تأسيس المملكة العربية السعودية بعيون «طوابعية»

تأسيس المملكة العربية السعودية بعيون «طوابعية»

من المتعارف عليه أن التأريخ هو علم كتابة التاريخ، ونضيف أن الطوابعية هي دراسة الطَّوابِع البريدية وتاريخها ودلالالتها، وهي نافذة معرفيّة نفتحها اليوم لقراء مجلتنا «العربي». ويُعتبر الطَّابع البريديّ أداة من أدوات الدولة الإجرائية، وهو من أهمّ الوثائق الرسمية التي تصدرها وتحقّق لها سلّة من الأهداف المتشعّبة: مالية، إدارية، بريدية، تواصلية ودعائية. ومن وجهة النَّظر التاريخية، بدأ إصدار الطَّابع البريدي، ولا يزال، كدليلٍ إجرائيّ على استيفاء نقل البريد، لكنّه يحمل صورة وتشكيلًا ورموزًا غالبًا ما كانت مرتبطة بالدولة.

 

وتتميز الطوابعية السعودية بغناها وتنوعها واستحضارها عبق تاريخ المملكة، فهي تأخذك إلى بدايات القرن المنصرم، مسجلة، في دقة متناهية، الأحداث التاريخية لمسيرة التأسيس التي قادها بحنكة موصوفة المغفور له الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود، يوم خطط وعمل على استعادة مدينة الرياض وصولًا إلى توحيد المملكة العربية، واختياره وليًا للعهد.
في الفترة التي سبقت التأسيس سيطر العثمانيون في عام 1845 مباشرة على الحجاز؛ ففتحت مكاتب للبريد تباعًا في كل من أبها والعلا وهديا وجدة والقنفذة ومكة المكرمة والطائف وتبوك وينبع، واستعملت فيها الأختام كما الطوابع العثمانية. تم إنشاء خط للسكك الحديدية (1900 - 1908) بين المدينة المنورة ودمشق والمعروفة باسم «سكة حديد الحجاز»، فصدرت في المناسبة طوابع بريدية لتمويل المشروع، كما لخدمة إيرادات السكك الحديدية. وصدرت الطوابع الأولى لمملكة الحجاز في أكتوبر 1916 وتم تداولها حتى عام 1925.

كان للأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن مشروعه الكبير والجريء في إعادة ملك آل سعود في نجد وكل البلاد. خرج الأمير ورجاله لاستعادة الرياض فتم له ذلك في الخامس من شوال 1319هـ الموافق 15 يناير 1902 حين اقتحم قصر «المصمك». لقد كان فتح الرياض واستعادتها أعظم أعمال الأمير عبد العزيز، مشكلًا بذلك اللبنة العسكرية الأولى في تأسيس المملكة العربية السعودية الحديثة والمعاصرة.

في بداية عهدها، عرفت الدولة السعودية الثالثة باسم إمارة الرياض. وفي عام  1913 ضمت الأحساء والقطيف تحت راية الأمير عبد العزيز فسميت إمارة «نجد والأحساء». 
تمكنت الإمارة الوليدة من التوسع حتى استطاع الأمير عبد العزيز عام 1921 من السيطرة على كامل أراضي نجد بعد إسقاط إمارة حائل المنافسة، وأصبحت إمارة نجد والأحساء تعرف باسم «سلطنة نجد وملحقاتها»، وأضحى الأمير عبد العزيز سلطانًا على نجد وملحقاتها (مؤتمر نجد).
 وفي عام 1924 انضمت الطائف وتلتها مكة المكرمة إلى حكم السلطان عبدالعزيز.
في 24 ديسمبر 1925 دخل السلطان عبد العزيز جدة، وضمت مملكة الحجاز إلى السلطنة النجدية. 
في 8 يناير 1926 تمت مبايعة السلطان عبد العزيز ملكاً على الحجاز وبذلك تأسست «مملكة الحجاز وسلطنة نجد وملحقاتها». وفي 29 يناير 1927 م أصبح ملكًا على نجد أيضًا، واعترفت المملكة المتحدة بجلالة الملك عبد العزيز ملكًا لمملكة الحجاز ونجد وملحقاتها (معاهدة جدة). بعد ست سنوات من حكم الملك عبدالعزيز صدر مرسوم ملكي في 21 جمادى الأولى 1351هـ الموافق 18 سبتمبر 1932م يقضي بتوحيد أجزاء المملكة العربية ويحول اسم المملكة الحجازية والنجدية وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية. 
وحدد يوم 23 سبتمبر اليوم الوطني للمملكة، كما أمر جلالته بوضع نظام لتوريث العرش من بعده، وتمت مبايعة الأمير سعود كبير أبناء الملك وليًا للعهد في 16 محرم 1352 هـ الموافق 11 مايو 1933 م.
واستكمالاً للمحطات التاريخية التي أوجزناها، نعرّج على منظومة الطوابع السعودية ونبين الكيفيات التي حولتها من مادة بريدية صرفة إلى وثائق تاريخية متميزة.

طوابع السلطنة النجدية
مع دخول قوات الأمير عبد العزيز مكة المكرمة، وجدت في خزائن البريد مجموعات من الطوابع العثمانية وأخرى هاشمية تم ختمها (توشيحها) بعبارة «بريد السلطنة النجدية»، وتم استخدامها في المراسلات البريدية، وبذلك ظهرت طوابع السلطنة النجدية لأول مرة.
أورد الأستاذ محمد كمال صفدر في كتابه المرجع «طوابع البريد» (1999)، أن أول أشكال التوشيح لـ «بريد السلطنة النجدية» قد ظهر في شهر شعبان 1343 هـ الموافق لشهر مارس 1925 م وكان على شكل هلال مقوّس إلى أعلى ويحمل التاريخ 1343 (هـ)؛ كما ظهر في شهر ذي الحجة 1343 هـ الموافق شهر يوليو 1925م شكل ثان للتوشيح حيث عبارة (السلطنة النجدية) على شكل هلال مقوّس إلى أسفل وبدون كتابة التاريخ.
والشكلان وُجدا على العديد من الطوابع العادية والمالية وسكة الحديد العائدة للطوابع العثمانية والهاشمية (Aribia Stamp Catalogue 1st Edition -Stanley Gibbons)

حفظت لنا طوابع «السلطنة النجدية» محطات أساسية تتصل بتأسيس المملكة بقيادة المؤسس الملك عبد العزيز.
 ففي العام 1925، وتماشياً مع تعليماته، صدر أول الطوابع النجدية التذكارية، وهي:
• «تذكار الحج الأول  1343 عهد السلطنة النجدية» بمناسبة الحج.
• ختم تذكاري مكة المكرمة.
• «تذكار المدينة المنورة 1344» بمناسبة انضمام المدينة المنورة إلى السلطنة النجدية.
• «تذكار جدة 1344» بمناسبة انضمامها إلى السلطنة النجدية، بعد حصار جدة وخروج الملك علي بن الحسين في السادس من جمادى الآخرة 1344.

طوابع مملكة الحجاز ونجد
في يوم الخميس 1 جمادى الآخرة 1344 هـ الموافق 17 ديسمبر، احتفل بإبرام اتفاقية جدة 1925 التي أنهت حصار جدة الذي دام قرابة العام. تنازل بموجبها الملك علي بن حسين الهاشمي آخر ملوك المملكة الحجازية الهاشمية عن الحجاز، وعلى أثرها غادر جدة. دخل السلطان عبد العزيز جدة منتصراً في 8 جمادى الآخرة الموافق 24 ديسمبر. عاد السلطان بعد فتحها إلى مكة المكرمة  واجتمع بأعيان أهل الحجاز في 22 جمادى الآخرة 1344 هـ الموافق 7 يناير 1926، وقرروا بالإجماع مبايعة السلطان عبد العزيز بن عبدالرحمن ملكًا على الحجاز، ثم أُخذت للملك عبد العزيز البيعة من أهل الحجاز بعد صلاة الجمعة من يوم 25 جمادى الآخرة في الحرم المكي بالمسجد الحرام. عقب مراسم البيعة أبلغ الملك عبد العزيز معتمدي الدول الأجنبية بيانًا  ذكر فيه أن «أهل الحجاز أجمعوا وبايعونا بالملك على الحجاز» وقد قبل البيعة ، وبذلك أصبح لقبه «ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها».

وبمناسبة مبايعة عبدالعزيز ملكًا على الحجاز وسلطانًا على نجد، صدرت في شهر رجب من عام 1344هـ الموافق فبراير 1926 أول مجموعة من طوابع «بريد الحجاز ونجد». 
تألفت المجموعة من ستة طوابع عادية، وثلاثة طوابع خاصة بالرسوم البريدية المستحقة، وطبعت في مطابع مصلحة المساحة المصرية، ثم صدرت مجموعة ثانية حملت الرسمة ذاتها باختلاف في الألوان. 

تذكار المؤتمر الإسلامي الأول
بدعوة من الملك عبد العزيز ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها وجهها إلى الحكومات الإسلامية، انعقد المؤتمر الإسلامي الأول في مكة المكرمة في 26 ذي القعدة 1344هـ الموافق 7 يونيو 1926 م. 
حضرت المؤتمر وفود رسمية وغير رسمية من مصر وتركيا وفلسطين والهند وإيران وإندونيسيا والعراق والشام وبلدان المغرب، واختتمت جلساته الـ 18 في 26 ذي الحجة.
ولهذه المناسبة الفائقة الأهمية، أصدر «بريد الحجاز ونجد» مجموعة من 9 طوابع موشحة بـ «المؤتمر الإسلامي 20 ذي القعدة سنة 1344». 
تجدر الإشارة إلى أن التاريخ يعود للموعد الأول الذي حدد للمؤتمر، والذي تم تأجيله ليوم 26. وتكمن أهمية هذا الإصدار في أنه المجموعة الأولى التذكارية لـ «بريد الحجاز ونجد».

الحكومة العربية، بريد الحجاز ونجد، الإصدار الثالث
ظهرت طغرة الملك عبد العزيز لأول مرة على المجموعة الأولى لـ «بريد الحجاز ونجد الحكومة العربية» التي تألفت من 8 طوابع عادية وطابعين للبريد المستحق (فئتي «قرش» و«قرشين»). طُبعت بالطريقة الطبوغرافية وصدرت قبل نهاية العام 1344 هـ.

«ذكرى ملكية نجد وملحقاتها»
كرّست لنا طوابع «بريد الحجاز ونجد الحكومة العربية» الذكرى السادسة لتوحيد منطقة نجد. ففي 25 رجب 1345 هـ، الموافق 29 يناير 1927 م صدر توشيح على 8 طوابع بـ«ذكرى ملكية نجد وملحقاتها».

ذكرى الجلوس الملكي
بمناسبة مرور أربع سنوات على تنصيب الملك عبد العزيز ملكًا على الحجاز ونجد، أصدر «بريد الحجاز ونجد» مجموعة جديدة للمناسبة تألفت من خمسة طوابع. حملت الطوابع رسمة موحدة لكنها اختلفت بالتسعير والتلوين (½ قرش أحمر، ½ 1 بنفسجي، ¾ 1 أزرق، ½  3 أخضر، 5 قروش نبيدي). تألفت الرسمة من سيفين متقابلين تصاحب كل منهما نخلة، وتعلوهما طغرة الملك عبد العزيز. تشكلت الكتابة الكاليغرافية من «ذكرى الجلوس الملكي»، و«8 شعبان 1348». ويظهر على المجموعة ولأول مرة اسم «بريد الحجاز ونجد» باللغتين العربية والإنجليزية: POST – HEDJAZ & NEJDE

بريد الحجاز ونجد
بين الأعوام 1929 م و1932 م صدرت ثلاث مجموعات بريدية تألفت كل مجموعة من ثلاثة طوابع. حملت كل المجموعات الثلاث تشكيلًا موحدًا تكللته طغرة الملك عبد العزيز.

«المملكة العربية السعودية»
في الأول من يناير 1934، أصدر البريد السعودي أول مجموعة تحمل اسم «المملكة العربية السعودية». تألفت المجموعة من 12 طابعًا في إصدارين: الأول طوابع مخرمة، والثاني طوابع غير مخرمة. تكللت هذه الطوابع بطغرة جلالة الملك عبد العزيز، وحملت العنوان: «ذكرى مبايعة ولاية العهد للأمير سعود».

توسَّمنا دراسة مسارات الطَّوابِعية السعودية في بداياتها، وتبصرنا فيها كأوعية نشر معرفي ذات امتداد جماهيري، فحضرت في نصّنا البحثي بوظائفها الترميزية شديدة الحيوية، والموسومة بصيغة «السهل الفنّي الممتنِع» الذي يُبسّط المعرفة ويوجزها حروفًا وصُورًا وتشكيلًا فنّيًا للجمهور الواسع.
 فبَين مأسسة الدولة واستقرارها وتبدّلات أحوالها وصورتها عن ذاتها، وما أبرزته بدراية وحكمة منها، وبين صورتها لدى المتلقّي القابِع في أيّ بقعة من أقاصي المعمورة، حطّ الطَّابعُ البريديّ السعودي رحاله، على الرغم من ندرته؛ فخبّر وأعلم وأمتع وأبلغ فحوى رسالته الحضارية بل العمرانية، المنمنمة الحجم والواسعة الدلالة، فبلغ غايته الإبلاغية، وأوفى بمرام دولته، وأرضى شغف أبناء مجتمعه، وزادهم تعلّقًا بكينونتهم وإرثهم الحضاري المتجذّر. ونجدها مناسبة للتوجّه بالشكر إلى كلّ مَن جمّع وحفظ ودرَس واستذوق جماليّات الطَّابع السعودي المتألق شكلًا ومضمونًا ودلالةً، كما نُثمِّن جهود كلّ الفاعلين والمهتمّين بتنظيم معارض الطَّوابِع الخليجية وتحديدًا السعودية ■