المفكر محمد المكي إبراهيم: هذا ليس زمان التأملات وتدوين المشاهدات

المفكر محمد المكي إبراهيم: هذا ليس زمان التأملات وتدوين المشاهدات

 لو قرأنا تاريخ الأدب والشعر الحديث في السودان لوجدنا المفكر الأديب الشاعر محمد المكي إبراهيم أبرز علاماته وأهم مفكريه في فترة ما بعد الاستقلال بما بعث في شعره من أفكار خصبة، وتجليات عميقة مشرقة تصطبغ بقضايا اللون، وتتفجر من فلسفة الخوف من التشظي الاثني، والقضايا الوطنية الكبرى والمعاناة الحقيقية للسودانيين إزاء الواقع، وعندما ينادي الناس «ود المكي» يكون المراد معروفًا لدوره الفعال في الحركة الشعرية الحديثة في السودان بإحيائها وتجديدها وتطويرها، وتتجسد القيمة الكُبرى في كونه ثاني اثنين عمدا إلى تأسيس تيار «الغابة والصحراء» الذي شمل غيرهما، وهو التيار الذي يهفو إلى خلق مزاوجة الهوية بين الأفريقانية والعروبية (الأفروعروبية)، وأحدث جدلًا واسعًا في الأوساط منذ النصف الأول من ستينيات القرن الماضي إلى الآن، غير إنجازاته الكبيرة وعظمة مردوده على الثقافة السودانية والقصيدة العربية والأجيال، وكذلك دوره المؤثر في استنهاض الشعر الثوري، وإيقاظ الشعور الوطني تجاه الأنظمة الديكتاتورية، ما جعل الأجيال تناديه أيضًا بـ «شاعر الأكتوبريات».

 

 ذاع صيت الشاعر محمد المكي إبراهيم الشهير بـ «ود المكي» في النصف الأول من ستينيات القرن العشرين كقيمة إبداعية في مسيرة الثقافة والأدب السوداني، أحد رواد الفكر السوداني، ومن أهم فرسان الشعر في فترة ما بعد استقلال السودان 1956م، وحظي بالصدارة وهو طالب بجامعة الخرطوم في عمر لم يتجاوز الخامسة والعشرين ربيعًا، وانفرد عن أبناء جيله بأنه ذو رؤى تعبيرية وتنظيرية وسط شعب متعدد الإثنيات والعرقيات متعدد اللغات والثقافات، هذا التكوين الذي شع منه تيار «الغابة والصحراء»، وظل شعره بما ينطوي على قضايا معاصرة وذات أهمية في حياة السودانيين فيما يخص أزمة الهوية والصراع ضد الديكتاتوريات ينماز بقيمة تاريخية كبيرة. صدرت له دواوين «أمتي 1968م»، و«بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت 1972م» و«يختبئ البستان في الوردة 1984م» و«في خباء العامرية 1988»، ثم نُشرت في المجوعة الكاملة 2000م، وأصدر مجموعة قصائد «زنزباريات» أثناء دراسته الفرنسية في باريس، وترجمت قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية، وحاز وسام الفنون والآداب عام 1977م.

منتوجه الثقافي
 من أهم مؤلفاته في الفكر الثقافي «الفكر السوداني أصوله وتطوره»، كما أصدر «بين نار الشعر ونار المجاذيب - حياة وشعر محمد المهدت المجذوب»، «ظلال وأفيال»، و«في ذكرى الغابة والصحراء»، كما نشرت له مجلة «الخرطوم» في منتصف تسعينيات القرن الماضي رواية «آخر العنابسة»، إلى جانب مقالاته الفكرية والأدبية في مختلف الصحف السودانية.
وانطلاقًا من أهمية شاعريته، ودوره في استنهاض مفاهيم جديدة في الثقافة والأدب السوداني، زارته «العربي» قبل أن يغادر إلى مهجره في أمريكا بيومين، وحاورته حول تجربته الشعرية والإبداعية، وبعض القضايا المتعلقة بتيار «الغابة والصحراء»، ومحاولاته في استقصاء الهوية السودانية وتداعياتها وما إلى ذلك، وفي ما يلي تفاصيل الحوار:
● طالت غربتكم عن الوطن... فماذا عن أحلام العودة؟
- تلك حقيقة، ومادام الزمن يجري سراعًا، وأصبحت بلادنا تنعم بشيء من الحرية أحسن من ذي قبل، كان لابد أن نرجع للارتواء من ظمأ، ولقضاء أكبر وقت مع الأهل والأصدقاء والأحباب، وحتى ندرك أشياء لم ندركها من قبل.
 عدت وبي شوق عارم لكل ما في البلاد، وخلال المئة يوم التي مكثتها بين ظهرانيها لمست الكثير، فتفجرت لدي رغبة أكيدة للعودة نهائيًا والتعاون مع شبيبة وشيبة هذا البلد لخلق واقع جديد مفيد، لأننا مدركون الخطر الذي يحيط به ويتهدده من كل جانب، فقط لأنه وطننا الذي أنجبنا، وليس هناك أعز منه وأعجل من قضيته: «هذا بلدي والناس لهم ريح طيب/ بسمات وتحايا ووداع متلهب/ كل الركاب لهم أحباب/ هذي امرأة تبكي/ هذا رجلين يخفي دمع العينين/ بأكمام الجلباب»... ومهما يكن فقد أوفى بحقنا عليه، وله حق كبير علينا لابد أن نوفيه.
● هذا السؤال أردّده لمن اختاروا الهجرة والشتات، وحياة الديسابورا... يقول الإمام علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - «الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة»... ماذا عن ردّكم إذا ما قلنا على نسق قوله «الحرية في المنفى وطن، والقهر في الوطن منفى»؟
 - هذا قول صحيح، الوطن لا قيمة له ولا طعم له بدون حرية، لأن الشعوب بطبيعتها وفي أكثر السياقات اختلافًا تنشد الحرية، لأن فيها اعتراف الإنسانية والحياة المحترمة. وحرية الفكر والتعبير والإبداع في الأنظمة الديمقراطية مربط الفرس، إذ تتيح للفرد الفرصة للتعبير عن رأيه دونما قيد أو شرط، والتمتع بما حوله، وهذا لم يتوفر لنا في بلادنا خلال العقود الثلاثة الماضية.
 ولك أن تتخيل كيف كانت قاسية علينا، وعلى آخرين غيرنا اختاروا الشتات، كنت في ضيق شديد وواجهتني مصاعب كثيرة، فما أقسى أن يعيش المرء سجينًا في وطنه، «حيث يمشقون الحسام على الحب والفكر/ كان الحسام يعسُ/ ويحرسُ دالية الفكر/ من فتكات الحسام/ حيث خيَّم عصرُ الظلام/كان لي وطنٌ لم يَعُد وطنًا/ وزمانٌ أليفٌ / فضيعته في الزحام»، فلهذه العوامل تقدمت باستقالتي من وزارة الخارجية وغادرت البلاد مغاضبًا إلى أمريكا مضحيًا بالأحلام، والاستقرار، وتربية الأبناء في وطنهم، وهم كذلك خرجوا معي مضحين ليدفعوا الثمن الذي دفعته، لكن رغم تمتعنا بالكثير وأصبحنا الحمد لله محتاطين لكل نازلة لكن يظل الوطن هو الوطن.

تطلعات بالعمل التجاري
● وأنتم تعودون للوطن بعد ثلاثين عامًا ما هي تطلعاتكم؟
 - حقيقة ليس لدي تطلعات سياسية على الإطلاق، لاختلاف الرؤية إلى حد كبير، حيث أصبحت أؤمن بأن العمل التجاري والاستثماري هو الأفيد، وخير مغيث في هذا الزمن اللاهث، ويمكن أن يحقق ما لا يحققه الأدب، لذا عزمت على المضي في هذا الاتجاه، فهذا ليس زمن التأملات ولا تدوين المشاهدات، وإنما زمن العمل والإنجاز السريع، وأتمنى أن يكون هذا الإحساس عند كل الحادبين على الوطن، وتجدني غيّرت ولائي عن قصد من المثقفين، منحازًا إلى صنّاع الثروة في البلاد من صناعيين وزراعيين ومهنيين مهرة وأصحاب رؤوس أموال، لاعتقادي بأنهم إذا اجتهدوا وصدقوا النية والعمل سيقدمون أشياء مفيدة لبلادنا، وسيجنبها الفقر الذي تعيش.
● ليس هذا زمن التأملات... لهذه العبارة مدلولات شتى... هل ترك ود المكي كتابة الشعر؟
- لا.. لا... بالعكس أنا ما زلت أكتب الشعر، وسأكتبه بعون الله، ولن أتخلى عنه، لكن سأكتب القصيدة المباشرة، والتي تفي بما يحتاجه الوطن، والتي تجيب على ما فعلناه إن نجحنا أم فشلنا، ولماذا كان ذلك؟ عندما شاهدت الأوضاع خلال الأيام الماضية سألت نفسي: لماذا يتكرر هذا البؤس العام تلو العام وليس هناك من مغيث؟! حقًا إنه لواقع مؤلم دام كثيرًا، لم نستطع التخلص منه، وعندما رأيته قلت... سنبكي... طويلًا... كثيرًا... مريرًا... بسبب ما يحدث.
● أيعني هذا أنك ستكتب القصيدة التي تعمل على تعرية الواقع، وترفضه بشكل جذري؟
 - نعم هذا مؤكد.  لكن كيف ذلك؟... إما بتزيينه إن كان يحتاج لذلك، وإما بإبراز الجوانب المؤلمة فيه بلا مواربة، ولا محاولة لتغطيته والتستر عليه، وإزاء هذا المظهر المتخثر المستمر ينبغي علينا أقلّه أن نحوّل هذا الواقع بما فيه من شقاء وألم إلى قيمة أدبية حتى يدرك الناس ما هم فيه، وحتى يطهر النفوس مما عَلِق بها، وأن نعمل على تقديم كل ما لدينا لشعبنا.
 كما لاحظت خلال مشاهداتي حشود وشعارات ثورة ديسمبر المجيدة ثمة احتياجات ثقافية جمة، وقصورًا في الشعر الوطني، فواتتني الفكرة لكتابة أشعار وطنية كي تغنى في المناسبات الوطنية، كما «الأكتوبريات». 

البيئة والتجارب
● إذن، من أين جاء وكيف نشأ الشاعر ود المكي؟ وما البيئة والتجارب التي اكتسبها حتى يمضي في هذه الاتجاهات؟ وما علاقتكم بالشعر، وما أول قصيدة كتبتها؟
 - كما هو معروف وُلدت عام 1939م، ونشأت في مدينة الأُبيض بمحافظة كردفان - ولاية شمال كردفان حاليًا - وهي مهما كان ذات طابع ريفي، وكان لوالدنا - رحمه الله - مزرعة في المدينة، كنا نذهب معه صباح كل يوم لنساعد في الزراعة، وتعلمنا ونحن صغارًا في ذلك الكثير، كما كنا نحصل على مؤنة العام من المحصول (العيش) الذي نحصده، وفي ذلك الوقت لم تكن الأشياء ضاغطة علينا كما الآن، ومنذ وقت مبكر كنت على إدراك تام بأنواع المحاصيل (العيوش) وطرق الزراعة، ومواقيت الري... إلخ، وبإصرار من والديَّ التحقت بالمدرسة، وعندما انتقلت للمرحلة الوسطى وجدت نفسي أكتب الشعر، لكن كيف، هذا ما لا أعرفه، وإنما كنت أقرأ ما كتبت خلال الجمعية الأدبية التي تقيمها المدارس وقتذاك أسبوعيًا، وكانت تنقسم إلى قسمين لقراءة نصوص أدبية أو قصيدة خاصة، أو قراءة نص مختار من نصوص سابقة، كنت أميل للخيار الأول، فيما كنت أحرص على تقديم ما كان من بنات أفكاري، واستمر الشعر يتخلل مساماتي قليلًا قليلاً، وكنت أغذيه بالقراءات الجادة المثمرة، وبدأ الطموح يكبر في دواخلي شيئًا فشيئًا، حتى أصبحت مداومًا على المشاركة كل أسبوع، وما أتذكره جيدًا أنني ارتكبت في تلك الفترة كثيرًا من الحماقات الأدبية، إذ تعرضت لهجاء الكثيرين، لكن عندما التحقت بمدرسة «خور طقت الثانوية» بالأبيض تخلصت بالحرق من كل الذي كتبته في المرحلة الوسطى، ولم أعد أتذكره، ومن ثم أصبح هذا شأني، فكلما كتبت شعرًا أو نثرًا أراه بعد فترة 3 أو 4 سنوات غير مجديًا، وأحتقره فأقوم بإحراقه ساعيًا إلى غيره، وربما كان المحروق أكثر من الذي كُتب، فالأفكار تتجدد فترة بعد أخرى، وكانت لدي نظرة بأن المرء إذا أراد أن يتطور يجب ألا يلتفت إلى الوراء أو الماضي، وكلما وجدت مبدعين يتحدثون بأنهم حرقوا أشعارهم تجدني أحترمهم جدًا لاطمئناني بأنهم ينشدون التجويد، بتنقية وتصفية دقيقة جدًا لكل ما كتبوا.
 وبعدما انتقلت إلى جامعة الخرطوم ازددت طموحًا، وكنت راغبًا في معرفة كيف يعيش الآخرون ولماذا يعيشون بهذه الطريقة؟ كما كنت أحاول تعلّم الأشياء الجانبية في الحياة، حتى صرت على اطلاع واسع بتفاصيلها، وصارت جزءًا مهمًا وبعثًا ثقافيًا وأدبيًا، وعندما عزمت على طباعة ديواني الأول (أمتي) تخلصت من قصائد كثيرة، من بينها قصيدة يعرفها من حولي، وهم مغرمون بها جدًا، تعرضت فيها بالهجاء لشعراء العرب الصعاليك مثل عروة بن الورد والشنفرى الأزدي، والسليك بن السلكة وغيرهم.
 من هذه النظرة عندما ينظر المرء لإنتاجي الشعري يجده ليس كثيرًا، وأن كل ما تحمله دواويني لا يتعدى الـ (51) قصيدة رغم السنوات الطوال التي تجولت فيها بهذا الميدان، ولا عجب إن تم تصنيفي من الشعراء المقلين. 

الحلم الذي دمر 
● ما الحلم الذي كان يراودكم وأنتم على أعتاب أو في الجامعة؟... وماذا أراد الله به، خاصة أن جامعة الخرطوم كانت وقتذاك تتخير طلابها ولا يقوى على الالتحاق بها إلا الأفذاذ؟
- التحقت بجامعة الخرطوم عام 1959م، لكن الحلم الذي كنت أحلمه تدمر في بداياته، كنت أمني نفسي بأن أكون قانونيًا متمكنًا، وكنت على ثقة من ذلك، فقد كان لديّ إلمام كافٍ باللغة الإنجليزية يجعلني أتبحر في العلم الحقوقي، (علم القانون)، لكن المؤسف أن الحياة في السودان آنئذٍ لم تكن كما كنت أشتهي، بعد تولي الديكتاتوريين زمام السلطة، وظللنا نعيش واقعًا سياسيًا بشعًا، وتعرضت لمضايقات جمة، فلم أتحمل ذلك، ومن ثمّ تركت السودان مغاضبًا، وذهبت في أبريل عام 1962م إلى ألمانيا الغربية، وكان معي زميلي وصديقي الشاعر النور عثمان أبكر، كانت فرصة طيبة لأن نتعرف على الحياة الألمانية، زادت من معارفنا واطلاعاتنا، وأدركنا كيف يعيش الشباب الألمان الذين في مثل أعمارنا، وكيف يرسمون لحياتهم بدقة، ويحسبون لكل شيء حسابًا، وهي الرحلة التي حولت مسار حياتي جوهريًا، وغيّرت مفاهيمي واتجاهاتي بانتقالي من ساحات المحاكم إلى فضاءات الثقافة والأدب والممارسة الأدبية. 
 لكن كيف ذلك؟ ...  عندما رجعت عام 1963م إلى السودان وجدت كل شيء قد تغير، وصارت الدنيا في نظري كلها متغيرة، وصممت على إكمال دراستي في كلية القانون، ومكثت سنتين أخريين حتى تخرجت فيها بسلام، وعملت محاميًا لمدة قصيرة، وتركتها لأعمل دبلوماسيًا في وزارة الخارجية. 
 وهنا أود أن أشير إلى أنه كان من الممكن أن ألتحق بكلية الآداب، لأن صلتي بالثقافة والأدب كبيرة، كأنما كانت ممارسة يومية، لكني ازدريتها، فقد كان آنذاك تسود عنجهية ضد دراسة الآداب، بزعم أنها لن تحقق ما تجود به الكليات العلمية كالطب مثلًا، والطريف أن عميد الآداب وقتها وهو رجل بريطاني كان يسخر منها أيضًا، لكنني أدركت بعد تخرجي بسنوات أن ذاك من الأغلاط التي وقعت فيها، وردَّ إلي اعتبار الآداب في ذهني البروفيسور العلامة عبد الله الطيب، حين كان يتحدث بأن الجامعة ما هي إلا آداب، وفيها يستطيع الطالب أن يقرأ كل الأدبيات، ويتعلم الفكر الفلسفي، والتفكير الاجتماعي السياسي، كما تتيح له التوسع في كثير من العلوم والمعارف، وهو بعلمه الغزير وتواضعه الجم حبب إليّ علوم الآداب، وجالسته آخذًا من علمه وفكره، ومنحني الكثير، وتشبعت بأفكاره وحزت ما لم أحزه في مقاعد الدراسة.
 والحق يقال لو تسنت لي الدراسة الجامعية في كلية الآداب كانت ستزوّدني بكمية من النظريات والأفكار وعلوم الاجتماع، وهذا ما حرمت نفسي منه، لذا أجدني كلما وجدت منفذًا أنهل من تلك العلوم باهتمام شديد، ولا أخفي عليك أننا دائمًا ما نقع في الأغلاط، والمصيبة ألا نجد المجال لمعالجتها.

العودة من ألمانيا
● لكن عندما عدت من ألمانيا ظهرت بفكر أو مشروع جديد غريب على المجتمع الثقافي والأدبي، وهو تيار «الغابة والصحراء»؟
- نعم هذا صحيح...
● تُرى هل كان منجزكم الشعري كافيًا لتأسيس تيار شعري جديد، وهو أمر صعب للغاية في السودان آنذاك؟
- أتفق معك في أنه أمر صعب للغاية، لكن لم يُسقِط الفكرة، ونحن كنا بحماس الشباب نحاول أن نَقدِم على أي شيء يمكن أن يفاد منه المرء.
● إذًا، كيف نشأت الفكرة وتبلورت حتى أثمرت تيار «الغابة والصحراء» الذي شغل الساحة الثقافية والأدبية؟
 - نعم - الفكرة بدأت في ألمانيا وتبلورت في السودان، كان ذلك نتاج معايشة ومشاهدات عديدة في ألمانيا الغربية، ولما كان الألمان شعبًا راقيًا ورائعًا خارجًا من أتون الحرب العالمية الثانية، اكتشفت أنهم سبقونا بسنوات عديدة، وكان لدينا أمل اللحاق بهم، كانوا مندهشين أننا نحن السود أناس مثلهم، ومع هذا تقبلونا باحترام وحسن ضيافة وكرم غير عادي، وحب استطلاع، وتطلع لمعرفة الآخر، ونتيجة لذلك دارت حوارات ونقاشات عميقة بيني وبين النور أبكر في كثير من المسائل التي لاحظناها فيما يتعلق باللون والتكوين العرقي، وكانت لديه خلفية خاصة به بحكم أنه من منطقة الديم في بورتسودان، وهي من مصادر ثقافته، فمن تلك الحوارات ابتكر النور اسم «الغابة والصحراء»، وللتاريخ يرجع له الفضل في إطلاق الاسم، لكن بعد رجوعي وحدي من ألمانيا في يوليو1963م التقيت زميليّ في الجامعة وصديقيّ الشاعرين محمد عبد الحي ويوسف عايدابي، وأدرنا الكثير من النقاشات والحوارات في مسألة الهوية، ومن ثم أخذنا نحن الثلاثة نؤسس لاتجاه جديد في الشعر السوداني منبثقًا من تلك المحاور. 
 ولما اختليت مع الصديق الشاعر محمد
عبد الحي أثناء أحد إضرابات الطلبة الطويلة في الجامعة تطرقنا وتفاكرنا كثيرًا في شأن الهوية السودانية وعذاباتها، أنا مستندًا إلى بعض كتاباتي التي دونتها في مؤلفي «الفكر السوداني أصوله وتطوره»، وهو على قصيدته الباذخة «العودة إلى سنار»، وتلك هي لحظات الميلاد الحقيقية لتيار «الغابة والصحراء»، وهذا لن يغمط الشاعر عايدابي حقه التأسيسي، وسرعان ما انضم إلينا زمرة من المبدعين على رأسهم الشاعر علي
عبد القيوم، والبروفيسور طه أمير وغيرهما.
● تُرى، هل هناك ضرورة أو حاجة ملحة لتأسيس تيار أو مدرسة أو منظومة في ذلك الوقت؟... أو هل هناك حاجة للغابة والصحراء؟
 - هذا سؤال ممتاز... كانت ثمة ظروف خارجية تحتم علينا أن نعمل شيئًا ما، وكانت حرب الجنوب في تلكم الفترة مستعرة جدًا، في أثقل أيامها، وشديدة الوطأة على البلاد، وبالطبع كانت لدينا رغبة أكيدة في أن تتوقف الحرب، إلا أن ميزان القوة كان بأيدي آخرين، لذا عزمنا نحن كمثقفين ومستنيرين أن ننطلق من مقذوف ثقافي بأننا نحن والجنوبيين أبناء وطن واحد، مشتركون في الهموم، وفي الأصول الثقافية، وكانت لدينا أسئلة كثيرة على شاكلة لماذا، وكيف ومتى تقف الحرب؟ لعل هذا يخفف من وطأتها ويوقف الاقتتال، كان لدينا يقين قاطع بأن مشكلات التنوع ينبغي أن تحل عبر الثقافة والفنون أكثر من أي شيء.
 كانت هذه الظروف الصعبة والضاغطة هي التي أدت إلى تأسيس تيار «الغابة والصحراء»، إلى جانب هذا، كان المناخ السائد كله يقول «نحن عرب»، و«نحن عرب العرب»، لذلك جئنا بهذه الروح المتساهلة تلك لم نقدح في عروبتنا، فلربما كان صحيحًا أننا من أصول عربية، لكن لا ينفي أن جذورنا أفريقية، على يقين بأننا مزيج (خلاسي) نادر من أعراق عربية وأفريقية، وفي الوقت نفسه كان في بالنا أن نخفف من تأثير العروبية التي كانت في دواخلنا، وهذا مجرد محاولة.
● ألم يكن «الغابة والصحراء» نفسه، سواء كانت تيارًا أو مدرسة أو منظومة، لتمييز الشعر السوداني عن غيره في البلدان الأخرى؟
 - نعم وبشدة، لأن الهوية السودانية المتحققة في شعرها كانت مطموسة المعالم في ذلك الزمن، ولم يكن هناك أحد يستقصي أبعادها كلها، ويقدمها للناس في باقة أنيقة، كان لدينا شعور بأن ما نقدمه ما هو إلا امتداد لرؤية عربية في بلدان عربية أخرى، وكنت أرى لابد من خلق واقع سوداني مختلف عن الواقع المتاح، ولابد للشعراء من نحت بلاغة جديدة في جسم اللغة العربية، وقد ضربت هذا المثال كثيرًا بأن ألفاظًا مثل «عيناك» و«شفتاك» وما إلى ذلك تنطوي على شكل داخلي بصورة تختلف عن واقعنا، أي بمعنى إذا أردنا أن نصور المرأة السودانية فلابد أن ننحت في جسم اللغة العربية منظورًا سودانيًا لتكون الصورة واقعية، وبالتالي نكون وَطَّنَا ما هو سوداني في داخل الأدب العربي، وأعتقد مع الزمن تفهم الناس الأمر، وصوّروا الأمور بالهيئة الطبيعية.

الخلاسية في الشعر السوداني
● عندما نقرأ في قصيدة «بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت»: «الله يا خلاسية/ يا وردة باللون مسقية/ بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت/ يا مملوءة الساق أطفالًا خلاسيين/ يا بعض زنجية/وبعض عربية/ وبعض أقوالي أمام الله»... إلى أي حد كانت خلاسية اللون واللغة ملهمة حتى تكتب شعرًا، ويفضي هذا الشعر إلى خلق تيار أدبي؟
 - جميل... جميل... هذا صحيح، لقد كنت منتبهًا لهذا الأمر منذ بداياته، وأنا الذي أدخلت تعبير (خلاسية) في الشعر السوداني، والكلمة نفسها ذكرها الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) في إحدى قراءاتي له فأعجبتني، وتابعتها بعد ذلك في مجالات أخرى متعددة، فوجدتها معبرة جدًا عما أريد، فأوردتها في شعري، ولما لها من سحر ووقع احتفى بها السودانيون خاصة الجنس اللطيف، ورفعت شأننا بينهم. 
 لقد كنا نسعى إلى توطين كل شيء على طريقتنا الخاصة، نأخذ من العربية الفصيحة ونصدرها بحس سوداني، أي بمعنى تطويع العربية الفصيحة للبيئة السودانية، لذلك كانت (خلاسية) ملهمة إلى حد بعيد، وأنتجنا من خلالها قصائد كثيرة جدًا، وأعتقد أن ألفاظًا مثل «أبنوسية»، رغم جمال الأبنوس ورمزيته، إلا أنها كانت غير كافية، وفي حاجة إلى استزادة، كما كنا نحتاج لشكل من أشكال التجديد في اللغة، وأسعفتنا وساعدتنا العربية الفصيحة بما فيها من ثراء وغناء بالصور الجمالية المختلفة، لذلك خلاسية اللون واللغة كانتا مهمتين جدًا بالنسبة لي، وآمل من مشاة هذا التيار أن يستمروا ويبدعوا أشياء أخرى جميلة.
● لكن الملاحظ أن «الغابة والصحراء» لم يعرف له تصنيف محدد حتى الآن، فثمة مَن يصنفه تيارًا أو يسميه مدرسة، وهناك من يعتبره منظومة أو جماعة؟ 
 - حقيقة، لم نكن نهتم لذلك، وكان كل ما يأتي من تصنيف مرحبًا به، مادامت الفكرة والغاية معروفتان، طبعًا المدارس الأدبية نابعة من التيارات، ونحن إذا كنا اجتهدنا وعملنا كثيرًا وجددنا كان من السهل أن يتحول التيار إلى مدرسة، لكن كما ذكرت أن «الغابة والصحراء» كانت نشأته غريبة في زمان صعب، ومهما يكن فقد أدى ما عليه، وما زال في وجدان المبدعين وأهل الثقافة والأدب، لذا تجدني سعدت أيما سعادة بعد ثورة ديسمبر المباركة حين رأيت بعض أفكاره متمثلة في بعض شعارات الديسمبريين، وكذلك عندما أخذ الناس يسألونني إبان زيارتي الأخيرة عنها، أو عن «المدرسة الخلاسية»، وإبداعها، فيما ألح عليّ بعض الناشرين والناشرات بالكتابة في أدبها، فلفتوا نظري بقوة، كما كنت سعيدًا بأن أشارك في مناسبتين بمركز عبدالكريم ميرغني الثقافي، وفي بيت الشعر بمعهد العلامة عبدالله الطيب، واللتان وجدتا اهتمامًا كبيرًا من المثقفين والمهتمين، الذين أبدوا اهتماماتهم بمصير هذا التيار، وقد وجدت لديهم تفهمًا أكيدًا لظروف نشأته وغيره، فانفتحت شهيتي لذلك، وتعهد أحد الأدباء الشباب بجمع كل ما كتب عن «الغابة والصحراء» كتراث خالد، كما تعهدت زوجتي بأن تسعى بقدر وسعها بجمع كل ما طرح عنه وفق رؤيتها هي، وتحريره حتى يخرج ليستفيد منه الأجيال. 
● لكن الشاعر المجيد محمد المهدي المجذوب سبقكم في الرؤية لما ابتدعتموه في «الغابة والصحراء» وعبر عنه في قصائد عدة، كقوله «أرضاني الجنوب فما أبالي/ بمن يصم العراة ومن يلوم/فليتني في الزنوج ولي رباب/ تميل به خُطاي وتستقيم»... إلا أنه لم يسع مسعاكم في البلوغ إلى تيار أو مدرسة؟
- نعم.. نعم... كان المجذوب قد سبق أبناء جيله وسجل اعترافاته بأصولنا الخلاسية في العديد من قصائده، ونحن أخذنا النموذج السوداني في الشعر منه، على يقين بأننا حفرنا وظفرنا بهذا الكنز الكبير، وهو ملك الشعر غير المتوج، فعمَّدناه وتوجناه علينا، والتففنا حوله كأب لنا، وموجه وناقد لإبداعنا. وطالما ذكرنا المجذوب فقد رحّب بالفكرة وظهور التيار أيضًا الشاعر عبد شابو الله الذي سبقنا بما كتب في هذا المضمار، فكان ملهمًا لنا، وهناك ثلة من المبدعين الذين رعوا اتجاهنا منهم البروفيسور إبراهيم أبو سليم، والدكتور خالد الكد وغيرهما كثر من المثقفين والأدباء الذين ساروا في اتجاه التيار الجديد.
● لكن تعرض تيار «الغابة الصحراء» منذ البداية لهجوم من اتجاهات عدة، حتى أطلق عليه «تحالف الهاربين»! تُرى هل كان ذلك الهجوم ينطلق من رؤية ثاقبة وفاحصة، أم لأن التيار كان جديدًا على البعض فلم يحتملوه؟
- كان الهجوم من ثلة العروبيين، بالإضافة إلى آخرين كانت لهم رؤية في الذي كنا نراه، وفي اعتقادي كلهم طرحوا رأيهم الثقافي الحر، ومارسوه بكامل الحرية، وكانت مساجلة شريفة، فالذين كانوا يخشون على اللغة العربية والشعر العربي من التدهور، ومن الهُجنة، وانزياح البلاغة وما إلى ذلك، فشلوا في النيل من «الغابة والصحراء»، لأن علماء اللغة العربية كانوا في صف التيار، كما أن جماعة التيار أنفسهم كانوا متعمقين في العربية الفصيحة، وعبروا بها في أشعارهم بنقاء وصورة رفيعة، حتى لم يستخدموا العامية في قصائده. والطريف حتى الذين كانوا يخالفونا الرأي وعارضوا الفكرة في بداية ظهورها، مثل الشاعرين صلاح أحمد إبراهيم ومصطفى سند، وغيرهما، كانوا يكتبون بعض أشعارهم على وقعها.

خفوت لا انحسار
● إذن، لماذا انحسر ذاك التيار في وقت مبكر؟
 - تيار «الغابة والصحراء» لم ينحسر، وإنما خفت صوته، فقد تضافرت عوامل كثيرة أدت إلى ذلك، إذ كنا نطمع بأن يكون للشاعر أبكر دور أكبر من ابتكار الاسم، لكن بعد أن جاء من ألمانيا لم يحضر اجتماعاتنا لطبيعته، ولم يشارك معنا إلا برسائله التي كانت تأتي من وقت لآخر وهي رسائل مقنعة وراقية، ثم هاجر من بعد الشاعرين عايدابي وعبدالحي لتلقي الدراسات العليا في الخارج، وفوق هذا أن الأنظمة الديكتاتورية في البلاد لا تعترف بالمثقف ولا الثقافة، لو استمر هذا التيار بنفس القوة والاندفاع الذي بدأ به لكان قد تعرض لنوع من البطش، مع العلم أن بلادنا حكمها الديكتاتوريون لمدة تزيد على نصف قرن من بعد الاستقلال، وحتى الذين تسلموا الحكم  عام 1989م لم تكن لديهم جدية في مصادقة التيارات الثقافية والأدبية، بل شكّلوا ضغطًا وضيقًا على الثقافة المُجددة، لكن التيار رغم عمره القصير حفر عميقًا في الثقافة السودانية الكائنة أصلًا، وما زال باقيًا ولديه رواد كثر على رأسهم الشاعر عالم عباس، وهو موسوعي في حفظِه الشعر العربي، وله دراية واسعة بالعربية الفصيحة وكتب بها شعرًا قيمًا، وما زال يحمل لواء «الغابة والصحراء» ويبشر بها.

آثار باقية
● ستون عامًا تصرَّمت على تأسيس تيار «الغابة والصحراء» فإلى أي حد بلغ تأثيره في الأدب والشعر السوداني رغم عمره القصير؟
- نعم... مرت عقود ويفنى كل شيء ويبقى الأثر، طبعًا لعدم تواجدي لم أكن متابعًا لما ذهبت إليه - يا أخي عصمت -، لكن ما لاحظته خلال زيارتي هذي لاتجاهات الأحداث والواقع الأدبي، أن ثمة من أخذوا يتلمسون مقاييس الجمال التي ألمحنا إليها في مشروعنا، إذ اختفت العبارات التي كانت سائدة مثل «عيناك» و«شفتاك» وغيرهما، وأخذت تتجلى قسمات الإنسان/ة السوداني/ة بالذات في أشعار بعض الشعراء الشباب الذين استمعت إليهم، ومن خلالها تبينت أن آثار «الغابة والصحراء» ما زالت ماثلة.
● في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي سطع نجمكم في فضاء الأدب والشعر السوداني... ترى هل كان مرده لظهور ذلك التيار أم بالشعر الثوري الأكتوبري الذي تزامن مع تلك الفترة؟
- إن كان ذلك كذلك، «الغابة والصحراء» جعلني معروفًا في الأوساط الثقافية والأدبية، أما الشعر الثوري الأكتوبري عندما تغنى به الفنان الكبير محمد وردي - رحمه الله -، فمنحني شهرة واسعة، لذا يرجع له الفضل الكبير في ذلك، وهو يحب الشعر الثوري، وكان قد تجول بين قصائدي الشعرية بعين محبة وعمق، وقدم من أشعاري الثورية أغنيات خلُدت في الذاكرة الجمعية، وصدقني عندما أزور أيًا من بلاد العالم أجد السودانيين يهتفون «باسمك الأخضر يا أكتوبر الأرض تغني».
● نلاحظ أن ثورة 21 أكتوبر 1964م حظيت باهتمام كبير وزخم أدبي وشعر ثوري كثيف، إلا أن المنجز السياسي لم يكن بحجم التطلعات - بعيدًا عن السياسة - بحسب قراءاتك، هل يمكن أن نصف 21 أكتوبر بأنها ثورة أدبية؟ 
- بالتأكيد... ثورة أكتوبر كانت حدثًا كبيرًا، قدم فيها المبدعون كميات إبداعية قيمية عالية هائلة، إلا أن المنجز السياسي وغيره لم يكن بحجم التضحيات والتطلعات، بل كان بائسًا، أبرز دلائله أن الناس ماضون إلى الآن في سبيل تحقيق أهدافها (الديمقراطية والحرية والمساواة)، ونادوا بإنصاف المسحوقين والنساء، وإذا ما تحققت فإنها لابد أن تخلق مساراتها الخاصة.  وأعتقد أن المسار الأكتوبري سيكون كبيرًا جدًا، لأنه منجز أصلًا، لكنه مبتور، ولابد أن يستكمله الشعب وقاداته، والثورة الديسمبرية بشعاراتها واستعادتها أغنيات أكتوبر ما هي إلا امتداد لها، والروح الأكتوبرية ستظل فيها دائمًا، والشباب الديسمبريون ما هم إلا أكتوبريون، (إننا الآن أكثر/ إنا الآن أجدر/فهبي علينا لينتفض القلب يا غالية/ ويخلع أثوابه البالية/ وتجلس أرواحنا في المكان المخصص للروح/ أو..أو/ أو نشتعل مرة ثانية).
● نعرف أنك خبِرت العمل الدبلوماسي منذ الستينيات... ألا ترى أنه أثر على نتاجك الأدبي؟
- الدبلوماسية فن من فنون التواصل بين الشعوب، وتحقق لنا ذلك وتعرفنا على مثقفين وأدباء كثر تبادلنا معهم الأفكار والثقافات، ولم يأت ذلك من فراغ، وإنما لعمل دؤوب ومتصل منذ التحقت بوزارة الخارجية دبلوماسيًا، وتدرجت في وظائفها متنقلًا بين سفاراتنا في العديد من دول العالم، حتى أصبحت سفيرًا ممثلًا للسودان في منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، وتشيكوسلوفاكيا وباكستان، إلى أن قدمت استقالتي كسفير بوزارة الخارجية (مسؤول الدائرة الأفريقية)، لا شك هذا أمر ليس بالهيّن، لذا تجدني أستطيع أن أقول كان العمل الدبلوماسي خصمًا على شعري، لكن ليس بما يستوجب الشكوى ■