الناقدة زهراء المنصور: علاقتي بالمسرح بدأت بالتسلية وانتهت بالحب

الناقدة زهراء المنصور:  علاقتي بالمسرح بدأت بالتسلية وانتهت بالحب

العرب، كسائر الأمم الأخرى، أثروا الركام الإبداعي المسرحي العالمي بأعمال مهمة، وبرز فيهم كتاب كبار، خلفوا بصمات واضحة في سجل هذا الفن النبيل، بأعمال ظلت مفخرة للثقافة العربية. هذه الأعمال واكبتها أقلام نقدية وبحثية كبيرة، من سائر البلاد العربية. مملكة البحرين التي شهدت في العصر الحديث نهضة اقتصادية وثقافية مهمة، لم تكن بمعزل عن الحركة الثقافية العربية، بل أسهمت في رفدها بمؤسسات وأعلام ثقافية مهمة، وإغنائها بأعمال إبداعية ثمينة في كل المجالات الأدبية، وفي توجيهها أيضًا من خلال النقاد البحرينيين اللامعين. ضيفتنا في هذا الحوار الناقدة المسرحية البحرينية الأستاذة زهراء المنصور، الكاتبة والباحثة والناقدة اللامعة، استهواها المسرح فمنحت له ذاتها وعقلها وقلبها. وكتبت في العديد من المجلات الثقافية والجرائد الورقية والإلكترونية.

● ما الذي استهواك في المسرح؟ ومتى بدأت علاقتك به؟
- علاقة قديمة بدأت بالتسلية وانتهت بالحب، بدأت بأجواء الدهشة والانبهار بالدراما وأخبار النجوم وصورهم البراقة اللامعة، بحكاياتهم الدرامية داخل الشاشة، شخصياتهم المتغيرة هنا وهناك، فكرة العمل، آليات إظهار هذا العمل للنور، التصوير، المونتاج، دور البطولة الذي يسند لأشخاص دون غيرهم، نجوم الصف الثاني المتمسكين بمكانهم منذ زمن ولا يبرحونه، كيفية كتابة التتر وقراءة أسماء العاملين بعناية، مئات الأسئلة التي دارت بذهني لأنها استهوتني لكني وجدت الإجابات صريحة من خلال الاطلاع، وأخرى من خلال تحليلي الشخصي الذي لم يخل من خيال بالتأكيد! في المسرح الأمر يبدو مختلفًا عن التلفزيون والسينما، هناك نص طويل عبارة عن حوارات بين شخصيات، تقدم على خشبة محددة بمساحة محسوبة، والمطلوب أن يكون كل الحدث هنا، أن تنقل جمهورك إلى أماكن وعوالم غير التي يتصورها، وأن تستخدم العناصر المسرحية لهذا، في مقررات القراءة بالمدرسة وفي التعمق بالقراءات الأدبية الأخرى خارج المنهج، عن نص لويس كارول في «أليس في بلاد العجائب»، وعن الدهشة التي نطق بها العرض في كل مرة يقدم فيه والعروض التي شاهدتها طفلة ومراهقة بعده، كلها أمور استدعت فضولي فقررت ساعة الصفر المضي قدمًا فيه ملبية نداء «الندّاهة» المسرحية.

المسرح البحريني
● ماذا عن تاريخ المسرح البحريني الذي يقارب عمره القرن؟
- بدأ المسرح بعد سنوات قليلة من إنشاء مدرسة الهداية الخليفية 1919، وكان عرض «القاضي بأمر الله» هو المفتتح الذي جاءت بعده العروض الأخرى، لا يمكن تجاوز جهود الشاعر البحريني إبراهيم العريض بكتابة أول نص مسرحي شعري «وامعتصماه» المستوحى من الحادثة الشهيرة لاستنجاد امرأة مسلمة للمعتصم بالله من الروم، وكذلك كتابته لنص «وليم تل» - وهو بطل الاستقلال في سويسرا - باللغة الإنجليزية، وهو تأسيس باهر مقارنة بما تقدم من نصوص/عروض مدرسية رغم كون النصين الآخرين لا يخرجان عن نفس المضامين ولكن بأسلوب أكثر تطورًا، نتيجة لخلفية الشاعر العريض التعليمية والثقافية التي أسهمت في وضع لبنة بارزة في جدار المسرح البحريني، وأيضًا الشاعر عبدالرحمن المعاودة الذي قدم «سيف الدولة بن حمدان» و«عبدالرحمن الداخل» وسلسلة مسرحيات كثيرة أثرى بها بداية المسرح وقدمت على المدرسة التي أسسها ومدارس أخرى بنين وبنات. ثم خرج المسرح من رحم المناهج والمدارس وانتقل إلى الأندية حيث صارت التجربة أكثر سعة وتنوعت فيها الموضوعات وظهرت فيها مهارات الفنان البحريني من الكتابة حتى الإخراج وما يتخللهما، وقد يكون هو نفسه ما يتخلل جميع العناصر لشدة الشغف أو قلة الإمكانيات، وصارت هناك فرق تمثيلية على المسرح ومتنقلة تضم أفرادا كثيرين ممن ولعوا بالفن، والتاريخ يذكر أسماء مشتركة بين تلك الفرق المسرحية/ الفنية، حتى تم تأسيس مسرح أوال عام 1970 أي ما يربو على النصف قرن، ورفد على الساحة البحرينية أسماء مسرحية مهمة، ثم جاءت بقية المسارح بعد عشرين سنة على مهل بدماء جديدة شابة وفكر مختلف عن السائد حينها، فتعددت المدارس وتنوعت العروض وصارت كتلة المسرحيين أكبر والجمهور «النوعي» أكبر.
● ما هي أهم الثيمات المسرحية التي تناولها المسرح البحريني؟
- بعد أن نتجاوز فكرة مضامين المسرح المدرسي التي كان التوجه فيها غالبًا للتعليم والتثقيف داخل المناهج التعليمية المقررة، والتي تحث على الخلق السليم والصفات الحسنة المؤثرة على المجتمع، تعمقت مرحلة الأندية إلى القضايا الاجتماعية والأشكال الأخلاقية التي توجه - ولو بصورة غير مباشرة -، وهي عروض تؤدى معظمها باللهجة العامية حتى تصل بسلاسة أكثر للمتلقي، قد يشتمل بعضها على الارتجال المقبول حتى يحدث تفاعل بين الممثل والجمهور، لذا فإن مرحلتي المسرح المدرسي ومسارح الأندية لم تخرج عن خانة التعليم والتوجيه الاجتماعي والتسلية بالتأكيد - بحسب تاريخ النصوص الذي تم التحصل عليه وتوثيقه -، أما فترة بعد تأسيس المسارح فقد تنوعت النصوص التي بدأت بنص «كرسي عتيق» للفنان الراحل محمد عواد، ونصوص محلية أخرى ومن ثم عربية وعالمية، تعددت فيها الثيمات بالعروض إلى الاجتماعية والسياسية وقضايا الإنسان المعاصر وما بعدها، وحصر هذه الثيمات يتطلب دراسة متفحّصة تقف عند كل النصوص والعروض المتاحة حتى يمكن التوثيق بأمانة للمسرح البحريني.
● مَن هم الكتّاب المسرحيون الذين أغنت كتاباتهم المسرح البحريني؟
- عندما نتحدث عن الكتاب الذين أضافوا في المسرح البحريني في مرحلة ما بعد المدارس والأندية التي كانت تضم نشاطًا مسرحيًا مميزًا، وعن الاستعانة بالنصوص العالمية المعروفة والكتاب العرب منذ بدايات قيام المسرح هنا، لا بد من تخصيص الإشارة لعدد كبير من الكتاب والفنانين البحرينيين الذين أغنوا المسرح بنصوصهم المؤلفة أو المعدة ونذكر أمثلة بارزة، مثل محمد عواد/ راشد المعاودة/ عبدالرحمن بركات/ إبراهيم بوهندي/ خليفة العريفي/ عقيل سوار/ عيسى الحمر/ خلف أحمد خلف/ د. إبراهيم غلوم/ أمين صالح/ علي الشرقاوي/ قاسم حداد/ عبدالله يوسف/ محمد الماجد/ إبراهيم بحر/ عبدالله السعداوي/ جمال الصقر/ يعقوب يوسف/ والقائمة تطول ولا تحصر لأن البحرين ولادة بأبنائها المبدعين ولا زال هناك الجواهر ما لم يظهر بعد.

الدعم الحكومي للمسرح
 ● هل هناك مبادرات حكومية دعمت مسيرة المسرح البحريني؟
- في اعتقادي أن المسرح في مناطقنا لا يمكن أن يستمر إلا بالدعم الحكومي، الذي تقدمه الهيئات المختصة بالإعلام أو الثقافة أو بالإثنين معًا، وفي البحرين تتلقى المسارح المنضوية تحت مظلة هيئة الثقافة والآثار وهي: مسرح أوال/ مسرح الصواري/ مسرح الريف/ مسرح البيادر ومسرح جلجامش، دعمًا سنويًا لإنتاج عروض مسرحية بالإضافة إلى المقار التي قد لا تكون مهيئة تمامًا لعمل البروفات المطلوبة ولكنها كافية لاجتماع المعنيين لإيجاد سبل خلق عروض جديدة، هذا بالإضافة إلى رعاية في المهرجانات المسرحية للمسارح والدعم اللوجيستي وغيره، وهي - من وجهة نظري - كافية للبدء والسعي للخلق.

الدراسة في الكويت
● درست المسرح، فما سر اختيارك ميدان النقد المسرحي؟
- كان اهتمامي مبكرًا بالنقد في صحف أسبوعية - مصرية تحديدًا -، استهواني هذا الشكل خاصة مع أكثر من قراءة لنفس العمل الفني، بعدها بدأت في القراءة الجادة التي أسهمت في أخذي لقرار التخصص وقت الثانوية العامة، وهكذا كان: التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية بدولة الكويت الشقيقة، وانغمست في هذا الواقع الجميل منذ بدأت الدراسة ولعله القرار الكبير/ السعيد والفاصل في حياتي، لأني اخترت ما أحببت ولم أخضع للضغوط التي عارضتني بشدة في البداية، وكلما مر الوقت أدركت أن ما صممت عليه هو ما يوافقني ميلًا وعقلًا وروحًا، وأن خطواتي «البطيئة» في النقد متأنية وتصب في مشروعي الذي عزمت أن تكون له بصمة تليق بسنوات طويلة من الدراسة والبحث والشغف.
 ● العمل المسرحي له عدة ولادات، يولد على يد الكاتب، ثم على الخشبة برعاية المخرج، ويولد مرة أخرى على يد الناقد، فما هي المعايير التي يجب أن تتوفر في الناقد المسرحي ليسهم في تطوير هذا الفن؟
- لابد أن يكون الناقد على مقدار واعٍ من الحياد والموضوعية للعمل الفني، وعلى بعد من القائمين عليه وطبيعة علاقته بهم حتى نبتعد عن دائرة المجاملات التي تعج بها الصفحات الورقية والإلكترونية وحتى ندوات ما بعد العرض، وقد يطال الموضوع إلى إصدار كتاب مصلحة أو مجاملة! لسنا بحاجة إلى هذه النماذج التي نأمل أن تزول - ولن يحدث! -، هؤلاء لا يدركون ما يفعلون من تخريب ذائقة وتوجيه فئة كبيرة من الجمهور المتابع. لذا يجب على الناقد التمسك ما أمكن بالأمانة التي أعطيت له، ليعيد تقديمها حسب الأصول: منقحة بالقراءة المتعمقة الكثيرة والبحث الجاد والاطلاع المستمر على التجارب القديمة منها والجديدة.
● وماذا عن أزمة تلقي النقد التي تشهدها الساحة الثقافية العربية؟
- في تعريف النقد الأولي يذكر أنه تمييز بين الجيد والرديء، تمحيص العمل وتقييمه بناء على مقوماته، وليس إطلاق آراء عامة أو مطلقة على العمل المنتج على الورق أو على الخشبة، وما نشهده من آراء كهذه أو أحكام عامة لا تليق بالجهد المقدم - مهما كان ضعيفًا أو هشًّا -، لابد من إيجاد سبيل لتناوله وبيان مكامن ضعفه وقوته، وهذا ما أشرت له سابقًا بالموضوعية والحياد في التناول، فإن كان النقد لا يملك هذه الأسس فمن الوارد جدًا ألا يتم قبوله وبالضرورة سيوضع الناقد في خانة غير لائقة لأنه أساء استخدام السلطة الممنوحة له، وهكذا مع مرور الوقت تصبح هذه الصفة مقرونة بالسوء والسلبية وتكريس مقولة عبثية تشير إلى أن الناقد مبدع فاشل! في الوقت الذي يمكن للناقد أن يتناول أي موضوع حتى لو كان ضده تمامًا وضد ذائقته بشكل تدرأ عنه أي شبهة شخصية عبر التناول العلمي الممنهج، وحينها سيقدر الجميع هذا التناول حتى صاحب العمل نفسه الذي سيعي أن الغرض هو تقويم العمل وتحسين التجربة فحسب.

عروض «الأونلاين»
● شهد العالم تغيرات بسبب وباء كورونا. كيف ترين المسرح العربي في ظل هذه التحولات؟
- يعد المسرح من أكثر الأوساط التي تأثرت بجائحة كورونا، حيث إنه الفن الذي يحتاج إلى المباشرة بين الممثل والجمهور، الاستجابة السريعة، الحياة التي لا تتوافر في فن آخر غيره، وتأثر المسرح بهذا الشكل دعى البعض إلى ابتكار عروض «الأونلاين» التي مكنت الجمهور من المشاهدة عن بعد، هل يكفي هذا؟ أكاد أجزم بأنها هيئة مختلفة عن المسرح الذي نعرف ونحب، وهذا الابتكار «القسري» جاء نتيجة الظروف الراهنة، حتى لا يمضي الوقت بدون فعالية مسرحية، بل إن هناك مهرجانات قامت بالشكل المذكور وشاهدها المعنيون عن بعد، فهل هذا عوض حقيقي؟ أحيي هذه الجهود المبذولة بالطبع، لكني لن أستمتع بالمشاهدة كما أفعل بالمسرح، ولن أتجرأ بالكتابة عن عرض عبر الشاشات، وأتصور أن الحل المؤقت حتى زوال هذا الظرف نهائيًا، أن نفعل موضوع التباعد في المسرح بحزم مع الأخذ بالاحترازات المطلوبة، حتى لو اضطر القائمون على العرض أن يفعلوا ذلك أكثر من مرة، من أجل ألا يفقد جمهور المسرح العروض الحية التي طالما أحبوها وتفاعلوا معها ■