حقبة جديدة من الحياة الثقافية في السعودية

حقبة جديدة من  الحياة الثقافية في السعودية

افتتحت مؤسسة فن جميل بمدينة جدة في ديسمبر الماضي «حي جميل» كأول مجمع فنون من نوعه في المملكة العربية السعودية معني بالصناعات الإبداعية، بتصميم فريد مدعوم بفلسفة الاستدامة والتكيف، وينضم حي جميل إلى مركز جميل للفنون في دبي، الذي افتتح في نوفمبر 2018، في إطار جهود بناء مجتمعات فنية منفتحة ومتفاعلة ترعى وتدعم الطبيعة المجتمعية للفنون في مكان واحد. ويحتوي المركز عvلى متحف للفنون، ومنصات تثقيفية وتفاعلية واستيديو وسينما مستقلة هي الأولى من نوعها في السعودية.

 

يتكون حي جميل من ثلاثة طوابق، بمساحة 17 ألف متر مربع، وهو من تصميم الاستوديو المعماري «واي واي»، ويحتوي على عدة أقسام منها «فنون حي» وهو متحف يستضيف معارض فنون محلية وعالمية، و«فناء حي» وهي مساحة متعددة الاستخدامات للفعاليات والبرامج الثقافية وورش العمل، بالإضافة إلى «استوديو حي» وهي عبارة عن ساحات للتعليم العملي، ويحتوي المركز على أول سينما مستقلة في السعودية «سينما حي» من تصميم «بريك لاب» والتي تحتوي على مسرح يتسع لـ 165 مشاهدًا وغرفة عرض ومكتبة وسائط متعددة ومساحة تفاعلية، لتكون مقصدًا لمحبي السينما المحليين على مدار العام.

افتتاح «حي جميل» في جدة 
ترتكز برامج ومبادرات «فن جميل»، التي تتنوع ما بين تنظيم المعارض والتكليفات الفنية والأعمال البحثية وجهود توعوية وبناء المجتمعات، على إيمان بأن للفنون دورًا جوهريًا في حياة الإنسانية وعلى قناعة بضرورة أن تكون متاحة للجميع، وتعمل المؤسسة على تعزيز دور الفنون في بناء مجتمعات منفتحة ومتفاعلة، بالتعاون المستمر مع شركاء ومؤسسات فنية وأكاديمية عريقة من شتى دول العالم.
وقال فادي جميل، رئيس ومؤسس «فن جميل»: « إن إطلاق مشروع حي جميل في عام 2021 يأتي  تزامنًا مع رؤية 2030، وجهود المملكة العربية السعودية في تطوير قطاع الفنون والصناعات الإبداعية ومع حقبة جديدة من الحياة الثقافية في السعودية، حيث كان من المقرر افتتاح حي جميل قبل سنة من الآن، لكن مع أزمة كوفيد 19 تم تأخير انطلاق المشروع، غير أن هذا التأخير ووقت الافتتاح صادفا وقتًا تشهد فيه السعودية نهضة ثقافية كبيرة وانطلاق العديد من المعارض والمشاريع الثقافية، صممنا هذا المجمع ليكون نقطة تعاون مع شركاء ثقافيين من مختلف دول العالم، ووضعنا المجتمع الإبداعي في جوهر عملنا، وخلق فرص من شأنها إثراء المشهد الفني والثقافي السعودي والتغيير الإيجابي والمؤثر لمدينة جدة.  وبالنسبة لتصميم مبنى حي جميل، حرصنا أن يكون المبنى جزءًا من عملية التعليم والتوعية، فالمبنى مصمم وفقًا لمبادئ الاستدامة والقدرة على التكيف، فالطاقة والماء والاستدامة من المواضيع التي تهمنا شخصيًا. ونريد أن نتحدث عنها بجانب الفنون.
كما تحرص المؤسسة على تشجيع الشباب السعودي على الدخول في المجال الفني، من خلال توفير مساحات ثقافية لهم كالمسارح والسينما والمعارض الفنية، والدولة أيضًا بدأت تلتفت إلى هذا الجانب والاهتمام بتوفير تلك المساحات مثل العديد من الدول الأخرى، نظرًا لدور الفنون المهم في بناء المجتمعات».
وأضافت أنطونيا كارفر، المدير التنفيذي لمؤسسة فن جميل:  «نحرص في المؤسسة على تناول مواضيع عالمية ملحة، ونهتم بدعم هذه البرامج من خلال البحوث والتبادل الثقافي والمعرفي مع الفنانين والمبدعين في هذا المجمع الذي صمم خصيصًا ليخدم احتياجات المجتمع الإبداعي المحلي».
جاء التصميم بشكل يجمع باقة متعددة من التخصصات الإبداعية في وجهة واحدة، كما أن سكان حي شركاء لفن جميل في هذه الرحلة ويجسدون أفضل ما في روح الإبداع السعودية ويقدمون مفاهيم جديدة تتنوع بين الفن المعاصر والتصميم وعروض الأداء وفنون الطهي والنشر، ومعهد للخبز ومطاعم ومقاه بمفاهيم جديدة.
والاسم (حي) مستوحى من الحي السكني، والذي يعكس دور الحي في خلق بيئة للفنانين ومحبي الفنون، و(جميل) نسبة إلى عائلة جميل، والذي بالمناسبة يواكب إطلاقه احتفال عائلة جميل بـ75 عامًا على مزاولة الأنشطة الخيرية والاجتماعية عالميًا.

معرض (ماذا في طبقك)
ومن المعارض المميزة في الموسم الافتتاحي، «معرض ماذا في طبقك» وهو عن الطعام وكيف نرتبط به وكيف نأكل الآن وفي المستقبل، وهو مستوحى من مدينة جدة، والأطباق والثقافات المختلفة لسكان جدة، كذلك معرض تماثيل الشوكولاتة، وهي تماثيل مصنوعة بالكامل من الشوكولاتة لمجموعة فنانين من الكونغو، ويتحدث المشروع عن زراعة وحصاد الشوكولاتة.

برامج الموسم الافتتاحي لحي جميل
يشمل الموسم الافتتاحي الذي يمتد لخمسة أشهر على مجموعة واسعة من المعارض والتكليفات الفنية والبرامج العامة التي يشارك فيها أكثر من 45 فنانًا من 20 دولة، وأعمال وتكليفات فنية حديثة لـ 19 فنانًا سعوديًا. وشارك في تقييم البرامج كل من راهول جوديبودي وداني بوروز، من مؤسسة دلفينا، والتي تضم 21 عملًا فنيًا تعكس الاهتمام بمستقبل الغذاء والعلاقة بين البيئة والمجتمع والغذاء، حيث احتوى المعرض الذي يعد الأول من نوعه في منطقة الخليج، على مجموعة متعددة من منحوتات الشوكولاتة وخلايا النحل إلى جانب أعمال تركيبية مطبوعة وسمعية وبصرية مأخوذة من مدينة جدة بالإضافة إلى وسائط تتناول موضوعات التجارة والتبادل التجاري، بمشاركة باحثين من جنوب آسيا وأفريقيا وأوربا. 
وتضمنت ورش الموسم الافتتاحي ورشة «هذا الذهب يؤكل» والتي جاءت بالتعاون مع مناحل «بي ويز» وجزء من التكليف الفني للفنانة الإماراتية موزة المطروشي المعروض في فنون حي، والتي تستضيف خلايا نحل من مناحل أثناء قيامها برحلتها الموسمية من محافظة الجوف إلى منطقة عسير جنوب السعودية.
وعن فكرة الورشة، ذكرت الفنانة موزة المطروشي، أن مشاركتها تضمنت 3 أعمال، وهي: فيلم بعنوان هناك ذهب يؤكل، وعمل صوتي بعنوان هنا ذهب يؤكل، بالإضافة إلى سلسة ورش بعنوان هذا ذهب يؤكل.
ويعرض الفيلم الذي استغرق تصويره 6 أشهر حياة النحل الكرينولي، وطريقة حصاد العسل، وكيف يتم حصاده بطريقة قاسية تؤدي إلى قتل النحل. وتذكر الفنانة موزة المطروشي أن فكرة المشروع والاهتمام بموضوع النحل وإنتاج العسل جاءت عن طريق الصدفة عند التقائها بالنحال الإماراتي أحمد المزروعي بمهرجان العسل في مدينة حتا بالإمارات، وهي كفنانة مهتمة بسياسة الغذاء، وهو جزء من بحثها المستمر، وتركز الآن بشكل أساسي في أعمالها الفنية على الأمن الغذائي والاستدامة، وعند تواصلها مع حي جميل واطلاع القيم الفني راهول جوديبودي على بحثها وتوثيقها لحياة النحل وإنتاج العسل، شجعها على أن يكون بحثها عملًا فنيًا، فقصة الفيلم بها سرد خيالي أقرب للواقع ومن الممكن أن يصبح رسالة هادفة، فرسالتها من العمل هي كيف يمكن تربية النحل بطريقة مستدامة، والمشروع يحتوي على عدة استعارات من حياة النحل.  كما أن هناك مناحل في حي جميل لورش العمل والبحث في سبل وطرق تربيتها.
وعن مبادرة حي جميل في دعم المشروع، أشادت بالدور الكبير الذي قدمته لها المؤسسة من حيث إعطائها الوقت الكافي لإتمام عملها الفني وتزويدها بالمراجع التي ساعدتها في البحث، والتسهيلات التي قدمت لها للتواصل مع الفنانين ومتابعة العمل خلال فترة إنجازه من قبل نقاد وفنانين. وشكرت بدورها المؤسسة التي تعاملت مع مشروعها الفني وكأنه مشروعها الخاص.
وبموازاة المعرض ينطلق برنامج تفاعلي بين فنانين وباحثين، وانتقال الدفعة الأولى من الشركاء المحليين «سكان حي» إلى المجمع الإبداعي، وهي مؤسسات رائدة من السعودية تشارك في تصوراتها بمفاهيم متجددة في الفن والتصميم المعاصر والأداء وفنون الطهي، إلى جانب برنامج مستمر من الأفلام الوثائقية وجلسات حوارية وورش للطبخ والزراعة وجولات طعام.

برنامج التكليف الفني 
يعطي البرنامج السنوي الفنانين الفرصة لتطوير أعمال جديدة  على لوحة بعرض 25 مترًا وارتفاع 5 أمتار توضع على واجهة المبنى، وهي من سمات الهدف المعماري للحي، ويتم تخصيص التكليف عن طريق الترشيح وهيئة تحكيم، برعاية عبداللطيف جميل للسيارات - لكزس، حيث تم اختيار الرسام والنحات السعودي ناصر الملحم للقيام بتصميم أول عمل على واجهة الحي بعنوان «ملامح من الوعي الجمعي» والعمل الفني مستوحى من حكاية شعبية في المنطقة، وهي حكاية الحمامة والحجل والغراب، والتي تروي قصة في زمن الجوع والجفاف، بالشراكة مع الفنانة والمعمارية تمارا كالو، وسيستمر عرضه حتى 1 أغسطس 2022.
يذكر الفنان ناصر الملحم أن عمله «ملامح من الوعي الجمعي» مرتبط بجائحة كورونا، وما سببته من تباعد وربط الوعي الجمعي حيث إنه في بداية الجائحة انقسم الناس إلى من صدق موضوع الفيروس والتزم بالاشتراطات الصحية، ومن كان يعتقد أنها مؤامرة، ونشر أخبار ومعلومات خاطئة، وعدم الاكتراث للموضوع، وربط فكرة عمله بقصة من الفولكلور، والتي تحكي قصة مجموعة من الأشخاص يبحثون عن الماء في زمن الجفاف في شبه الجزيرة العربية، حيث أرسلوا مجموعة طيور إلى جنوب الجزيرة العربية لجلب أخبار تلك المنطقة، وهي الحمام والحجل والغراب.
فالغراب كان ماكرًا وأنانيًا، عاد بأخبار كاذبة ومظللة، وأخبرهم أنه لا توجد حياة في تلك المنطقة، أما طائرا الحجل والحمام فعادا بالأخبار الصحيحة وأخبراهم أن هناك ماء وحياة، فتم عقاب الغراب بتحنيطه وصبغه باللون الأسود، ومكافأة الحمام والحجل بتخضيب قدميهما بالحنة وتلوينهما بألوان زاهية.
وفي الأزمات مثل جائحة كورونا، أنت مخير بين خيارين، إما أن تكون أنانيًا مثل الغراب وتفكر بنفسك، أو تكون كحمام السلام والحجل وتفكر بالجمع.
وسبب اختيار عمل من الفلكلور هو حرص حي جميل أن يكون العمل من الفلكلور الشعبي، وأن يكون مرتبطًا بما يمر به العالم من تداعيات فيروس كورونا المستجد. فكان عمله على الواجهة يحمل تلك الرسالة واستلهم ألوانه من القصة الشعبية، فاستخدم اللون الأسود في الجدارية للرمز إلى الغراب والأنانية والأزرق إلى الماء والأخضر إلى الحياة، والأحمر والألوان الزاهية إلى السلام وحب الخير، وألوان طائر الحجل.
بدوره، شكر الملحم مؤسسة حي جميل وفادي جميل، على الدور البارز الذي يقومون به لدعم الفنون والشباب في المنطقة، والجهود الكبيرة المبذولة لدعم الفنانين من السعودية وخارجها بإنشاء هذا المشروع غير الربحي لدعم جميع أنواع الفنون، والتركيز على الفنانين المحليين، فالمجتمع السعودي يحتاج إلى مثل هذا النوع من المشاريع، فالحي من جدة ولجدة ■