دستور دولة الكويت وقفة بمناسبة مرور 06 عامًا على صدوره

دستور دولة الكويت  وقفة بمناسبة مرور 06 عامًا على صدوره

السلطة ظاهرة لصيقة بالجماعة الإنسانية، وجودها أمر حتمي وتنظيمها أمر واجب لأنه يحقق قدرًا من الأمن والأمان لكل الأطراف، الحاكم والمحكوم، فكل منهما يعرف حدود حقوقه ومقدار واجباته. والدستور هو القانون الذي ينظم ظاهرة السلطة في الدولة باعتبارها أبرز صور الجماعات والكيانات السياسية.  وإذا وقفنا أمام دستور دولة الكويت الصادر في 1962/11/11 وحاولنا أن نتأمل التجربة كي نصل إلى تكوين انطباع عن مدى نجاحها فإن التأمّل يقودنا إلى التفكير في أساس النموذج الذي انطلق منه صانع الدستور الكويتي عام 1962 وأهم ملامح هذا الدستور .

 

أولًا: الجذور: القوانين والدستور: من ضمنها تنظيم سلوك الإنسان في إطاره الاجتماعي، ونجاحها في تنظيم سلوك الإنسان مع أعلى قدر من الالتزام الطوعي بأحكام القانون مرتبط بإحساس الإنسان بأهمية هذا التنظيم له وعدم غربته في مواجهته واستجابة القانون لاحتياجاته. انطلاق القانون من النموذج المقبول داخل الجماعة عنصر مهم من عناصر نجاح القانون. إذا أنزلنا المقدمات السابقة على الدستور الكويتي وموقفه من تنظيم السلطة نلاحظ أن هذا الدستور يتسق مع جذور تنظيم السلطة في الكويت. وقد انطلق الدستور الكويتي من النموذج الرضائي لنشأة السلطة، ووفق هذا النموذج تم اختيار أول حاكم من قبل أفراد الجماعة واستقر الحكم في أسرة محددة نتيجة قبول الجماعة، كما أن اختيار الحاكم من هذه الأسرة لم يكن يثبت إلا بعد البيعة. وممارسته اختصاصاته كحاكم تتم وفق قاعدة الشورى الملزمة، فلم يكن له أن يمضي أمرًا دون الرجوع للجماعة. انطلاق الدستور من النموذج السابق عليه جعل مضمونه متسقًا مع ثقافة الجماعة ومزاجها. الانطلاق من الأساس التاريخي لا ينفي أن الجماعة مرت بتجريبية دستورية جعلت سفينة الدستور تنتقل بين أكثر من ميناء داخل البحر الكويتي حتى استقرت عند الميناء الحالي، ولعل عرض هذه الوقفات مفيد لفهم مضمون الدستور الحالي.

دستور عرفي
-1 النشأة: نشأ الكيان السياسي الذي كان أساسًا لدولة الكويت الحديثة من هجرة مجموعة من القبائل استقر بها المقام في الرقعة الجغرافية المسماة (كويت) وقد اختاروا، وفق الروايات المتداولة، وكان ذلك عام 1756، واحدًا منهم لتولي أعمال الإدارة والحكم وهو صباح الأول لثقتهم بحسن تدبيره وسلامة تقديره، ومن بعده تم اختيار ابنه ثم استقر العمل على أن يكون الحاكم من ذريته. لا توجد وثائق تحدد أسلوب اختيار خلف للحاكم، لكن استعراض الأحداث يرجّح أن الخلف معروف عند القوم قبل وفاة الحاكم السابق، ومع ذلك لا يتولى الحكم إلا بعد أن تتم بيعته من قبل الأهالي، والبيعة بهذا المعنى هي عقد يلتزم فيه الأهالي بالسمع والطاعة ويلتزم الحاكم بالرجوع إليهم قبل إمضاء الأمر، إذًا نحن بصدد شورى إلزام وليس شورى تخيير. 
إذا استخدمنا مصطلحات القانون ونحن بصدد دستور عرفي، فالدستور في أبسط تعريفاته هو قواعد قانونية، والعرف من مصادر القانون القديمة، تنظم ظاهرة السلطة في الجماعة. تحديد أسلوب تولي الحكم وأسلوب ممارسة الحكم هو بلا شك لبّ عملية تنظيم السلطة في الجماعة السياسية. إذًا كان في الكويت منذ 1756 دستور عرفي ينظّم أسلوب اختيار الحاكم وأسلوب ممارسة الحاكم لاختصاصاته. وإذا كانت القواعد ترتبط باحتياجات الجماعة، فإن تطورات حياة الجماعة تقود بلا شك إلى تغيرات عميقة أو طفيفة في القواعد المنظمة أو تقود إلى وقفة أمام هذه القواعد والتساؤل عن الحاجة لإعادة النظر في تفاصيل القواعد القانونية أو أساس وجودها. 
-2 التطورات: استمر العمل بقواعد الدستور العرفي بطريقة سلسة لكن تولي الشيخ مبارك الصباح عام 1896، وهو الحاكم السابع، أتى على خلاف القواعد المستقرة إذ أزاح أخوه وطلب من الأهالي مبايعته. أسلوب تولّيه للحكم وطموحاته أدّيا إلى التأثير سلبًا على أسلوب ممارسة الحكم كما كان مستقرًا وفق قواعد الدستور العرفي فضعف دور الشورى. وفي إطار ولايته ظهرت أول ممارسة واضحة للمعارضة، وفي عام 1921 ظهرت أول وثيقة مكتوبة تعالج مواضيع دستورية قدمها الأهالي للأسرة الحاكمة. تضمّنت هذه الوثيقة تنظيمًا لأسلوب تولي الحكم يعطي للأهالي دورًا في اختيار المرشحين لتولي الحكم، كما تضمنت الوثيقة تنظيمًا لأسلوب ممارسة الحكم وفقه ينتخب مجلس يرأسه الحاكم، ويكون لهذا المجلس الاختصاص بإدارة شؤون البلاد.  وإذا كان أول مجلس للشورى قد أتى معينًا من دون اختصاصات تنفيذية محددة ولم يستمر لفترة طويلة، إلا أن إنشاء هذا المجلس ربطًا بالوثيقة التي قدمها الأهالي فتح الباب أمام تجريبية دستورية تعكس اجتهادًا محليًا وتصلح أن تكون محلًا للتأمل في تفاعل الشعب مع معطيات الواقع. وعدد من الأحداث يستحق وقفة لصلتها بالتطورات الدستورية.

التشريع الأول
أ- البلدية: وجود البلديات وتنظيمها ليس من مواضيع القانون الدستوري لكن ظهور البلدية في الكويت يلفت الانتباه لأننا أمام أول تشريع مكتوب يصدر في الكويت عام 1932. وقد كانت القواعد القانونية في السابق إما عرفية أو تطبيقًا مباشرًا لقواعد الفقه الإسلامي وبالذات في مسائل الأحوال الشخصية. وفق قانون البلدية تم تنظيم أول انتخابات في الكويت وكانت مقيّدة، فالناخبون وفق المادة الثانية من هذا القانون هم الوجهاء من طلبة علم وتجّار ومَن له معرفة باختيار الرجال، حق الانتخاب مقصور على النخب وليس عامًا يشمل كل المواطنين. 
ب- المجالس الإدارية: في إطار تنظيم عمل السلطة التنفيذية ظهرت بعض الأجهزة المرفقية. كانت تدار من قبل أحد أفراد الأسرة الحاكمة ممثلًا عن الحاكم وإلى جواره مجلس منتخب وفق نمط الانتخاب الذي ورد في قانون البلدية، ولعل سبب وجود هذا النمط غير المعتاد في المصالح الحكومية راجع إلى عدم وجود مجلس سياسي منتخب يراقب أداء السلطة التنفيذية، لذلك كان البديل أن يوجد دافع الضرائب داخل إدارة الجهاز التنفيذي الذي يقوم بتمويل تشغيله.
ج- مجلس الأمة التشريعي ودستور 1938: استجاب الحاكم لمطالبات المعارضة بوجود مجلس سياسي منتخب يعكس صورة مجلس الشورى المنتخب الذي ورد في وثيقة الأهالي المقدمة للأسرة الحاكمة عام 1921. بعد انتخاب هذا المجلس وفق النموذج الوارد في قانون البلدية اختار الأعضاء الشيخ عبدالله السالم، وهو ولي العهد كي يكون رئيسًا للمجلس وقرر الأعضاء وضع قانون يحدد اختصاصات المجلس المنتخب وعرضوه على الحاكم للتصديق عليه وقد فعل. عندما نتأمل في القانون المذكور نجده من الناحية الموضوعية دستورًا موجزًا.  ورد في المادة الأولى من هذا الدستور تنظيم موضوع السيادة، فهي للأمة ممثلة في هيئة نوّابها المنتخبين، كما قررت بقية المواد اختصاصات هذا المجلس، وهو يختص بالتشريع ومراقبة وإدارة العلاقات الدولية، كما أنه يشرف على القضاء وتُنَاط برئيسه إدارة السلطة التنفيذية. المتأمل في هذا الدستور من زاوية العلاقة بين السلطات يجد أنه أقرب لنموذج حكومة الجمعية وهو نموذج قليل الانتشار على مستوى القانون الدستوري المقارن يوجد اليوم في سويسرا وقد ظهر في فرنسا بعد الثورة الفرنسية. لا يوجد أي دليل على تأثر هذا الدستور بنموذج حكومة الجمعية، والأرجح أن النتيجة التي وصل لها من وضع هذا الدستور مرتبطة فقط بتصورهم لدور مجلس الشورى على النحو الذي ورد في وثيقة 1921، فهو بكل بساطة مجلس يعاون الحاكم في إدارة شؤون البلاد لكن بدلًا من أن يكون برئاسة الحاكم كما كان متصورًا عام 1921 أصبح برئاسة ولي العهد. نموذج 1938 لم يصمد طويلًا لأنه قاد إلى مواجهة بين الحاكم ومجلس الأمة التشريعي، كما أن الإصلاحات التي بدأ بها المجلس لم تأخذ بالاعتبار قدرة الناس على استيعابها، ولعلّ مرد ذلك إلى حقيقة أنه منتخب من النخب بعيد عن واقع الناس. عاشت هذه التجربة الدستورية لستة أشهر ثم انتهت بحل المجلس ومواجهة بين أنصاره وأنصار الحاكم.  اندلاع الحرب العالمية الثانية أثّر على نشاط النقل البحري وتجارة اللؤلؤ، وهذا أضعف بطبيعة الحال قدرة التجار على مساندة التجربة الدستورية السابقة وقد كانوا أهم داعميها. بعد التصدير التجاري للنفط عام 1946 وزيادة عائدات الخزينة العامة تراجع دور الضرائب في تمويل النشاط الحكومي، كما أن السعي إلى تطوير الأجهزة الإدارية كي تقوم بدور أوسع في إشباع الحاجات العامة للناس جعل التركيز في هذه الفترة على تطوير الجهاز الإداري الحكومي وقلّل من التركيز على تطوير مؤسسات المشاركة السياسية. إلغاء اتفاقية الحماية البريطانية الموقعة عام 1899 مع بريطانيا أعاد إلى واجهة الاهتمام موضوع تنظيم الحياة السياسية. الاستقلال يعني انتقال الكيان السياسي إلى طور الدولة والدولة تحتاج شهادة ميلاد تتضمن بيانات نظامها السياسي وشهادة الميلاد هنا هي الدستور. إذًا كان وجود الدستور مهمًا للدولة الوليدة خاصة وهي تسعى إلى الانضمام للمجتمع الدولي عبر الحصول على عضوية المنظمات الدولية والإقليمية، فإن ملامح الدستور المرتقب لا يمكنها أن تتنكر للجذور الاجتماعية والسياسية للدولة فهي التربة التي ضربت فيها جذورها. وإذا تأملنا تجربة الدستور الكويتي القائم فإننا نلاحظ المعاني السابقة.

إعداد الدستور
ثانيًا: ملامح الدستور الكويتي القائم: بعد إعلان استقلال الكويت في 1961/6/19 تقدمت الكويت بطلب الانضمام للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية كما أعلن عبدالكريم قاسم الرئيس العراقي آنذاك مطالبته بضمّها، ولعل ثراءها كان العنصر الأساسي المحرّك لهذه المطالبة. العناصر السابقة سرّعت خطوات إعداد الدستور، فتم تشكيل لجنة بعد شهرين من الاستقلال لمتابعة تنفيذ مشروع إصدار الدستور، وكان القرار واضحًا، الدستور المرتقب سيشارك في صنعه كل الشعب وليس فقط النخب.  تمت دعوة المواطنين لانتخاب عشرين عضوًا يكوّنون المجلس التأسيسي المكلف بوضع مشروع الدستور على أن يعرض على الأمير للتصديق عليه. وفي 1962/1/6 صدر القانون الأساسي للحكم في فترة الاستقلال، وفق هذا الدستور المؤقت يعتبر الوزراء أعضاء في المجلس التأسيسي وعددهم أربعة عشر، ثلاثة منهم ضمن الأعضاء المنتخبين. تم تكليف المجلس التأسيسي إلى جانب مهمته الأساسية، وهي إعداد مشروع الدستور، القيام بدور المجلس التشريعي العادي وممارسة الرقابة على أعمال الحكومة لحين انتخاب البرلمان وفقًا للدستور الدائم. وبعد أن أقرّ أعضاء المجلس التأسيسي المنتخبين مشروع الدستور صدق عليه الأمير في يوم 1962/11/11 من دون أن يطلب أي تعديل على المشروع. وقد دخل هذا الدستور حيّز التنفيذ في شهر يناير عام 1963 مع اجتماع أول برلمان منتخب وفق أحكام الدستور وتمت تسمية البرلمان بمجلس الأمة، كما كان اسم أول مجلس سياسي منتخب في الكويت عام 1938. إذا تأملنا في ملامح هذا الدستور فسنجد أنه انطلق من الماضي من دون أن يحبس نفسه فيه، كما أنه امتاز بالواقعية ومن آيات الواقعية التوافقية والوسطية.
-1 من الماضي إلى المستقبل: إذا كان صانع الدستور القائم اختار التوافق مع الماضي، فهو حريص على تسجيل أن اختياره ينطلق من الرغبة في الوصول إلى مستقبل زاهر واعد، وقد سجل ذلك بوضوح في ديباجة الدستور وقد ورد فيها «بسم الله الرحمن الرحيم نحن عبد الله السالم الصباح أمير دولة الكويت،
رغبة في استكمال أسباب الحكم الديمقراطي لوطننا العزيز، وإيمانًا بدور هذا الوطن في ركب القومية العربية وخدمة السلام العالمي والحضارة الإنسانية، وسعيًا نحو مستقبل أفضل ينعم فيه الوطن بمزيد من الرفاهية والمكانة الدولية، ويفيء على المواطنين مزيدًا كذلك من الحرية السياسية، المساواة، والعدالة الاجتماعية، ويرسي دعائم ما جبلت عليه النفس العربية من اعتزاز بكرامة الفرد، وحرص على صالح المجموع، وشورى في الحكم مع الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره.
وبعد الاطلاع على القانون رقم 1 لسنة 1962 الخاص بالنظام الأساسي للحكم في فترة الانتقال.
وبناء على ما قرره المجلس التأسيسي صدقنا على هذا الدستور وأصدرناه».

هوية المجتمع
وقد أخذ صانع الدستور الكويتي بأسباب مراعاة المستقبل، فحرص على أن يأتي الدستور وفق المعايير المعروفة لصناعة الدساتير ، فلم يكتفِ بتنظيم السلطة بل أخذ بفكرة الدساتير المتوسعة فجعل في الدستور مكانًا لتحديد الفلسفة الاقتصادية والاجتماعية للدولة، كما حدد دورًا للدولة في كفالة الحقوق والحريات الأساسية وتعامل مع موضوع الهوية،  فقرر أن هوية المجتمع عربية إسلامية. ومن مظاهر اعترافه بأن للمستقبل أحكامًا لا يحيط بتفاصيلها مشرّع الحاضر، أنه لم يوغل في التفاصيل التي تتأثر بمعطيات الزمان بل ترك التفاصيل للمشرع العادي مكتفيًا بتحديد الخطوط الأساسية التي يلزم على المشرع العادي الالتزام بها. 
-2 الواقعية: محضر جلسة المجلس التأسيسي 62/20 المعقودة بتاريخ 1962/9/18 تضمن حوارًا ممتعًا بين د. أحمد الخطيب نائب رئيس المجلس التأسيسي وهو آنذاك طبيب شاب، ورئيس المجلس التأسيسي ورئيس لجنة الدستور السيد عبداللطيف ثنيان الغانم، والذي كان أيضًا عضوًا في مجلس الأمة التشريعي عام 1938. الخطيب ينتقد مشروع الدستور لأنه لم يأخذ بالنظام البرلماني الصرف كما هو في بريطانيا، وكان رد الغانم أننا نطمح للوصول إلى أفضل الأنظمة لكن لا نستطيع تجاهل واقعنا، فالأخذ بالنظم المتقدمة يحتاج لشعب تتوافر عنده الإمكانات والخبرات. وكانت خلاصة مداخلة رئيس المجلس، أننا نظرنا في تجارب الدول المقاربة لنا في ظروفها وأحوالها فوجدنا أن  دفع الشعب لخوض غمار تجربة دستورية لم يستعد لها هو تعريض لنظام الحكم للفشل وتعريض للشعب لحالة من الفوضى لذلك اخترنا بواقعية ما نعتقد أنه يوصلنا للتطور دون المجازفة غير المبررة، ومن مظاهر الواقعية التوافقية والوسطية:
أ - التوافقية: تم إعداد الدستور من قبل مجلس منتخب يضم كل الاتجاهات السياسية في المجتمع الكويتي، وهذا يعني أن المصالح والمطالب ليست متطابقة، فلا يبقى أمام كل الأطراف إلا التوافق. التوافقية تعني التعامل بين مختلفين يقبل كل منهم بقدر من مطالبه ويقبل بالتنازل عن قدر من مطالبه، فلا ينال طرف من الأطراف كل المطالب التي يريد تحقيقها. ومن أمثلة التوافقية موقف الدستور من النظام البرلماني، فهو مدخل إلزامي في تنظيم العلاقة بين السلطات في الأنظمة الوراثية لكن الأخذ به على علاته يقود إلى عدم استقرار الحكومة حال عدم توافر الأغلبية المتجانسة الواضحة في البرلمان ويقود أيضًا إلى تقليص دور رئيس الدولة وإبعاد الأسرة الحاكمة عن ممارسة السلطة التنفيذية لحمايتها من التجريح السياسي. أمام واقع ضعف التنظيم السياسي وغياب الأحزاب السياسية من جهة ورغبة قوى سياسية متعددة بإعطاء الأمير والأسرة الحاكمة دورًا مؤثرًا في الحياة السياسية من جهة أخرى، تم التوافق على الانطلاق من النظام البرلماني مع إمكان الابتعاد عنه بعدم ربط اختيار الحكومة بضرورة حصولها على الثقة عند تقدمها للبرلمان مع الإبقاء على مسؤوليتها السياسية أمام البرلمان بعد تشكيلها.  والتوافقية في هذا الموضوع تظهر أيضًا في تقرير، أن الابتعاد بمقدار عن النظام البرلماني جائز والاقتراب منه هدف مستقبلي منشود يتحقق بتطوّر موقف المجتمع من تنظيم الحياة السياسية تمهيدًا لظهور الأغلبية البرلمانية المبنية على البرنامج السياسي، وهو الأمر الذي تقرره المذكرة التفسيرية للدستور عندما تقول إن النظام البرلماني هو الأصل. وموقف الدستور الكويتي في هذه المسألة نادر في التشريعات المماثلة على مستوى القانون المقارن، فهو يدور بين المباح والمستحب، الابتعاد عن النظام البرلماني التقليدي مباح والاقتراب منه مستحب.
-2 الوسطية: موقف الدستور من الفلسفة الاقتصادية من ضمن صور الوسطية فيه، فهو مع ميله إلى تقرير دور تدخلي للدولة في التعامل مع الظاهرة الاقتصادية لأنه يريد أن يكون لها دور إيجابي في تحقيق العدالة الاجتماعية إلا أنه حرص على تقرير دور إيجابي للمبادرة الفردية في النشاط الاقتصادي أيضًا. وقد ترك تحقيق مقدار التوازن العادل بين نشاط القطاعين العام والخاص للمشرع العادي من دون أن يميل كل الميل إلى النظام الرأسمالي أو النظام الاشتراكي.
ولعل هذه الواقعية هي التي سمحت لهذا الدستور بأن يظل صالحًا لتنظيم الحياة السياسية إلى الآن.  وفي كل الأحوال هو يسمح بتعديل أحكامه وينظم أسلوب تعديلها، لكنه لم يعدّل منذ دخوله حيّز النفاذ مع أن هناك أكثر من اقتراح بتعديله تم تقديمه، وقد يكون عدم تعديله إلى الآن من مظاهر صلاح أحكامه لتنظيم أوضاع البلاد والعباد ■