في الأيام شديدة الحرارة والرطوبة؛ تكثر شكوى السيدات والبنات (من سن 17 سنة وأكثر) من أعراض الهبوط والنهجان والدوخة المستمرة خاصة عند القيام من وضعية الجلوس. وما يثير تعجب هذه السيدة أو الفتاه أنها عندما تقوم بقياس ضغط الدم تجده في الحدود الطبيعية 90/60 أو 70/110، وهذا طبيعي جدًا!! وعندما يقيس الطبيب نبضها؛ يجده من 90 إلى 100 أو 105 على الأكثر. 

    هنا تصاب السيدة بالاستياء أيضًا؛ لأن أول تشخيص سيحضر في ذهن الطبيب؛ هو التشخيص الشهير السهل... psychic case حالة نفسية!! وغالبًا ما يتهمها المحيطون بها بأنها متكاسلة أو تتظاهر بالمرض.
لكن لو تريّث الطبيب قليلًا؛ وأعطى هذه السيدة بعض الوقت والتركيز، لو سألها: أخبريني تفاصيل ما فعلته اليوم؟
ستخبره بأنها سارت في الشمس قليلًا (حتى لو 5 دقائق) وأنها لا تتحمل الحر الشديد هذه الأيام، أو ستخبره بأنها أمضت في المطبخ فترة طويلة أثناء تحضير وجبة الغداء لأسرتها؛ وشعرت بعدها بأعراض هبوط حاد... وهذه شكوى مهمة جدًا بالمناسبة؛ شكوى محترمة لا ينبغي الاستهتار بها. ولا يصح أن يظلم أحد هذه السيدة ويقول إنها تتظاهر أو لا تعاني من شيء.

كيف يمكن تفسير ذلك؟! 
هناك نوع من انخفاض ضغط الدم hypotension يحدث للسيدات بسبب خلل في التحكم العصبي اللاإرادي autonomic neuropathy وغير معروف بالضبط لماذا يحدث في النساء أكثر من الرجال. درجة الـ (blood vessels tone) لدى هذه السيدة تكون ضعيفة جدًا، بحيث لا يزيد ضغطها الطبيعي، في أحسن أحواله عن 70/110 وقد يكون 70/110. بل إن نساء وفتيات كثيرات يتعايشن مع ضغط دم لا يزيد عن 60/90 لا أكثر!! 
هذه الفئة من النساء؛ عندما تتعرض للشمس الحامية المباشرة أو لدرجة حرارة مرتفعة مباشرة أو غير مباشرة حتى لو لفترة قليلة جدًا يحدث لديهم تمدد أو توسع كبير في الأوعية Vasodilatation. عندها تشعر السيدة بأعراض نقص التروية الدموية داخل الأنسجة hypoperfusion فتشعر بأعراض الهبوط والدوخة والنهجان وصعوبة التنفس ويبدأ جلدها في التعرق بشكل كبير. 
ومع ذلك؛ عندما نقوم بقياس الضغط والنبض؛ نجد القراءات طبيعية!! لكن يمكن القول إن هذه قراءة كاذبة (False True)، لأن هذا ليس معناه أنها لا تعاني انخفاضًا في ضغط الدم بالفعل.

 توسع الأوعية الدموية
الواقع أن ضغط الدم في هذه الحالة يكون منخفضًا؛ ولكن قراءة جهاز ضغط الدم من شريان الذراع تظهر طبيعية بسبب عبقرية الجسم البشري (جلّ الخالق سبحانه) الذي يحاول أن يقوم بعملية توازن compensation؛ من خلال إجراءات تعويضية طارئة تعمل على تضييق الأوعية الدموية للشرايين الكبرى VC of large arteries حتى يضمن وصول دم كافٍ للتروية الدموية للدماغ. وهذا يفسر لماذا لا تدخل هذه السيدة في حالة إغماء.

الإرواء

هي عملية تزويد الأنسجة الحيوية والخلايا بالأكسجين والغذاء ومتفاعلات الاستقلاب. وعملية نقل ما تنتجه الخلايا من ثاني أكسيد الكربون ومركبات وفضلات أيضية بعيدًا عن الخلية بواسطة الدم.
 بهذه الآلية يُعالج الجسم التوسع الحاصل في الأوعية الدموية VD؛ فيقوم بتوجيه كل الأكسجين إلى الدماغ من خلال قبض الأوعية الدموية في الأطراف. وبذلك يحافظ قليلًا على ضغط الدم ويبقيه في أدنى الحد الطبيعي Low normal BP. ولهذا عندما نقوم بقياس ضغط الدم نجده طبيعيًا، لكن في الحقيقة؛ التروية الدموية في جسم هذه السيدة لازالت ضعيفةhypo perfused والدليل أننا نجد وجهها شاحبًا pallor (البشرة صفراء أو باهتة) مع نهجان وصعوبة في التنفس dyspnoea وزيادة بسيطة في ضربات القلب mild tachycardia. 
وهذه الأعراض هي نفسها أعراض فقدان كميات بسيطة من الدمmild blood loss أو نقص حجم الدم في الدورة الدموية.

العلاج
يكمن العلاج في تعويض السوائل والأملاح سريعًا: 
- إعطاء 500 - 1000 مل من المحلول الملحي بالتقطير الوريدي 500or1000-ml saline IV.
- إعلام السيدة أو الفتاه أن هذه طبيعة جسمها وأنها يجب أن تحترم هذه الطبيعة من خلال النصائح التالية: 
• تجنب التعرّض للحرارة المباشرة.
• ضرورة تناول وجبة الإفطار أو أي طعام مالح قبل الخروج.
ماذا لو تعرضتِ للهبوط في الشارع؟
تناولي أي طعام مُملح بسرعة. واجلسي في مكان ظليل إلى أن تتحسن الأعراض. 
هناك نصيحة لا أحب أن أنصح بها لأنها ليست صحيّة. ولكن للأسف هي المتاحة في أقرب سوبر ماركت وهي أن تشربي أي مشروب غازي زجاجة كبيرة ويفضل أن تكون باردة جدًا. هذا سيمنح جسمك كمية كبيرة من السوائل والصوديوم تساعدك إلى أن تصلي إلى البيت بسلام.
هذه السيدة لو قامت بقياس الضغط في صيدلية أو مستشفى؛ وقيل لها: ضغطك طبيعي؛ هذه الأعراض لا أساس لها؛ قد تتعرض للإغماء في الشارع بعد ربع ساعة وقد تذهب إلى بيتها وتمضي يومًا كاملًا في حالة نقص التروية hypoperfused؛ وهي تشعر بالهبوط والإجهاد لدرجة تعجز معها عن فتح عينيها. وهذه الحالات منتشرة جدًا في وطننا العربي حيث البلاد المُشمسة ودرجات الحرارة المرتفعة. وأعراضها مرهقة ومُعطلة لإنتاجية النساء المصابات بها. وكثيرات منهن لا تعرفن السبب ■