البُعد الثقافي والحضاري لمشاعر العداء ضد المسلمين في أوربا
في الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة كان لافتًا حجم المساحة التي أفردها مرشحو اليمين في برامجهم الانتخابية للعداء للإسلام والتضييق على المسلمين، من ضمن استراتيجيتهم لجذب الأصوات. وهي صورة تعكس تعاظم تأثير الأحزاب اليمينية في العديد من الدول الأوربية التي تغذّي بشكل أساسي القلق الذي يبديه الغرب إزاء ازدياد أعداد المهاجرين الذين يفدون إلى بلادهم من الدول الإسلامية، والتهويل بأسلمة أوربا من خلال شعار يتكرر في معظم دول أوربا «الإسلام يغزو قارتنا ويهدّد هويتنا». الأمر الذي يشجبه المسلمون في أوربا والعالم، خاصة بعد أن تحسّنت صورتهم كثيرًا نتيجة إسهاماتهم القيمة في مختلف المرافق السياسية والاقتصادية والإنسانية. ومع تنامي هذه الظاهرة التي أُطلق عليها اسم الإسلاموفوبيا، هناك سؤال ملحّ بدأ يطرحه المهتمّون والمراقبون: هل نحن أمام لعبة سياسية بحتة، أم أن للمسألة بُعدًا ثقافيًا يضرب جذوره عميقًا في صراع الحضارات؟
تعود حملة الاستعلاء الأوربي والحطّ من قدر حضارات الشعوب الأخرى ودياناتها إلى الحقبة الاستعمارية، ففي تبرير للنهج الكولونيالي، سيطرت الأفكار الإثنية والعنصرية في أوربا إبان القرن التاسع عشر، وظهرت مقولات أوربية تروّج للتفوق الحضاري للعِرق الآري-الأوربي وتخلّف بقية الأعراق والأقوام. وخير من يمثّل هذه النزعة هو المؤرخ والفيلسوف الفرنسي إرنست رينان (1823-1892) Ernest Renan الذي عمل على علم الأعراق اللغوي وعلى تأسيس نظامٍ يتمحور حول التضادّ بين الآريّين والساميّين. وقد أتت المحاضرة الأولى التي ألقاها عام 1862 عند تعيينه أستاذًا في الكوليج دو فرانس، بعنوان «إسهام الشعوب السامية في تاريخ الحضارة»، لتبلور النظرة الازدرائية إزاء الشرق والإسلام والأعراق الأخرى، وفيها خلص إلى أن العرق السامي هو طبع متشدد عمومًا، ومحدود الأفق وأناني، لذا يندر أن نجد في هذه السلالة تلك الرهافة في الحسّ الأخلاقي التي هي وقفٌ على السلالات الألمانية والسلتية.
نظرة استعلائية
تبلور هذا التيار بطرح أيديولوجي عبّر عنه وزير المستعمرات الفرنسية جول فيري (1832-1893) Jules Ferry الذي قسم الشعوب والأمم إلى شعوب متحضّرة ومتفوقة خُلقت لتقود شعوبًا، وأمم أخرى متخلّفة وجاهلة وغير قادرة على قيادة وحكم نفسها بنفسها. «القانون الإلهي»، على حدّ قوله، كرّم كما فضّل الرجل الأبيض، وكلّفه بحمل رسالة تمدينية إلى الشعوب البدائية، القاصرة عن تدبير شؤونها.
إلا أن هذه النظرة الاستعلائية سوف تأخذ بُعدًا أيديولوجيًا في القرن العشرين، حيث سادت فيه حالة من التجاذب والاستقطاب والصراع السياسي والإعلامي بين المعسكرين، الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي. كانت تلك الحقبة أشبه بصدام أيديولوجي بين نظامين اقتصاديين وسياسيين، فيما انكفأت - وإن ظاهريًا - المقولات العنصرية والمعادية للإسلام التي راجت في نهاية القرن التاسع عشر وميّزت الذهنية الاستعمارية، لكن مع نمو الإسلام السياسي وقيام جمهورية إيران الإسلامية، من جهة، وسقوط جدار برلين وانتهاء الإمبراطورية السوفييتية، من جهة أخرى، بدأ «العدو الإسلامي» يشغل المكان الفارغ بعد اختفاء «العدو الشيوعي»، وذلك في الخطاب الإعلامي والسياسي. وكان لا بد للغرب -بزعامة الولايات المتحدة هذه المرة وتبنٍّ تام من أوربا - من أن يجد عدوًا جديدًا، وإلا فقد مبررات هيمنته.
هنا تأخذ نظرية «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» للمفكّر الأمريكي من أصول يابانية فرانسيس فوكوياما Francis Fukuyama كامل أهميتها، ومفادها أن الديمقراطية الليبرالية تشكل نقطة النهاية في التطور الأيديولوجي للإنسانية، والصورة النهائية لنظام الحكم البشري، وبالتالي هي تمثل نهاية التاريخ بعد أن لحقت الهزيمة بالأيديولوجيات المنافسة مثل المَلَكية الوراثية، والفاشية، والشيوعية.
في خضمّ تحليلاته لانتصار الليبرالية الغربية على سائر الأيديولوجيات يلاقي فوكوياما بالتحليل موجة معاداة الإسلام التي بدأت تتكوّن في أوربا، فيرى أن الإسلام لن يتمكن من منافسة الديمقراطية الليبرالية وأن قيم الغرب هي المنتصرة في نهاية المطاف، إلا أن نظرية معاداة الغرب للإسلام واعتباره جوهر المشكلة الكبرى، سوف تبدو جلية لديه إثر أحداث 11 سبتمبر 2001، التي زادته إصرارًا على اعتبار الإسلام المنظومة الثقافية الوحيدة التي تعادي الحداثة وقيم الليبرالية.
أثارت أطروحة فوكوياما حفيظة أستاذه صمويل هنتنغتون Samuel Huntington البروفيسور في جامعة هارفارد، فكتب عام 1993 في مجلة الشؤون الخارجية Foreign Affairs مقالة بعنوان «صراع الحضارات»، اعتبر فيها أن صراعات ما بعد الحرب الباردة لن تكون بين الدول القومية واختلافاتها السياسية والاقتصادية، بل ستكون الاختلافات الثقافية المحرك الرئيسي للنزاعات بين البشر في السنين القادمة. ثم بلور هذه النظرية في كتاب بعنوان «صراع الحضارات، وإعادة صنع النظام العالمي الجديد» صدر عام 1996. تستند أطروحة هنتنغتون من حيث إطارها النظري إلى أن الصراع العالمي هو صراع ثقافات وأديان وليس صراع مصالح، وعلى أن تفسير تقدّم الدول وتأخرها هو بحسب الحالة الثقافية والانتماء الديني، ويرى أن الثقافة تشكل مصدرًا للصراعات الرئيسة بين البشر. فالهويات الثقافية والتي هي على المستوى العام هويات حضارية، هي التي تشكل أنماط التماسك والتفسخ والصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة.
هكذا فإن النزعة الثقافوية التي سادت من خلال نظريتي فوكوياما وهنتنغتون أظهرت الغرب وكأنه يعيش مرحلة استعمار جديد. إنه استعمار يعبّر عن نفسه من خلال تلك الثقة المتزايدة بأن «الغرب» قد وصل إلى نهاية التاريخ، وأن الصيغ التي أرساها لإدارة الاقتصاد والحياة السياسية والمجتمع نهائية وغير قابلة للتجاوز. في هذا السياق يصبح الخيار أمام كل الشعوب الأخرى هو: إما قبول القيم الغربية بشكلها المتحقق في الرأسمالية القائمة أو الانعزال داخل الخصوصيات الثقافية الموروثة.
في انتشار الإسلاموفوبيا
«الإسلاموفوبيا» أو رُهاب الإسلام، تعني الخوف المرضي وغير المبرّر من الإسلام، وهو خوفٌ قائمٌ على مجموعة من الأفكار المسبقة التي تعتبر هذا الدين قائمًا على العنف، وتربط المسلمين بالإرهاب. لقد ركّز الكثير من النقّاد على أنّ الإسلاموفوبيا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بقضايا الإرهاب الحديثة العهد، إلّا أنّ مفكّرين غربيين ومتخصّصين في الأنتروبولوجيا رأوا أنّ «العداء للإسلام» أقدم بكثير من ذلك، وأنّ جذوره ترجع إلى أكثر من مائة عام، قبل أن تُستعمل في وسائل الإعلام الغربية في نهاية القرن العشرين، وتدخل مرحلة جديدة مع تفجيرات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة. هذا المصطلح لاقى رواجًا لافتًا بعد انتصار الثورة الإيرانية عام 1979 التي شكّلت نقطة تحول في تعاطي الغرب مع الشرق الإسلامي. عند هذا المفترق يمكن أن نسجّل البداية الحقيقية لظهور صور نمطية سلبية عن الإسلام في وجدان المجتمعات الغربية. وهي لم تقتصر على المجتمع الايراني، بل شملت الشرق بكامله بما في ذلك العالم العربي.
ثم أتت موجات الهجرة في فرنسا لتفاقم هذا الشعور. أعقب ذلك سلسلة العمليات الإرهابية المتنقلة بين العواصم لترسّخ هذا الشعور بالخوف. وفي كل هذه المحطات الكبرى، راجت في الإعلام صور منمّطة للعرب والمسلمين وجدت لها تجسيدًا ودعمًا في مؤلفات بعض المفكرين.
الإسلاموفوبيا الثقافية
من أولى ردّات الفعل الغاضبة في عالم الأدب كان كتاب الصحافية الإيطالية أوريانا فالاتشي Oriana Fallaci «الغضب والكبرياء» (2001) الذي عبّرت فيه عن شحنة من الانفعال الشديد ضد المسلمين في أوربا، قبل أن تُتبعه بكتاب آخر «قوة العقل» (2004) حاولت من خلاله أن ترسم سيناريو مرعبًا تبيّن فيه أن القارة الأوربية تواجه خطرًا داهمًا، وهي على وشك أن تشهد تدمير حضارتها على يد مسلمين يحيكون لها مؤامرة مُحكمة.
في الحقيقة، إن كتاب «الغضب والكبرياء» لا يكتسي أي طابع تحليلي، ولا يستند إلى وقائع موضوعية، بل هو صرخة متفلتة ذات طابع تحريضي. صحيح أنه تعرّض لانتقاد شديد من قبل مفكّرين وفلاسفة كثر في أوربا، إلا أن الصحيح أيضًا أن نسبة المبيعات المرتفعة لهذا الكتاب وصعود نجم اليمين في عدة بلدان أوربية، ومنها فرنسا، يؤشر لاتجاهات جديدة لدى الرأي العام الغربي.
لم يشفِ هذا الكتاب غليل فالاتشي، فأتبعته بآخر «قوة العقل» بيع منه ما يقارب مليون نسخة في أقل من شهرين. جاء «قوة العقل» على شاكلة كتابها السابق «الغضب والكبرياء» ليغذّي خوف الأوربيين من المسلمين ويبث مشاعر الكراهية ضد كل ما له علاقة بالإسلام، وفيه تروّج لأطروحة بسيطة مفادها أن أوربا مهددة بالأسلمة أو التعريب؛ فالعربي والمسلم مترادفان في قاموسها مما سيحوّلها في غضون سنوات قليلة إلى ولاية إسلامية. لذلك استحدثت مصطلحًا جديدًا هو أوربا العربية Euroarabia. يحفل هذا الكتاب بالأفكار الجاهزة، وهي تقدّم تحليلات أو أرقامًا إحصائية لا تستند إلى أي دليل، لتصل إلى بيت القصيد الذي يؤرقها، وهو موضوع تزايد المهاجرين في أوربا وانخفاض نسبة الولادات في العديد من البلدان الأوربية، مما يمهّد الطريق أمام تحقّق «أوربا العربية». وهي تتخذ من مدينة مرسيليا الفرنسية نموذجًا للحديث عن نجاح المسلمين في طمس معالم الحضارة المسيحية في مدن أوربا بالنظر لانتشار المساجد وامتلاء الشوارع بالمحجبات.
إن هذا الكتاب الذي أوحى عنوانه بالاعتماد على العقل لا يمت إلى العقل بصلة، وإنما لجأ إلى الانفعالات ومخزون الذاكرة الشعبية والأفكار المسبقة حول الإسلام والمسلمين، إلا أن الرواج الذي لقيه والترجمات التي حظي بها إلى عدة لغات أسهم في ترسيخ مشاعر الحقد والكراهية ضد المسلمين، سيما المهاجرين المقيمين في البلدان الأوربية.
بين الجهاد والفتح
في هذا الجو العابق بالشحن ضد الإسلام، انبرى كاتب وصحافي فرنسي متخصّص باللغة العربية وآدابها، رينه مارشان René Marchand، ليصدر كتابًا أثار جدلًا واسعًا: «فرنسا وخطر الإسلام: بين الجهاد والفتح» (2002).
إن ما دفع مارشان إلى إطلاق صرخته هو شعوره بأن الإسلام يشكّل خطرًا داهمًا، وهو يُعتبر تهديدًا حقيقيًا للغرب، ولفرنسا بالتحديد التي يتوقّع الإسلاميون أن تنضوي تحت راية الإسلام في القرن الحادي والعشرين. هذا اليقين يستند إلى أكثر من مؤشر، ويأتي في الطليعة تنامي القوة السياسية والاقتصادية للعالم الإسلامي. ثم يأتي عامل الديمغرافيا المرتبط بالتزايد السكاني للجماعات المسلمة في فرنسا ليلعب دورًا حاسمًا. أما العامل الثالث بنظره فيعود إلى الانحطاط الذي يعيشه المجتمع الفرنسي، الذي تخلّى عن فرض الأمن وتطبيق القوانين في الأحياء الصعبة التي يسيطر عليها المغاربة، والتي تعمّها الفوضى وتنتشر فيها الموبقات. في مقابل هذا التراخي غير المبرّر، هناك مخطّط مُحكم يدّعي الكاتب أنه اطّلع عليه من أحد الناشطين الإسلاميين، وهو يقوم على عدم إثارة المسؤولين الفرنسيين، وتحفيز أكبر عدد من المسلمين على الإقامة في فرنسا والحصول على الجنسية الفرنسية، وتشجيع التعليم الديني وتدريس اللغة العربية، وبناء المساجد، والترويج للحجاب، ومن ثم تأطير ملايين المسلمين الفرنسيين حول هويتهم الدينية، حتى الوصول أخيرًا إلى فرض أمر واقع، يقوم على السماح بتطبيق الشريعة الإسلامية على المجموعات المسلمة.
إزاء هذا الواقع المرير، ينادي مارشان باعتماد سياسة واضحة تحاكي عظمة فرنسا. من هنا، يدعو فرنسا إلى الإمساك مجددًا بمصيرها، فتقوم السلطة ببسط سيطرتها مجددًا على المناطق الخارجة على النظام والقانون، وتتشدّد بمنح الجنسية، وتتّبع سياسة جديدة في التوظيف والتقديمات الاجتماعية، وتواجه بقوة كل محاولات المسّ بالمبادئ الجمهورية. في هكذا هجوم مضادّ، تعود فرنسا إلى أصالتها، ذاك أن لديها إمكانيات نهوض هائلة.
أثارت العدائية تجاه المسلمين التي تزايدت في فرنسا بعد تفجيرات 11 سبتمبر جدلًا واسعًا في أوساط المثقفين الفرنسيين. وانتقل الكلام من حيثيات الحياة اليومية التي رأى البعض أنها تهدد قيم الجمهورية الفرنسية ومبدأ العلمانية، إلى إشكالية أكثر عمقًا تتعلق بقضايا حضارية تضع التشكيل الحضاري العربي الإسلامي في مواجهة التشكيل الحضاري الغربي المسيحي. في خضمّ هذه البلبلة التي شملت النخب والمثقفين وصنّاع الرأي كما الرأي العام، قام فنسان جايسر Vincent Geisser الباحث في معهد الدراسات الخاص بالعالم العربي والإسلامي والتابع لمركز البحوث العلمية في فرنسا CNRS، والأستاذ المحاضر في معهد العلوم السياسية في مدينة «أكس» جنوب فرنسا بإصدار دراسة بعنوان: «الإسلاموفوبيا الجديدة» (2003) أخرجت الجدال من الشحن والإثارة إلى التحليل العقلاني والموضوعي. وفيها وجّه أصابع الاتهام لمن أسماهم «مثقّفي وسائل الإعلام» وحمّلهم مسؤولية إشاعة التهويل وسط المجتمع الفرنسي. أثار هذا الكتاب منذ صدوره سجالًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية والثقافية لأنه تطرق بجرأة إلى موضوع شديد الحساسية في المجتمع الفرنسي اليوم.
يستعرض الكاتب ظواهر العداء للإسلام في كل القضايا التي تمس المجتمع كقضية الحجاب ونشاط الجمعيات الإسلامية ومسألة تنظيم الديانة الإسلامية في فرنسا. وأكثر ما يلفته في هذا المجال هو طريقة بعض الوسائل الإعلامية في تناول هذا الموضوع وفي تهميشها أصوات المتخصصين وأصحاب الرأي الموضوعي فيه، والباحثين في موضوع الظاهرة الدينية، وكذلك في تغييب الرأي الآخر، والاكتفاء بالاستماع إلى الصوت الواحد والتركيز على الكتب والمقالات المتواطئة مع الرأي السائد الذي يدعم فكرة التخويف والترهيب من الإسلام ومن المسلمين. في هذا السياق يحدّد فنسان جايسر أربعة مصادر أساسية لظاهرة الإسلاموفوبيا بفرنسا:
- مجموعة من الصحفيين ممن أصبحت وسائل الإعلام تقدمهم باعتبارهم حماة القيم الجمهورية. خطاب هؤلاء لا يتعامل مع الإسلام باعتباره دينًا كباقي الأديان وإنما يعملون على ترسيخ إطار نمطي يضع الإسلام والمسلمين في موضع المهدِّدين لروح الجمهورية الفرنسية.
- خبراء الرعب الجدد، وهم كما يقدمهم مجموعة من الأكاديميين الذين يحتلون بشكل مبالغ فيه مختلف وسائل الإعلام كلما تعلق الأمر بالإسلام أو المسلمين، هؤلاء الذين يُقدَّمون باعتبارهم متخصصين في الشأن الإسلامي ومختلف تأثيراته على الجمهورية الفرنسية لا يتعاملون مع الدين الإسلامي باعتباره دينًا كباقي الأديان وإنما كحضارة ينبغي أن تدرس وفق مبادئ نظرية هنتنغتون حول صدام الحضارات.
- المسلمون الإسلاموفوبيون، ويتعلق الأمر بمجموعة من الأسماء المغاربية بالأساس التي تعيش بفرنسا وتشكل بالنسبة لوسائل الإعلام مرجعًا مثاليًا لتكريس الصورة السلبية عن الإسلام والمسلمين وفق منطق شهد شاهد من أهلها. هؤلاء بنظره يفتشون عن موقع وعن ترقية سياسية واجتماعية متّخذين من فزّاعة التهديد الإسلامي رأس مالهم.
- المصدر الأخير للإسلاموفوبيا وفق جايسر يتموضع ضمن الأوساط اليهودية الفرنسية الفاعلة، التي تعمل على ترويج أطروحة تربط بشكل مباشر الأوساط الإسلامية بمعاداة السامية.
من هنا، يطالب المؤلف بإعادة النظر في مكانة الإسلام في فرنسا وكيفية التعامل معه انطلاقًا من رؤية واقعية وتاريخية تساهم في توضيح المسائل لا في تعقيدها أو في استخدامها من أجل غايات سياسية آنية قد تكون لها نتائج سلبية في المستقبل على المجتمع الفرنسي ككل. فالإسلاموفوبيا لا يمكن أن تواجه بالانكماش الطائفي، ولكن بأسلحة المواطنة والدفاع عن الحريات الأساسية.
خاتمة
إن تكاثر الكتب والتحقيقات والبرامج التي ترمي إلى التخويف من الإسلام والمسلمين تحوّلت اليوم إلى صناعة يكلّف بها خبراء وكتّاب وصحافيون بغية إضفاء طابع الشرعية على هذه التحليلات لدى العامة وترسيخها في أذهان الجماهير. وبالرغم من الجهود العديدة والحثيثة التي تُبذل لتحسين الصورة وتحقيق الاندماج، وهي جهود أصبحت ممأسسة بشكل منهجي، إلا أن الهوّة لا تزال عميقة، ذاك أن فاعلين سياسيين ومثقفين وإعلاميين لا يزالون، ومن أجل مصالح آنية، يغذّون التخويف والتهويل من الإسلام. هذا ما يستدعي بذل المزيد من الجهود، سواء من قبل الحكومات والفاعلين في الغرب، أو من قبل الدول الإسلامية للتصدي لهذه الآفة في شموليتها، ولاسيما من خلال السياسات الوطنية، بما في ذلك مناهج التعليم الوطنية ■