الروائي الجزائري عبدالوهاب عيساوي: لا أفكر في الرقيب أثناء الكتابة

الروائي الجزائري عبدالوهاب عيساوي:  لا أفكر في الرقيب أثناء الكتابة

عبدالوهاب عيساوي روائي جزائري من مواليد 1985. تخرج في جامعة زيان عاشور، ولاية الجلفة، مهندس إلكتروميكانيك ويعمل مهندس صيانة في مؤسسة عمومية للمنشآت الفنية. صدرت له أول رواية عام 2013 بعنوان «سينما جاكوب» الفائزة بالجائزة الأولى للرواية في مسابقة رئيس الجمهورية، كما نُوه بمجموعته القصصية «حقول الصفصاف» في جائزة الشارقة للإبداع عام 2013، وحصل مؤخرًا على جائزة آسيا جبار للرواية وتعتبر أكبر جائزة للرواية في الجزائر. في عام 2015، صدرت له رواية «سييرا دي مويرتي»، أبطالها من الشيوعيين الإسبان الذين خسروا الحرب الأهلية وسيقوا إلى معتقلات في شمال إفريقيا.

 

 ●في البداية، ما نقطة التحول التي أسست فعلًا لبدء مسيرتك الأدبية؟
- إذا كانت رؤية الكاتب الكندي مالكوم غلادويل في كتابه «نقطة التحول» صحيحة، فأعتقد أن الفترة القصيرة التي يتجاوز فيها الإنسان العتبة ويتغير فيها مساره قد تكون بعد كتابة روايتي الثانية «الدوائر والأبواب»، اتضحت الرؤية جيدًا، وصار الوعي بالفن الروائي أعمق، وبالتالي تُعتبر كل القراءات التي تلتها تأسيسًا للعوالم الروائية التي سأشرع في بنائها لاحقًا.
●أقف معك عند روايتك «الديوان الإسبرطي» التي فازت بجائزة البوكر للرواية العربية عام 2020، التي تركز على فترتين مهمتين من تاريخ الجزائر وهي نهاية الحكم العثماني وبداية الحكم الفرنسي كمحاولة لكشف هذا التاريخ... ما الذي أملى عليك هذه الحكاية تحديدًا؟ وهل من حدث معين حفزك لكتابة هذا النص؟
- أنا اشتغلت عليها كثيرًا وكنت سعيدًا بردود الأفعال حول الرواية وفوزي وقتها بجائزة «البوكر» هو فوز للرواية الجزائرية، لأنه في العشرين سنة الأخيرة شهدت الرواية المكتوبة بالعربية في الجزائر قفزات نوعية، وذلك بعد الاستقرار الأمني الذي عرفته البلاد، كما أنّ ظهور الجوائز المحلية والعربية شجع الإبداع بتعدده، السردي والشعري والنقدي، وأن الإبداع في شمال إفريقيا لم يتوقف يومًا، بل كانت له دائمًا المكانة والفرادة خاصة في السرديات، نظرًا للاحتكاك المبكر بأوربا، والاطلاع على كل ما يصدر في الضفة الأخرى، من نصوص روائية ونقدية، وحتى فلسفية.
وتنشغل الرواية التاريخية بترهين الأسئلة الماضية، والبحث في التاريخ عن اللحظات الـمُفارِقة التي تولّدت فيها تلك الأسئلة، فنرى على سبيل المثال عودة جمال الغيطاني في الزيني بركات إلى حكم المماليك ودخول العثمانيين، ليس لأن المرحلة وحدها هي المقصودة، بل لأن هناك أسئلة في حاضر الكاتب لم تلقَ بعدُ الإجابة الكافية، هكذا كانت العودة في «الديوان الإسبرطي» إلى نهاية زمن العثمانيين، وبداية الاستعمار، هناك أسئلة هوياتية لم نحسم فيها بعد رأيًا، نحتاج مرة أخرى إلى قراءتها قراءة واعية، وربما على هذا النحو يمكن قراءة الرواية معرفيًا.

أصوات متباينة
 ●رواية «الديوان الإسبرطي» هل تكشف المسكوت عنه من تاريخ الجزائر العثماني؟
- وظيفة الرواية تقويض اليقينيات السابقة، هي لا تركن إلى رؤية شمولية، تكتب من أجل التعدّد وقبول كل التصورات المختلفة، سواء للتاريخ، أو لغيره من العادات التي تطمئن إليها المجتمعات، لذا جاء الديوان بأصوات متباينة، يحق لكل شخصية إبداء وجهة نظرها تجاه الحدث الماثل أمامها، تقول رأيها في العثمانيين والفرنسيين، ابتداءً من ديبون المتعاطف مع الجزائريين، إلى كافيار المتحامل على العرب والعثمانيين بالجملة، ثم ابن ميار صاحب هوى العثماني، وحمّة السلاوي الرافض لهم كلهم فرنسيين وعثمانيين، تُدار الكاميرا في كل الاتجاهات، فيرى القارئ المشهد من الزوايا كلها. 
● برأيك ما الحد الفاصل بين الواقع والمتخيل في «الديوان الإسبرطي» شخوصًا وأحداثًا؟ ومن ثم إلى أي مدى يستطيع الكاتب أن يكون حياديًا في تسيير شخصيات روايته؟
- ليس من السهل الكلام عن الحدود الفاصلة بين المتخيل والواقعي في النص الروائي، فحين يتناول الروائي شخصية حقيقية يكون ملزمًا بالإمكانات التي تحقّقها تلك الشخصية، بمعنى ما يمكن أن تفعله داخل فضائها الأيديولوجي والمعرفي والاجتماعي، وليس بالضرورة أن تكون قد قامت بذلك الفعل واقعًا، أما الاشتغال على شخصية متخيلة فهو خاضع إلى الظروف الابتدائية التي يؤسس عليها الروائي حدود تلك الشخصية. 
● شخوص «الديوان الإسبرطي» الخمس وهم الفرنسيان الصحفي ديبون، والضابط كافيار والجزائريون ابن ميار وحمة السلاوي  والدوجة، كم اقتربوا من الواقع؟
- بالنسبة للشخصيتين الأوربيتين، كافيار وديبون كانتا أقرب لأنهما نموذجان يمكن الإحاطة بشخصيتيهما من خلال الكتب، يأتي ابن ميار في الدرجة الثانية، لأنه هو الآخر يحمل جزءًا كبيرًا من شخصيات حقيقية، لكن الشخصيتين الأكثر تخييلًا هما حمّة السّلاوي ودوجة. بالنسبة للسلاوي لا توجد هناك معلومات كثيرة عدا ما كتبه العالم الطبيعي الألماني موريتس فاغنر في رحلته إلى الجزائر، عن شاب كان يعرض مشاهد عرائس القاراقوز التي تمثل العربي وهو يضرب الفرنسي، وكان يخلط في كلامه العربية بالفرنسية، مما أدى بالسلطة الفرنسية إلى إيقاف مثل هذه العروض، أما دوجة فكانت شخصية متخيلة بالكامل، لكنني استفدت أثناء كتابتها من القراءة الاجتماعية الجيدة لواقع العاصمة في تلك الفترة.
● تستند روايتك «الديوان الإسبرطي» إلى الكثير من التفاصيل عن فترة مهمة من التاريخ العربي والدولي، فما المراجع التاريخية التي اعتمدتها في كتابة الرواية؟ وما أبرز الصعوبات التي واجهتك فيما يخص المراجع التاريخية؟
- تُلزم الرواية التاريخية كاتبها بمجهود مضاعف، وشحن مطالعاتي كبير، وقد تجاوزت المصادر التاريخية التي استعنت بها سبعين كتابًا: كتب في التاريخ لمؤرخين معروفين مثل: سعد الله ونصر الدين سعيدوني وعبدالجليل التميمي. كما اطلعت على بعض الرحلات الأجنبية مثل: هابنسترايت، ورحلات جزائرية كرحلة أبو رأس الناصري، خرائط متخيلة لمدينة الجزائر رسمها ناصر الدين سعيدوني، مذكرات لكتاب جزائريين كالشريف زهار الذي عايش المرحلة وأحمد أفندي، وأجانب كالقنصل الأمريكي ويليام شالر، وتقارير عسكرية أو انطباعات مثل ما كتبه بيشون أو حوليات جزائرية لبيليسيي، حتى بعض الكتب الدينية، وأخرى تتعلق بالأوقاف كمخطوطة حبوس الجامع الأعظم التي حقّقها التميمي، ومخطوطة قانون الأسواق في الجزائر أثناء فترة العثمانيين التي حققها سعيدوني. كل تلك الكتب لخّصتها ثم جعلت لكل شخصية خطابًا يوافق توجهها الفكري، ومسارها اليومي. واجهتني بعض الصعوبات في معرفة الأمكنة والشوارع القديمة، لأن جزائر 1830 ليست نفسها جزائر اليوم، فالكثير من التغييرات طرأت على العاصمة، لعوامل تتعلق بالفكر الاستعماري القائم على محو الأمكنة وتمثلاتها الهوياتية، كهدم المساجد والقصور والحارات القديمة، التي كانت شاهدة على الفترة العثمانية، ما دفعني إلى توظيف التخييل كأداة فنية سردية لإعادة بناء الأمكنة الضائعة.

قراءة الحاضر
● لماذا اخترت التاريخ لتجربتك في رواية «الديوان الإسبرطي»؟
- الديوان الإسبرطي ليس تجربتي التاريخية الأولى، هناك تجارب سابقة كرواية «سيّيرا دي مويرتي»، و«سفر أعمال المنسيين»، حتى «الدوائر والأبواب» أخذت هي الأخرى نصيبًا من التوثيق. في العادة يتكئ الكاتب على التاريخ كي يتحايل على واقعه عبر أسئلة الحاضر، والبحث عنها في منابعها الأولى التي تشكلت فيها. ليست العودة حنينًا إلى الماضي بقدر ما هي محاولة قراءة الحاضر في طفولته، والتاريخ هو الباب الوحيد لتلك العودة.
● الرواية التاريخية أو التوثيق التاريخي، كيف يمكن للأدب أن يخدم التاريخ من التزوير خاصة في تلك الظروف السياسية المتغيرة؟
- أي تاريخ يمكن أن تخدمه الرواية من التزوير؟ فمنذ ظهورها لم تسلم الرواية التاريخية من اتهامها بالتزوير، حتى ولتر سكوت واجه النقد نفسه، حين وصفه أحد النقاد «تين» بأنه يزيف الحقائق التاريخية، لكن سكوت المتجاوز لزمنه قدّم الشخصيات التخييلية، وجعل الشخصيات الواقعية من درجة ثانية، وبهذا المكر الروائي أعطى شخصياته فرصة أكبر للتحرك بحريّة، وبناء تاريخها الاجتماعي. 
● كيف تنظر للعلاقة الجدلية بين الرواية والتاريخ؟ هل هناك تقاطع أم علاقة بنيوية، أم بمعنى أن الرواية هي التاريخ بحد ذاته؟
-  التاريخ يكتبه المنتصرون، يروي سير الملوك، والدول، والحروب، ويهمل بقية الناس، لذا تقوم الرواية على تتبع العلاقات الإنسانية، تحفر في يومياتهم وهمومهم، تطرح وجهات نظرهم، الرواية هي تاريخ المهزومين، أو التاريخ الذي يخلفه المؤرخون ويحتفي به الروائيون.
 هل تمتلك موهبة التحايل على الرقيب الرسمي وأنت تكتب نصوصك؟ وتاليًا كيف تعاملت مع رقيبك الداخلي أثناء كتابة هذا النص؟
- لا أفكر في الرقيب أثناء الكتابة، أو قد يكون هناك نوع مما أسميه «مناعة حكائية» كافية، لأن الحكاية هي أذكى ما قام به الإنسان من أجل قول ما يريد من دون أن يصّرح بذلك مباشرة، هي التي أنقذت شهرزاد، وهي التي مكّنت الكتاب العرب الأوائل من قول وجهات نظرهم، متخفين وراء شخصيات متخيلة.
● يقول جورج أورويل: «في عصرنا لا يوجد شيء اسمه بعيدًا عن السياسة، كل القضايا هي قضايا سياسية»، فهل ترى أن الأديب العربي يستطيع أن يبدع بمعزل عن السياسة؟
- طغت السياسة على الكثير من الروايات العربية، خاصة في فترة المد الماركسي، لكنني لا أميل إلى هذه الطروحات، أرى أن أي أيديولوجيا، سواء أكانت سياسية أو دينية تُسهم في الإخلال بالعمل الروائي. يبدو لي أن الرواية الراهنة تجاوزت هذا المأزق، واستطاعت كسر حاجز الأيديولوجيات، مقوضة بذلك العديد من المفاهيم التي سيطرت زمنًا على الذهنية الجمعية العربية.

ظاهرة ثقافية
● ما ملاحظاتك على الحركة الثقافية الجزائرية الآن؟
- في السنوات الأخيرة، شهدت الجزائر حركة ثقافية كبيرة، بعضها يمكن اعتباره نواة لظاهرة ثقافية أو مشروعًا حقيقيًا لو استمر سيغير الكثير على مستوى الفرد، إنسانيًا وحضاريًا، وأعني به التوجه العام إلى القراءة، والاهتمام بفن الرواية كتابة وقراءة بشكل خاص، لكن المشكلة أن النقد لا يساير ظاهرة الكتابة بشكل كافٍ، ولا الإعلام الثقافي يقوم بمهمته، بالإضافة إلى ظهور العديد من دور النشر الطفيلية التي تسترزق من جيوب الكتاب.
● صدر لك أيضًا من قبل روايات «سينما جاكوب»، «سييرا دي مويرتي»، «الدوائر والأبواب» حدثنا عن تلك الرحلة الأدبية؟
- يقال إن النصوص الأولى أكثر شبهًا بكتابها، بهذه الطريقة أرى رواية سينما جاكوب، أعيد قراءتها متمثلًا بارت في لذة النص، أكتشف فيها ذاتيتي، فالقارئ تغويه النصوص المكتوبة بلذة، يتفاعل معها بكليته، بينما في روايات أخرى تضاءلت هذه العلاقة، وصار للنص عالم مغاير وبنية حكائية منفصلة عن ذاتية المؤلف. 
سييرا دي مويرتي هي أول رواية اعتمدت على التوثيق، واتباع المعلومة التاريخية في مصادرها. هذا الانتقال من التاريخي إلى الروائي كانت له الفائدة الكبرى أثناء كتابة رواية الديوان الإسبرطي، لأنها تعتمد هي الأخرى على التوثيق. أما الدوائر والأبواب فأراها تجربة روحية، تبحث عن علاقة الإنسان بالمكان، منتقلة من الصحراء إلى المدينة، ومن المكان المفتوح إلى المغلق يحاول البطل فيها تمثل حدود كينونته بين المكانين.
● هل يجوز للناقد التسامح مع أخطاء تاريخية للروائيين؟
- يُكتب التاريخ بناءً على تصورات واقعه، وتحت تأثيرات السُلطات المهيمنة عليه، وتخضع إعادة كتابته إلى نوع من التحايل التأويلي، أو التحليل المقارن، من أجل الوصول إلى نتائج يطمئن إليها المؤرخ، في حين تتحرر الرواية من هذه الأدوات كلها، وتشتغل على نقد الحوادث أو حتى النصوص بعيدًا عن أي مركزية أو هيمنة، ويبقى الحدث مجرد خلفية، لذا لا يمكن للناقد أن يناقش موضوع الخطأ التاريخي لأنه وظيفة يُعنى بها المؤرخ لا الروائي.

المعلم الأول
● إذا عدنا معًا إلى مرحلة البدايات وسألنا عن الأدباء والكتاب الذين تأثرت بهم والذين كانوا مصدر الإلهام لك، فماذا تقول؟ وأيهم أقرب إليك؟
- البدايات عادة ما تكون غامضة ومشوّشة، عرفتُ فيها أدب المنفلوطي وجبران والعقاد وميخائيل نعيمة، وقرأتُ السرديات التراثية كالجاحظ وأبي حيان التوحيدي والسير الشعبية، ثم توجهت إلى فن الرواية، والمعلم الأول - دون شك - نجيب محفوظ، الذي أحببتُ التزامه وحرصه على الكتابة كحياة بديلة، تابعتُ الغيطاني وولعه بالتراث، بينما جذبني عبدالرحمن منيف في تصويره لهموم الإنسان العربي وخيباته، وجبرا إبراهيم جبرا وانفتاحه على الآخر، والطاهر وطار وحسه النقدي للسلطة، وآسيا جبار ومتابعتها لقضايا المرأة الجزائرية، ومحمد ديب وارتباطه الشاعري بالأمكنة رغم بعده عنها، وكاتب ياسين وثوريته، بينما فضّلت من الآداب الغربية المكتوب بالألمانية، بدءًا من توماس مان في رائعته الجبل السحري والدكتور فاوستوس، وهيرمان هيسه، هينرش بول، زفايغ، ومن الأدب اللاتيني استهوتني كتابات خوان رولفو ويوسا وساراماغو.
● لكل مبدع طقوس خاصة بالكتابة، ما الطقوس الخاصة التي تمارسها عند الكتابة؟
- ليست هناك طقوس معينة سوى التفرغ للكتابة، لا أكتب طوال العام، بل خلال شهرين أو ثلاثة منه، أما بقيته فتكون للقراءة والبحث، فإذا ما اكتملت التصورات عن مشروع رواية ما أبدأ الكتابة بشكل يومي ولساعات.
●  هل يمكن قراءة الواقع الاجتماعي للكاتب من خلال نصوصه؟
- طبعًا، في ظل غياب الدراسات الكافية التي تحيط بسوسيولوجيا المجتمع العربي، والتحولات التي أثّرت في بنيته الاجتماعية، تبقى الرواية هي الفن الأكثر تعبيرًا عن واقعه، وتاريخه، وهمومه اليومية، متتبعة التفاصيل التي قد لا ينتبه إليها المؤرخ، أو لا يتوصل إليها عالم الاجتماع، ولعلّ فيصل دراج أفضل من عبر عن ذلك حين قال: الرواية هي النص العربي الوحيد القادر على رصد المعيش، في ظل غياب الظروف الموضوعية والسياسية والديمقراطية التي تسمح لعالم الاجتماع أن يكتب ما يرى.
● هل نالت تجربتك في الكتابة حظها من المتابعة النقدية؟ وإلى أيّ حد أسهم النقد في تطوير مشروعك السردي؟
- يتحكم في العملية النقدية عاملان قد يتفقان، وقد لا يتفقان أبدًا: المنهج والذّوق، وفي الحالتين تبقى النظرة نسبية، ففي الأولى يكون الناقد محاصرًا بميكانيكية قد تجانب الجمالية الحقيقية للنصوص، أما في حالة الانتصار للذوق وحده فيكون النص أسيرًا لتفسيرات الناقد الذاتية، ووجهة نظره المحاصرة ربما بأيديولوجيته. وبالطبع هناك العديد من الأسماء النقدية تناولت تجربتي الروائية، وأرى أن الكثير ممن كتب عن رواياتي قد استطاع التوفيق بين الرؤيتين.
● لماذا لم تحظَ الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية بحضور دولي على غرار نظيرتها المكتوبة بالفرنسية؟
- الكتابة الروائية بالفرنسية في الجزائر أقدم من العربية، تعود إلى قرنين أو أكثر، ورثت تقاليدها عن الفرنسيين، ولها قارئ مستوعب للفن الروائي ودوره الحضاري، بالإضافة إلى نخبة تسوِّق جيدًا لما ينشر، وآلة إعلامية فرنسية لها خبرة في التعريف بالكتب والأسماء، بينما في الجزائر لا تكاد تعثر على مجلة ثقافية دائمة بالعربية، والأمر نفسه بالنسبة للبرامج التلفزيونية التي تهتم بالأدب والثقافة، فهي قليلة، وغير مختصة، ومع هذا أرى أن الأسماء الروائية الجزائرية تصنع الحدث كل سنة في الجوائز العربية.
● كيف ترى النتاج الروائي العربي هذه الأيام؟ وهل ترى الانفتاح على التجارب الغربية مفيدًا للسرد العربي؟
- صار الأمر مشوشًا لكثرة الروايات التي تطبع، من الصعب جدًا الإحاطة بكل ما ينشر، خاصة مع ظهور أنواع جديدة، كالروايات البوليسية، وأدب الرعب، ونصوص أخرى خارج التجنيس التقليدي، ومع هذا توجد نصوص جميلة، استفادت جيدًا من حركة الترجمة المكثفة التي تهتم بها الكثير من دور النشر العربية، بالإضافة إلى مؤسسات أخرى هدفها نقل الثقافة العالمية إلى القارئ العربي.

العرب والرواية
● ما الذي ينقص الرواية العربية لتصبح منافسًا عالميًا؟ وهل نحن نعيش زمن الرواية؟
- سواء اعتمدنا وجهة النظر اللوكاتشية، أو حتى تفسيرات إيان واط في كتابه عن نشوء الرواية، فإننا نخلص إلى أن الرواية الغربية نشأت في ظروف مختلفة تمامًا عن ظروف الرواية العربية، تأسيسًا وتحولاتٍ بوصفها جنسًا يُعنى بطبقة اجتماعية معينة، لكننا كعرب استفدنا من الشكل دون النظر إلى تاريخه أو تفاعلاته بشكل كلي مع مجتمعاتنا، ومع ذلك استطاع المجتمع العربي أن يؤسس علاقة حيوية مع الرواية، معتمدا إياها إلى حد ما أداة تعبيرية تتجانس مع تطلعاته، وتشبع بعضًا من رغباته... فظهرت نصوص جيدة لكنها لم تلقَ الاهتمام الكافي، وقد يكون غياب الترجمة والماركتينغ سببًا في عدم تلقّيها لدى الآخر حتى يمكنها التطلع نحو العالمية، غير أنّ نجيب محفوظ صنع الاستثناء فعلًا.
● في إحدى روايته، قال الروائي الكبير «ماريو بارغاس يوسا»: «عندما يفشل الإنسان في حياته يصبح كاتبًا»... إلى أي مدى يمكن أن تكون هذه الجملة واقعية؟
- ربما تميل مقولة يوسا عن الحياة والكتابة إلى خلفية أرسطية، العظمة التي تتولد من الحياة الاجتماعية القاسية، في الأخير هي تعبر عن شخصية لها حالتها المتفردة في الرواية، ولا يمكن قراءة وجهة نظرها خارج سياقها الحكائي.  بشكل عام الكثير من الكتاب الناجحين عاشوا حياة ناجحة.
 ● أنت من الكتاب الذين حصدوا العديد من الجوائز وفزت بجائزة «البوكر» للرواية العربية، ما رأيك في الجوائز الأدبية؟ وهل يمكن اعتبارها معيارًا حقيقيًا وصادقًا يؤشر للأعمال الجيدة؟
- تمنح الجوائز الأدبية نفسًا جديدًا للكاتب، وتجعل النص متاحًا لدى شريحة كبيرة من القراء، ولعل هذا الأمر هو المهم. مع وجود استثناءات، فهناك أعمال روائية لم تفز بجوائز لكننا نطالعها اليوم بشغف، نقرأ زوربا فنحتفي بكازانتزاكيس، ونقرأ بحر الخصوبة فنقف إجلالا ليوكيو ميشيما، مع أن الكاتبين لم يحصلا على نوبل.
● ماذا بعد «الديوان الإسبرطي»؟
- أشتغل على مشروع رواية جديدة بمحمولات تاريخية، تضيء فترة مهمة من تاريخ الجزائر المعاصر ■