«الديمقراطية أفضل العوالم الممكنة» تحليل لعبارة مربكة

«الديمقراطية أفضل العوالم الممكنة»  تحليل لعبارة مربكة

لا يخفى على أحد ما تتضمَّنه هذه العبارة من إرباك، سواء على مستوى الدلالة اللغوية أو على مستوى السياق الراهن محليًّا ودوليًّا، لذلك فإنَّ إجراء تحليل أولي لها يحتِّم عليَّ في المقام الأول استحضار عبارات مماثلة لها في وصف الديمقراطية، والديمقراطية الليبرالية على وجه التحديد، ومنها العبارة المشهورة لرئيس الوزراء الإنجليزي «ونستون تشرشل» الذي قال: «الديمقراطية أسوأ أشكال الحكم، باستثناء الأشكال الأخرى المجرَّبة». 

 

عبارات كثيرة رافقت سقوط جدار برلين، وتفكُّك الاتحاد السوفييتي، وهزيمة (الديمقراطية الشعبية)، ومنها: (الديمقراطية هي أفق الإنسانية الذي لا يمكن تجاوزه)، والتي تحاكي عبارة الفيلسوف الفرنسي «جان بول سارتر»: (الماركسية هي الأفق الذي لا يمكن تجاوزه)، التي أطلقها في ستينيَّات القرن العشرين، عقب نشر كتابه: نقد العقل الجدلي. وكذلك عبارة الفيلسوف الأمريكي من أصل ياباني «فرنسيس فوكوياما»  والتي وصف فيها الديمقراطية الليبرالية بأنَّها: «نهاية التاريخ»، وذلك في مقالته المنشورة عام 1989 بمجلة (The National Interest)، وفصَّلها لاحقًا في كتابه المشهور: نهاية التاريخ والإنسان الأخير، أو ما عبَّر عنه أخيرًا منسِّق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوربي «جوزيب بوريل» الذي قال: «إنَّ أوربا حديقة، وبقية العالم مجرَّد أدغال»!. فهل يعني ذلك أنَّ عبارة: «الديمقراطية أفضل العوالم الممكنة»، مجرَّد شعار، أو زعم، أو نبوءة، أو أنَّها في أحسن الأحوال مجرَّد خطاب أيديولوجي سياسي، أم إنَّها أبعد من أن تختزل في هذه الأبعاد التي لا يمكن إنكارها، وأنَّها تحتاج إلى تحليل دقيق يكشف عن حقيقتها؟
لا يمكن تحقيق هذا التحليل إذا اكتفينا بسؤال المعنى أو الدلالة، وإنَّما يجب أن نطرح سؤال الوظيفة والاستخدام والاستعمال، لأنَّ المعنى يتحدَّد بالاستعمال، وفقًا لمنظور في فلسفة اللغة أسَّسه الفيلسوف النمساوي فيتجنشتاين، وتعزِّزه اليوم الأبحاث التداولية وتحليل الخطاب، لذلك فإنَّه بدلًا من طرح سؤال: ما معنى أن تكون: (الديمقراطية أفضل العوالم الممكنة)؟ أو لماذا تكون: (الديمقراطية أفضل العوالم الممكنة)؟ فإنَّه يجب طرح سؤال مغاير هو: كيف استعملت هذه العبارة؟ وهو ما يعني الإجابة عن أربعة أسئلة تفصيلية، لكنها متكاملة: أولًا، ما السياق الفلسفي الذي استعملت فيه هذه العبارة؟ ثانيًّا، ما العناصر المكوِّنة لعبارة (أفضل العوالم الممكنة)؟ وثالثًا، ما القواعد التي تحتكم إليها هذه الديمقراطية حتى توصف بأنَّها (أفضل العوالم الممكنة)؟ ورابعًا وأخيرًا، ما حدودها أو قيمتها في عالمنا الذي يزداد صراعًا بين ما يوصف بـ «العالم الديمقراطي» و«العالم الاستبدادي»؟
 
أولًا: في السياق الفلسفي
تحيل فكرة (أفضل العوالم الممكنة) إلى الفيلسوف الألماني «غوتفريد فليهلم ليبنتز» (1646-1716) الذي يقول في كتابه: المبادئ العقلية للطبيعة والنعمة، الفقرة (10)، ما نصُّه:  «ويستنتج من كمال الله السامي أنَّه عندما أحدث الكون اختار أحسن خطة ممكنة بحيث أوجد أكبر تنوُّع مع أدقِّ نظام، وأحسن مكان وزمان مرتَّبين خير ترتيب، وأكثر المعلولات بأبسط الطرق، وأكبر قدرة ومعرفة، وأكبر سعادة وطيبة يستطيع أن يقبلها الكون في المخلوقات، إذ إنَّ جميع الممكنات ترغب في الوجود، (...) ونتيجة لذلك جاء هذا العالم الحالي أفضل العوالم الممكنة.  ومن دون ذلك يستحيل أن نعلِّل لماذا جاءت الأشياء على ما هي عليه، أو على خلاف ذلك».(ص 98). 
ترتبط فكرة (أفضل العوالم الممكنة) بجملة من الأفكار والمواقف الأساسية لهذا الفيلسوف، أهمُّها فكرته عن العدالة الإلهية (theodicies)، وكيفية تفسيره وتعليله لمسألة وجود الشر في العالم، ولفكرته عن النظام السياسي، كما يستخلص من بعض رسائله ومواقفه بحكم عمله في القانون، والدبلوماسية، والاستشارة السياسية لبعض أمراء أوربا، ومنها تحديدًا دفاعه عن النظام الملكي الدستوري، ونقده لنظرية العقد الاجتماعي التي انتشرت في هذه الحقبة، والردود التي لقيتها أفكاره، خاصة فكرة (أفضل العوالم الممكنة) من قبل معاصريه، أو من قبل الذين جاؤوا بعده، بحيث يمكننا القول إنَّها شكَّلت موضوعًا للنقاش الفلسفي واللاهوتي طوال العصر الحديث.
يؤكِّد هذا المعطى التاريخي والثقافي النقاش الذي دار بينه وبين مجموعة من الفلاسفة الفرنسيين، خاصة نيكولا مالبرانش (1638-1715)، وبيير بايل (1647-1706)، والنقد المبطن الممزوج بالسخرية الذي وجَّهه المفكر والأديب الفرنسي المعروف فولتير (فرانسوا ماري آروويه (1694-1778) لفكرة (أفضل العوالم الممكنة) في روايته: كانديد. والحق، فإنَّ هذا النقاش والنقد لم يتوقَّفا إلى يومنا هذا، لكنه اتخذ أبعادًا أو أشكالًا فنية وسياسية، لعل أهمُّها ما نقرؤه في بداية القرن العشرين عند الكاتب الإنجليزي الدوس هكسلي(1884-1963) في روايتيه: أفضل العوالم (1932)، وعودة إلى أفضل العوالم (1959) اللتين أسهمتا مع غيرهما في تأسيس ما أصبح يعرف بأدب الخيال العلمي، وكذلك عند فيلسوف العلم، النمساوي المعاصر ذي الثقافة الإنجليزية كارل بوبر (1909-1994) في مجموعة من دراساته ومقالاته التي جُمعت في كتاب يحمل عنوانًا داًّلا: بحثًا عن عالم أفضل (1989)، وكذلك في كتابه: درس القرن العشرين (1993) وفيهما نقرأ أنَّ الديمقراطية تشكِّل العنصر الأساسي في هذا العالم الأفضل، أو بعبارة دقيقة تشكل الديمقراطية الليبرالية (أفضل العوالم الممكنة)... فكيف تكون كذلك؟

ثانيًّا: في العناصر المؤسِّسة 
لا يمكننا الإجابة عن هذا السؤال ما لم ننظر في بعض العناصر المكوِّنة لهذا العالم التي تشكل فيه الديمقراطية جزءًا من فلسفته العامة، منها على وجه التحديد:
(1) كل الكائنات تبحث عن الأفضل، وتجتهد في ابتكار بيئات جديدة للحياة، والسبب في ذلك أنّها مهتمة بحل المشكلات التي تواجهها، وأوَّلها مشكلة البقاء.
(2) يحيا الإنسان الأوربي في نظام اجتماعي أفضل، وذلك لأسباب كثيرة، منها أنَّه نظام قابل للتقويم والتحسين. يقول: «على الرغم من إخفاقاتنا الكثيرة، فإنَّنا نحن مواطني الديمقراطيات الغربية نحيا في نظام اجتماعي أفضل، لأنَّه معد للاستجابة للتقويم ...» (ب: ص9)، ولأنَّ هذا النظام الاجتماعي والاقتصادي قد قضى على الفقر المدقع والمنتشر، ولأنَّه تمكَّن أخيرًا من إقامة نظام قانوني وقضائي جنائي يعمل دومًا على التقليل من الجريمة والعنف. 
(3) المعرفة العلمية هي أفضل الوسائل التي تحقِّق العالم الأفضل. وتتميز هذه المعرفة العلمية بكونها تبدأ من مشكلات عملية ونظرية، وتبحث عن الحقيقة وليس اليقين، ودراسة الواقع سواء تعلَّق الأمر بالواقع المادي الطبيعي، كالأجسام، وهو ما يسميه العالم الأول، أو الواقع الذهني ومختلف الخبرات الشعورية وحالات الوعي واللاوعي الإنساني، وهو ما يسميه بالعالم الثاني، وأخيرًا هناك الواقع النظري أي مختلف النظريات والمعارف التي راكمها الإنسان، وهو ما يسميه العالم الثالث أو عالم (المنتجات الموضوعية للذهن الإنساني). 
(4) استحالة دراسة الواقع والبحث عن الحقيقة بدون الحرية السياسية، لأنَّ الإنسان يتصف بسعيه إلى توسيع مجال حريته التي تنتج عنها المنافسة التي: «تدعم اكتشاف طرق جيدة لكسب العيش» (ب: ص24). وقد أدَّت هذه العملية إلى ظهور ما يسميه المجتمع التنافسي الذي يميز المجتمعات الغربية الأوربية والأمريكية تحديدًا.
(5) يتَّصف المجتمع التنافسي بطابعه التفاؤلي، وذلك لأنَّه يسمح بتحقيق المبادرة الفردية، ويختلف عن المجتمع المثالي، لأنَّه لا وجود لمجتمع مثالي، وإنَّما هنالك مجتمعات تتفاضل فيما بينها. ويتمثل وجه التفاضل فيما تتيحه المجتمعات للفرد من تحقيق ذاته وإمكاناته، خاصة من جهة المساواة والحق في الملكية.
(6) ليس هنالك من طريق آخر غير طريق التجربة والخطأ، ولا يمكننا التخلص من الأخطاء إلَّا بممارسة النقد حتى وإن اتصف بالشدة، وهو ما يسميه العقلانية النقدية.
تشكِّل هذه العناصر، وما تتضمَّنه من علاقات متداخلة، ما يمكن تسميته بالبنية الأولية لهذا العالم الأفضل، بمعنى أنَّ العالم الأفضل لا يستقيم في غياب هذه القواعد المنظمة، والسؤال الذي يفرض نفسه هو: ما محلُّ الديمقراطية في هذه البنية الأولية؟ 

ثالثًا: في مكانة الديمقراطية
لعل في الإشارة إلى الحرية والتنافس والمبادرة الفردية ما يشي بهذه المكانة، إلَّا أنَّ كارل بوبر في الحقيقة يقدِّم عناصر جديدة تستحق الاهتمام، وقبل ذلك التحليل والنقد، ومنها:
(1) اختار المجتمع الغربي الديمقراطية نظامًا اجتماعيًّا قابلًا للتغيير بالكلمات والجدل العقلي، لذلك فإنَّ ما يميّزه هو المعرفة العلمية والنظام الديمقراطي، رغم ما يتعرَّضان له من أزمات، ناجمة عن بعض الأفراد، أو بعض النزاعات السياسية كالإيديولوجيا القومية المتطرفة. 
(2) الحرية هي القيمة الناظمة للديمقراطية والحياة الإنسانية، وذلك منذ التراث اليوناني الذي يشكِّل أساس الثقافة والفكر الأوربي، وهو ما يعني أنَّ الحرية: «ليست مجرَّد أيديولوجيا، وإنَّما هي طريقة تجعل الحياة أفضل، وتستحق أن تحيا» (ب: ص 155). وكذلك الشأن بالنسبة لقيمتي الفرد والحقيقة.
(3) ليست الديمقراطية إلَّا فضاء يمكن للمواطنين أن يعملوا داخله بطريقة منظمة ومتماسكة. وتستند هذه الديمقراطية إلى «تقاليد ديمقراطية»، و«تاريخ مشترك»، و«مؤسَّسات لها قواعد قابلة للتأقلم والتطوير). يقول: «التقاليد مطلوبة لصياغة نوع من الرابطة بين المؤسَّسات ونوايا الأفراد وتقديراتهم» (ب:ص191). 
(4) لا تتأسّس الديمقراطية على معناها الحرفي الشائع، أي حكم الشعب، وإنَّما على طريقة استعمالها باعتبارها وسيلة لتغيير الحكومة من دون إراقة للدماء، وهو ما يميّزها عن بقية النظم السياسية، خاصة النظام الديكتاتوري، وعليه فإنَّ الانتخابات لا تعني إعطاء شرعية للحكومة فقط، وإنَّما الحكم على الحكومة السابقة إمَّا بإسقاطها أو انتخابها من جديد. 
(5) فكرة أنَّ الديمقراطية تعني حكم وسيادة الشعب عزَّزها أفلاطون مقارنة بغيره من الفلاسفة والمنظرين، والسبب في ذلك أنَّه ذهب في تقسيمه لنظم الحكم إلى خمسة أنواع منها: أولًا، النظام الملكي الذي يحكمه ملك خيّر، يقابله نظام فاسد هو حكم الطاغية. وثانيًّا، النظام الأرستقراطي الذي تحكمه جماعة خيّرة، ويقابله نظام القلة الفاسد أو ما يعرف 
بـ (الأليغارشية). وثالثًا، النظام الديمقراطي الذي يعني حكم الشعب، ويتحدَّد بالعدد الأكبر، وليس فيه إلَّا شكل واحد في نظر أفلاطون ألَا وهو الشكل السيئ، لأنَّه يوجد الكثير من السيئين بين العامة في نظره، ومن هنا كانت معضلة أفلاطون السياسية تتمثل في كيفية الخروج من النظام الديمقراطي، وكان ذلك بطرحه السؤال الذي لا يزال يطرح في كل حديث سياسي أو نظرية سياسية أو فلسفة سياسية ألَا وهو: من يجب أن يحكم؟ لقد كان جواب أفلاطون واضحًا وصريحًا: «الأفضل هو الذي يجب أن يحكم». ولم يتردَّد في إسناد الحكم للفلاسفة أو الملوك الذين يصبحون فلاسفة، باعتبارهم يمثلون الأفضل. لقد ظلَّت الفلسفة السياسية إلى اليوم تطرح السؤال نفسه: من يجب أن يحكم؟ في حين أن السؤال الذي يجب طرحه في نظر كارل بوبر، والذي يستحق فعلًا الاهتمام هو: كيف يمكننا أن نتخلَّص من حكومة سيئة، تسبب الضرر للوطن والمواطن. يقول: «ليست الديمقراطية سيادة الشعب، لكنها قبل كل شيء مؤسَّسات مزوَّدة بوسائل الدفاع ضد الديكتاتورية، إنَّها لا تمنح سُلطة، كما هي الحال في الديكتاتورية، وإنَّما تعمل على تحديد سُلطة الدولة» (د: ص 89). 
وإذا تمكنت الديمقراطية من تحقيق هذه القاعدة فإنَّها ستكون أفضل العوالم الممكنة في الاجتماع السياسي، لأنَّها تضع حدودًا للسُّلطة، وتسمح بإقامة دولة الحد الأدنى، أي دولة القانون التي تكون وظيفتها الأساسية الاعتراف بحق مواطنها في الحياة والحرية.  من هنا نخلص إلى الإقرار الآتي: «إنَّ ديمقراطيتنا لا تتميَّز تميُّزًا واضحًا عن ديكتاتوريات الأغلبية، لكن حتى الساعة لم يكن هناك أبدًا في التاريخ دول استطاع الناس العيش فيها بحريّة، وأن يحيوا حياة أفضل مثل هذه الديمقراطية» (د: ص101). والسؤال الذي يفرض نفسه الآن على هذا التحليل هو: هل تعدُّ الديمقراطية حقًّا أفضل العوالم الممكنة؟ 

رابعًا: في القيمة النظرية والعملية للديمقراطية 
يمكنني تعيين هذه القيمة من خلال تقديم ثلاث ملاحظات حول هذا التصور الذي قدَّمه كارل بوبر، والذي يتوافق كثيرًا مع تلك العبارات التي أشرت إليها في مقدمة هذا التحليل، وتعكس في مجملها المفهوم الليبرالي للديمقراطية: 
(1) عكس الاستعمال اللاهوتي لأفضل العوالم الممكنة الذي قال به ليبنتز، فإنَّ الاستعمال المعاصر الذي قال به كارل بوبر يقدِّم القواعد الأولية لديمقراطية تسمح بإقامة أفضل العوالم الممكنة، ليس لأنَّها كاملة أو مثالية أو طوباوية، ولكن لأنَّها ناقصة، وتبحث عن الأفضل، وتعتمد منهج المحاولة والخطأ، وتبني عالمًا مفتوحًا يقدّر المبادرة الفردية.
(2)  تنتمي هذه العبارة إلى صميم الفلسفة السياسية التي تتحدَّد بدراستها لأفضل النظم السياسية الممكنة. وتندرج ضمن المعنى الكلاسيكي للفلسفة السياسية بمعناها المعياري. وقد بيَّنت الفلسفة الاجتماعية المعاصرة محدودية هذا الطرح، وذلك عندما كشفت عن العلاقة بين المفاهيم السياسية والتاريخ والمجتمع، خاصة من جهة المسألة الاجتماعية المتمثلة في العدل، وهنا يجب أن نلاحظ أنَّ هذه القيمة الناظمة للحياة الديمقراطية قد اختزلها كارل بوبر في (تراجع الفقر)، في حين أنَّنا نعرف أنَّ ما يهدّد الديمقراطية الليبرالية من الداخل قبل الخارج هو المسألة الاجتماعية التي تظهر بوقتنا الراهن في شكل الشعبوية والعنصرية، وذلك ليس بسبب العوامل السياسية أو الثقافية فقط، خاصة ما يتعلق بمسألة الهوية، والهوية المتصلبة عند هذين الاتجاهين، وإنَّما لأسباب اجتماعية، ومنها تنامي البطالة، والأزمة الاقتصادية التي يعرفها النظام الرأسمالي.
(3) لم يخرج بوبر عن التصور الأيديولوجي الغربي العام الذي يجعل من الديمقراطية قيمة غربية، وبقية العالم يحكمها الاستبداد، وذلك منذ أرسطو. وعلى الرغم من أنَّه جعلها قيمة ناظمة للعالم الأفضل، إلَّا أنَّه لم يحلِّلها باعتبارها قيمة عالمية أو كونية، وإنَّما هي ميزة لمجتمعات معيَّنة لها تقاليدها الخاصة، ما جعلها تحمل في طياتها تلك النزعة المركزية الأوربية التي يتردَّد صداها في الخطابات الاستعمارية، مع أنَّه يرى أنَّ جميع الكائنات تسعى إلى الأفضل، أي إلى الديمقراطية، لذلك لم يلتفت إلى التجارب الديمقراطية الأخرى في العالم، ومنها التجربة الديمقراطية الكويتية التي تعد من أفضل العوالم الممكنة، إذا احتكمنا إلى معياره الأساسي المتمثِّل في القدرة على وضع حد للحكومة، وعليه يمكنني القول إنَّ الديمقراطية هي أفضل العوالم الممكنة، إذا أصبحت- فقط-  قيمة عالمية وقادرة على تمثيل مجتمعها تمثيلًا عادلًا ومنصفًا ■