لماذا اخترت هذه القصص؟

لماذا اخترت هذه القصص؟

تلتقي هذه القصص الثلاث المنتقاة في كونها تحاول اقتناص حالات واقعية ونفسية تجسد التماهي بين مكونات الطبيعة، الحية والجامدة، في لحظات مفصلية من تجددها. وفضلًا عن مراعاتها الشرط اللغوي، في حده المعياري، باعتباره عنصرًا حاسمًا في أدبية النصوص، فإن هذه القصص تبدو بسيطة لكنها هادفة. وبرنامجها السردي محكوم بعنصر المفاجأة، واعتماد التلميح بدل التصريح، ما أكسبها قدرًا معتبرًا من الدينامية والإيحاء اللذين من شأنهما أن يتيحا لفعل القراءة مجالًا أوسع في إثراء المعنى وانفتاح الدلالة والتأويل.

المرتبة الأولى: «الرجل والصخرة» لسافر محمد وازع/ السعودية
رجلٌ عجوز دأبَ على الجلوس أمام البحر، لحظة الغروب، فوق صخرة آيلة للسقوط، يتأمل سحر مرور القوارب أمام قرص الشمس وحركة الموج، غير مبال بكون الصخرة قد تنهار من تحته في أية لحظة، وكان يتمنى لو انهارت ليكون طعمًا لأسماك القرش وجزءًا من هذا المحفل الجليل.  وبينما هو شارد في تأملاته إذا بشاب يترك توجيه قاربه الصغير بانفعال، ويصيح به محذرًا: ستسقط الصخرة! وبدل أن تسقط الصخرة تحطم القارب وافترست أسماك القرش الشاب، في لحظة ظل يستحضر قساوتها العجوز كل يوم وهو في جلسته المعتادة، إلى أن انهارت به الصخرة في الأخير وتوارى معها في قاع اليوم وبطون القروش. والقصة، كما نرى، تقوم على حركتين سرديتين متداخلتين، بإيقاعين مختلفين، كل واحدة منهما لها مقوماتها الذاتية الخاصة، إذ تقف الأولى (المفاجئة) عند انكسار القارب وهلاك البحار الشاب، فيما تستمر الثانية (البطيئة) حتى النهاية، بانهيار الصخرة وغرق العجوز. والحركتان معًا تعالجان بذكاء ثنائية الإرادة والقدر، في تكاملهما وتعارضهما، وكأن وقوف أحدهما في وجه الآخر قد يكلف صاحبه غاليًا. إنها قصة تأملية، يرويها بضمير الغائب، سارد محايد، موفرًا لها بناء محبوكًا، وخصائص فنية مُحْكمة، لا تخلو من الدهشة.

المرتبة الثانية: «غيمة» لمزنة كمال/ سورية
قصة أشبه بحكاية أطفال، لكنها شفيفة طريفة في مبناها ومعناها، فبأسلوب بسيط منساب تم تشخيص واستبطان أحد عناصر الطبيعة في قالب رومانسي غزير الدلالات. إنها حكاية «غيمة» التي تخبئ في قلبها سرًا كبيرًا يثقلها، ولم تجد من تقاسمه إياه، فلا الجبل بقممه الشامخة وعواصفه الهوجاء أصغى إليها ولا الناس المتجهمون التفتوا إليها. وما كان منها إلا أن تستسلم للنسائم تحملها حيث شاءت. ومن علو سترنو إلى بحيرة صافية فتنشرح نفسها، وما إن اقتربت منها حتى «تناثر الفرح منها مطرًا». لتتفطن، وبحزن، إلى أنها أفشت سرها، إلا أن إشراقة الشمس جعلتها تشعر بأنها «امتلأت مجددًا بسرّ صغيرٍ جديد من قلب البحيرة الكبير». 
وكأن القصة توحي لنا بأن العناصر المكونة للطبيعة مليئة بالأسرار، حبذا لو سمحنا لها لتبوح لنا بها، وهي في دورتها المعتادة.

المرتبة الثالثة: «قطة تموء بشماتة» لعبدالراضي عبدالرحمن نظيم/ مصر
إنها قطة منهكة شعثاء واهنة، تتمسح متوددة بشخص في مقهى، وهو يهم بفتح «لفافات سندوتشاتِ الفول والطعميَّة والبطاطس»، تفوح منها روائح لذيذة، والشخص لا يبالي. وحين تتوسل إليه في إلحاح ينهرها، فتحتمي بالجدار وتستكين في انكسار. وبينما يشرع هذا الشخص، وهو في قمة سعادته، في تناول الطعام إذا به يعض لسانه ويسقط مغشيًا عليه، وسط ذهول من حوله، وحين استفاق رمى ما بقي في فمه، ووضع البقايا أمام القطة، لكن هذه الأخيرة لم تستجب، بل «رفعت ذيلها في تعفف» ثم ماءت في شماتة وهي تبتعد.
قصة عادية وبلا فيض بهارات، تروى بضمير المتكلم، إلا أنها تحمل في طياتها خطابًا مضمرًا، أقرب إلى تأنيب ضمير، يلامس كبرياء الحيوان قبل الإنسان. ولا أقسى من كسر خاطر من يلتمس معروفًا فيتم صده وإذلاله، فالعطاء ينبغي أن يكون وقت الحاجة إليه، عطاءً تلقائيًا ومما يُحِب المرءُ لا مما فضُلَ عليه.