الانقراض السادس تاريخ لا طبيعي

الانقراضات الجماعية تقضي على نسبة كبيرة من الكائنات الحية في فترة زمنية ضئيلة. وقد حدثت خمسة انقراضات جماعية عظمى في تاريخ الحياة على كوكب الأرض أدت إلى فقدان هائل للتنوع الحيوي. حدث الانقراض الأول منذ نحو 400 مليون سنة عندما كانت الكائنات الحية محصورة بشكل رئيس في المياه. وحدث الثاني، الذي كاد أن يفني الحياة على الأرض كلية منذ نحو 250 مليون سنة. والانقراض الأحدث والأشهر هو الذي أفنى الديناصورات، حدث مع نهاية العصر الطباشيري. وفي كتاب «الانقراض السادس» ترى المؤلفة الأمريكية إليزابيث كولبيرت، أن انقراضًا سادسًا بدأ وما زال مستمرًا على قدم وساق، والمتهم الأول به هو الإنسان.
ظهر الانقراض بوصفه مفهومًا في فرنسا إبان الثورة، وإلى حد كبير كان الفضل في ذلك يعود إلى حيوان واحد هو الماستودون الأمريكي، وهو حيوان ضخم انقرض مع الماموث منذ 13 ألف سنة، وإلى رجل واحد هو العالم الطبيعي فريدريك كوفييه.
نظرية الانتقاء الطبيعي
هذه النظرية تقوم على اعتقاد أن كل شكل جديد، وفي النهاية كل نوع جديد يتكون ويستمر بفضل امتلاكه أفضلية ما على المتنافسين معه، والانقراض اللاحق للأشكال الأقل أفضلية سيحدث بشكل شبه محتوم.
وفقًا لداروين، فإن تكون الأنواع يحدث عبر فترة طويلة جدًا، ومشاهدة الانقراض لابد أن تكون أصعب كثيرًا من مشاهدة التكون، لكنه لم يكن كذلك، فخلال السنوات التي قضاها داروين يطور أفكاره بشأن التطور، اختفى آخر فرد من أكثر الأنواع المعروفة في أوربا، وهو طائر الأوك العظيم، وقد وثق هذا الحدث بعناية شديدة من قبل علماء الطيور البريطانيين، ومثّل ذلك دحضًا مباشرًا لنظرية داروين بالحقائق. وهذا الطائر لم يكن يستطيع الطيران؛ لأجنحته القصيرة والغليظة صغيرة قياسًا بجسده، كما كان سباحًا ماهرًا مثل البطريق، ويعتقد أنه كان يضع بيضة واحدة في العام، وكانت أعداده تقدر بالملايين عندما وصل المستوطنون الأوائل إلى آيسلندا قادمين من إسكندنافيا، وقد حدثت تصفية آخر زوج معروف منه على جزيرة إلدي عام 1844.
فرضية الاصطدام
منذ 65 مليون سنة اصطدم نيزك قطره ستة أميال بالأرض، كان يتحرك بسرعة 45 ألف ميل في الساعة، وعندما ارتطم بشبه جزيرة يوكاتان، انفجر مطلقًا طاقة تعادل مليون ميغا طن من مادة TNT. انتشر الحطام والبخار الحارق فوق أمريكا الشمالية، تحول النهار ليلًا، وانخفضت درجات الحرارة بشكل مفاجئ، ونجم عن ذلك انقراض جماعي شمل جميع الحيوانات التي يزيد حجمها على حجم القطة، وأشهر ضحاياه الديناصورات.
الأنثروبوسين... عصر الإنسان
كلمة أنثروبوسين من اختراع بول كروتزين الكيميائي الهولندي الذي تقاسم جائزة نوبل لاكتشاف آثار المركبات المستنفدة للأوزون. ترى مؤلفة الكتاب إليزابيث كولبيرت أنه لو لم يتم التوصل إلى هذا الاكتشاف واستمر استخدام المواد الكيميائية على نطاق واسع، لكان ثقب الأوزون الذي ينفتح كل ربيع فوق القارة القطبية الجنوبية قد تمدد حتى أصبح محيطًا بكامل الأرض.
يعتقد أن هذا العصر بدأ مع الثورة الصناعية، أو مع النمو الهائل الذي طرأ على أعداد السكان في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
ومن السمات المميزة لعصر الأنثروبوسين أن العالم يتغير بطريقة تجبر الأنواع على الانتقال، لكن هذا العالم يتغير بطرق تؤدي إلى خلق حواجز، مثل الطرق والمناطق مقطوعة الأشجار والمدن، تحول دون انتقال هذه الأنواع.
تحمض المحيطات
مع استمرار ارتفاع تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء سترتفع درجة الحرارة، وهذا سوف يؤدي إلى اختفاء معظم الأنهار الجليدية الباقية، وغمر الجزر المنخفضة والمدن الساحلية، وذوبان الغطاء الجليدي للقطب الشمالي، كما سوف تزداد كمية ثاني أكسيد الكربون الممتصة من قبل مياه البحار والمحيطات، وهذا سيزيد من حموضتها. وقد أدى تحمض المحيطات دورًا في اثنين من الانقراضات الجماعية. فالتحمض يؤثر على بعض العمليات الأساسية مثل الأيض ونشاط الإنزيمات ووظائف البروتينات، كما أنه يساعد على نمو الطحالب السامة، وستكون الكائنات ذات الهياكل الخارجية الكلسية الأكثر تعرضًا للضرر، وكذلك الشعاب المرجانية التي لن يشكل تحمض المحيطات التهديد الوحيد لها، فهناك الصيد الجائر للأسماك الذي يشجع على نمو الطحالب التي تنافس المرجان، وإزالة الغابات، والصيد بالديناميت، بالإضافة إلى ارتفاع درجة حرارة الماء.
انقراض الحيوانات الضخمة
قبل ظهور البشر على الساحة، كان بطء الحيوانات في التكاثر وضخامتها يشكلان استراتيجية ناجحة جدًا سيطرت من خلالها على الأرض، وخلال مدة زمنية تعادل لحظة من المنظور الجيولوجي أصبحت هذه الاستراتيجية خاسرة، وحدث انقراض الحيوانات الضخمة بطريقة تدريجية وعلى دفعات تزامنت مع تسلسل استيطان البشر. وحاليًا من بين الأنواع الثمانية للدببة في العالم، تصنف ستة منها على أنها معرضة أو مهددة بالانقراض. ووحيد القرن الأبيض هو النوع الوحيد من وحيد القرن غير المصنف حاليًا على أنه مهدد بالانقراض. وبعد قرن من الآن قد تستمر الباندا والنمور ووحيد القرن في الحياة فقط بحدائق الحيوان. وعلى الرغم من أن البشر قادرون على دفع أي نوع من الثدييات الكبيرة تقريبًا نحو الانقراض؛ فإنهم قادرون أيضًا على بذل كل الجهود لضمان عدم انقراضها.
إنسان نياندرتال
سمي بهذا الاسم نسبة إلى وادي نياندر في ألمانيا حيث اكتشفت عظامه لأول مرة عام 1856.
قبل أن تظهر لاحقًا في كل مكان في أوربا والشرق الأوسط. وكان مشابهًا جدًا للإنسان الحديث، إذ كان يسير منتصبًا، يمتلك عظامًا أسمك وجمجمة أكبر مما لدى الإنسان. وقد عاش في أوربا مدة مئة ألف سنة على الأقل، ومنذ ثلاثين ألف عام تقريبًا اختفى، وقد اقترحت عدة نظريات لتوضيح هذا الاختفاء مثل: تغير المناخ، المرض والحظ السيئ، لكن النظرية الأقوى هي أن البشر الحديثين هم من قضوا عليه إذ إنهم وصلوا إلى أوربا منذ نحو أربعين ألف عام.
الانقراض السادس
تعتقد المؤلفة أننا الآن في خضم الانقراض السادس الذي يوجد له هذه المرة سبب واحد هو تغيير البشرية للمشهد البيئي؛ فالإنسان العاقل قد لا يكون فقط العامل المسبب للانقراض السادس، لكنه يعرض نفسه لخطر أن يكون إحدى ضحاياه. ويمكن تجنب حدوث الانقراض الحالي إذا كان الناس أكثر اهتمامًا، وكانوا على استعداد لتقديم مزيد من التضحيات ■