الفكر الصيني بمواجهة الفلسفة الغربية

الفكر الصيني  بمواجهة الفلسفة الغربية

عندما يكون لأحدٍ ما حديقة يعتني بها، لا بد أن يجول فيها عدة مرات في الأسبوع، من أجل مراقبة المزروعات التي تنبت أو لا تنبت، وتلك التي تنمو جيدًا أو لا تنمو، وتلك التي يجب استبدالها أو تسميدها، إلى ما هنالك. يُشبّه المفكر الفرنسي فرنسوا جوليان حال هذا البُستانيّ بحال الفيلسوف الذي يتوجب عليه أن يجول باستمرار في كل المفاهيم والنظريات التي تُكوّن ميدان عمله، وأن يميز ما فيها من الجوانب التي تنير سبيل تفكيره أو تصلح لابتكار مجالات جديدة في الحقل الذي يعمل عليه.

 

لكنّ هذا الفيلسوف الفرنسي ذهب بعيدًا من أجل طرح تساؤلاته على الفلسفة الغربية ومراقبة تطوراتها عبر الزمن، لقد اتجه إلى الصين ليتعلم لغتها ويدرس فلاسفتها القدامى ويتعمق في المفاهيم الأساسية التي عملوا عليها، وذلك من أجل أن يستعملها كأدوات جديدة وخارجية يُحلّل بها المفاهيم التي تَسود الفلسفة الغربية منذ ما قبل سقراط وأرسطو، تلك الفلسفة التي انتقل الكثير منها إلى أوربا عبر الفلاسفة العرب والمسلمين. وقد نشر كتابًا باللغة الفرنسية بعنوان: «الفكر الصيني في مواجهة الفلسفة». وهو عبارة عن عشرين فصلًا يتكوَّن عنوان كل فصل منها من كلمتين متقابلتين تدلّ أولاهما على مفهومٍ ينتمي إلى الفكر الصيني، والأخرى على المفهوم الذي يقابله في الفلسفة الغربية: الميل والسببية، الجهوزية والحرية، المواربة والجبهية، التحوّلات الصامتة والحَدث المُدوّي، التأثير والإقناع، التلميحيّ والرمزيّ، والمشاركة والمعرفة.
سنُحاول إلقاء الضوء على بعض هذه المقابلات الفكرية، وسنختار منها تلك التي لا تغوص عميقًا في المناقشات الفلسفية، والتي يمكن أن تفيدنا في تدبر تراثنا العربي الإسلامي. فالفكر الصيني يعود تاريخه إلى قرونٍ طويلة وهو لم يحتكّ بالحضارة الغربية إلا مؤخرًا، على العكس من الفلسفة العربية التي نهلت من الفلسفات القديمة، الهندية والفارسية واليونانية خصوصًا، فترجَمتها وشرحتها وتأثّرت بها ونقلتها إلى الفلاسفة الأوربيين.

التَّحوّلات الصّامتة والحَدث المُدوّي
في المدارس الغربية، والعربية كذلك، يدرس التلاميذ تاريخ الأحداث الجسام: المعارك والانقلابات والثورات وما شاكل ذلك أن الحضارة الغربية تهتم بما يُطلِق عليه «فرنسوا جوليان» اسم «الأحداث المُدوّية»، أي تلك التي تتحوّل فيها الأوضاع وتنتقل فجأة من حالٍ إلى حال، فتطبع النفوس بذكراها التي قد تكون مُفرِحة أو مُؤلِمة.
لكنّ الصينيين لا يرون الأمور بالطريقة نفسها، فالحَدث المُدوّي في نظرهم ليس سوى نتيجةٍ آنيّة ومفاجئة لمسارٍ طويل يتكوّن من تراكم أحداثٍ صغيرة وغير مرئية، لكنها متواصلة وأساسية. «نحن لا نرى كيف تنمو السنابل، ثم فجأة في صباح أحد الأيام نكتشف أنها قد نضجت وحان قطافها». كذلك، في صباح أحد الأيام نفاجأ ونحن ننظر إلى المرآة بأننا لم نعد في ريعان الشباب. وفي مساءِ يومٍ عاصف تصرخ الزوجة في وجه زوجها: «طلّقني»، ويحصل الطلاق. ويقول الناس: «غريب، مع أنهما كانا كالسمن والعسل». كلا. لم يكونا متفقين بتاتًا. لقد بدأ ذلك الحدث، أي الطلاق، منذ اليوم الذي تخاصما فيه قليلًا، ثم تصالحا، ثم تجافيا، ثم تقاربا، ... إنها أحداث صغيرة متتالية تكاد لا تُرى إلا أنها توسّع الحفرة بينهما «كما يحفر ماءُ النهر قاعَه ويُوجّه مسارَه». مثلُ هذه النتيجة
لا يُمكن أن يُعدّ انفجارًا، بل هو بروزٌ واضحٌ لتحوّلات صغيرة وحصيلةٌ لها.
هذا الجانب الخفيّ من حياة الإنسان والطبيعة هو ما يُشغل فكر الصينيين: إنها «تَحوّلات صامتة».  حتى لو كانت تصدر عنها ضجة وتكشف عما فيها، فإنها لا تصل إلى مسامعنا، أو بالأحرى نحن لا نريد أن نسمعها أو أن نلتفت إليها.
وفي زمننا الحاضر الذي تكثر فيه الأحداث المُدوّية وتتوالى، من الحروب إلى الصراعات، ومن الأعاصير إلى التغيّر المناخي، لا نلتفت إلى ما قد يؤدّي إلى تدمير الكرة الأرضية، ولا ننتبه إلى التحوّلات الصامتة التي ستنتهي حتمًا بانفجارات كبيرة وكثيرة، بل نستمر في البحث - مع وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي - عن ذلك «الحدث» الكبير الذي إذا نُشر خبرُه لفت الانتباه ورفع عدد القراء والمتابعين.

التلميح والترميز
إذا نظرنا إلى الطريقة التي يُعبّر بها الشعراءُ الصينيون عن عواطفهم وأحوالهم لرأيْنا أنهم يستعملون التلميح والإشارة. يقول جوليان: «في الشعر الصيني، لا تعبِّر القصيدة الجيدة بكلمةٍ مباشرة واحدة عن وجدان الشاعر، فكل شيء فيها يُستشف من خلال كلمات مواربة»، في حين أن الشعراء الغربيين يستعملون التصريح والترميز. فعن الشخص المنفي يُقال في الصين إن العشب ينبت طويلًا أمام منزله للدلالة على قلة زائريه. أما المحبوبة التي تركها عشيقها فلا يُقال مباشرة إنها حزينة ومغتمّة، بل يُقال إن حزامها أصبح رخوًا للدلالة على أنها باتت لا تأكل كثيرًا من شدة معاناتها.
وهناك ما يشبه هذا التعبير في الشعر العربي، إذ يخاطب أبو نواس محبوبته في قصيدته المشهورة «حامِلُ الهَوى تَعِب» قائلًا:
تَـعْـجَبِينَ مِنْ سَقَمِي        
صِحَّتِي هِيَ الْعَجَبُ
لا يقول الشاعر لمحبوبته مباشرة إنه يحبها، بل يلمّح إلى ذلك بأن يبلغها عن أثر غرامه بها على حالته الصحية. 
أما المثال على التصريح المباشر، فإننا نراه في الأغنية الفرنسية التي يقول فيها المغني: «إنما أنتِ التي أحبّك أنتِ» c.est toi que je t.aime، وهو بذلك يكسر القاعدة اللغوية الفرنسية بتكرار الضمير «أنتِ». لكنّ «ملك التعبير الشعري» في القصيدة الفرنسية هو بلا منازع الاستعارة والترميز. فالشاعر لا يبقى في عالمٍ واحد ولا يتكلم بما يربط بين الواقع ومُسبّباته، كما يفعل الشاعر الصيني، بل يذهب إلى عوالم أخرى للبحث فيها عما يُشبّه به هذا الواقع مباشرة وبطريقة غير مباشرة. فالذي يقع في الغرام هو مَن أصابته «سهامُ ملاك الحب»، والفِراق بين المحبّين مثل «الكأس الذي انكسر» لا سبيل إلى إعادته كما كان، والضجر القاتل عبارة عن «عناكب تحبك خيوطها في زوايا الأدمغة»، وليس الشفق عند مغيب الشمس سوى «الذهب المنثور ما بين السماء والبحر».
كذلك، يسمو الإبداع في الشعر العربي إلى أعلى درجاته باستعمال الصُّوَر والمجازات والاستعارات. وليس ما يقوله الشاعر الجاهلي النابغة الذبياني في مدح النعمان سوى مثالٍ ضمن العديد من الأمثلة التي تزخر بها القصيدة العربية:
فإنك شمسٌ والمُلوكُ كَواكِب
إذا طَلعت لم يبْدُ منهن كَوكبُ
فالشاعر يستعمل هنا صورة جديدة تنتمي إلى عالمٍ آخر (الكواكب) بعيدٍ عن العالم الذي يتحدث عنه (الأمير وسلطانه)، فيربط بين العالمين بأن يشبّه ضمنًا الأميرَ الذي يمدحه بالشمس الساطعة ويُصوّر سائر الملوك بالكواكب الصغيرة: إنه يطغى عليهم كما يطغى نورُ الشمس على ضَوء الكواكب.

المُواربة والمُجابهة
في الصين «مُواربة» وعند الغربيين «مُجابهة». بعدما كانت المعارك تجري بنزال بطلين يخرجان من الفريقين المتحاربين، كما يروي هوميروس في ملحمته، ابتدع اليونانيون، في القرن السابع قبل الميلاد تقريبًا، استراتيجية «الكتائب» التي تكون مدججة بالسلاح وتتقدم كل واحدة منها باتجاه الأخرى، في صفوفٍ متراصة ومنظمة. ثم يحصل الالتحام ويشتد وطيس المعركة. هذا في الغرب. أما في الصين، فالمعركة تبدأ بالمُجابهة، إلا أن النصر يعود لمن يعتمد استراتيجية المُواربة. هناك أمثلة كثيرة في اللغة الصينية على ذلك: «أثير الضجة في الشرق كي أشنّ الهجوم في الغرب»، «أشير بأصبعي إلى الدجاجة كي أشتم الكلب». وفي العربية ألا يُقال: «أكلمك يا جارة
كي تسمعي يا كِنّة»؟
كذلك، إذا سألنا أحد المهندسين المعماريين كيف يرسم الطريق الذي يصل باب الحديقة الخارجي بباب الدار، فإنه سيجيب على الأرجح: «في خطٍ مستقيم». ألم نتعلم جميعًا من علماء الرياضيات اليونانيين أن أقصر طريق بين نقطتين هو الخط المستقيم؟ لكنّ الصينيين لا يفكرون بالطريقة ذاتها: للوصول من الشارع إلى باب الدار عليك أن تسلك طريقًا ملتوية ومتعرجة، فأنت تتجاوز شجرة الليمون، وتدور حول البِركة، وتسير خلف الياسمينة، وتصعد درجات السلم المواربة قبل أنْ تطرق الباب.

السَّمْع والبَصَر
السمع والبصر هما أهم الحواس الخمس، والإنسان يعتمد عليهما دائمًا في حياته اليومية، لكنّ السؤال الذي يُطرح هو: أيهما أسبق وأيهما يتقدّم على الآخر؟ في الحضارة الغربية، البصر يتخذ المرتبة الأولى، فمعظم عبارات الفهم والإدراك في لغاتها تُشتق من كلماتٍ تدلّ على النظر. وهكذا الأمر في العربية: ألا يُقال: نظر في أمرٍ ما، وعالج موضوعًا ما من منظور كذا، ووضع نظرية ما... إلخ؟ أولًا تُشتق كلمة البصيرة من البصر، والرؤيا من الرؤية؟ كذلك، ألا نقول عن الإنسان الذكي إنه «ثاقب النظر»؟ ثم ألا يحثّ القرآنُ الكريم الناس قائلًا: (أفلا يُبصرون، أفلا ينظرون إلى...، أفلا يرون كيف... إلخ)؟ لكنه يدعو كذلك إلى السمع، إذْ نقرأ في العديد من الآيات (أفلا يسمعون)... أضف إلى ذلك أنّ في الآية الكريمة: (وجعل لكم السَّمْع والأبْصار) يتقدم الأول على الآخر.
كذلك يفعل الصينيون: إنهم يؤكدون أنّ السمع أهمّ من البصر وأسبق، ذلك أنّ النظر يُمكن أن يختفي بسبب الظروف المحيطة، في العتمة مثلًا، أو بسببٍ شخصيّ، كإغلاق العينين. وهو متقطّع وغير شامل: فإذا كنت أنظر هنا، لا أستطيع أنْ أنظر هناك. أما السمع، فإنه شامل ومستمرّ، ولا يخضع للظروف الخارجية: فأذننا تلتقط الأصوات التي حولنا رغم إرادتنا، ومن كل الجهات المحيطة بنا. وإذا كان المرء يحتاج إلى تفعيل ذاتيته واستخدام إرادته من أجل تركيز بصره على شيءٍ موضوعيّ يختاره، فإنه يتلقى بأذنيه كل ما يأتي إليه، شاءَ ذلك أم لم يشأ. لهذا السبب نرى أنّ الفنانين في الصين القديمة كانوا يمنحون الأذن في رسوماتهم قيمةً كبيرة تفوق قيمة العين التي كانت تُرسم أحيانًا بشكل نقطةٍ صغيرة.

المَوْرد والحَقيقة
كما ينطلق العلم من حقائق ثابتة (مثل دَوَران الأرض حول نفسها وحول الشمس)، تقوم الفلسفة الغربية على «الحقيقة» التي تعتمدها معيارًا أساسيًا في مناهجها الفكرية وقاعدةً لنظرياتها. فإذا عُدنا إلى التعريف اللغوي لهذه الكلمة فسنرى أنها تُحدّ بـ«الشيء الثابت يقينًا»، ومن هنا نفهم لماذا يرتاح المُفكر الغربيّ عندما يركن إليها.
لكنّ الفكر الصيني لا يرتاح إلى الحقيقة، أو بالأحرى لا يرتاح إلى مقولة إنها «ثابتة». ولا يعني ذلك أنه لا يعترف بوجود الحقيقة، بل على العكس يعتمدها من أجل تحويلها إلى «مورد»، أي إلى مصدرٍ من الذكاء المُبدع الذي يُولّد حقائق أخرى ويُؤمّن التماسك الذهني والاستمرار الفكريّ. على سبيل المثال، هناك حقيقةٌ ثابتة ومُعترف بها، وهي أنّ الفارابي وابن سينا وابن رشد من الفلاسفة العظماء إذا بحثنا طويلًا في أفكارهم، ووضعنا الدراسات المكثفة لشرح نظرياتهم، وحلّلنا مواقفهم وقارنّا بينها وتوغّلنا في ثنايا دروبهم الفكرية لا نكون قد فعلنا شيئًا مهمًا في نظر الصينيين، خصوصًا إذا توقّفنا عند هذا الحد. نحن نكون قد كشفنا بعملنا عن حقائق أساسية وجوهرية في الفلسفة العربية، والفلسفة العالمية أيضًا، لكنْ ما نفع ذلك إذا لم نفعِّل هذه الحقائق ونحوّلها إلى «موارد» نستعين بها من أجل بناء منظوماتٍ فكريةٍ جديدة ومتكاملة؟
هذا ما يركز عليه جوليان في كتابه، فهو يقول: فعليًا، يكون حقيقيًا ما يُمكن أنْ يُصبح «عملانيًا»، أي ما يُتيح الانتقال إلى التفكير بطريقةٍ إبداعية وما يُستخدم أساسًا لإعمال الفكر في حقائق جديدة تُولد منه، فالحقيقة «تُقاس بقدرتها على الإنتاج» وعلى تأمين أدوات التواصل الفكري الفعّال بين البشر.  بكلمةٍ أخرى، لا بدّ أن تكون الحقيقة مَوْرد إنتاجٍ فكريّ، وإن لم تكن كذلك فلا نَفْع منها.

التَّشارك والمَعرفة
عندما يقف أحدنا أمام منظرٍ طبيعيّ ويتأمله ببطء ويتعرّف على تفاصيله من أجل إدراك مواطن الجمال فيه، فإنه يقوم فعليًا بالفصل بين ذاتيته والعالم الخارجي، لكنه يُنصّب نفسه سيدًا لهذا العالم، ويعمل على «إسقاط ذاتيته» عليه. فمن المشهود له أنّ الفكر الغربي يؤمن بأنّ المرء «إذا عرف شيئًا امتلكه». لذلك، نرى أنّ من يشاهد المنظر الطبيعي ينتقي منه عناصر كي «يُشخْصِنها» ويُضفي عليها خصائص لا تنتمي إلا إلى عالم الإنسان، فالجبال «جاثمة» أو تنتظر أنْ «تعانقها الغيوم»، والأشجار تنحني مثل امرأةٍ عجوز، أو «تطلّ بأنفها المحدّب» أو «تمدّ أصابعها الطويلة العارية»، وكذلك «تصرخ» إذا ما عصفت بها الرياح، أما الأنهار فإنها «تثرثر» أو «تضحك». كل هذا صفاتٌ بشرية أطلقها الشعراء على عناصر الطبيعة، وهي تشهد على أنّ الإنسان يُطلِق ما فيه من خصائص على بعض عناصر الطبيعة، إنه يذهب إليها ليُضفي عليها ذاتيَّته.
ينظر المفكّر الصيني إلى مشاهد الطبيعة بعكس ذلك. إنه يدعها تأتي إليه وتتسلّل إلى روحه لتشاركه وجوده. لقد حلّ التشارك هنا مكان المعرفة. 
 يقول جوليان: «لقد وصفت اللغة الفكر الصينيُّ جيدًا كيف أنه من خلال المشهد الطبيعي ومن خلال تشاركي معه (وهو تشارك أكتشفه عند وقوفي أمامه)، أستطيع أن أقيم الصلات بيني وبين العالم في مواطن كياني الأساسية».  لكنه لا ينفي أنّ كل إنسانٍ يعيش لحظات مختلفة مع عناصر الطبيعة يكون فيها تارة مسيطرًا عليها ومتملّكًا لها، وتارة أخرى «متواطئًا» معها ومشاركًا في كينونتها العالمية.  فأنا - كما يقول - أصبح «عارفًا» عندما أدرس أو أتكلم أمام الجمهور، لكنني أصبح من جديد «مشاركًا» عندما أعود إلى نفسي وأعيش علاقة صلةٍ حميمة مع الطبيعة، فأتنزه فيها وأقضي عطلتي الشخصية في رحابها.
٭٭٭
لا يهدف فرنسوا جوليان من هذا الكتاب إلى وضع لائحةٍ بالمفاهيم الفلسفية الصينية التي تختلف عن تلك الموجودة في الفلسفة الغربية ولا تقديم تلك التي تتطابق فيهما، فهو يقول إنه لا يرى أنّ الفكر الصيني مجرد حقل هائل من المفاهيم الجديدة بالنسبة للإنسان الأوربي، أو مجرد مخزون كبير من المناهج الفلسفية التي يُمكن أن نتعرّف عليها، بل يتناول هذا الفكر من أجل استخدامه «كأداة عملية ونظرية»، وهكذا يستطيع أن يقرأ بواسطته الفكرَ الغربيّ، وأن «يسير بصحبته، وهي صحبة إيجابية وفعّالة» في حقول الفلسفة الغربية ودروب نظرياتها.
في النهاية، بعد توضيح المفاهيم الفلسفية في الصين وفي الغرب، وبعد وضعها إزاء بعضها البعض، كما يفعل جوليان، يُمكننا القول إنه إذا كانت العولمة تنشر في أرجاء الكرة الأرضية أنماطًا جديدة من طُرُق الحياة والتفكير، فلا شك أن فلسفةً جديدة ستُوْلد سريعًا (إذا لم تكن قد وُلدت)، فلسفة ستتناول مفاهيم عالمية تخصّ البشرية كلها وتنتمي إلى موجات العولمة التي تستمر شيئًا فشيئًا في ملء المجالات الفكرية بالعالم أجمع ■