التماثل «السيماترية» والتناسب في الفن الإسلامي

التماثل «السيماترية»  والتناسب في الفن الإسلامي

المماثلة هو أن تتماثل ألفاظ الكلام أو بعضها في الرنة (الوزن)، ومنها قول الشاعر:
صفوح صبور كريم رزين
        إذا ما العقول بدا طيشها
    ويمكن أنّ يحدث التماثل Symmetry أو التشابه تشكيليًا بين الأشكال من خلال التشابه في الهيئة أو الحجم أو العلاقات المكانية.

 

 يُعرِّف متحف المتروبوليتان بنيويورك مصطلح السيماترية Symmetry (التماثل) ضمن معجم المصطلحات الواردة بكتالوج الزخارف الهندسية  Geometric Ornaments بأنه «المطابقة في الحجم والشكل والموضع النسبي للأجزاء في الجهة المقابلة على جانبي خط فاصل أو حول مركز أو محور. ومن النماذج المعروضة بالمتحف، ويتجلَّى فيها التماثل، حشوة خشبية مُطعمة بالصدف، ومُؤرخة بالنصف الثاني من القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي (ترجع للعصر العباسي)، وتُعد أنموذجًا فريدًا للزخارف الهندسية، ومركز الحشوة داخل مربع كبير، وقوام الزخرفة عدة دوائر داخل بعضها، وبها تنويع في الزخارف الهندسية ما بين خطوط طولية، ونقاط مربعة، في حين قام الفنان بإحداث توازن هيكلي لحرية الزخارف على جانبي مركز الحشوة الخشبية (لوحة 1).
وينطبق كل من التوازن والتماثل على تنظيم الأجزاء حول محور الانقسام، بينما يتحقق التماثل من خلال تكرار العناصر المتشابهة؛ ويتحقق التوازن من خلال الحكم البصري، والمقارنة، ومراقبة تنظيم العلاقة بين الأجزاء غير المتشابهة، نظرًا لأن كل جزء من التصميم يقترح وزنًا بصريًا مُعينًا، درجة من الخِفة أو الثِقل، ويتحقق التوازن البصري عندما تكون أوزان جميع الأجزاء الفردية في حالة توازن ومنظمة في التكوين.
والكمال في التصميم يعتمد كُليًا على ترتيب الخطوط لإدارة التوازن البصري بين الأجزاء المختلفة من التصميم، حيث إنَّ لكل شكل زخرفي وزنًا مُحددًا يمكن رفعه أو خفضه، فعلى سبيل المثال تبدو الزخارف النباتية أخفّ وزنًا من تلك التي تتكون من طبقات متعددة (كثرة الالتفاف والتفريعات للفروع المجدولة)، كما تبدو مناطق الوحدات المتكررة ذات وزن بصري أقل من المناطق التي تتضمن وحدات فردية غير متشابهة، لذلك فإن حجم الخطوط والوحدات الزخرفية وسُمكها واتجاهها يُعد عاملًا رئيسيًا في التحكم في الوزن المرئي للأنماط، وهي طريقة لموازنة الأوزان المختلفة داخل التصميم.
وقد كان التماثل الرسمي شائع الاستخدام كطريقة لتحقيق التوازن والاستقرار في هيكل التصميم، ومع ذلك تعرض العديد من الأعمال المُعقدة تطبيقات إبداعية ومُبتكرة لمقاومة التماثل (السيماترية)، حيث تمتلئ الأجزاء المقسمة بحشوات مختلفة لها وزن بصري متساو، على عكس تناظر المرايا. ويتم تحقيق هذا النوع من إدارة الخطوط من خلال الحجم المناسب، وتشكيل الخطوط والأشكال في كل قسم. 
وتُعد واجهة أحد الإيوانات بمدرسة ابن يوسف (747هـ/ 1346م) بمراكش، نموذجًا رائعًا للتماثل، فلو افترضنا الجزء الأوسط من واجهة الإيوان بعقده المدبب الكبير، وكذا الارتداد في الموجود في باب الدخول هو خط التماثل؛ فإنه على يمين ويسار هذا الجزء، نجد على كل جانب دخلتين ضحلتين غير نافذتين في الجدار، كل دخلة معقودة بعقد مُفصص Lobed Arch الجزء السفلي منها غُطي بتكسيات خزفية، والجزء العلوي زُخرِفَ بأشكال مُعينات (لوحة 2).
كما تُمثل (لوحة 3) مدخل صحن مدرسة ابن يوسف بمراكش أيضًا نموذجًا جماليًا للتماثل بنسبه المتوازنة، وقد وضحت بالأرقام (1، 2، 3، 4، 5) عناصر التماثل للوحدات الزخرفية، حول محاور التماثل.

التناسب في الفنّ الإسلامي    
يُعرف التناسب proportion بأنه «العلاقة في الحجم، والكمّ أو الدرجة بين شيء وآخر»، والتناسب هو مقارنة الأحجام والمساحات والأطوال، والمقاييس، والمقادير، وهو العلاقة القياسية المصممة أي النسبة المُخططة للمقادير والفواصل.
كما يُعرف بأنه «دراسة العلاقة بين الطول، والعرض (المساحة) للعناصر في المسطحات الثنائية الأبعاد، أو العلاقات بين الحجوم في الأجسام ثلاثية الأبعاد، كما تتطلب دراسة لنسب المسافات الفاصلة بين كل منها لتخلق إيقاعات مقبولة جماليًا». هو مبدأ المقياس الذي يستخدمه المُصمم الزخرفي المعماري في معالجة قياس الحجم للأشكال الهندسية بالنسبة للعناصر الإنشائية، فلكل سطح زخرفي معماري مقياس مُعين. ويُعرف بأنه إحدى ظواهر العطاء الجمالي المتصل بطبيعة تكوين الأشياء. كما يُعرف بأنه «العلاقة بين الأبعاد والمساحات والكتل والمسافات الفاصلة بينها إذ ينتج عنه إيقاعات مقبولة جماليًا وتُؤدي إلى التوافق والانسجام».
وترتكز العمليات التناسبية في الفضاء التكويني بين الأشياء إلى نوعين أساسيين من النسب:
- النسبة البسيطة: وهي تمثل النسبة المُدركة حسيًا والمباشرة.
- النسبة المركبة: وهي الأكثر أهمية في التكوين وهي النسبة الناتجة عما يعرف بتوالي الجمع، وهي التي ابتكرها الإغريق، وسموها النسبة الذهبية. وترى أنه يمكن تحديد العلاقات التناسبية في التصميم الزخرفي كما يأتي:
-1 التناسب بين أجزاء المفردات الزخرفية ذاتها.
-2 التناسب بين مفردة زخرفية، وأخرى ضمن البنية الزخرفية.
-3 التناسب بين البنية التصميمية الزخرفية، والمساحات التي تشغلها، وقياسات الفضاء الذي يُحيط بها.
والتناسب هو أساس في المظهر الجمالي للتكوين الزخرفي، مثل الحجم والمساحة، والدرجة طبقًا لملاءمتها في الفضاء الزخرفي جماليًا ووظيفيًا. وخير دليل على ذلك ينطبق على الإنسان في النسبة والتناسب، فيقول ربنا عز وجل في مُحكم آياته {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}.
ويُشير التناسب إلى التنسيق، وتحقيق التناغم المرئي المقبول بين الأجزاء، والحجم، والوزن ضمن الكل؛ مع مراعاة أنَّ جميع النِسب تُحددها الضروريات الهندسية، ويستخدم الفنانون والمُصممون إدارة الخط لإتقان علاقة التناسب بين الأقسام المختلفة؛ كالحجم، والسمك، واتجاه الخطوط وتوزيعها، وتتحكم العناصر الرئيسية في العلاقات المقارنة، وهي طريقة لتقديم الأهمية النسبية للأجزاء المكونة بدقة.
ويتم استخدام النسب الهندسية من قبل الفنانين المسلمين على أنها الأداة الأكثر قيمة في عملية التصميم، وذلك لإنتاج أنماط الزخارف التي يحكمها الجمال الفني في المساحات المُنفذّة على الأسطح، والأشياء؛ وذلك من خلال تطبيق النسب الذهبية والأنماط الهندسية في مجالات مثل العمارة، الفسيفساء، الجص، الخشب، وكذا فنون الكتاب.
ويلجأ الفنان إلى تقليل المُضلع الموجود في دائرة الوحدة نحو المركز، حتى النجوم التي تتحكم في هذا الشكل تظهر في النمط، ويُحافظ الفنانون المسلمون على جمال هذه النسب، ومنحها مستوى أعلى من الجمال الفني يفوق التعبير المادي المباشر. ويبدأ النظام الهندسي من الدائرة (الوحدة الأساسية)، والتي يبدأ منها النمط مُتقطعًا، ويتم إنشاء تقسيمات متناغمة للدائرة على أربع مراحل:
المرحلة الأولى: مرحلة التخطيط والتي تبدأ من تحديد نظام التناسب، والذي يعتمد على هيكل نمط الوحدة داخل دائرة الوحدة. والتخطيط هنا قائم على أساس رمزي، وهناك معانٍ كامنة في ذهن الفنان وراء النمط الهندسي.
المرحلة الثانية: مرحلة التقسيم، وهي البناء الهندسي للنمط. 
المرحلة الثالثة: ترتيب النموذج وهيكله، وذلك من خلال بدء خطوط التقاطعات، لتكوين الشكل الفني للنمط، وذلك من خلال تقاطعات تُشكلها هذه الخطوط، وهذا يُؤدي إلى سلسلة من النقاط التي يُمكن استخدامها في تطوير الأنماط، ويُشكل هذا النوع من الإطار الأنماط الإسلامية المألوفة.
المرحلة الرابعة: ويتم فيها إنشاء الشكل الهندسي، وتحديد خطوط الحدود، ويُمكن تكرار العملية بشكل محدد، مع الاعتماد على المركز في كل مكان، ويتم تحديد الأطوال النسبية المتساوية في جميع الوحدات (شكل1).
إنَّ اللانهائية في الأنماط الهندسية المُتكررة، وقواعد البناء الهندسي هي انعكاس لقوانين الله التي لا تتغير في الكون، فهي مبنية على نسب جمالية، ونظام بديع. 
وقانون التناسب في الفن الإسلامي تم استلهامه من النظام الفكري والعلمي المُتحكم في البنية المرجعية الدينية الحضارية والثقافية الفلسفية، أي في التعبير عن الرؤية إلى العالم والله والإنسان في الفكر الإسلامي من خلال تركيز المنظور الفني باتجاه الدلالة على الواحد، وتكثيف الرموز المشيرة لذلك، فهو الواحد الأول الذي لا بداية له، ما زال خالقًا مُتفردًا (جلَّ شأنه)، ومن ثمَّ فلا تعدو الكثرة في الأشكال والأشياء ومظاهر الوجود وتعدد الأنواع والألوان، فهي في نهاية الأمر تجلِّ للواحد وتعبير عنه. كما تظهر هذه الوحدة في الفنون الإسلامية في الشكل والأسلوب.
ويعرض متحف المتروبوليتان بنيويورك على موقعه الرسمي على الشبكة العنكبوتية، نماذج ضمن أحد إصداراته عن الزخارف الهندسية، وضحت بالتفصيل الدقيق تشكيل وتجميع الوحدات الهندسية الزخرفية.
ومن النماذج التي يتجلى فيها مراعاة التناسب، رغم تباين الحجم، والسمك، واتجاه الخط، من أجل تحقيق التعددية والتي قد تُولد في بعض الأحيان (عند عدم مراعاة التناسب)، ويحدث تنوع في الحركة البصرية عند تنظيم العناصر المتغيرة الحجم أو السمك أو الاتجاه، فإن هذا التعبير يجذب انتباه المشاهد، ويقود عينه للتحرك واتباع طريقة الخطوط، وتُصبح الأشكال أصغر أو أكبر أو أكثر سمكًا وأرق (لوحة 4)، ويظهر فيها تفصيل من الزخارف الجصية، قاعة الأختين، قصر الحمراء، غرناطة.
كما يظهر التناسب غير المُتماثل في جزء من واجهة صحن مدرسة ابن يوسف بمراكش (لوحة 5)، وقد قمت بترقيم العناصر المتشابهة في زخارفها.
وثمة نموذج آخر للتماثل والتطابق، ومراعاة للنسب بشكل دقيق، مدورة خط من الحجر، تعود إلى أواخر القرن 10-11هـ/ 16-17م، إقليم الدكن، الهند، قوام زخارفها بالحفر البارز كتابة دائرية بالخط اللين قوامها يا عزيز، وتُقابلها نفس الكلمة معكوسة، وتقع الكلمتان في مثمن الدائرة، وتتحلق الزخارف حول وريدة من ثمان بتلات في المنتصف، وكأن كل بتلة منها تُقابل جزءًا من ثمانية أجزاء من الدائرة (لوحة6).
 كما يظهر التماثل في لوحة خزفية مكونة من أربع بلاطات، ومؤرخة بالقرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، ومحفوظة بالمتروبوليتان بنيويورك، وقوام زخارفها طبق نجمي بمكوناته (لوحة 7).
وثمة نموذج آخر للتماثل في الزخارف الهندسية، عبارة عن بلاطة خزفية، مؤرخة 7-8هـ/ 13-14م، نيسابور، قوام زخارفها أشكال نجمية سداسية، تحصر بينها أشكال سُداسية (لوحة 8)، ويُوضح (شكل2)  بأحد إصدارات متحف المتروبوليتان بنيويورك طريقة تشكيل هذه الزخارف.
كما يظهر التناسب غير المتماثل، في مجموعة من البلاطات الخزفية، تعود إلى قاشان، القرن 7هـ/ 13م (لوحة9)، وتأخذ شكل النجمة الثمانية الرؤوس، وتحصر بينها شكل الصليب الإغريقي المتساوي الأذرع، ويتجلَّى فيها التباين في الزخارف الحيوانية، والنباتية، في إيقاع فني بديع، يدل على عبقرية الفنان، مما جعل العين تصول وتجول في كافة البلاطات مُستمتعة برونق الزخارف الحيوانية البديعة، وألوانها البراقة، وكذا التعريقات النباتية. ويُوضح (شكل3) طريقة تشكيل هذه الزخارف، وتجميعاتها.
والتناسب في العمل الخطي هو تنسيق قياس العناصر بشكل مناسب بما يليق بمفردات العمل الخطي، ويُوحي بأهمية حجم العنصر، والتركيز عليه، بما يتوافق مع الغرض والأهمية التي يؤديها، وتكون وحدته القياسية متناسبة مع بقية العناصر، والتي يُبنى منها العمل الخطي، فهو مقارنة الأحجام، والأطوال والمقاييس، والمقادير؛ والمقاييس التي وضِعت لحروف الخط العربي، يُمكن استخدامها لتحقيق الكتابة الفنية، وعملية تطبيق المقاييس في الخط تجعل منه عملًا يتطلب تفوقًا ومهارة وإبداعًا. والدور الجمالي الفاعل للعلاقات التناسبية يستمد مبرره الأساس من خلال ما يتحقق من مفاهيم التباين والتنوع والتقييم، وحتى التطابق والذي يُعد من جانب آخر تعبيرًا عن التناسب المتكافئ. 
 وقد تمَّ تدوين نظام جديد للنصوص المتصلة المتناسبة من القرن العاشر إلى القرن الثالث عشر، حيث يتم تحديد شكل كل حرف من خلال عدد ثابت من النقاط المعينية (شكل4). وهذه النقطة المعينة هي الشكل الذي يتكون عندما يضغط الخطاط بقلمه على الورق بحركة هبوطية واحدة. ويمكن أن تختلف الكلمة المكتوبة في أحد النصوص المتناسبة من حيث الحجم ولكن الحروف ستكون دائمًا متناسبة تمامًا مع بعضها البعض، وهناك ستة خطوط متناسبة (الأقلام الستة)، وهي النسخ، والثلث، والمحقق، والريحاني، والتوقيع، والرقعة (شكل 5) ■

لوحة (1) حشوة خشبية مُطعمة بالصدف، مؤرخة بالنصف الثاني من القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي، العصر العباسي، محفوظة بمتحف المتروبوليتان، نيويورك.

لوحة (2) مدخل الصحن، مدرسة ابن يوسف، مراكش، 747هـ/ 1346م.

لوحة (3) مدرسة ابن يوسف، مراكش، 747هـ/ 1346م.

(شكل 1) التناسب في مراحل تكوين الزخارف الهندسية.

(شكل 2) التناسب في مراحل تكوين الزخارف الهندسية، النجوم السداسية، والتي تحصر بينها أشكال سُداسية.

(شكل 3) التناسب في مراحل تكوين الزخارف الهندسية، 
النجوم الثمانية، والتي تحصر بينها شكل الصليب الإغريقي.

(شكل 4) التناسب في حرف الألف، والنقاط المُعينية المُشكِلة للحرف. 

(شكل 5) التناسب في الخطوط الستة، النسخ، والثلث، والمحقق، والريحاني، والتوقيع، والرقعة.

لوحة (4) تفصيل من الزخارف الجصية، قاعة الأختين، قصر الحمراء، غرناطة.

لوحة (5) مدرسة ابن يوسف، مراكش، 747هـ/ 1346م.

لوحة (6) مدورة خط من الحجر، أواخر القرن 10-11هـ / 16-17م، إقليم الدكن، الهند، محفوظة بمتحف المتروبوليتان، نيويورك، تحت رقم 1985.240.1.

لوحة (8) بلاطة خزفية، قوام زخارفها الهندسية أشكال نجوم سُداسية، تحصر بينها أشكال سداسية، مؤرخة 7-8هـ/ 13-14م، نيسابور، متحف المتروبوليتان، نيويوك.

لوحة (9) بلاطات خزفية، قوام زخارفها الهندسية أشكال نجوم ثمانية، تحصر بينها شكل الصليب الإغريقي، قاشان، ق 7هـ/ 13م، متحف المتروبوليتان، نيويورك.