثل‭ ‬القسم‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الأرشيف‭ ‬في‭ ‬الوثائق‭ ‬الشاهدة‭ ‬على‭ ‬جرائم‭ ‬الاحتلال‭ ‬الفرنسي؛‭ ‬ومن‭ ‬جهتها‭ ‬تدعي‭ ‬فرنسا‭ ‬بأنها‭ ‬أعادت‭ ‬إلى‭ ‬الجزائر‭ ‬قدرًا‭ ‬معتبرًا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الأرشيف،‭ ‬وأنها‭ ‬فتحت‭ ‬أجزاء‭ ‬منه‭ ‬أمام‭ ‬الباحثين‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬إلاّ‭ ‬أنّ‭ ‬عديد‭ ‬التقارير‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأجزاء‭ ‬المعروضة‭ ‬أمام‭ ‬الدارسين‭ ‬والباحثين،‭ ‬لا‭ ‬تتعلق‭ ‬بجرائم‭ ‬القتل‭ ‬والإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬أنّ‭ ‬فرنسا‭ ‬لجأت‭ ‬إلى‭ ‬حيلة‭ ‬الانتقاء،‭ ‬هروبًا‭ ‬مما‭ ‬يدينها‭ ‬ويُحرجها‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬أمام‭ ‬الأجيال‭ ‬الفرنسية‭ ‬الجديدة،‭ ‬التي‭ ‬تجهل‭ ‬ما‭ ‬اقترفته‭ ‬دولتهم‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬تلطّخ‭ ‬سمعتها‭ ‬في‭ ‬الرغام‭.‬

أما‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬خشية‭ ‬الدولة‭ ‬الفرنسية‭ ‬من‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬أضابير‭ ‬هذا‭ ‬الأرشيف‭ ‬وتسليمه‭ ‬لأصحابه‭ ‬الشرعيين،‭ ‬فهي‭ ‬كثيرة،‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬طليعتها‭: ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬المتابعات‭ ‬الجنائية‭ ‬أمام‭ ‬المحاكم‭ ‬الدولية،‭ ‬ثم‭ ‬قضية‭ ‬التعويض‭ ‬عن‭ ‬جرائم‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬والمداشر‭ ‬والقرى‭ ‬والأرياف‭ ‬الجزائرية،‭ ‬ومنها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬مجازر‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬مايو‭ ‬سنة‭ ‬1945م،‭ ‬التي‭ ‬ذهب‭ ‬ضحيتها‭ ‬ما‭ ‬يربو‭ ‬على‭ ‬45‭ ‬ألفًا‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬التعويض‭ ‬عن‭ ‬تجارب‭ ‬فرنسا‭ ‬النووية‭ ‬والكيماوية‭ ‬التي‭ ‬بدأتها‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬1957‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬الجزائرية‭ ‬وقد‭ ‬بلغ‭ ‬عددها‭ ‬57‭ ‬تجربة،‭ ‬وهي‭ ‬تُعتبر‭ ‬من‭ ‬أخطر‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬تخشى‭ ‬فرنسا‭ ‬تسليط‭ ‬الأضواء‭ ‬عليها‭ ‬أمام‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج،‭ ‬وبما‭ ‬أنها‭ ‬ذات‭ ‬صلة‭ ‬وثيقة‭ ‬بالأرشيف‭ ‬السري‭ ‬لمرحلة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الفرنسي،‭ ‬فإن‭ ‬السلطات‭ ‬الفرنسية‭ ‬المتعاقبة‭ ‬تماطل‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬تسليم‭ ‬هذا‭ ‬الأرشيف‭ ‬إلى‭ ‬الجزائر؛‭ ‬لأنه‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تسليمه‭ ‬سوف‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬حقائق‭ ‬كثيرة‭ ‬مثيرة‭ ‬وخطيرة،‭ ‬لم‭ ‬يتحدث‭ ‬عنها‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬المؤرخين‭ ‬بسبب‭ ‬سريتها،‭ ‬ومما‭ ‬يجدر‭ ‬ذكره‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬أن‭ ‬ملف‭ ‬الأرشيف‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬يثير‭ ‬توترًا‭ ‬مطّردًا‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬بين‭ ‬الجزائر‭ ‬وفرنسا‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭.‬

 

شكر‭ ‬خاص‭ ‬للكويت‭ ‬ومجلة‭ ‬العربي

في‭ ‬آخر‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬أجد‭ ‬نفسي‭ ‬مدفوعًا‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬تسجيل‭ ‬كلمة‭ ‬مقتضبة‭ ‬للتاريخ؛‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬إسداء‭ ‬الشكر‭ ‬وعظيم‭ ‬الامتنان‭ ‬لدولة‭ ‬الكويت‭ ‬الشقيقة،‭ ‬وللشعب‭ ‬الكويتي‭ ‬النبيل،‭ ‬على‭ ‬المواقف‭ ‬المبدئية‭ ‬الشهمة‭ ‬إزاء‭ ‬ثورة‭ ‬التحرير‭ ‬الجزائرية،‭ ‬فإن‭ ‬صفحات‭ ‬التاريخ‭ ‬طرّست‭ ‬بماء‭ ‬الذهب‭ ‬مواقف‭ ‬إنسانية‭ ‬شهمة‭ ‬للكويت‭ ‬حكومةً‭ ‬وشعبًا،‭ ‬تأييدًا‭ ‬ودعمًا‭ ‬لمسيرة‭ ‬الجزائر‭ ‬الطويلة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬استرجاع‭ ‬حريتها‭ ‬وافتكاك‭ ‬كرامتها،‭ ‬وضروب‭ ‬الدعم‭ ‬الكويتي‭ ‬كثيرة‭ ‬متنوعة‭ ‬يمكن‭ ‬العودة‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬مظانها‭ ‬الأصلية،‭ ‬ويكفي‭ ‬الكويت‭ ‬توقُّلًا‭ ‬في‭ ‬الشرف‭ ‬والمجد‭ ‬أنها‭ ‬الدولة‭ ‬العربية‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬ضريبةً‭ ‬قارة‭ ‬على‭ ‬تذاكر‭ ‬السينما،‭ ‬تذهب‭ ‬عوائدها‭ ‬إلى‭ ‬ثورة‭ ‬التحرير‭ ‬الجزائرية،‭ ‬كما‭ ‬أسست‭ ‬لجنة‭ ‬شعبية‭ ‬برئاسة‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬الراحل‭ ‬الشيخ‭ ‬صباح‭ ‬الأحمد،‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬تكفلت‭ ‬بجمع‭ ‬التبرعات‭ ‬للشعب‭ ‬الجزائري‭ ‬وثورته،‭ ‬وعندما‭ ‬أسست‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬الثقافية‭ ‬المصورة،‭ ‬وصدر‭ ‬عددها‭ ‬الأول‭ ‬شهر‭ ‬ديسمبر‭ ‬1958م،‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬اندلاع‭ ‬الثورة‭ ‬الجزائرية،‭ ‬احتفت‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬في‭ ‬عددها‭ ‬الافتتاحي‭ ‬بثورة‭ ‬تحرير‭ ‬الجزائر،‭ ‬وخصصت‭ ‬لها‭ ‬ملفًا‭ ‬مطولًا،‭ ‬أشادت‭ ‬فيه‭ ‬بهذه‭ ‬الثورة‭ ‬المظفرة،‭ ‬وجزمت‭ ‬بانتصارها‭ ‬لأنها‭ ‬قضية‭ ‬عادلة،‭ ‬ولأن‭ ‬استعمار‭ ‬الآخرين‭ ‬ظلم‭ ‬تأباه‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وتعارضه‭ ‬مبادئ‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬فكلّ‭ ‬الشكر‭ ‬لدولة‭ ‬الكويت‭ ‬ومجلة‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬المواقف‭ ‬النبيلة‭ ‬الخالدة‭ ‬■