الاستاكوزا.. على طبق!

يُعدُّ الحصولُ على وجبة من الاستاكوزا - لدى سعداء الحظّ - حدثًا حياتيًا قد يصعب تكراره، فثمن تلك الوجبة مرتفع في معظم بلاد العالم؛ ويحلو لبعض المطاعم الفاخرة أن تشير إليها على أنها طعام الملوك والمليونيرات!
وفي دراسة بيئية موسَّعة، تهدف إلى تهيئة البيئة المناسبة لتوالد ونموّ الاستاكوزا في مياه ولاية فلوريدا الأمريكية، لإغناء مصايد الاستاكوزا فيها بعد أن تزايد الطلب عليها في المطاعم والأسواق الأمريكية والعالمية.
بدأ علماء جامعة ولاية فلوريدا بِتتبُّع دورة حياة النوع الشائع من الاستاكوزا في مياه البحر الكاريبي وخليج المكسيك، ويُسمّى بالاستاكوزا الشائكة؛ ويصل عدد البيض الذي تضعه الأنثى الواحدة منها إلى أربعين ألف بيضة، تعطي البيضة عند فقسها كائنًا يرَقيًا دقيقًا يبدأ جولة غير محدّدة المعالم، هائمًا في المياه المحيطة بموطن آبائه، تستمر لِِمدّة عام كامل، يتعرّض خلالها لِعدد من عوامل الهلاك، أهمّها الافتراس، فهو يمثل بندًا أساسًيا في قوائم غذاء كائنات بحرية أخرى، كما أنه قد يُقذف به بعيدًا عن البقعة الملائمة لِِاحتضانه وتربيته، فيلقى حتفه، ولا يجد طريقه إلى تلك البقعة إلا عدد قليل من اليرقات التي تبدأ في التحوّر إلى شكل يرقي جديد، قريب الشبه بالحيوان الكامل، لا يأكل طوال فترة سعيه في المياه الشاطئية بحثًا عن مكان مناسب على القاع يحطّ عليه وينمو إلى الطور الكامل.

وتخضع الاستاكوزا، في برنامج مدرسة هارفارد، لتجربة أخرى تهدف إلى تحقيق افتراضات نظرية تقول بأن الاستاكوزا تتبادل التفاهم فيما بينها عن طريق (رسائل كيميائية) يحملها بولها ورائحة أجسامها، وتعتمد في استقبالها على أجهزة استقبال دقيقة منتشرة في ملايين الشعيرات التي تغطّي جسم الاستاكوزا الأمريكية. وبناء على تلك الرسائل، تستجيب لنداءات الصداقة أو صيحات الحرب، فإذا وصل مضمون الرسالة، تكفّلت العينان بمراقبة ومتابعة تحرّكات الصديق أو تحرّشات الخصم، فقد تحدّدت المواقف وأُعلنت النوايا!
ولا يزال لدى علماء البيولوجيا الكثير من خطط العمل مع الاستاكوزا، فقد تمّ - مثلاً - تحديد مواقع خلايا تُعرف باسم الأوكتابومين، والتعرّف على نوعيتها. ولكن، كيف تعمل؟ وهل هي مرتبطة بنظام إنتاج هرمون السيروتونين؟ وثمّة علامات استفهام عديدة لا تزال قائمة أمام العلماء تحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد، وليس علينا إلا انتظار البحث العلمي، بخطواته البطيئة، لِيفسّر لنا - من خلال الاستاكوزا - لماذا يتحوّل البشر، دون سبب ظاهري واضح في كثير من الأحيان، إلى العنف؟
وماذا فينا، أو خارجنا، يصيبنا بتلك الحالة الشائعة التي نسمّيها مشاعر التواصل والمودّة؟
لِيَأخذ العلماء وقتهم في صحبة «الاستاكوزا »، أما نحن، فيجب ألا نفلت فرصة تسنح لنا للجلوس إلى مائدةٍ، الطبقُ الرئيسي فيها هو الاستاكوزا، بلا رسائل كيميائية!