من المكتبة الأجنبية: «أديل» Adele

  من المكتبة الأجنبية: «أديل» Adele
        

          «أديل» Adele.. واحدٌ من أشهر وأجمل اليخوت الشراعية في العالم، قام مالكه الكاتب والمصور السويدي جان - إيريك أوسترليند Jan-Eric Osterlund باكتشاف العديد من المناطق الجميلة من خلال رحلات بحرية على متنه، موثّقًا كل رحلاته بالصور التي التقطها مع زميله ريك توملنسون Rick Tomlinson. وحول هذه الرحلات الرائعة يدور الكتاب المصور «Exploring With Adele» الذي ألفه أوسترليند والتقط صوره مع زميله توملنسون.

          رغم الصقيع الذي يجمِّد الدم في العروق، انطلق جان - إيريك أوسترليند على متن يخته الشراعي الذي يحمل اسم والدته «أديل»، في رحلات بحرية من شمال القارة الأوربية، وتحديدًا من بحر الشمال، في المنطقة الواقعة بين غرينلاند والنرويج، مصطحبًا معه مجموعة من أصدقائه وأقربائه لمشاركته متعة اكتشاف العالم، وكان في مقدمتهم قائد اليخت الكابتن أندريه إنجبلوم Andre Engblom الذي حضر من جنوب إفريقيا.

          وعلى مدار 50 عامًا، قضى أوسترليند جل وقته في السفر والترحال، وكان عشقه للمغامرات واكتشاف العالم جزءًا من شخصيته، تربى عليه منذ الصغر، إذ كان والداه كذلك، حيث زار معهما عشرات الدول والمناطق مثل جزيرة ميكرونيزيا في المحيط الهادي، وتاهيتي، وتيمور الشرقية، ومدغشقر، وسيشيل، والمالديف، وألاسكا، والمكسيك، وغيرها الكثير، وذلك بهدف التعرّف على طبيعتها، ومعالمها، واكتشاف حيواناتها ونباتاتها. ولم تشبع كل هذه الأماكن شغف العجوز السويدي الذي أصبح اليوم في السادسة والستين من العمر، لاكتشاف المزيد من الجزر والسواحل والوجهات البحرية المميزة، فقرر بناء يخت خاص والانطلاق بواسطته نحو التعرف على المناطق التي يعيش حلمًا دائمًا برؤيتها وسبر مكامن فرادتها.

          عمل أوسترليند بجهد مع فريق من المصممين والمهندسين لإنجاز «أديل» بأفضل صورة ممكنة، شكلًا وأداءً، على مدار خمس سنوات، حتى تمكنوا من إنهاء مهمتهم وإطلاق اليخت في عام 2005، وبمواصفات فريدة تمثلت في أبعاده وتجهيزاته. فقد بلغ طوله الإجمالي 55 مترًا، وعرضه 9.5 متر، وطول الغاطس 4.8 متر، والإزاحة 290 طنًا، والمدى بالميل البحري 3.500، ومساحة الشراع 1500 متر مربع، أما السرعة فتعتمد على حالة الرياح، ويمكن أن تصل إلى 15 عقدة، ولكنها تبقى بين 6و12 عقدة في أغلب الأوقات. كما جهّز اليخت من الداخل بديكورات وقطع أثاث فخمة، وروعي في كل غرفه وأقسامه توفر أقصى درجات الأمان، فمثلًا نظام الطهي والتدفئة يعتمد على البترول والكهرباء وليس على الغاز، كما أن الماء المتوافر يكفي لفترات طويلة تصل إلى عدة أشهر، وهو مزوّد بعدة قوارب نجاة، وبأجهزة اتصال وتوجيه حديثة.

          بعد الانتهاء من بنائه، اختير ميناء مدينة بيرغن Bergen في النرويج ليكون المرسى الأول لليخت «أديل»، ومنه بدأت الرحلة الأولى في اكتشاف الطبيعة الساحرة لسواحل البحار والجزر المترامية الأطراف، التي تم توثيقها في حوالي 400 صورة رائعة يضمها كتاب «Exploring With Adele» بصفحاته الـ322.

          وصل «أديل» في بداية رحلاته الاستكشافية إلى ميناء نيرويفجوردان Naeroyfjorden النرويجي القريب من شلالات مائية جميلة جدًا تهبط من ارتفاع مئات الأمتار. ثم واصل السير إلى مدينة سانت سانيفا St. Sunniva مقتربًا من الطبيعة الغنّاء التي تختلط فيها كل أنواع الزهور مع الأعشاب في رقعة واحدة. وعرج بعدها على مدينة أليسند Alesund التي دمر حريق هائل عام 1904 حوالي 80% من مبانيها، فلم يهجرها سكانها وإنما أعادوا بناءها من جديد. وواصل اليخت وطاقمه رحلتهما على السواحل النرويجية قبل أن يتوجها نحو الشمال، الأشد برودة والأكثر ثلوجًا، حيث توقفا في جزيرة سافلبارد Svalbard، الواقعة في جنوب القطب الشمالي شرق غرينلاند، وهناك تعرف أوسترليند ومرافقه على حيوانات نادرة وغريبة تعيش في هذا الجزء المعزول من العالم، والذي لم يزره سوى الرحالة والمستكشفين وبعض المحطات التلفزيونية المهتمة بسبر أغوار المجهول. وقد واجه الفريق الكثير من التحديات في هذه المنطقة المتجمّدة، واضطروا إلى إطفاء المحركات عدة مرات، لتوفير استخدام الطاقة والاستفادة منها في التدفئة وطهي الطعام.

          بعد هذه الرحلة في شمال القارة الأوربية، توجّه اليخت «أديل» إلى المحيط الأطلسي واضعًا صوب عينيه زيارة جنوب إنجلترا وإسبانيا والبرتغال انطلاقًا من السويد. وصل الفريق إلى ميناء جزر سيلي Scilly في القنال الإنجليزي، ذات الطبيعة الساحرة التي كان لها باع طويل في الحرب الأهلية خلال منتصف القرن الخامس عشر بين أنصار الملك تشارلز الثاني وأنصار السلطة التشريعية، ثم انطلقوا نحو بايون Bayon الواقعة في أقصى غرب إسبانيا، وكانت هذه المدينة الصغيرة نقطة انطلاقهم نحو إسبانيا والبرتغال، بحكم موقعها الإستراتيجي قرب الدولتين. وقد دهش أوسترليند من الآثار الإسلامية في إسبانيا وخاصة قصر الحمراء في غرناطة والكثير من المعالم التي تركها المسلمون قُبيل سقوط دولتهم عام 1492م، كما استمتع طاقم اليخت بأشعة الشمس الساطعة على سواحل إسبانيا والبرتغال. انطلق «أديل» بعد ذلك إلى جزر الكناري المقابلة للصحراء المغربية، وتعرف طاقمه هناك على أسرار إعجاب الناس بهذه الجزر الخالدة ذات القمم الصخرية والأشجار والنباتات النادرة والطيور العذبة الصوت. ومن الكناري، أبحر الفريق نحو عدة جزر في البحر الكاريبي، حيث زاروا باربدوس وسان فانسون وأنتيكوا والبهاماز وتعرفوا على عادات وتقاليد غريبة لشعوب تعيش في مناطق رائعة الجمال وتتخذ من موجودات الطبيعة مورد رزقها الوحيد.

          وإلى المزيد من المناطق البعيدة، واصل «أديل» إبحاره متوجهًا صوب بنما والجزر النائية في جنوب الباسفيك في رحلة وُصفت بأنها الأطول والأقسى بسبب المساحة الهائلة للبحر والابتعاد عن الدول والمناطق المأهولة بالسكان، وكان الفريق يخشى من انقطاعه عن العالم في حال إصابة اليخت بأي عطل مفاجئ، لكن «أديل» صمد وواصل الرحلة بسلاسة وقوة، وتمكن من المرور في جميع الوجهات المخطط لها، ففي بنما عبر الفريق قناتها الشهيرة وشاهد أفراده هذا المعلم الهندسي العظيم، الذي يدل على قدرة الإنسان على تذليل تحديات الطبيعة لتسهيل أمور حياته، ثم توجهوا صوب جزيرة جالاباغوس القريبة من الإكوادور، التي تعيش فيها أكبر السلاحف البحرية حجمًا، وبعدها زاروا جزيرة تاهيتي الواقعة على مجموعتين من الجبال البركانية، وواصلوا رحلتهم نحو جزر ساموا المعروفة سابقًا باسم «جزر الملاحين» لمهارة سكانها في الإبحار والصيد، وذهبوا إلى جزيرة مانونو في غرب ساموا وهي تخلو من الطرقات المعبّدة والسيارات، ومروا على فيجي ذات الـ322 جزيرة صغيرة وتذوقوا فيها عصير قصب السكر الذي يعتبر مصدر دخل نصف السكان، ثم توقفوا في جزر فانواتو - الأرخبيل المكوّن من 83 جزيرة متناهية الصغر، وختموا رحلتهم في هذه المنطقة بالتوقف في نيوزيلندا التي كانت أكبر دولة يزورونها منذ عدة أشهر، حيث ساروا وسط غابات البلوط والصنوبر وحقول القمح والشعير والذرة ورأوا حيوانات وزواحف غريبة بالنسبة للمقيمين في أوربا.

          وتواصلت الرحلة على متن «أديل» لتصل هذه المرة إلى الجنوب، وتحديدًا إلى القطب الجنوبي المتجمّد، انطلاقًا من ميناء أوشوايا جنوب الأرجنتين لتصل إلى جزر شيتلاند الجنوبية التي يتجمد كل ما يقع على أرضها خلال ثوانٍ معدودة، ومنها توجه الفريق إلى جزر الفوكلاند التي سيطرت عليها بريطانيا بعد سلسلة حروب طويلة مع الأرجنتين، ثم إلى جزيرة جورجيا الجنوبية - موطن الفصائل النادرة من الطيور. وفي هذه المناطق واجه أوسترليند وزملاؤه خطر الجبال الجليدية وخاصة في الليل، فالاصطدام بها يؤدي إلى الغرق الأكيد، كما أن العثور على طعام في المياه القريبة ليس بالأمر السهل، فحتى السمك يهرب من الصقيع إلى المناطق الدافئة في عمق البحر، هذا عدا العاصفة القوية جدًا التي كادت أن تقلب اليخت على رءوس أصحابه في ميناء ستانلي بجزر الفوكلاند. ولعل من أكثر المناظر التي ظلت محفورة في ذهن الفريق هي الأعداد الهائلة من البطريق، التي وجدوها في جزيرة جورجيا الجنوبية، حيث كانت كل مجموعة منها تتكون من عدة آلاف وتسير جنبًا إلى جنب كالجيش المتجه إلى معركة طاحنة.

          وأخيرًا، قرر فريق «أديل» العودة، فتوجه نحو البرازيل وعرج هناك إلى أربعة من موانئها وهي باراتي وغراندي وريو دي جانيرو وبيزوس، وانطلق بعدها في رحلة طويلة إلى جزر غرينادا، وسانت بارتس، وأنتيجوا، وسانت مارتن، الواقعة بين فنزويلا وبورتوريكو، وتتميز جميعها بسواحل ساحرة ومناظر طبيعية خلاّبة طوال أيام السنة، ما يجعلها محجًا للسياح القادمين من مختلف أنحاء العالم، بحثًا عن أماكن لا تنسى من الجمال الذي يمتع العيون والحواس.
----------------------------------
* صحفي وكاتب فلسطيني مقيم في دبي.

------------------------------

          منْكِ ما في الحروف من عُنْفوان
                                        يا ابتسامات ثغرها في المعانِي
          خَالَكِ العاشقونَ مرمى منال
                                        فإذا البعدُ مثلُـه في التّدَانـِي
          كُلّما شئتُ أَنْ أعبّرَ عنَـهْا
                                        أفلتَ اللفظُ من يدِي ولسانِي
          هي ما يمنحُ الحياةَ كيانـي
                                        هي ما يكشفُ الهوى وجدانِي
          أنا لولا وجودها لم أكُنْ شيئًا
                                        ولا كان معْطيـًا إنسانـِـي

خالد سعود الزيد

 

 تأليف: جان - إيريك أوسترليند