ألبانيا حكايات التاريخ المنسيّة على البحر الأدرياتيكي

ألبانيا حكايات التاريخ المنسيّة  على البحر الأدرياتيكي

قلت لموظف التذاكر: ألبانيا.
أجابني، وكأنه يصحح ما يحسب أنه سمعه خطأ: ألمانيا؟!
كنت أنظر إلى تيرانا، لا إلى بون، وإلى بيرات وليس إلى ميونخ، وإلى الشرق من القارة العجوز... لا إلى ذلك الغرب الأوربي الذي نهض برافعات المعرفة، تاركا المحيط السوفييتي يغرق في تناقضات الأيديولوجيات فعبثت العواصف ببواباته الهشّة.
أين تقع هذه البلاد؟
وأحسبها وقعت من حسابات التاريخ، وتركتها الجغرافيا تبحث عن نفسها بين دول إقليم البلقان، فعلى حدودها تبعثر الاتحاد اليوغسلافي كما وقعت تداعيات «السوفييتي»، وذهب جوزيف تيتو إلى غير عودة تاركا لساسة آخرين يفتشون عن قومياتهم، فاحتاجت القارة المشتعلة  بتبعثرات وتساقطات كهذه إلى رجل الإطفاء «الغربي» الذي يتنقّل بحقيبته السياسية يبحث عن مخرج يصبّ الماء (وربما الزيت) على الجحيم المتمرّد، فوقف في ألبانيا إبراهيم روجوفا لعلّه يعيد البوصلة إلى هذه البلاد التي عبرها الكثير من الغزاة، وآن لها أن تستريح.

أدفع باب التاريخ قليلاً، يخرج آل عثمان من النوافذ، يتدفّقون عبر فوّهات ملأتها مئات السنين، هذه بلاد الألبان، بلاد المعماري سنان الذي وضع خرائط مئات الصروح الخالدة حتى الحي في بلاد الأتراك. هنا أصول محمد علي باشا الحاكم العثماني الأشهر في مصر والسودان وغيرهما، ويا للطرافة، فأحمد مظهر وأحمد رامي وليلى فوزي، تعود أصولهم إلى ألبانيا، فقد تفرّق شمل هذا الشعب حول العالم، وكانت هجراتهم إلى المحروسة معروفة.

الاكتشاف الأول للمكان
من نافذة الطائرة يكون الاكتشاف الأول للمكان، قراءة من الأعالي، بما تسمح به كوّة صغيرة يحاول المسافر النظر عبرها لتبيّن أي نوع من الأرض هذه، كيف تطلّ من السماء، حيث الغيوم غلالات بيضاء، وحيث الأفق ممتدّ إلى مدّ البصر!
 أمدّ بصري، أحاول أن أجد فسحة بين زحام أفراد عائلات خليجية سمعت بهذه الأرض فجاءت سعيًا تشدّ الرحال إليها، بحثا عن طقس ربيعي جميل لا يشبه خليجنا الواحد، ولون أخضر تخضرّ معه أيام الصيف، حيث الجنان الأرضية تجري من تحتها الأنهار، فهي بلدة طيبة... ورب غفور.
تتلقّف خطرات الأعين تلك الجبال الصاعدة وكأنها تلوّح للقادمين بالتحية، قسوة صخرية تغالبها تلك المسحة الخضراء على وجهها، مع خزّانات مائية تبدو من خلال نافذة الطائرة أنها نبع حياة للبيوت المتناثرة في بقاع محفوفة بالطرقات التي تكاد تلمس وعورتها من عل، فالبلاد جبالها نحو ثلاثة أرباع مساحتها.
وهناك بقاع من الزرقة، وأتساءل: أعذبة هي أم مالحة؟! لا أتبيّن الإجابة، حيث الجبال تترك فرصة أحياناً لظهور زرقة الماء، ثم تعود لتؤثّث المشهد من جديد... ومطار تيرانا على مرمى جناح يرتفع وينخفض ليؤمّل الركّاب باقتراب نهاية ساعات الانتقال بين صالات مطارات ومقاعد طائرات، لولا أن القبطان، وكما يخيّل لي، يؤجل الهبوط بفعل تلك الجبال الشامخة حدّ معانقة الغيم، أو أنه يمنحنا المزيد من الفرص لمواصلة التجوال العلوي وكأنه محسوب ضمن ثمن التذكرة.
تساءلت: هل يشعر قبطان الطائرة بتعب المسافرين؟! وهل يدور في باله ما يدور في بالهم، هم المتعددون والمختلفون والمتناقضون!
مطار تيرانا، صغير وبسيط، هبطنا جموعا تسارع لإنجاز ما تبقّى، وعبور الحواجز الأخيرة في سباق المسافات الطويلة، كما اقتضت ساعات السفر، لكنها في ردهات المطار لم تكن سوى خطوات قليلة، فإذا بنا في الساحة الخارجية نفتّش عن سيارة أجرة لا نجد آثارها واضحة، وعن لسان ألباني مبين يشرح لنا كيف أنه يمكن نقلنا من هذا الميناء الجوّي إلى مستقرّنا الفندقي في قلب العاصمة، فكان «بدر»، الذي يعمل لحسابه الخاص على سيارته، كمرشد سياحي أيضا، الشاب المسلم الذي لم يقنعنا بأننا غادرنا مسقط، فموجة إذاعة القرآن الكريم ما زالت كما تركناها قبل أكثر من 18 ساعة، بتوقيت الفجر العماني، تضبط إشارتها على آيات مبيّنات.
وكعادة اللقاء الأول بشوارع المدينة تبحث العيون عن المختلف، في لوحات تحمل اسم المدن، ولافتات الإعلانات، وفي ابتسامات الناس، وكل أمر يستفزّ السائح ليرى، فكيف به إذ إنه يهجس بحمّى الكتابة، وعليه تناول أقرب مهدّئات فيضعها على مفكرة هاتفه.
هذه إذن ألبانيا، الواقعة جنوب شرق أوروبا، على شمالها الغربي الجبل الأسود، وشمالها الغربي كوسوفو، وشرقها مقدونيا، وجهة الجنوب تقبع جارتها اليونان، وتطلّ على بحرين، الأدرياتيكي والأيوني.
بلد من جبال وتلال، تحتل غالبية مساحته البالغة ما يقارب 29 ألف كم مربع الواقعة  غرب منطقة البلقان، على شماله جبال الألب الألبانية، وفي جنوبه هناك جبال شار، وتحتل جبال سكاندير برغ الوسط، وكوراب الشرق، وفي جنوبه الشرقي جبال بيندوس، وعلى الجنوب الغربي جبال سيراونيان، وبقيت السهول، تلك القريبة من سواحل بحريها، وهناك تمتد ثاني أكبر بحيرة في جنوب أوربا، بين الألب والأدرياتكي.

ما يقوله التاريخ
ذلك ما تقوله الجغرافيا، أما التاريخ، فأهم إشاراته استقلال البلاد عن الدولة العثمانية عام 1912م على يد بطلها إسماعيل كمالي، فيما يقول تاريخها المعاصر إنها انضمت إلى الأمم المتحدة عام 1955م، وإلى منظمة التعاون الإسلامي عام 1992م، والأهم أنها تؤهل نفسها للانضمام لعضوية الاتحاد الأوربي.
ألبانيا، ثاني دولة أوربية، بعد إسبانيا، التي تعرف أكبر معدل من أيام سطوع الشمس فيها، وكان علينا مواجهة هذه الحقيقة، نحن الهاربون من الشمس الساطعة، بأكثر مما ينبغي، فصيف تيرانا ساخن، رغم سخاء أمطارها بقية فصول السنة، فهذه الدولة الصغيرة تحتضن أربع بحيرات كبيرة، ولكل منها جماليتها، فبحيرة شكودرا على مقربة من حدودها مع الجبل الأسود، وفيرزا في شمالها الشرقي، وأوهريد في حدودها مع مقدونيا، والتي تفصلها معها أيضا (ومع اليونان) بحيرة بريسبا.
أما عن أنهارها فحدّث، مجار مائية تبدو في الصيف ليست بتلك الوفرة من الجريان، لكنها تبقى شرايين حياة عامرة بالجمال، ومن أهمها نهر درينى، وطوله 285 كم، وسيماني (281 كم)، وفيوسا (272 كم) وشكومبيني (182 كم) ومات (115 كم) وبونا (44 كم)، لذلك تنتشر الغابات على مساحات كبيرة من الأراضي الواقعة بمنأى عن تغلغل الجبال فيها، وتحتوي على نحو ثلاثة آلاف نوعٍ من النباتات المُختلفة.

سكان ألبانيا 
هذه البقعة من الأرض، والتي تفتخر بانتماء شخصيات شهيرة إلى ترابها، لا يسكنها إلا نحو ثلاثة ملايين نسمة يتحدثون لغتهم الأم الألبانية (من اللغات الهندو أوربية) بجوار الإنجليزية والإيطالية، وحسب قول أحدهم إن الألبان في الخارج أكثر من سكانها في الداخل، وحسب ما تقوله المصادر، والعلم عند الله، أن متوسط أعمار إناثها 75 عامًا، بينما الرجال لا يكادون يبلغون السبعين، ويتوزع السكان بين أغلبية من عرق ألباني، تشاركها أقليات صغيرة جاءت من جاراتها اليونان والجبل الأسود ومقدونيا، إضافة إلى الغجر، والفلاخيين (أصولهم يونانية).
ودينيًا، وبعد سقوط الحقبة الشيوعية، عاد السكان لممارسة شعائرهم، حيث ارتفع الأذان من جديد (نسبة عدد المسلمين 70 في المئة)، وأزيل الصدأ عن أجراس الكنائس، حيث تتوزع النسبة الباقية بين الأرثوذكس كأكثرية، والكاثوليك بنسبة أقل، وتتباين النسب بين مصادر وأخرى، حيث يشير بعضها إلى أن عدد المسلمين ليس أكثر من نصف عدد السكان، لكن هناك إشارات عديدة إلى أن الغالبية لا يؤدون الشعائر الدينية.

فندق الفن!
كنت أهجس أكثر بمفاجأتي لزميلي المصوّر عبدالله العبري، فالفندق، وكما تقول إشارات تطبيق الحجز، هو منتجع فنّي يحيلك إلى سكنى معرض متخصص في الرسم، فكيف تسكن في معرض للفن التشكيلي؟ ومع ذلك بقيت متوجّسا من مفاجآت ما تقوله الدعاية أحيانا فوق ما يكون عليه الواقع.
دخلنا الفندق، استقبلتنا أولًا لوحة من الابتسام على وجه الفتاة الألبانية، موظفة الاستقبال، الطالبة الجامعية التي جاءت لتناضل من أجل بقية حياتها، أما باقي ردهات المكان فتتشكّل فيها جماليات الفنون بكل زاوية، على السلالم تصعد بك اللوحات، وكل واحدة تقول إنها الأجمل والأعمق، ويمكنك الاستغناء عن ذلك الصندوق الذي يصعد بك للطوابق الأعلى في أقل من دقيقة لتجد ضالّتك في فسحة بصرية تحملك طابقًا إثر طابق، تناول المصوّر عدسته ليلتقط ما تقوله تلك اللوحات، إلا أن لوحة فتاة الاستقبال رفضت التصوير، فقال إنها أضاعت على نفسها أن تكون «لوحة غلاف»! 
وفيما كنت أبحث عن اتجاه القبلة في غرفتي احترت إلى أي وجهة أنا مولّيها، فعلى يمين السرير ويساره لوحتان بمقاس كبير، أنوثة طاغية إن لم أستخدم لفظة «فاحشة»، يكاد إطارهما لا يستوعب ما هما عليه، لكنها فتنة اللوحة أكثر من فتنة الأنثى... وإغراء الفن وفق القراءة الجسدية.
في المطعم الصغير، وبين أكثر من عشر لوحات مختلفة الأذواق والعمق الفنّي، كانت الموظفة ترشدنا إلى مشروب ألباني محلّي، كان سؤالنا الدائم، الداعي للابتسام لكثرة تكراره: حلال؟! ولم نكن بحاجة إلى لوحات أنوثة، بينما كانت عصافير الصباح تحلّق بسحر جاذبيّتها وخفّة مشيها.
يغريني قول لنيتشه: «لقد اخترعنا الفن لكي لا نموت من الحقيقة»، فأبحث في غوغل عن علاقة ألبانيا بالفن التشكيلي، لأجد الكثير عنها، فذلك أونوفري الذي يعدّ الرسام الأكثر شهرة في ألبانيا منذ القرن السادس عشر، ولد في مدينة بيرات التي تستضيف متحفًا له، إضافة إلى أعماله التي تتوزّع على أماكن عدة، بينها متحف فنون العصور الوسطى في كوركا إضافة إلى عدد من كنائس البلاد، وهناك نيكولا كولو إدرومينو، الرسام والفنان والنحات والمصور السينمائي والمهندس المعماري خلال عصر النهضة الألبانية الممتد من أواخر القرن التاسع عشر حتى إعلان الاستقلال عام 1912م، ويتضمن معرض الفنون الوطني في تيرانا مجموعة من أعماله، وهناك إبراهيم كودرا، واحد من أشهر الرسامين الألبان في كل العصور، درس الفن في ميلانو الإيطالية، وكان صديقًا لفنانين مشهورين مثل بابلو بيكاسو، وله أعمال معروضة في متحف الفاتيكان ومجلس النواب بالبرلمان الإيطالي في روما، ومعرض كوسوفا للفنون في بريشتينا والعديد من المجموعات الخاصة.
أتتبع آثار شعرائها فلا أجد ما يروي عطشي لآثار بلد صدّر للكرة الأرضية أسماء لا تحصى تتعثّر في أصولها الألبانية الممتدة جيلًا تسبقه أجيال، أسأل عن شاعرها الوطني نعيم فراشري، المتوفى عام 1900، فلا أجد قصيدة له تعرّفني على أثر من كتابات صاحب «أزهار الصيف» و«كربلاء» و«إلياذة عمر الخيام»، وكتاب عن تاريخ ألبانيا، وبحثت عن ترجمة عربية لشيء من آثار الشاعر والروائي إسماعيل قادري، أو شيء عن روايته «جنرال الجيش الميّت» التي تحوّلت إلى فيلم، فلم أجد سوى مقطعين شعريين بسيطين في موقع إلكتروني، لكني وجدت خبرًا عن شاعر معروف آخر اسمه علي بودريميا، شارك في مهرجان أصوات المتوسط في لوديف الفرنسية، وبعد أن قرأ قصائده في المهرجان، اختفى في اليوم التالي ليجدوا جثته في الأحراش، فالرجل السبعيني يعاني من مشاكل في الذاكرة، وقد أضاع طريق العودة، كعادة الشعراء وهم يعيشون في قصائدهم على أوهام من أضاع الطريقين: الذهاب والعودة.
أقرأ في موقع القصيدة (على النت) مقطعًا صغيرًا لشاعر يسمى فرديناند لهولي:
هنا تخاف أن تتكلم
تخاف أن تصمت، 
هنا تخاف أن تبتسم
تخاف أن تحزن،
هنا تخاف ألا تخاف
هذه الأسطر القليلة حاولت أن أفسّر بها ما واجهناه كثيرًا: إنهم يخافون من التصوير!
في محل يبيع آلات تصوير ومتعلقاتها، ومقتنيات قديمة دالّة على تاريخ «الصورة» فاقتنيت فيلم كاميرا من نوع «كوداك» يتضمّن مساحة لالتقاط 24 صورة، أشبهه بأنه يتّخذ وضعية الجنين برأسين، استأذنّاه للتصوير، وهو الذي يعيش تفاصيل هذا العالم، لكنه رفض وبشدّة، حتى الصور من خارج «دكّانه» تبعنا ليتأكد أن صورته ليست ضمن المشهد!
نبحث عن مطعم يرفع لافتة حلال، ويرون فينا ما يجعلهم يسألوننا: «أتراك؟»، كانت أسياخ الشاورما دسمة، واحد للدجاج، والآخر للحم الخنزير، على الأغلب. صاحب المطعم العراقي جاء إلى هنا قبل 27 عامًا، يقول: تركت الكويت خلال الغزو إلى هنا. وجدنا ضالتنا في قائمة الطعام التي ناولنا إياها حفيده الألباني الصغير، يقول إن هذا اليتيم يساعده، لم نسأله عن بقية الحكاية، في ألبانيا مرّ الموت كثيرًا عبر عجلات الحروب، حيث لا حاجة للسؤال: «ما الذي حدث؟»، والأعداد اللافتة للنساء كأنها تقول بأن الشباب كانوا وقود الحرب كالعادة.

أمام إسكندر بيج
نعبر صوب ساحة المدينة الأهم، ساحة إسكندر بك، وكانت طريقة النطق تمرّرها أحيانا على أنها «بيج»، فدار في مخيلتي، وكون أن الإنسان عدو ما يجهل، اسم الإسكندر الأكبر، لولا أنني رأيت رقم السنوات على واجهة التمثال التذكاري يقف في الميدان الفسيح، وحواليه مبنى دار الأوبرا والمتحف الوطني (كلاهما كانت أبوابه مغلقة)، وكذلك برج الساعة وغيرها من المعالم التاريخية والحديثة، والحكومية، فيمّمنا الوجهة صوب جامع أدهم بك، واحد من آثار بني عثمان التي تركوها في هذه البلاد وأقدم المساجد فيها، والذي يعود معماره إلى القرن الثامن عشر، حيث بدأ في بنائه عام 1789م واكتمل عام 1823م، وأغلق خلال فترة الحكم الشيوعي، لكن عادت التكبيرات إليه عام 1991م، ويعدّ تحفة فنّية تزيّن جدرانه، في الداخل والخارج المنمنمات الإسلامية، وكذلك رسوم الأشجار والشلالات والجسور، فرأيت فيه صورة لاحتفاء المكان بالفنون، أيّا كانت الأمكنة.
جلنا في الميدان الذي تمتد مساحته لنحو 40 ألف متر، فيما كانت المياه تنبعث من أرضيته المرصوفة بالرخام فتسيل على أحجار الساحة، وكانت واضحة التأثيرات التي تركها المستعمرون الذين احتلوا المدينة (وسائر البلاد) فهذه المرة مع التأثير الإيطالي الذي ترك بصمة المصممين الفلوريستانو دي فاوستو وأرماندو براسيني على المدينة وفق أسلوب عصر النهضة الجديدة.
وقفنا أمام التمثال المهيب، الذي يصل طوله إلى نحو 11 مترًا، وافتتح رسميًا عام 1986م، في الذكرى الـ500 على وفاة صاحبه، إسكندر بك، بطل ألبانيا الوطني الذي قاوم العثمانيين، وتقول المصادر عنه بأن اسمه الحقيقي جورج كاستريوت، أما إسكندر بك فهو حسب الاسم التركي، والألباني إسكندر بيج، نبيل قاد تمردًا ضد حكم آل عثمان لأراضي بلاده نحو 25 عاما، وحينما توفي بالحمى تركها من دون زعيم قوي فانتشرت الاضطرابات فيها، فتنازعت على سيادتها ثلاث قوى: رؤساء القبائل والدولة العثمانية وجمهورية البندقية.
كانت أسرته تحكم شمال ألبانيا، ووالده أمير منطقة في شمال البلاد تدعى ميرديتا، وفي حملة عثمانية على البلاد اضطر الأب إلى ترك أربعة من أولاده رهائن لدى العثمانيين، من بينهم إسكندر بك الذي منحه الأتراك هذا الاسم، باعتباره اسمًا إسلاميًا، ويا لمفارقات التاريخ، فقد تلقّى هذا الأمير الشاب تدريبًا عسكريًا في عاصمة الخلافة العثمانية وعمل في جيشها حتى أصبح قائدًا مهمًا فيه، لكنه هرب عائدًا إلى بلاده، في قصة غريبة تليق بمسلسل درامي، من ضمن أحداثها أنه ذهب إلى كروية وقتل جميع العثمانيين فيها، وارتد إلى النصرانية، واستعاد اسمه القديم «جورج كاستريوت».
وتستمر الأحداث والوقائع، وحاول عدة سلاطين عثمانيين القبض عليه حتى وصل الأمر إلى فترة حكم السلطان محمد الفاتح الذي سار إليه بجيش يزيد على 100 ألف جندي زاحفًا إلى ألبانيا في يونيو من عام 1465م واستعاد القلاع والمدن حتى إذا وصل إلى كروية وجد إسكندر بك قد غادرها هاربًا عبر الجبال إلى إيطاليا، وهناك لجأ إلى البابا بيوس الثاني الذي استمع إلى ما يقوله عن مخاطر تقدم المسلمين العثمانيين، فأيّده بمجموعة من الرسائل إلى الحكام الأوربيين يستحثهم على عون الثائر الألباني.
ليس بعيدًا عن وسط المدينة، رأينا ما يشبه نصف كرة ينهض من تحت الأرض بدا كأنه استراحة انتظار حافلات، كان ذلك متحف الحرب! يبدو أنه الملجأ القديم المستخدم خلال فترة الحروب، فيحمي السكان، أو بالأحرى يدير العسكريون المعركة من خلاله، تحت الأرض ممر طويل تتفرع منه ممرات تأخذ الزوّار ذات اليمين وذات الشمال، كل غرفة خصصت لرواية شيء ما من أزمنة حروب مرّت، كالحربين العالميتين، فظائع القتل والتحقيقات البوليسية، غرف لمكاتب القادة وأخرى تعلق قوائم البشر الذين ذهبوا ضحية لمعارك لا تحصى، غرفة لوسائل الاتصال، وثانية للوثائق، وغيرهما لتفاصيل شتّى، فتكاد تشم روائح الحروب كأنها ما زالت تدك بمدافعها الحجر والبشر، وصيحات المصابين تتلاقى مع بكاء الثكالى والأيتام... أجواء تشعرك بأنك في حرب حقيقية، وحين تشعر بالاختناق تكون نصف كرة أخرى تطل فوق الأرض مكتوب عليها: خروج.
هكذا دخلت زمن الحرب، وهكذا خرجت منه، وفي الفضاء أمامك حياة جميلة، مبان تدهشك بألوانها، وغير بعيد تلك البحيرة، عالم من الحياة، تجاوره غابة، ومن يتعب من المشي فثمة مقاه لها سحرها أيضًا. 

بوش.. في كروية
يقودنا «المرشد السياحي» إلى فوش كروي، على سفح جبل كرويا، مدينة صغيرة بالقرب من العاصمة تيرانا، وضعتها زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش على خارطة الاهتمام، فاحتفى به المكان، وكان المقهى يرفع اسم «بوش» كدلالة على أن السيد القوي في هذا العالم مرّ من هذه الدروب، فاستقوت به، وقد مرّ أكثر من عقدين على ذلك الأثر.
 تأتينا قصص بطولات إسكندر بيج كأوضح ما تكون، وكذلك يصعد تاريخ المكان يخبرنا عمّا مر بهذه البقعة التي تدعى كروية، وتعني النافورة، إنها أول عاصمة لمملكة ألبانيا المستقلة في العصور الوسطى، كان ذلك في عهد إمارة أريانون عام 1190م، لكن، في أوائل القرن الخامس عشر، بدأت حصارات العثمانيين عليها تتوالى، فدافع إسكندر بيج عنها واستعادها منهم عام 1443م، وقاوم ثلاثة حصارات حتى وفاته عام 1468م، وبعد ذلك بعامين ضرب بنو عثمان حصارهم الرابع على المدينة، فأدخلوها في أراضيهم، وفي منتصف عام 1910م كانت هذه المدينة ساحة قتال للصراع بين جمهورية ألبانيا الوسطى وإمارة ألبانيا، لكنها بعد أربع سنوات أعيد دمجها مع الإمارة.
القصر العتيق تصدح الموسيقى داخله، فتلوح القلعة على مبعدة منّا، يوجد داخلها تكية بكتاشية ومتحف لإسكندر بك بني أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، ويتضمن مراجع ووثائق أصلية تسرد تاريخ الشعب الألباني خلال تلك الحقبة (القرن الخامس عشر)، وهناك ما تبقى من جامع السلطان محمد الفاتح إضافة إلى المتحف الإثنوغرافي الذي صمم ليكون نموذجًا لمنزل من القرن التاسع عشر يعرض أساليب الحياة في منازل ذلك العصر.
 نستمع إلى المزيد من انتفاضات إسكندر بيج ضد العثمانيين، وفي مرويات التاريخ الكثير مما يقال، هل هو وطني يدافع عن أرضه أم خائن لدينه يدفعه الإفرنجة النصارى لمقاتلة العثمانيين المسلمين؟!
ونتتبّع على لسان «بدر» المفردات العربية، أو ما يقاربها، فالفلجان هو الفنجان،  وندرك كلمات مثل: تمام، دخان، سيجارة، فاتورة، مرحبا،  برتقال، وقلنا ما أقرب اللغة إلينا، بقليل من الجهد نعود إلى عُمان بلسان الألبان!
وفيما مؤشر الحرارة يقترب من الأربعين ندرك أحيانًا أننا لم نفارق الديار حقًا، لكننا في الهواء الطلق نجد ظلاً نحتمي به من الشمس فنشعر بطقس مقبول، مع هواء منعش فلا تشعر بأن مؤشر الحرارة يقول الحقيقة.
نقف على مشارف بحيرة كوكس، امتداد مائي وهواء نقي وطيور تغنّي على عتبات المكان، فتتبعها روحك، كأنما لا تريد أن تغادر البقعة معك، حينئذ نعود إلى راحتنا قليلاً، لقد سافرنا حقًا، فأمامنا وحولنا، وما نستشعره يقول ذلك بلسان «ألباني» مبين، تستوقفنا حينًا كروم العنب، أو باعته، ونتلذذ بتلك الفواكه الطازجة، من دون أن نبحث عن بلد المنشأ، وكم من الموانئ عبرتها، بين حقلها... وتلك الآنية على طاولة طعامنا.

بيرات.. مدينة الألف نافذة
إلى وسط البلاد، مضينا باتجاه مدينة الألف نافذة، سبقنا التوصيف إليها، وسار بنا الطريق الواصل بينها والعاصمة تيرانا نحو ساعتين من الجمال العابر على ضفّتي الطريق، نمنّي النفس بالمزيد من الحصاد (الصحفي) لاستكشاف مدينة عمرها نحو 2500 عام، وما تتركه القرون على المدن من عمق يتجلّى في ملامحها... وملاحمها.
يربط ضفّتا الماء جسر حجري يكاد يروي مرويّات التاريخ على هندسته المعمارية العائدة إلى بني عثمان وهم يمدّون جسور سيطرتهم على مدن نصف العالم، وأبقت بيرات على هذا الجسر بأقواسه السبعة الجميلة كأيقونة قادمة من ذلك التاريخ الأسطوري، عين على الماء، وأخرى على المدينة الحديثة، وأخرى على تلك الهضبة حيث النوافذ والقلعة تحرسها بمهابة العلم الأحمر يكاد يعانق غيمات صغيرة لا تلفح في حجب شمس نهار صيفي.
تدهشنا لوحة تجمع الجسر والنهر، لكن المنازل التي تصعد من أسفل السفح إلى قمة التل المنحدر تشكّل لوحتها الخاصة، تبدو كأنها مكدّسة فوق بعضها البعض، لسنا أمام مدينة على أرض الواقع، بل كأنما نقف لمشاهدة إحدى لوحات فندق الفنون الذي لم يبرح مخيّلتنا، رغم أنه لم يتسع لنا للمزيد من الليالي بين جنباته فأوينا إلى بقعة أخرى تعصم متعتنا في الترحال، فكان فندق أرسطو!
تقاربت النوافذ الألف (يبدو العدد تقريبيًا لأجل الوصف الشاعري) فأدخلت المكان في يوليو عام 2008م إلى لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، فهندستها المعمارية تعود بتاريخ بناء المدينة، وهي أكبر مدن ألبانيا إلى نهاية القرن الثامن عشر للميلاد، وتعدّ من أقدم المدن المأهولة، وخلال العهد العثماني كانت مركزًا لنحت الخشب.
صعودًا بالسيارة لتلك التلّة، حيث القلعة والسور الحصين، وإلى حيث القمّة تدعونا، طريق مرصوف بالأحجار، يمضي إلى حيث كنّا نتوقّع أننا صعدنا بما يكفي، لكن السائق كأنّما يصرّ على بلوغ سطح قلعة بيرات القديمة بمركبته «الأرضية» فيحسبها «فضائيّة» تحلّق بجانب سارية العلم الكبير على سطحها، حتى إذا ألفينا بقعة للوقوف أشرنا عليه أننا سنمضي بأقدامنا نرصف ما تبقّى من خطوات، فالمدينة ساحرة، إطلالات دفاعية من العصور الوسطى، تتلاقى مع العصر الحديث في مجموعة من المقاهي والمحلات التجارية التي يعرض فيها الباعة المحليون منتوجاتهم التراثية، بينها المفارش الصوفية المغزولة باليد. 
كانت جملة الصديق المصور عبدالله العبري بالغة التأثير، فعشرات الصور التي أضنته تحت الشمس، في قاع المدينة، لالتقاطها، ليست بالقيمة نفسها التي عليها تلك التي أدهشته وهو يصعد إلى أعلى نقطة في القلعة لينكشف المكان أمام (الكاميرا) وتغدو «بيرات» كلها لوحة هائلة المساحة أسفل ناظرينا، ويا لجمال اللحظة: كيف يمكن للصورة أن تجمع كل ذلك الحسن، ومهابة الحضور الباذخ لمفردة تدعى: الجمال؟!
بين جنبات عصور مضت، جدران أبراج تساقطت، وبقية من مئذنة المسجد الأبيض، كما لاحظت أن الألوان تسمى بها المساجد، كالأحمر على سبيل المثال. 
عصور مضت على البعض نبيلة وراقية، وعلى الأغلبية حروب وقسوة.
على إحدى البوابات الطينية جلس العازف يقطع صمت المكان بمعزوفاته وحواليه أفرشة الصوف بألوانها الدافئة، ينثر فرح الموسيقى للسائرين على إيقاع خطوات التاريخ، ومواجهات بين غزاة ومدافعين، العيون على تلك النقطة في الأعلى، من يضع يده عليها ستذعن له المدينة، من أقصى زيتونة فيها، إلى آخر قطرة ماء في نهرها، وأتخيّل الصورة: كم من الدماء غسلتها مياه النهر عن أجساد جرحى ومصابين، وكم حملت من ضحايا!
أمامنا جبل تومور، أو المرمر الأحمر، اسمه سابقًا جيل أميرون، يرفع عن مستوى سطح البحر نحو 2416 مترًا، ويقال إنه في الشتاء يرتدي معطفًا أبيض، فيغدو من أفضل وجهات التزلج في البلاد، عابرًا غابات من أشجار الزيتون والصنوبر، إلى حيث قمته الرائعة هناك، بما يعنيه أنك تغوص في بياض تكاد تغرق فيه، فيبقى اللون الأبيض سيّد الألوان، فلا غيره لون... إلا، وفقط، على ما ترتديه!
تتعدّد مناطق الجمال في بيرات وتتنوّع، فهناك شلال بوجوف المطل من شرفة تبلغ نحو 20 مترًا فيتساقط الماء الهاوي من الأعلى على الماء أسفله، فكأنما يكتسي الزبرجد حياة متجددة، فيسير شريان الحياة على وادي أوسومي، فتعيش أيها الزائر عزلتك الهادئة، فالمياه نقيّة والطبيعة آسرة، والروح أكثر من الجسد... مسافرة.
وعلى مقربة يتمدد متنزه بوليفردي باتساعه على لوحات من التجلّي، يتصل بالنهر، ومن ينشد خلوة مع كوب شاي أو قهوة فلا أجمل من هواء طلق، في مكان محفوف بأشجار عالية، كالذي أشرفنا عليه في بحيرة كوكس، وعينك ترى الجبل الشامخ، وجارته القلعة العتيدة.
نهبط من علو المكان إلى مستويات أقل ارتفاعا، ندخل إلى متحف  الإثنوغرافيك الوطني الذي أنشئ عام 1979م على النمط المعماري الكلاسيكي، بيت كان ذات يوم لثري في المدينة كما يبدو، طابقان يعرضان الحياة المنزلية، الخشب الذي يكاد ينطق بما عبرته من عقود.
يقابلنا مسجد الملك، هناك تاريخان لبنائه لا يملك العامل فيه معرفة الإجابة الصحيحة، قال إنه مبني عام 1492م، بينما مكتوب على المحراب عام 1344م، لكن المدهش أنه بجانب المسجد، وضمن حدوده، تكية للمتصوّفة، ومضيفة قال إنها تعود إلى فترة السلطان بايزيد.

مقاهٍ فوق آثار
تلوح مدينة إل باسان، وتعني بالتركية وضع اليد، سرنا في جنباتها، وفوق آثار مدينة قديمة ارتفعت أعمدة مقهى عصري جميل، حيث يمكن قراءة التاريخ على الأرض، والجلوس عليه بحدود ثلاثة أمتار ارتفاعًا، شدّتني كلمات عربية نحتت على شاهد قبر مرمي، فوجدت أن الراحل، ولا يعرف أين قبره، توفي في شهر المحرم من عام 1196 للهجرة.
وبجوار ذلك السور العتيق الذي يحيط بالمقاهي، والمنتزه الذي استفاد من عبق التاريخ، سرنا على شارع واسع لا تكاد تعبره سيارة، وعلى مقربة منه جامع جديد، واسمه بالية، تميّز بمعمار عصري، حيث المئذنتان على شكل برجي اتصالات، تأمّلت جماليته وقتًا، رغم الشمس التي لا يحجبها عنّا شيء، لا رطوبة ولا غبار، بحكم اعتيادنا في بلداننا، لكن حسن الجامع، أضاف إليه ما هو حسن آخر: بني على نفقة دولة الكويت.
من جامع إلى آخر، تلوح تلك الشواهد، أكثرها قديم، محسوب على الفترة العثمانية، والحديث يطلّ بمعمار يتسم بأفق إبداعي، وجميعها تحسبها لوحات رسمت على مهل حيث حيطانها الداخلية والخارجية حالة فنية خاصة.
تشير المراجع إلى أن الإسلام وصل إلى ألبانيا قبل وصول الفاتح العثماني السلطان محمد الثاني (محمد الفاتح) بقرون طويلة، أي منذ القرن الأول للهجرة النبوية، مع عبور المسلمين مضيق جبل طارق، حاملين رايات الدين الحنيف إلى أوربا، وكذلك عرف الألبان هذا الدين عن طريق التجار، فهي الظروف نفسها التي عاشتها أمم أخرى في علاقتها مع الإسلام، وغيره.
عرف المسلمون الألبان نكبات شتّى في دينهم، ودنياهم بالطبع، فمع انتهاء الحكم العثماني عرفوا الاستعمار الإيطالي عام 1939م، وبعدها الألمان لمدة سنة، قبل أن ينتصر الحلفاء في نهاية الحرب العالمية الثانية، لكن في عام 1946م تولّى الجنرال أحمد خوجة حكومة انتقالية فعرفت البلاد الحكم الشيوعي، وعرف مسلموها عقودًا من الاضطهاد، لذلك فإن شعبها ممتن للولايات المتحدة الأمريكية، تلك التي أنهت عزلتهم مع نهاية الحرب الباردة، وأيضا حينما قادت حلف شمال الأطلسي في عام 1999م لوقف حملة التطهير العرقي التي قامت بها صربيا.

سلامًا... أرض الألبان
طائرة رحلة العودة متأخرة مساء، و«أرسطو» لا يتيح لنا الجلوس في غرفته أكثر مما تقوله قوانين المغادرة، حاول أن يكون كريما معنا ساعتين إضافيتين، كما هو بدر الذي قبل دعوتنا للمرور على مطعم يجمع الحسنيين: دسم وحلال، فقادنا إلى خارج تيرانا نحو 20 كيلومترًا، وهكذا كان الختام أجمل من مسك، للمرة الأولى نشعر بأننا شبعنا حقا بما أوتيناه من أرز ولحم، يتناسب مع جيناتنا الخليجية. ثم اندسسنا بين مئات الركاب المحشورين في ردهات المطار الصغير، لعل الطائرات تفتح أبوابها، ففيها ثمة «برودة» تنقذنا من هذا التخزين البشري، وحيث شراء قنينة ماء يحتاج إلى الوقوف نحو ثلث ساعة على الأقل في طابور بدايته طاولة المحاسب، ونهايته تتبعثر وتتلاشى مع جموع الواقفين بانتظار «النداء الأخير». حينها قلنا.. سلاما يا أرض الألبان، عائدون نحن إلى أرض اللبان ■

الليل إذا هبط على المدينة، فيلقي بالضوء على الزرقة، ويمنحها من الألوان لونًا آخر، الأسود الذي يضفي جمالاً على كل الموجودات.

«أحب تيرانا» في وسط ميدان إسكندر بيج، ويظهر على البعد مسجد أدهم بك.

المسجد من الداخل، ذوق فني رفيع، يعكس اهتمامًا خاصًا بالتشكيل الفني في أماكن العبادة.

ما يشبه الحصن القديم في تيرانا، يقال إنه من العصر البيزنطي، تحوّل إلى مركز للتسوق، فتشعر أنك تدخل مكانًا أثريًا، فتفاجأ بالمقاهي والمحلات الحديثة داخله.

تمثال الزعيم إسماعيل كمال، أحد أهم صنّاع التاريخ الألباني الحديث.

استراحتان مبهجتان، لهذا الرجل الذي رحّب بالتقاط صورة له، ولهذا الطفل الذي يلهو بالنوافير الصاعدة من أرضية الميدان.

سوق شعبي عبر زقاق أحد الشوارع، يعرض بضاعة جاءت بها مختلف دول العالم، فالأقمصة الرياضية التي تحمل أسماء أهم أندية العالم بجوار الحقائب والإكسسوارات، ويغيب المنتج المحلي التقليدي.

وفي الساحات، تجد نفسك أمام معارض فنية، حيث يجذب هذا المجسم التركيبي السياح لتأمل معنى وراء المعنى، أو خلف... المبنى!

هكذا يبدو مدخل متحف الحرب ممتدا تحت الأرض، على عشرات الغرف التي استخدمت كملجأ في أزمنة الحروب.

فور أن تدخل عبر نصف الكرة الظاهر من الأرض تستقبلك الصور في المتحف لتقدم للزائر فكرة أولية عمّا يجول في خاطر المكان.

قلعة كروية تطل على المدينة، تستذكر الإسكندر بيج، وما مرّ عليها من غزاة وأبطال، رحل الجميع، وبقيت الشواهد.

على زاوية ما يعزف لحنه المحلي، ومعه حفيدته، أو طفلة ما، يجمعان ما تيسّر من عملات معدنية تعينهما على حياة ما.

مسجد بالية، بمعماره الحديث، ولقطة من داخله، واللوحة التي تشير إلى تمويل بنائه من قبل عائلة كويتية.