أوتامارو كيتاغاوا «امرأة تمسح عرقها»

أوتامارو كيتاغاوا «امرأة تمسح عرقها»

عندما يقال إن الفن الأوربي تأثر خلال القرن التاسع عشر بالفن الياباني، فإن المقصود بشكل خاص هو أثر الفنان أوتامارو كيتاغاوا بالدرجة الأولى.
ولد أوتامارو حوالي عام 1753م، وتوفي في عام 1806م. ولا يعرف المؤرخون شيئًا عن مكان ولادته، ولا عن نشأته، ولا ما إذا كان قد تزوج وأنجب أم لا. ما هو مؤكد هو أن اسمه الأصلي كيتاغاوا إيشيتاراو، وعُرف بأسماء وألقاب عديدة، أكثرها شيوعًا هو أوتامارو.
رسم هذا الفنان حوالي 2000 لوحة في حياته، معظمها كان معدًا للطباعة وللكتب منذ سبعينيات ذلك القرن. وهذا ما مكّنه من إتقان الطباعة بالحفر على الخشب بشكل غير مسبوق. فرسم مشاهد تاريخية، وأخرى من الحياة اليومية، ونباتات وحتى الحشرات. ولكنه بدءًا من التسعينيات، وبعدما عمّت شهرته كافة أرجاء اليابان، بدأ يرسم لوحات لمزاجه الفني الخاص، وفق التيار الرائج آنذاك، والمعروف باسم «أوكيو-إي». فما هو هذا التيار؟ وماذا تعني هذه التسمية؟
في عام 1603م، أصبحت إيدو (طوكيو) مقرّ الحكومة العسكرية للإقطاعيات اليابانية. ووفق التراتبية الاجتماعية احتل المحاربون الساموراي أعلى الهرم، أما التجار والحرفيون فكانوا في أدناه. ولكن الرخاء الاقتصادي الذي عرفته المدينة بفعل مكانتها الجديدة، أتاح لأبناء الطبقة الدنيا الاستمتاع بمباهج الحياة، فكثرت حياة اللهو والعروض المسرحية والغنائية والفنون، حتى عمت «الموبقات» شطرًا كبيرًا من المجتمع، فأُطلق عليه اسم «أوكيو- إي»، ومعناه «المجتمع العائم». ظهر الفن المعبّر عن متع هذه الحياة الدنيوية في أواسط القرن السابع عشر، واستمر بالتصاعد والتطور حتى انهار في أواخر القرن التاسع عشر، مع بدء التغرب الثقافي في اليابان، واعتمد بشكل أساسي على الطباعة بواسطة الرسم على ألواح الخشب وحفرها. لم تكن الطباعة الخشبية تقنية جديدة، بل كانت معروفة في اليابان منذ القرن الثامن الميلادي. ولكنها كانت مستخدمة فقط لإنجاز لوحات دينية بوذية وبعض المجالات الضيقة الأخرى. غير أنه خلال أقل من قرن من الزمن، في زمن أوتامارو، تناول هذا التيار مواضيع محظورة أخلاقيًا وسياسيًا، ما أدى في عام 1790م، إلى فرض رقابة عسكرية على تداول هذه الرسوم، وصلت إلى حد مراقبة الألواح الخشبية قبل الطباعة. وقد دفع أوتامارو ذات مرة ثمن خرقه التقاليد، فاعتُقل وسُجن خمسين يومًا لأنه زيّن كتابًا برسوم تمثل قائدًا تاريخيًا، إذ إن القانون كان يمنع تصوير المحاربين الساموراي أو ذكرهم بالاسم في أي عمل فني أو أدبي. 
في العقد الأخير من القرن الثامن عشر، رسم أوتامارو مجموعة لوحات تمثل وجوه نساء، أطلق عليها اسم «نساء برؤوس كبيرة»، واحدة منها «امرأة تمسح عرقها» التي نراها هنا.
الخطاب المشترك في لوحات هذه المجموعة، ونراه واضحًا في هذه اللوحة، هو في عرض الفنان لنظرته الخاصة إلى الجمال الأنثوي، نظرة هي أقرب بكثير إلى الخيال منه إلى الواقع. فوفق وجهة النظر هذه، لم يعد الوجه مستديرًا، بل مستطيلًا، يكاد طوله يبلغ ضعفي عرضه فوق عنق بالغ الاستطالة بدوره. ولأن لتسريحة الشعر دورًا حاسمًا في إبراز الجمال، نرى التسريحة المهندسة جيدًا هنا ذات مساحة تعادل مساحة الوجه. وتحت الأنف الطويل جدًا، يجب أن يكون الفم أصغر ما يمكن. والعينان اللتان نراهما هنا، هما على صغرهما أكبر العيون التي رسمها أوتامارو في هذه المجموعة.
رغم شهرة هذه اللوحة كباقي المجموعة، التي عمّت اليابان، فإنها لم تصل مع غيرها من أعمال الرسام إلى أوربا وتحديدًا فرنسا، إلا في أواسط القرن التاسع عشر. والفنانون الطليعيون الذين كانوا يبحثون آنذاك عن لغة تشكيلية جديدة، وأطلقوا الانطباعية وما تلاها لاحقًا، انبهروا بهذه الاستقلالية الفردية في التطلع إلى الجمال، وفي الجانب الغرافيكي في الرسم وحساسية التوازن ما بين البياض والسواد، والمواءمة ما بين الخطوط المنحنية والمتقوسة في الوجه والشعر من جهة والمساحات الهندسية والخطوط المستقيمة في الثوب. حتى ليقال إن هذا كان كافيًا لتشجيع الانطباعيين على أن يكتشف كل منهم لغته الخاصة، وذهب البعض إلى حدّ القول إنه لولا أوتامارو، لكان حيّزًا كبيرًا من الفن الأوربي الحديث قد سلك منعطفًا مختلفًا على الأرجح ■