نحن خُلقنا للعطاء

ذات صباح مشرق كانت النحلة الدؤوبة تتنقل من زهرة إلى زهرة، تجمع الرحيق بخرطومها الدقيق، وتخزنه في حوصلتها، كانت تقوم بعملها بدقّة متناهية واجتهاد متقن. وحينها كانت زهرة صفراء كبيرة تراقبها وتتأمّل عملها، فسألتها باستغراب: يا معشر النحل، لمَ تقضون حياتكم في جمع الرحيق وصنع العسل؟ ألا تشبعون من العسل؟! أليس لكم عمل غيره؟!

فوجئت النحلة الرقيقة بهذا السؤال، وجاوبتها بذكاء: نحن النحل نعيش على العسل وحبوب اللقاح التي نأخذها من الأزهار، ولكننا نأكل جزءًا بسيطًا من العسل فقط!

- فتعجّبت الزهرة من صنيعهم، وقالت متسائلة: ولم لا تصنعون العسل على قدر حاجتكم؟!

- ابتسمت النحلة لها، وقالت بفخر: نحن النحل لا مانع لدينا أن نصنع العسل لنا ولمَن يحتاجه من البشر لأنهم يحبونه كطعام، وخاصة الأطفال، كما أن فيه فوائد كثيرة لأجسامهم، وهذه وظيفتنا الأساسية في الحياة. ونحن نحب عملنا الجماعي ووظيفتنا، ولا نسمح للأنانية ان تستوطن قلوبنا.

-استغربت الزهرة، وقالت: وما يجبركم على هذا العمل المتعب لأجل الإنسان وغيره؟!

-فردّت النحلة بثقة: لا شيء يجبرنا يا عزيزتي، ولكننا نحب العسل، وسعادتنا في صنعه وتوفيره لمَن يحبه ويريده، فهو غذاء صحّي ودواء طبيعي.

-عاودت الزهرة سؤالها باستغراب شديد: غريب أمركم معشر النحل، تتعبون من أجل غيركم!

-فأجابت النحلة مبتسمة: نحن مثلك يا صديقتي؛ فأنت تنثرين عطرك الفوّاح على الجميع، وخاصّة بني الإنسان، وتُسعدين القلوب بجمالك الفتّان، فلِم كل ذلك؟!

فطنت الزهرة لحقيقة نسيتها في ساعة غفلة، وقالت بقناعة شديدة: صدقت يا عزيزتي النحلة، إنّ في العطاء سعادة لا توصف. وطالما نحن أحياء وقادرون على العمل علينا أن نمنح غيرنا السعادة والهناء. نحن خُلقنا للعطاء، ولن نبخل على أحد بما أنعم الله به علينا، فلْتكن ثمار عملنا للجميع، ولا مانع في أن يصل حتى البعيد. إنَّ البخل والأنانية من منقصات الحياة، وفيهما جحود لنِعم الله الوفيرة وكونه الشاسع.

عانقت النحلة الزهرة بلطف وحب، وودّعتها بعد أن وعدتها أن تزورها كل يوم.