إلى أن نلتقي

 إلى أن نلتقي
        

ذكريات في الكويت

          منذُ يفاعة الصبا ونضج الوعي كانت الكويت قريبةً من القلب، ولأنني كنتُ في ذلك الزمن البعيد أعشق القراءة عشقًاجارفًا، وأكتبُ أشعاري وحكاياتي وأنا مازلتُ بعد طالبًا في المرحلة الثانوية في تلك القرية المغمورة، فكانت مجلة «العربي» هي الرئة التي أتنفس من خلالها، والفضاء الرحب الواسع الذي أطلُّ من خلاله على المعرفة وعلى مدن الأرض البعيدة.

          هذه المجلة الرائعة التي مازلتُ مداومًا على قراءتها وأشتري نسختي في نهاية كل شهر، وقد تعرفت من خلالها على الشعراء والَكتاب والمبدعين العرب الذين كانوا يكتبون بها.

          ولا أنسى في هذا المقام قصيدة شاعر الكويت الكبير «فهد العسكر»: «كُفِّي الملام َ وعَّلليني... فالشَكُّ أودى باليقينِ»، وقد صار انجذابي الفكري والروحي والثقافي إلى الكويت من الأمور البديهية في حياتي لأنها صارت تشكِّل في تجربتي الإبداعية رافدًا كبيرًا لا أستطيع أن أغُضَّ الطرف عنه، ولأنها وطن الثقافة العربية والمترجمات وآخر كتب الأدب والفكر والحداثة، وشتى أنواع الإبداع الإنساني الذي يصل الوطن العربي وبأثمان زهيدة، وسلسلة «عالم المعرفة» التي تصدر عن المجلس الوطني للثقافة الفنون والآداب، التي لا يمكن أن يستغني عنها الكاتب الموهوب والقارئ العربي الجاد الواعي الملهم.

          وقدر الله لي أن أزورها لمدة أسبوعين وهي من أجمل أيَّام العمر، وقد وطأت قدماي أرضها الغالية في شهر يناير (كانون الثاني)، من العام 2010، وكنت سعيدًا جدًا وأنا أتنفس هواء الكويت وأشاهدها بأم عيني وقد قرأت عنها الكثير، وكنت أتمنى أن تسمح لي الأيّام بزيارتها وقد تحقق الحلم الجميل المدهش.

          هذا المجتمع العربي الكويتي الذي لم يأت من الفراغ وإنما له امتداد عميق في الأرض، منذ ما قبل تأسيس الأمارة وحتَّى الآن، ولأنَّ مشروعي هو البحث عن قبيلة «العجارمة» القحطانية العربية التي يوجد أبناؤها في كل الدول العربية، كانت ضرورة البحث تدفعني للسفر إلى الكويت في مهمة البحث الشَّاقة لألتقي أبناء عمومتي العجارمة الرشايدة وأسمع سواليفهم وأسجِّل مآثرهم وحكاياتهم وتاريخهم وأنهم أبناء الكويت الأصلاء الذين يعتزون بالانتماء إلى وطنهم وعروبتهم.

          وهآنذا أجيء لأول مرة مسكونًا وممتلئًا بقراءاتي ومشاهداتي ومعارفي التي استقيتها من مجلة العربي ومن مجلة الكويت ومن كتاب المؤرخ الكويتي عبدالعزيز الرشيد عن تاريخ الكويت، ومن أشعار فهد العسكر، وعبدالله زكريا الأنصاري، وقصائد الدكتورة سعاد الصباح وقصص طالب الرفاعي ومقالات الدكتور سليمان العسكري والدكتور محمد الرميحي، وقصص ليلى عثمان، وما كان يكتبه أستاذنا العلامة المبصر «عبد الرزاق البصير» ومن مسلسلات غانم الصالح وحياة الفهد وسعاد العبدالله وداود حسين، ومسرحيات عبدالحسين عبدالرضا والكثير من الأسماء الإبداعية التي ربما غابت من الذاكرة المزدحمة بالتفاصيل الكثيرة.
-----------------------------
* مدير البرامج الثقافية في الإذاعة الأردنية.

 

 

 

أحمد مزيد أبوردن العجارمة