بيروت في قلب العاصفة

بيروت  في قلب العاصفة

بيروت أم المدن تعيش حدادًا، مئات القتلى والجرحى، عشرات المنازل والدور أنقاض، وأشلاء بشر. لا تسمع إلا التأوه والنشيج والاستغاثة، الإجراءات المتنوعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لا تستطيع أن تفعل شيئًا، الكارثة أكبر مما يتصور إنسان، ربنا عفوك. (صورة ص95) العاصمة الجميلة عباءة سوداء والناس في حالة هيستيرية، هكذا كان الوضع أثناء انفجار الإهراءات والعنابر واليخوت والسفن، والدور والمنازل.

 

بيروت عباءة سوداء تمضغ الألم والمرارة ووسائل الإنقاذ والحماية والمساندة ضئيلة وهشّة.  بيروت اليوم ليست كبيروت الأمس، عروس المتوسط دامية حزينة وقد مضى أكثر من سنتين والأمور على حالها والناس في صراع دام مع المسؤولين وذوي الشأن.
بيروت 
أكذا يكون الحب يا بيروت
                            يا زهرة بين الركام تبيت
قسمًا بأنك أقحوانة شرقنا
                            لو كام فيك الشهم والجبروت
أسفأ عليك يُقصُّ شعرك عنوة
                           ويدال من زند الفدا ملكوت
سميت أنت منارة في شرقنا
                           وعدا عليك الذيب والطاغوت
لم يعرفوا كم أنت كنت جميلة
                          ما حبنا إلا هراء أو سكوت
يا درة لم يدركوا ثمنًا لها
                          أغلى الغوالي حبنا المسكوت
ما زال دمع مئات في حناجرهم
                          يروون عنهم فسل عن حجمهم حوت
ينام أهل وأولاد لهم جيف
                          تحت الركام وما جفت توابيت
سل المراكب والركبان كم حصدوا
                         من المغانم حيث الربح مسكوت
سألت عنها فقالوا تلك بيروت
                         مدينة من جناها يسقط التوث
مليكة من ربى التاريخ مشرقها
                        في الخافقين لها عز وتثبيت
تطوي السنون على أهل قضوا غرقا
                        تحت البحار وما أنجاهم حوت
كم لحن البحر من أنفاسه ومشى
                        ينام في قلبه أهل مصاليت
يكابر اللحن حتى يخفي موعده
                       وتنشد الروح ما غنت توابيت
لو قيس دمعك يا بيروت ما كفيت
                      كل البحور وما جفت توابيت
يعاتب المد أنفاسًا له عميت
                      لم تدرك الصحب حتى اغتالهم حوت

إنها بيروت سلسلة الذهب حديقة العاج والعتب تتنفس في النار والدخان، تلوم كل يوم أهلها، فهي فوق الحفر تحت الحفر في النار والدخان وأذرعة اللهب عدا عليها الجحيم فصيفها حجارة ونار وضحايا انفجار، يصير صيفها شتاء وشتاؤها نارًا.
مسكينة بيروت ضفائر الذهب والعاج في كفها حقل رماد وبئرها عميقة ليس لها قرار، مسكينة بيروت واحة انفجار.
فستانك يا بيروت 
مشغول من بحر
خيطان جُبّتهِ
من عالم السحر
 فما أشجاك نغمتنا 
وما أحلاك ملجأنا
إليك نشوق أجمعنا
إلى أحواض شاطيك
والعالم السري 
كم غالك الجزر 
دوى بك المد
فانساب يأخذنا 
كما ندري ولا ندري
إن مسَّك الخطر
صحت به أهلي
برم المدى جنحيه 
ويلقينا على 
يا بحر يا جبار 
كم تقوى في القهر
أرخو عليك النار 
مجنونة الوزر
 بيروت يا مرسال 
عن أهلي لا أدري
 سقتنا وزرها النيران
من عالم غجري
وقد أسرجتِ جعبتنا 
وردًا وزهر البان
وصرنا نجمع الأحباب
نشكوأمانينا
ونبكي كلما بيروت 
ظلت تواسينا
يا بحر ذي بيروت 
ارجع على المينا

شرب البحر عيوني فاسقنيها 
جف دمعي وغدت أرضي لهيبًا
فيها أجساد صغار أبرياء، كتبوا يوم الفجيعة 
بأكاليل الرماد 
لك يا بحر تماثيل غار 
لأعز الراحلين 
لبسوا وراحوا لبسوا البحر رداء 
من جلي الموج حيث العرش عرش الراحلين
لك يا بحر دموع لن تجففها شمسك 
شمس آب
آنذاك ما رأيت على شرفة 
تلك الفاجعة 
سمط ضحايا، رُدَّهم يا بحر 
من عمق اللهب 
لأهاليهم، لدموع من عتب 
ردهم من أعمق الأعماق
من بحر سجد
 - مشاهد -
اعبروا الماء رويدًا رويدا 
فيه أجساد صغار وتواشيح صور 
تشرب البحر عيوني فاسقنيها
جف دمعي وغدت أرضي 
شمعًا ولهيبًا ومواني دموع 
آنذاك ما رأيت على شرفة 
تلك الفاجعة
- سمط ضحايا -
ردهم بحري إلى عمق اللهب 
وإلى عمق الجسد
ردهم من أعمق الأعماق 
ردهم لقلوب مثخنة 
بجراحات الفؤاد
نزف البحر على قدر مياهه
ألمًا والشط عرزال صور 
وانتقلنا من دم المعنى
إلى عصر الرماد 
حيث كانوا يرسمون 
عن طريق البحر دربًا للبقاء 
سنة 
نمتِ الأطفال عامًا 
في أباريق الزهر 
إن لبنان حكام هوى 
وميادين سفر 
سنة مرّت وماء البحر 
دمع ما هجر 
ودم ما جمد 
سنة مرت وماء البحر 
دمع ما هجر 
سنة مرت نمتِ الأطفال عامًا في أباريق الزهر 
وانتقلنا من دم المعنى 
إلى عصر الرماد 

عرس الموت  
غاص بحر الدمع في بحر ركد
وأغاني صغار فتنتها 
رهبة المد العنيد 
حاملًا موج الفجيعة 
كان أطفال هناك تبسم الدنيا لهم 
جمعوا كل أغاني البحر وساروا 
ركضوا يحضنون الموج مثلما 
تحفظ الأم الولد 
وهدير البحر من حزن زفر 
أي سرب مُحنّى بأكاليل الزهر 
جف دمع الأمهات 
في مآقيها 
وجرى أعتى صراع 
بين عصر قارئ عكس السطور 
دولة ضمت الأحكام في برج 
الضياع 
ردهم يا بحر لقلوب مثخنة 
نزف البحر على قدر مياهه 
ألمًا والشط عرزال صور 
والمقاهي قيل كانت هنا وهناك 
هو يوم القيامة، هو بحر، كان بحرًا 
صار أمواج رماد
صوت بيروت الجميل بحره كان ذات يوم 
مهرجان الحب ميزاب السحب 
هو بحر الظلمات أم هو بحر الفجائع والضياع 
وسلِ الأمهات عن مراياهن حول الفاجعة 
أمهات لبسوا البحر وساروا 
يسألونه عن أحباء وأبناء من عمر الزهور 
لبسوا الأسِرّة 
وغابوا وإلى الأبد ضحايا استهتار 
إن لبنان حكام هوى وميادين سفر 
سنة مرت، ماء البحر دمع ما هجر 
رئة البحر أكاليل زهر ■