زنجبار تاريخ عربي وحاضر إفريقي

زنجبار تاريخ عربي وحاضر إفريقي

تطعيمات للوقاية من الحمى الصفراء والسحايا، تناول حبوب الملاريا قبل وخلال السفر وبعد العودة منه، استخدام بخاخ للحماية من لسعات البعوض على الدوام، احترازات التزمناها خلال رحلة طويلة من الكويت إلى زنجبار، ورغم كل ذلك فإن رؤية رمال سواحل زنجبار... ومياهها الفيروزية... وأشجار جوز الهند هنا وهناك، ونسمات الهواء المنعشة القادمة من المحيط...والملابس الزاهية التي يرتديها الناس، وتلك الابتسامة التي لا تفارق محياهم في المطار... في التاكسي... في الشارع والفندق... تُنسيك مشقة الرحلة ووعثاء السفر. زنجبار... أرخبيل من الجزر الواقعة قبالة الساحل الشرقي لإفريقيا وتتبع جمهورية تنزانيا الاتحادية، كانت   زيارتي للجزيرة الأكبر في الأرخبيل «أنغوجا» حيث العاصمة «ستون تاون».

 

أقمت في فندق بوسط العاصمة «ستون تاون» أو المدينة الحجرية التي اكتسبت اسمها من مبانيها المبنية من الحجارة المرجانية، الفندق مقابل شاطئ البحر بني منذ القرن التاسع عشر... تستقبلك مدافع أثرية وضعت عند مدخل الفندق.  مبنى جميل ولا يزال محافظًا على طابعه التقليدي... ديكورات خشبية كلاسيكية... سقف الغرفة مسلح بألواح خشب «المنغروف»، أبواب خشبية ضخمة محلاة بنقوش ورسومات ومسامير نحاسية ضخمة مدبّبة... سرير خشبي ضخم بعمدان على زواياه محاط بناموسية كأنه قفص! غالبية فنادق ستون تاون على هذا الطراز... مبانٍ قديمة رُمّمت وحُولت إلى نُزل وفنادق، فبعد أن أدرجت مدينة ستون تاون على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي غير المادي عام 2000 مُنع هدم المباني القديمة وتغيير هويتها.
ولقرون من الزمان كان سكان شواطئ المحيط الهندي في حركة تنقّل وهجرة دائمة بغرض التبادل التجاري، ولعل أبرز تلك الأماكن جزيرة زنجبار التي جذبت أنظار التجار والمغامرين بمختلف أعراقهم ودياناتهم لموقعها الجغرافي المميز وأراضيها الخصبة، فهي مزيج من الأعراق والثقافات والأديان والألسنة... عرب وهنود وبرتغاليون وفرس وغيرهم جاؤوا إليها مغامرين بمراكب شراعية، وترك كل منهم بصمته الخاصة في الجزيرة التي لا تزال آثارها موجودة إلى يومنا هذا.
ولعل الطريقة الأمثل لاكتشاف ستون تاون هي التجوّل مشيًا في شوارعها وأزقتها الضيقة المليئة بالمحلات والبشر ورؤية مبانيها القديمة رغم أن أغلبها مهجورة ومتهالكة، إلا أنها تتميز بهندسة معمارية فريدة، وأبواب تلك المباني الضخمة روائع خشبية منحوتة بدقة يزيد عمر بعضها على قرن من الزمان، ومنها ما هو متأثر بالنمط الهندي من حيث النقوش والتصميم، ومنها ما هو متأثر بالثقافة المحلية ومنها الأبواب العربية التي تتميز زخرفتها بآيات وعبارات عربية. أبواب زنجبار تعكس التعددية الثقافية لهذه المدينة وكيف عاش سكانها في تسامح واندماج جنبًا إلى جنب.

مبان تاريخية
تُعد القصور التي تتواجد في ستون تاون، والتي تحولت إلى متاحف، من أبرز أماكن الجذب السياحي في زنجبار والتي تحكي قصة الجزيرة وتأثرها بالثقافات التي وفدت إليها التأثير الأكبر على معمار زنجبار كان من عرب عُمان الذين بسطوا سيطرتهم على الجزيرة لفترة طويلة، فنجد بعض تلك المباني التي خلّفها سلاطين عُمان من أسرة آل سعيد التي حكمت من 1832م حتى 1964م ومنها «بيت العجائب» البناء الأهم والأشهر في زنجبار، والذي شيّد في عام 1883م من قبل السلطان برغش بن سعيد ثاني سلاطين أسرة آل سعيد في زنجبار وأطلق عليه السكان بيت العجائب كونه أول بناء في شرق إفريقيا يحتوي على مصعد كهربائي، ويقال إن الكهرباء دخلت بيت العجائب قبل أن تدخل مدينة نيويورك الأمريكية ! والمبنى مكون من ثلاثة أدوار وبرج ساعة ضخم. مَثل القصر أعجوبة معمارية في زمانه، وهو واحد من بين ستة قصور شيّدها السلطان برغش في عهده، وكان يستخدمه لإقامة الحفلات والمناسبات الخاصة.
تحول المبنى إلى متحف وطني لزنجبار، وللأسف لم تسنح لي الفرصة لدخوله خلال زيارتي التي تزامنت مع أعمال صيانة وترميمات للقصر الآيل للسقوط.
على مقربة من بيت العجائب يقع «بيت الساحل» والذي كان المقر الرسمي للسلطان المثير للاهتمام.  شهد هذا القصر أقصر حرب في التاريخ استمرت لمدة 40 دقيقة فقط، وهي الحرب الزنجبارية - الإنجليزية في عام 1896م، والتي انتهت بدمار القصر وانتصار بريطانيا على قوات السلطان، وتم تحويل القصر إلى متحف يستعرض تاريخ سلاطين زنجبار وبعض مقتنياتهم، كما تحتوي الساحة الخارجية على قبور بعض أفراد الأسرة المالكة من آل سعيد.
وتطل على الميناء قلعة تعود إلى زمن اليعاربة الذين سبقوا آل سعيد في الحكم ، والتي بُنيت في عام 1699م من قبل العُمانيين بعد طردهم البرتغاليين من الجزيرة عندما استنجد أهلها بسلطان عُمان واستخدمت للجنود وكمخزن للأسلحة وسجن.  كما تم استخدام المكان كمقر لشركة سكة القطار ونادٍ نسائي في عام 1947م، وفي عام 1990م أضيف مسرح يستضيف مهرجان زنجبار السينمائي كما تقام في المسرح العروض الموسيقية وحفلات الطرب. توجد أيضًا بعض المحلات في ساحة القلعة لبيع المشغولات اليدوية والهدايا التذكارية، كما يوجد في القلعة مركز للمعلومات والرحلات السياحية.
على بعد كيلومترات من ستون تاون يقع «بيت المتوني» أول قصر بناه السيد سعيد بن سلطان في عام 1832م. مبنى ضخم مكوّن من مبانٍ متصلة ببعضها لم يتبق منه سوى أطلال ، ويمكن ملاحظة الطراز العماني فيه من حيث تصميم الأقواس والسلالم.
استمد القصر تسميته من كلمة «متوني» والتي تعني بالسواحيلية النهر الصغير، وذلك لوجود نهر صغير بالقرب من القصر استُغل في بناء قنوات مائية على طريقة الأفلاج العُمانية لتغذية القصر وحدائقه بالمياه. تعود شهرة المكان إلى مذكرات الأميرة سالمة ابنه السلطان سعيد التي وُلدت في القصر عام 1844م، والتي سجلت مذكراتها وصفًا دقيقًا للقصر وحياة السلطان وأسرته داخله. 
تقام في المساء سهرات في بهو القصر محاكاة لقصة الأميرة سالمة وقصة فرارها من زنجبار وزواجها من تاجر ألماني، القصة التي استُغلت كثيرًا بمجال السياحة في زنجبار، ولا أعلم ما إذا كان هذا يعتبر استغلالًا أم احتفاءً بالأميرة الراحلة، والتي يعود إليها الفضل الكبير في توثيق جزء مهم من تاريخ زنجبار ومذكراتها التي تعد كنزًا قيمًا للباحثين.
ومن بيت المتوني نجد «قصر المرهوبي» على مساحة كبيرة مطلة على المحيط الهندي، القصر محاط بغابات من أشجار المانجا وغيرها من أشجار كان القصر مكان لاستراحة السلطان برغش بناه في عام 1882م ويحتوي القصر على الحمامات التركية التي لا يزال بعضها محافظًا على ملامحه وغرف للجلوس بعد الاستحمام، كما كان يحتوي القصر على برك سباحة وكراسٍ منحوتة من الحجر ونوافير وحدائق غنّاء.  استوحى السلطان برغش التصميم من بعض البلدان الإسلامية فنجد على سبيل المثال الزخارف والقباب العثمانية واضحة، كما حوّل  قناة مائية قريبة من القصر إلى شبكة مياه لتزويد القصر بالماء للحمامات والنوافير وبرك السباحة. 
وفي عام 1899م تعرّض المبنى لحريق هائل دمّر القصر ولم يبق منه إلا بعض المباني والأعمدة التي لا تزال شاهدة على فخامة البناء. يُذكر أن كلمة «مرهوبي» نسبة لقبيلة المرهوبي العُمانية التي بني القصر على أرضٍ كانت ملكًا لها في السابق.

عرب زنجبار
كان تأثير العرب ملحوظًا في كل شبر من زنجبار دينيًا ولغويًا واجتماعيًا، فبعد سيطرة عُمانية على زنجبار وساحل شرق إفريقيا لأكثر من 300 عام بدءًا من اليعاربة في القرن السابع عشر ثم أسرة البوسعيد الذين انتهى حكمهم بعد أن حصلت زنجبار على استقلالها من بريطانيا عام 1963م، حيث كانت هناك عاصفة سياسية مناهضة للاستعمار في طريقها للانتشار في أرجاء إفريقيا، وفي غضون أشهر فقدت زنجبار حكمها الذاتي ثم حدثت الثورة في يناير 1964م، والتي أنهت الحكم العُماني ودخلت زنجبار بعدها في اتحاد مع تنجانيقا وقامت جمهورية تنزانيا الاتحادية، وتم نفي آخر السلاطين العُمانيين جمشيد بن عبدالله إلى بريطانيا.
ولعل أبرز مظاهر تأثر السكان بالعادات الاجتماعية العربية ما  نشاهده في الملبس، حيث انتشر اللبس المحتشم حسب الشريعة الإسلامية عندما اعتنق سكان زنجبار الدين الإسلامي طواعية،  وهم يشكلون غالبية السكان بنسبة تزيد على  الـ 90 في المئة. 
كذلك هناك تأثير كبير في عادات الزواج، كما ظهرت اللغة السواحيلية والتي هي مزيج من مفردات عربية وانجليزية وهندية ومن اللغات المحلية التي تعرف بالبانتو لتسهل تواصل العرب مع السكان المحليين، حيث تشكل المفردات العربية الجزء الأكبر منها، وكتبت بحروف عربية حتى القرن التاسع عشر بعد أن تحولت للحروف اللاتينية. 
هذا إلى جانب إسهامهم في حركة النشر العلمي والصحافة عندما جلب السلطان برغش أول مطبعة للبلاد في عام 1880م وهي المطبعة السلطانية، حيث صدرت أول صحيفة في زنجبار بمبادرة حكومية بعنوان «الجريدة الرسمية لزنجبار وشرق إفريقيا» في عام 1892م، والتي كانت عبارة عن نشرة حكومية رسمية تهتم بالقرارات والإعلانات الرسمية وصدرت بعدها مجموعة من الصحف مثل صحيفة النجاح في عام 1911م، وصحيفة الفلق في عام 1929م التي استمرت حتى عام 1964م.

فن الطرب 
في طريق العودة إلى الفندق بأحد الأيام أسرني لحن صداه قادم من إحدى البنايات القديمة بجانب محل إقامتي، صوت عزف وغناء جميل باللغة السواحيلية. اقتربت من البناية وإذ بباب خشبي كبير مفتوح على مصراعيه. دخلت وإذ بسلم أمامي كتب على جانبه بالإنجليزية «اتبع الموسيقى»... ارتقيت السلالم إلى أن وصلت إلى سطح البناية وإذ بسيدة سمينة جالسة على كرسي متهالك وأمامها طاولة خشبية صغيرة ابتسمت وقالت: 10 آلاف شيلنغ حوالي 5 دولارات، أخرجت ورقة من فئة الـ10 آلاف وأومأت إلي برأسها. دخلت حيث الفرقة في إحدى غرف المبنى الكبير الذي كان في السابق مبنى للجمارك وتحول إلى أكاديمية لتعليم الموسيقى.
رجال تتوسطهم امرأة تغني غناء أشبه بالموال تصاحبها الفرقة بالعزف على الكمان والقانون. كان صوت الفنانة عذبًا ومتناغمًا مع العزف بصورة رائعة رغم عدم فهمي الكلمات إلا أنني استشعرت الروح العربية في غنائها.
ظهر فن الطرب في عهد السلطان برغش بن سعيد ثالث سلاطين أسرة آل سعيد والذي امتد حكمه خلال الفترة من 1870-1888م والذي حدثت في عهده الكثير من التطورات في زنجبار كتمديد إنارة للطرق والبيوت وإنشاء مطابع باللغة العربية وبناء العديد من المرافق والمستشفيات والحمامات العامة. وكان للسلطان برغش أيضًا دور في ترك أثر كبير بالثقافة الموسيقية ومنها فن الطرب عندما أرسل مجموعة من عمال بلاطه إلى مصر لتعلّم فنون العزف على آلات التخت الشرقي لكي تحيي له الحفلات الموسيقية في مناسباته الخاصة، وبمرور الوقت بدأت الموسيقى العربية تتعدى بلاط السلطان وخرجت للشارع إلى أن تأسست أول فرقة تغني هذا النوع من الفن عرفت باسم «إخوان الصفا» في عام 1905م وظهرت الفنانة «ستي بنت سعد» أول امرأة تغني في ذلك الوقت حيث كانت الموسيقى حكرًا على الرجال، غنت القوالب الموسيقية العربية باللغة السواحيلية، وتناولت في أغانيها العديد من المواضيع الاجتماعية والسياسية، وكانت هذه هي البداية في ولادة نوع جديد من الفن عرف بموسيقى الطرب،  ولا تزال حفلات فن الطرب تقام في أرجاء زنجبار خلال المناسبات والأفراح أو لترفيه السياح. 

فرقة كوين البريطانية
استوقفتني صورة كبيرة للفنان الراحل فريدي ميركوري من فرقة كوين على إحدى البنايات وسط ستون تاون، وتبين أن المنزل الذي وُلد فيه تم تحويله إلى متحف يضم بعض مقتنياته وصورًا له بمختلف المراحل العمرية بالإضافة إلى مخطوطات كلمات أغانٍ مكتوبة بخط يده ، كما تم تخصيص جزء من المبنى كفندق.
 ولد الفنان فريدي ميركوري أو «فاروق بولسارا» اسمه عند الولادة، لعائلة هندية في زنجبار عام 1946م، وهاجرت عائلته إلى بريطانيا في عام 1964م بعد أحداث ثورة زنجبار، وأسس هناك الفرقة الأشهر في موسيقى الروك التي حققت انتشارًا ونجاحًا واسعًا، وسجلت أرقامًا قياسية في مبيعاتها حول العالم.
 والمتحف هو إحياء لذكرى الفنان الراحل والاحتفاء به في مسقط رأسه بعد أن عادت شعبيته إلى الانتشار بفوز الفنان الأمريكي من أصل مصري رامي مالك بجائزة الأوسكار عن دوره في فيلم «الملحمة البوهيمية» الذي تناول قصة حياته.
 
جزيرة القرنفل 
عُرِفت زنجبار كواحد من أبرز منتجي التوابل على مستوى العالم، القرنفل خاصة، الذي كان يصل إلى مختلف دول العالم، واشتهرت بتنوّع محاصيلها من البهارات، والتي قدمت منذ قرون مع التجار الذين جلبوا تلك البذور من الهند وإندونيسيا، كما أدخل البرتغاليون الذين سيطروا عليها لفترة في القرن السادس عشر أنواعًا من أمريكا الجنوبية. 
وبعد أن نقل السلطان سعيد بن سلطان عاصمته من مسقط إلى زنجبار في عام 1832م شجع على الزراعة التجارية للقرنفل الذي لم يكن يزرع في الجزيرة، والذي أسهم بشكل كبير في تغيير الحياة الاجتماعية والاقتصادية وزيادة ثروة البلاد، كما منحها المكانة واسمها الأسطوري جزيرة القرنفل.
 استمرت تجارة القرنفل بالازدهار حتى خمسينيات القرن الماضي، لكنها شهدت انخفاضًا حادًا، وبعد أن كانت المنتج الأول للقرنفل في العالم أصبحت في المركز الثالث عالميًا بعد إندونيسيا ومدغشقر بإنتاج يقدر بـ%7 من إنتاج القرنفل في العالم.
ولا يزال اسم زنجبار مرتبطًا بالتوابل والقرنفل، حيث تتواجد نحو 4 ملايين شجرة منه في زنجبار. وللتعرف أكثر على تلك التوابل ذهبت في جولة سيرًا على الأقدام وسط تلك المزارع استخدمت خلالها جميع حواسي الأربعة، النظر والشم والتذوق واللمس! عند دخولك للمزارع يستقبلك العاملون فيها بلطافة ويتوجون الزائر بتاج جميل يدوي الصنع من أوراق الأشجار. مزارع التوابل تجربة فريدة تعرف بأنواع التوابل التي تزرع في زنجبار والتي تزيد على 100 نوع، منها القرنفل والكركم والفلفل الأسود والهيل والقرفة والقائمة تطول، يشرح خلالها المرشد طرق زراعتها وحصادها واستخداماتها التي تدخل في العديد من الصناعات الغذائية والدوائية. كما تتواجد العديد من أشجار الفاكهة كالحمضيات والجوافة والدوريان الضخمة، حيث تزرع بالقرب من أشجار البهارات لتوفر لها الظل كما يتواجد بعض الباعة الذين يعرضون منتجاتهم من البهارات للبيع.

سوق للعبيد 
إلى جانب شهرة زنجبار بتجارة القرنفل، عرفت أيضًا كمركز لتجارة الرقيق حيث ازدهرت فيها التجارة التي كانت تمثل مصدر دخل مربح. اشترك في هذه الجريمة العرب والأوربيون والهنود بالتعاون مع سماسرة أفارقة كانوا يوفرون الآلاف من الأطفال والنساء والرجال سنويًا، ليتم بيعهم في هذا المكان أغلبهم كان حرًا مختطفًا يباع قسرًا فيصبح بيوم وليلة عبدًا يخدم صاحبه أو جارية تلبي رغبات سيدها.
كان العبيد يجلبون من مناطق مختلفة من إفريقيا ثم يتم شحنهم إلى زنجبار للعمل في مزارع القرنفل أو لبيعهم إلى المتعاملين في الرق ليتم بيعهم بعد ذلك في أماكن مختلفة من العالم، حتى ألغيت في عام 1873م بعد إجبار بريطانيا السلطان برغش بن سعيد بتوقيع معاهدة لإنهاء العبودية وإغلاق السوق. 
تحول مكان السوق إلى مركز ثقافي يحكي فترة زمنية أليمة من تاريخ زنجبار والعالم، ويحتوي على العديد من الصور والمعلومات، كما يمكن مشاهدة ودخول الزنزانة التي احتجز فيها العبيد قبل نقلهم إلى السوق للمزايدة عليهم، وهي عبارة عن غرفتين تحت الأرض، غرف ضيقة ومظلمة سيئة التهوية بسقف غير مرتفع لا تصلها أشعة الشمس تشعر وأنت داخلها بضيق لا يطاق ، كأنك داخل قبر لن تتحمل البقاء بداخله لأكثر من ثوانٍ!
 احتجز العبيد في ظروف سيئة جدًا ومات الكثير منهم من الاختناق والجوع في تلك الغرف حيث كان يتم وضع الأطفال والنساء في غرفة والرجال في غرفة منعزلة، وفي كل غرفة يتم احتجاز 75 شخصًا وأحيانًا أكثر، ولك أن تتخيل ما عاناه أولئك الضعفاء المغلوبون على أمرهم من خوف وعذاب وجوع وعطش!
في الساحة الخارجية وضع نصب تذكاري لتماثيل عبيد بأغلال في أعناقهم محاكاة للطريقة التي كان يعرضون فيها للمزايدة عليهم، كما يحتوي مكان السوق على كاتدرائية بنيت بعد إغلاق السوق. 

السلاحف العملاقة 
ستصادف عند تجوالك على ساحل ستون تاون العديد من المراكب الخشبية محلية الصنع مصطفة بعشوائية على الشاطئ، وسيحاول العاملون فيها أن يعرضوا عليك رحلة للذهاب إلى جزيرة السجن، وهي جزيرة صغيرة تم بناؤها لاستخدامها كسجن وتحوّلت إلى مركز حجر صحي لحالات الحمى الصفراء.
 بعد عدة محاولات من أصحاب المراكب ومفاوضات على السعر، قررت زيارة الجزيرة التي تقع شمال غرب ستون تاون، وتضم مكانًا مناسبًا للسباحة أو الغوص السطحي، كما أنها تحتوي على محمية للسلاحف العملاقة المعمّرة التي يتجاوز عمر بعضها 100 عام، والتي  يمكن للزائر الاقتراب منها وإطعامها، مثل السلاحف من نوع «الدابرا» العملاقة موطنها الأصلي جزر السيشل وقُدمت كهدية من حكومة سيشل للمقيم البريطاني في زنجبار عام1919م، وظلت تتكاثر في الجزيرة منذ ذلك الوقت.
على الجزيرة أيضًا تظهر بعض الطواويس التي تتجول بحرية وتتباهى بريشها أمام الزوار، كما أنها تحتوي على فندق صغير بالإضافة إلى مطعم ومقهى.

حديقة فرضاني
تقع حديقة «فرضاني» مقابل الميناء في ستون تاون، وهي عبارة عن متنزه يتحول في المساء إلى سوق للأطعمة والمأكولات البحرية بشكل أساسي، أسياخ من الحبّار والروبيان والسمك يطهوها أمامك العشرات من الطهاة الذين يأتون يوميًا لتقديم الأطباق المحلية الشهيرة مثل بيتزا زنجبار التي لا شيء فيها يدل على أنها بيتزا!  فهي عبارة عن كتلة من العجين محشوّة بالخضار والبيض مع اللحم.
 فرضاني مكان مثالي لتجربة الأطباق المحلية مثل خبز المندازي والكاتشوري المكون من كرات بطاطا مهروسة بالفلفل والبهارات والليمون. 
 السوق الليلي مكتظ بالسياح والسكان المحليين... روائح متنوعة... أصوات مرتفعة، باعة يحاولون جذبك لتناول أطعمتهم بطريقة لطيفة. للشاورما حضور أيضًا والعصائر الطبيعية المختلفة والأكثر شعبية، بينها عصير قصب السكر مع الليمون والزنجبيل عصير منعش، ومشهور أيضًا في زنجبار الأطعمة المتنوعة والمتأثرة بثقافات عربية هندية وأوربية، ما يعد دليلًا على أن زنجبار لديها أغنى ثقافة غذائية في شرق إفريقيا كلها.

جوزاني والقرود الحمراء 
إلى جانب الأنشطة البحرية والشواطئ الخلابة، تعد زيارة غابة جوزاني إضافة رائعة للرحلة، وهي حديقة وطنية تحوي مجموعة متنوعة من النباتات والأشجار، كما أنها تعد موطنًا لقرد كولبس الأحمر، أو كما يعرف بقرد زنجبار، الذي لا يتواجد إلا فيها ويعتبر من الأنواع المعرضة للانقراض حيث تشير التقديرات إلى أن أعدادها تصل إلى نحو 5 آلاف قرد، منها نحو 3 آلاف قرد في الغابة، ويمكن لزائر الغابة مشاهدتها وهي تتغذى على أوراق الأشجار، وهي تقفز بين الأشجار بخفة والنزول على الأرض والجري غير مبالية بوجود الزوار الفضوليين!  والتجول في الغابة يكون بمرافقة أحد العاملين في المتنزه للحفاظ على الحياة الفطرية.
 كما يمكن أيضًا مشاهدة أنواع مختلفة من الطيور والفراشات، وهناك بعض اللوائح الواجب اتباعها عند زيارة الغابة مثل عدم الاقتراب من القرود لأكثر من 3 أمتار «هذا الشرط غير ملتزم به لا البشر ولا القرود» ولا تحاول إطعامها،  وإذا كنت مريضًا فلا تقم بزيارة المتنزه حتى لا تنقل العدوى للقرود، كما أنه يمنع ارتداء النقاب منعًا باتًا في الغابة!
على الجانب الآخر من الغابة توجد محمية أشجار المانغروف، والتي تشكّل لوحة طبيعية بديعة يمكن التجول بين أشجارها من خلال ممر خشبي يقطع المستنقعات التي تنمو فيها، إلى جانب شكلها الفريد. وتتميز تلك الأشجار بقدرتها على العيش والنمو في المياه المالحة وتوفير بيئة طبيعية للعديد من الكائنات كالطيور التي تعشعش وتستريح عليها خلال مواسم الهجرة، كما توفر ملاذًا آمنًا للعديد من الأسماك وتلعب أشجار المانغروف دورًا مهمًا في النظام البيئي حيث تعد جذورها مخزنًا لغاز ثاني أكسيد الكربون الضار بالإضافة إلى دورها في حماية الشواطئ من التآكل. كانت زنجبار في السابق مصدرًا مهمًا لتصدير أخشاب المانغروف لمنطقة الخليج العربي والذي يسمونه «كندل»، حيث كان يدخل في بناء المنازل ورغم تعرض تلك الأشجار للقطع للاستخدام في الطهي وصناعة الأثاث والبناء إلا أن هناك اهتمامًا كبيرًا من قبل الحكومة التنزانية في حمايتها وسجن أو تغريم المخالفين بمبالغ مالية. 

مدن زنجبار الساحلية 
لا تكتمل الرحلة إلى زنجبار دون زيارة مدنها الساحلية والغوص في المحيط. بعد ستون تاون كانت محطتي التالية «نانجوي» ثاني أكبر مدينة مستوطنة بعد ستون تاون في جزيرة أنغوجا تقع نانجوي في أقصى الطرف الشمالي لزنجبار وهي مقصد رئيسي لقضاء العطلات الشاطئية حيث المساحات الشاسعة من الرمال البيضاء تواجهها المياه الزرقاء الصافية، مكان مثالي لممارسة الرياضات المائية وامتطاء الخيول على شاطئ البحر، ولمحبي الحياة الليلية الصاخبة تعتبر نانجوي المكان الأمثل في زنجبار بوجود العديد من المطاعم والبارات على طراز الأكواخ تصطف على شاطئ البحر وتعزف الموسيقى طوال الليل.  كانت المدينة في السابق مركزًا لبناء السفن الشراعية التقليدية «الداو» ذات الشراع الواحد التي ما زالت تصنع بالطرق التقليدية القديمة. ويمكن تجربة رحلات في سفن الداو كرحلة مشاهدة الغروب بمرافقة فرقة تعزف إيقاعات حماسية طوال الرحلة. ألحان كانت أشبه بفن «الليوة» المعروف في الكويت والخليج العربي والذي قدم مع الزنوج الذين سكنوا سواحله ويتواجد على شاطئ نانجوي بعض رجال قبائل الماساي بزيّهم القرمزي حاملين عصيًا يجوبون الشاطئ ويقومون برقصاتهم حيث يقفزون ويصدرون أصواتًا غريبة لجذب السياح، ولديهم سوق يحتوي على بعض المحلات الصغيرة المتلاصقة ببعضها، جميعها تعرض المنتجات نفسها من مشغولات خشبية وهدايا تذكارية من زنجبار، وحلي من الخرز الملوّن يستخدمها الماساي، وهم قبائل إفريقية رُحّل يتواجدون في كينيا وتنزانيا ويعيشون على الرعي وتربية الأبقار والتنقل ولهم بعض العادات الغذائية الغريبة مثل مزج الحليب بدماء الأبقار وشربه في بعض المناسبات الخاصة. ويميزهم لباس خاص قرمزي اللون للرجال وأزرق بالنسبة للنساء كما تشتهر نساؤهم بلبس حلي مختلفة من الخرز الملوّن ويقومون ببعض التشويهات بأجسامهم مثل ثقب وتمديد شحمة الأذن ووسم الوجنتين وإزالة بعض الأسنان الأمامية. رغم أن جزيرة زنجبار ليست الموطن الأصلي للماساي فإن العديد من أفرادها انتقل للعمل فيها بسبب الظروف المعيشية كصعوبة الحياة الرعوية وقلة أعداد الماشية وافتقار أماكن الرعي. 
ومن نانجوي إلى قرية جامبياني الواقعة في الجنوب الشرقي للجزيرة في الطريق إلى جامبياني توقفتْ لزيارة أحد الكهوف الشهيرة في المنطقة «كهف كوزا» والذي تشكّل منذ آلاف السنين من التعرية المائية للصخور التي شكّلت بركًا سرية تحت الأرض من المياه المعدنية ويعتبره السكان المحليون مكانًا مقدسًا ولمياهه قدرة شفائية. للوصول إلى الكهف يتم المرور عبر غابة ثم النزول عبر درجات صخرية وحبال تؤدي إلى البرك المائية التي يصل عمقها لنحو 10 أمتار، والكهف عبارة عن منحوتة طبيعية مذهلة من الحجارة الجيرية والتكلسات الصخرية المتدلية من جدران الكهف، ويتواجد داخله بعض الخفافيش التي تتطاير أعلى الكهف والبرك المائية الزرقاء الصافية كأنها جوهرة مخبأة وسط تلك الصخور يمكن للزوار السباحة داخلها، وهي تجربة سحرية لا تنسى! 
 كما تشتهر جامبياني والقرى القريبة منها بمزارع الطحالب البحرية التي تنتشر العشرات منها على طول الساحل ويعمل فيها السكان المحليون أغلبهم من النساء وتنتج القرى آلاف الأطنان من الطحالب البحرية كل عام، كما يعتبر صيد الأسماك من المصادر الرئيسية للدخل. 
جامبياني جنّة ساحلية هادئة لا يوجد بها أي ضغوط أو ازدحام، يمكن الاسترخاء فيها بعد رحلة طويلة من الحركة والاستكشاف، لذا كانت محطتي الأخيرة في زنجبار. 
وعلى عكس نانجوي وغيرها من المدن، تتميز بفنادق بسيطة بدلًا من المنتجعات الفاخرة الكبيرة، وأغلب ملاك هذه الفنادق أوربيون يقيمون في زنجبار منذ سنوات، حيث تساعد هذه الفنادق الصغيرة الأشبه بالبيوت في الحفاظ على الشعور الأصيل لهذه القرية، وهي وجهة مثالية لمن يريد الاسترخاء وأن يبتعد عن صخب العالم. أيام قضيتها في جامبياني مع سكانها المحليين، وهم من ألطف الشعوب التي صادفتها خلال أسفاري حيث مشاهدة الأطفال وهم يلعبون كرة القدم على الشاطئ والنساء يتفقّدن مزارع الطحالب عند حدوث ظاهرة المد والجزر في الصباح ويقمن بجمعها ثم تجفيفها على بسط أمام بيوتهن لبيعها لاحقًا إلى شخص بدوره يبيعها إلى شركات صناعة مستحضرات التجميل. 
مشاهدة الأطفال والنساء وهم يحفرون في التربة بحثًا عن القواقع الصغيرة التي يجمعونها للأكل...  مشهد يتكرر كل يوم، غير مبالين لما يحدث حول العالم، وقد لا يعلمون عمّا يدور فيه من جنون أصلًا! 
للمكان شاعرية في المساء، المشي حافيًا على الشاطئ، صوت حفيف أشجار جوز الهند، السماء الصافية ومشاهدة النجوم بمنظر مهيب، انعكاس القمر على مياه البحر، ساعات قضيتها في الاستلقاء على الشاطئ... بمكان حاز كل عناصر الجمال! ■

سوق «درجاني» أكبر أسواق زنجبار

باب قديم لأحد البيوت في زنجبار

قلعة العرب في مدينة ستون تاون

«بيت المتوني» أول قصر بناه السيد سعيد بن سلطان في عام 1832م

جولة في مزارع التوابل

الكاتدرائية التي بنيت في موقع سوق العبيد

تماثيل تحاكي الطريقة التي كان يعرض فيها العبيد للبيع

قرد كولبس الأحمر المهدد بالانقراض

برك المياه المعدنية داخل كهف كوزا 

أطفال يلعبون على ساحل قرية جامبياني

طراز بناء النزل والفنادق في قرية جامبياني