مقاربة عاملية لرواية «النقطة الأضعف» لبزة الباطني بنية الصراع في الرواية العربية الحديثة

مقاربة عاملية لرواية «النقطة الأضعف» لبزة الباطني بنية الصراع  في الرواية العربية الحديثة

 تسعى هذه المقاربة إلى تناول رواية «النقطة الأضعف»، للقاصة والروائية الكويتية بزة الباطني، الصادرة في طبعتها الأولى عن مطابع السياسة، الكويت، 2019 (360 صفحة). قصد الكشف عن تجليات بنية الصراع باعتبارها العنصر المهيمن على هذا النص. لهذا، تركزت على المستويات الآتية: عتبات النص (غلاف الرواية)، تقطيع النص الروائي، المسار التوليدي للنص (البنية الخطابية للنص، التفضية والترميز في النص).

 

  يتشكل غلاف رواية «النقطة الأضعف» للروائية بزة الباطني، من علامات بصرية أيقونية، تشكيلية، وأخرى لسانية، ففي أعلى الغلاف اللوحة نجد اسم الروائية بزة الباطني. جاءت لوحة الغلاف على شكل خريطة جغرافية. تتشكل هذه الخريطة من المياه/ البحر، ومن اليابسة (عبارة عن جزر). جزيرة كبيرة تحتل موقعًا بارزًا، وأخرى صغيرة معزولة. تؤشر هذه الأخيرة إلى الضعف والوهن. نقرأ في الصفحة 3 (تتمدد الأرض حتى تنكسر من النقطة الأضعف. النقطة الأضعف تسمى عيبًا). يرتبط هذا الضعف بالجزيرة الصغيرة المعزولة.  أما في الوسط من الغلاف فنجد عنوان النص الروائي «النقطة الأضعف». كتب بلون أسود وبخط مائل ليشكّل كذلك النسق اللساني الذي يحد من امتداد الصورة. هذه العلامات اللغوية هي بمنزلة ترسيخ تعدد دلالات النص الروائي بأكمله. وتحت العنوان مباشرة، نجد الميثاق الأتوبيوغرافي (رواية) بنفس اللون والخط. من دون أي حلية بتعبير روش.  يتعلق الأمر هنا بنمط نموذجي معروف لكون الروائية بزة الباطني أشهر من أن تضاف إليها اللغة، لذلك كتب بخط مائل أكثر مادام اسمها سابقًا لنصها الروائي. لعل غياب حضور أي شيء يؤثث هذه الجزر (إنسان أو طبيعة)، هو غياب للحياة أيضًا. لكون غياب الحياة أمرًا غير مرغوب فيه. وقد كان بإمكانه استبدال هذا الفراغ بالطبيعة أو بالإنسان. لكن غياب ذلك رهين بغياب أهلية العامل الذات  للرواية «النقطة الأضعف».  كأن هذا العامل الذات الجزيرة (النقطة الأضعف)، لا يدري هدفه/ موضوع القيمة، لذا، ينعزل ليعيش نوعًا من الفراغ. كما أن هذه النقطة الأضعف لا تتصل بالجزر الأخرى التي تفصلها عنها مياه البحر، بقرينة أن هذه النقطة الأضعف تتجه نحو العزلة (الضعف)، لتكون العزلة والضعف من بين سماتها المميزة على حد تعبير رومان جاكبسون. لهذا، فإن صورة الجزيرة المعزولة الموجودة أسفل غلاف الرواية، من خلال شكلها الدائري (صغر الحجم، جرداء، انفصالها عن بقية الجزر...إلخ)، قد تدل في أغلبها، على حد تعبير رولان بارط، على كون طبيعي/جيولوجي مخصوص. يؤشر في رواية «النقطة الأضعف» على شخصية الفتاة (روايا)، شخصية الأم، إنها وإن كانت تمثل العزلة والابتعاد عن المجتمع، فقد وجدت فيها الشخصية الرئيسية (شخصية الفتاة) ملاذها. مما يعكس نوعا من الانفصال العلائقي في المجتمع.  فلماذا تختفي هذه العلاقات المجتمعية؟ وكيف تغدو فيه العلاقة بين الفتاة والأم والأب والأخ الأكبر مفككة؟
 
تقطيع نص رواية «النقطة الأضعف»     
   تعد عملية تقطيع النص السردي عملية إجرائية مهمة بحسب المنهج السيميائي السردي، لأن هذا التقطيع هو السبيل الوحيد لفهم النص والكشف عن دلالاته. تشكلت رواية «النقطة الأضعف من مراحل تاريخية (سنوات) (بمنزلة فصول). حددت في 12 فصلًا (1954، 1969، 1972، 1973، 1975، 1976، 1977، 1979، 1982، 1983، 1985، 1987). فعلى الرغم من تداخل أحداث بين هذه الفصول/ السنوات، يمكن اعتمادها من أجل تحديد مقاطع النص السردي الأساسية.
  1- المقطع الاستهلالي: يرتبط بوفاة  شخصية الجد. مما أدى إلى اضطراب العلاقة بين الفتاة وأفراد أسرتها (الأم، الأب، الأخ الأكبر). يقول السارد: ص 15 «كان على الجد أن يودع ويلحق بمن رحل قبله من أصحابه.  مات جدها  فصارت  غريبة وكل مَن حولها أغراب سيظلون يرونها  كل يوم  أمامهم ولا  يعرفونها. انشغلت بتعزية روحها لفقده، ولا شيء أصعب من أن يتعلم شاب مواساة نفسه بنفسه وهو لم يتعرف عليها بعد إلا من خلال من رحل ولا يحب ذاته لدرجة تسمح له باحتوائها كما كان هو يفعل.  لازمت حجرة جدها التي صارت لها كملجأ أمين لطفلة يتيمة وصارت الأم تتذمّر من عزلتها  وتحاول أن تضع نهاية لذلك الحداد  البشع  على حد تعبيرها، والتي أعلنت، حين فشلت محاولاتها الخرقاء، أنه لا شيء يناسب سحنة ابنتها أكثر من هذا الحداد البشَع». لتعيش  شخصية الفتاة (روايا) عزلة حادة.  خلقت لديها نوعًا من الصراع والتنافر الحاد مع الآخر. يشكّل المقطع الاستهلالي بداية سلسلة الإخفاقات التي ستعرفها شخصية الفتاة لاحقًا.  يرتبط هذا المقطع بالفصلين (الفصل 1954، الفصل 1969).

   2 -المقطع الوسطي الأول: يتشكّل هذا المقطع في مجمله من مجموعة  من التداعيات الخاصة بشخصية الفتاة. عملت على تكسير رتابة السرد. أبرزها تذكر علاقتها مع جدها (عبارة عن نوع من الاسترجاع على المستوى الزمني). يقول السارد ص63: «عادت بذاكرتها إلى اللحظة التي ادعت فيها زميلتها أنها سرقت قصة والدها وحاولت أن تعرف لماذا لم تعترض وتحاول أن تثبت براءتها مما اتهمت به وتصعد الأمر حتى إلى عميد الكلية ليقتص من تلك الكاذبة وممن صدقها (...) ندمت لأنها بكبتها حزنها وغضبها لفقدان جدها أولاً ثم استسلامها البغيض لكل ما حدث بعد ذلك قد آذت نفسها ربما أكثر مما تعرف». نتيجة الحالة النفسية للفتاة قررت الأم تزويجها لأول من يطلبها للزواج. يقول السارد ص34: «نظرت إلى والدها تنتظر عونه ومساندته فتلك كارثة لكنه أشاح بوجهه عنها وظل صامتًا، فقد أقنعته أمها بأن ابنتهم مريضة وقد تكون مجنونة حقًا، وأنها صارت كالبضاعة المعطوبة، وأنها ما عادت تملك من مؤهلات الزواج سوى  صغر سنها فإن أجلوا أمر زواجها ستفوتها الفرصة حتمًا. لهذا سيتم الانفصال التام/الانقطاع بين شخصية الفتاة وشخصيتَي الأم والأب». يقول السارد ص34: «اتسع المحيط الذي يفصلها عن والديها. كرهتهما حتى الموت في تلك اللحظة وافتقدت جدها أكثر». بعد زواج شخصية الفتاة من شخصية الشاب/ الطالب، غادرا الوطن نحو الخارج (كانت العائلة كلها في المطار يوم السفر. ودّعتها أمها وهي سعيدة بالتخلص منها بالتي هي أحسن وأشرف وأدعى للفخر، وودّعها والدها بمشاعر كانت أقرب إلى اللامبالاة كمشاعر من تخلص من كيس مهملات نتن كان مرغمًا على الاحتفاظ به وودعها باقي إخوتها ص: 36. تؤطر  هذا المقطع أحداث ووقائع فصلين (الفصل 1972، الفصل 1973).                            

 3 -المقطع الوسطي الثاني: يرتبط هذا المقطع باستقرار  شخصية الفتاة خارج الوطن وانفصال الزوج عنها، فقررت دخول الجامعة لمتابعة دراستها. يمتد هذا المقطع من الصفحة 44 «قالت: لا تتركني وحدي أرجوك. تمنى لها حظًا سعيدًا ثم اختفى وسط الزحام وهو يلوح لها من دون أن يلتفت وهي ترجوه أن يبقى»، وصولًا إلى الصفحة 70 (تهلل وجهها وهي تتسلم استمارة طلب الالتحاق بالجامعة وكتيب المعلومات. وقبل أن تغادر سألت عن تكاليف الدراسة فأخبرتها الموظفة أنه في الكتيب). تؤطر  أحداث هذا المقطع الفصول التالية: (الفصل 1975، الفصل 1976، الفصل 1977، الفصل 1979).                   

 4 -المقطع النهائي: تؤشر أحداث المقطع النهائي إلى أن العلاقة اتجهت بشكل كبير نحو العلاقات التواصلية بالخارج (سواء بالخارج أو من داخل الوطن). تجلى ذلك في فصول الرواية التالية/ الأخيرة (الفصل1982، الفصل 1983، الفصل 1985، الفصل 1987). يقول السارد: ص 142: «ضحكت الكاتبة وقالت:  تلك متعة لا أنكر رغبتي في نيلها... لكنني أرغب أكثر في أن نتعارف بشكل أفضل، ورجتها أن تمنحها وتمنح نفسها الفرصة لتصحيح الصورة».

المسار التوليدي للرواية وبناء الدلالة
 يسهم تحديد المسار السردي لكل نص سردي، في بناء دلالته من جهة، وتبيان الكيفية التي يأتي بها المعنى إلى النص تبعًا للتصور النظري لمدرسة باريس السيميائية. وذلك من خلال مجموعة من البنى على رأسها البنية الخطابية التي تشكل البنية الأخيرة في سلمية المسار التوليدي للنص السردي. ثم يتم الانتقال إلى النص من خلال بنيته العاملية التي ترتبط أساسًا بتناول الحالات والتحولات التي يعرفها المسار السردي.
 
البنية الخطابية للرواية
تقوم هذه البنية على مكون تركيبي وآخر دلالي. إنها بمنزلة تجلٍّ للبنية السيميائية السردية، وتحويلها إلى بنية الخطاب. يعتمد هذا التحويل على مستويين: مستوى الشخصيات/العوامل، ومستوى التفضية والترميز.
 1 -مستوى الشخصيات/ العوامل في الرواية:

 إذا كانت بنية العامل تتميز بخاصية تركيبية فإنها تتميز كذلك بخاصية دلالية ومعجمية. تقوم الشخصية/العامل بوظيفة (أو وظائف) من خلاله موقعها  داخل النص السردي.  يمكن تحديد شخصيات عوامل رواية «النقطة الأضعف» كالتالي:
 1 -شخصية الجد: على الرغم من ارتباطها بالمقطع الاستهلالي للرواية، فقد كانت في علاقة وطيدة مع شخصية الفتاة التي عرفت نوعًا من الاضطراب الاجتماعي والنفسي مع موت شخصية الجد.

  2  -شخصية الفتاة: ضحية تقاليد وأعراف المجتمع، أصابها الضعف نتيجة انفصال محيطها (الوطن) عنها. حين غادرت الوطن إلى الخارج، حاولت البحث عن علاقات تواصلية جديدة حققت من خلالها ذاتها ونجاحها.

 3  -شخصية الأم: شخصية متسلطة. كانت العامل الرئيس الذي ساهم في انفصال شخصية الطفلة عن محيطها الأصلي.

4 -شخصية الأب:  ترتبط مواقفها بمواقف شخصية الأم. ساهمت بدورها في انفصال شخصية الطفلة عن محيطها. 

5 -شخصية الأخ الأكبر: شخصية من دون مواقف ثابتة، كذلك ساهمت بدورها في هذا الانفصال.

6 -شخصية الأخ الأصغر: تصر هذه الشخصية على استرجاع علاقة شخصية الطفل بمحيطها. لكن صغر سنها جعلها لا تؤثر على  شخصيات المحيط الأصل/ الوطن.

7 -شخصية الخالة الثالثة: بمنزلة وسيط بين شخصية الطفلة والمحيط/ العائلة/ الوطن. لكن صدامها مع شخصية الأم يجعل تأثيرها في بناء علاقة جديدة يتراجع كل مرة. 

8 -شخصية الزوج: تزوج شخصية الطفلة إرضاء لوالديه من أجل متابعة دراسته بالخارج. اختفت هذه الشخصية بمجرد وصولها وشخصية الطفلة إلى الخارج، ليعلن السارد موتها فيما بعد نتيجة تعاطي المخدرات. 

9 -شخصية الدكتور مكتبات: من الشخصيات الأولى التي ساعدت شخصية الطفلة للخروج من عزلتها وبناء علاقات جديدة.

10 -أصدقاء الجامعة (الشلة كما قالت عنهم شخصية الطفلة/ الساردة في الصفحة: 107) . وهم امتداد للعلاقة والتواصل (حسب شخصية الفتاة).

11 -شخصية الكاتبة:  على الرغم من مزاجها المتقلب، فقد أقامت علاقة تواصلية مع شخصية الطفلة استعادت من خلالها هذه الأخيرة ثقتها بنفسها وشقت طريقها نحو الكتابة والشهرة.

    تقوم هذه الشخصيات/ العوامل بدورين مهمين على المستوى الخطابي: دور ثيماتي، ودور تصويري. ينظر إلى البعد الثيمي بوصفه وجودًا معايشًا لقيم تولد ثيمات خاصة. تتحول هذه الأخيرة إلى سلوك (معطى تصويري). تحدد من خلال نواتها الثابتة التي من خلالها تتحقق مختلف الإمكانات المحددة لسياقات عبر مسارات سيمية ترتبط بما يقدمه الحقل المعجمي للرواية،  بحيث يمكن النظر إلى الصورة من خلال ما يلي:
أ- الذخيرة: تتجلى في مختلف الدلالات الممكنة لأي صورة قبل توظيفها. 
ب- الاستعمال: ترتبط بمستوى تحقق هذه العوالم أو بجزء منها في الرواية عند ترابط هذه الوحدات المعجمية التي يمكن دمجها في حقول معينة. يرتبط الحقل المهيمن في رواية «النقطة الأضعف» للروائية بزة الباطني بتجاوز العزلة (من قبل شخصية الفتاة/ روايا)، وخلق علاقة جديدة (مع جميع أفراد الأسرة ومحيطها الجديد/الخارج/ الجامعة)، حيث تحدد هذه الوحدات المعجمية الحقل الدلالي للنص. يتحقق هذا الأخير في رواية «النقطة الأضعف»، من خلال مجموعة من الوحدات/ الكلمات ذات الحمولة المشتركة (الوطن، العائلة،...إلخ). يرتبط باختيار المسارات السيمية لصورة أو بتمظهر محقق للصورة مثل الانفتاح/التواصل الذي يفيد في حدود الإمكان كل المعاني الواردة في هذا النص الروائي والدالة عليه، وكذا على العزلة/الضعف سواء كانت حقيقية أو متخيلة.  لعل هذا ما تبرزه صورة الجزيرة الصغيرة المعزولة (غلاف الرواية). فإذا كانت تفيد العزلة الجغرافية، فإنها تفيد كذلك العزلة الإنسانية (عائلة شخصية الفتاة /روايا). تعمل هذه المسارات التصويرية على بناء برنامج سردي على المستوى السطحي.  كما تبين تجليات البرامج السردية على مستوى الخطاب. فإذا كانت المسارات السيمية تولد الصور فإنها تولد في تعالقها المتناظر، مسارات تصويرية،  وذلك من خلال ترابط هذه المسارات داخل  رواية «النقطة الأضعف» التي تبدأ بموت شخصية الجد ودخول شخصية الفتاة في عزلة تامة. يتوسط هذه المسارات زواجها الفاشل وسفرها ودخولها الجامعة لمتابعة الدراسة لتنتهي بالخروج من العزلة وبناء الذات ونجاحها وشهرتها. 
2 -مستوى التفضية والترميز في الرواية: 

    يتحدد ذلك في رواية «النقطة الأضعف» من خلال إجراءين أساسين هما: الاندماج باعتباره العملية التي تعود بنا إلى محفل التلفظ المرتبط بالعديد من الإشارات الدالة، يمكن ملاحظته عبر إشارات حضور السارد أو غيابه عند تداعيات شخصية الفتاة. يبرز ذلك يشكل جلي من خلال الفصل 1969 والفصل 1972 (من الصفحة 18 إلى الصفحة 82). حيث يكون السرد في أغلبه على عاتق السارد.  يقول هذا الأخير ص48: كانت تتمنى أن تحكي لأمها ما حدث لتقول  لها مثل أية أم أخرى تتعرض ابنتها لمثل ذلك الموقف المهين «اتركي ذلك الوغد وعودي حالًا» أو «سأحضر لأكون معك» أو«إن كان يرغب في الاحتفاظ بك عليه أن يلتزم وإلا فليغادر إلى الأبد» أو «فقد من مثله ليس خسارة وزواجك منه ليس خطأً غير قابل للإصلاح والخطأ هو أن تقبلي أن تظلي زوجة لخسيس مثله يأخذك بالخديعة من بين أحضان أهلك ووطنك ليلقي بك بين أنياب الغربة المرعبة». أما الاندماج، فيتموقع خارج محفل التلفظ. يحل محله الزمان والفضاء الآخر، ذلك أن الذات المتلفظة (شخصية الفتاة روايا)، تتحين داخل فضاء وزمان مخصوصين، كما تتحدث عن وقائع خارج محفل التلفظ.  تجلى هذا الانحلال في محفل التلفظ من خلال مجموعة من التداعيات، فزمن الحكاية يبدأ بسفر شخصية الفتاة إلى الخارج. لكن السارد/ شخصية الفتاة يعود إلى الوراء من خلال سرد أحداث وقعت في المكان الأول/ الوطن/ الجامعة عن طريق تقنية الاسترجاع  والتداعي الحر. ففي الصفحة 34 نجد استرجاعًا يرتبط بشخصية الجد. يقول السارد: (اتسع المحيط الذي يفصلها عن والديها. كرهتهما حتى الموت في تلك اللحظة وافتقدت جدها أكثر، ما كان يسمح بذلك).  
إن المسار المرتبط بتسلسل الأحداث التي يقوم بها العامل، يحدد دينامية الخطاب عبر مجموعة من المسارات التي تعمل على تحديد الفضاءات والأزمنة.  تبدأ نقطة البحث عن موضوع القيمة (بناء الذات)، من فضاء الفندق (خارج الوطن) أما الزمان الذي تحصل فيه الشخصية المحورية على موضوع القيمة، فهو مرحلة الدخول إلى الجامعة.  تجلى ذلك في الحوار التالي:
قالت: هل يمكنني أن أفعل ما أحب؟
قال: وما يمكن أن يكون ذلك؟
قالت: أن ألتحق بجامعة أو أن أعمل أو أن أقوم برحلات أو...                      
قال:  افعلي ما يحلو لك، فقط لا تزعجيني بمحاولة تغييري أو التأثير  عليّ وسأكون دائمًا عند وعدي لك.
فسألته: وهل سنعيش معًا؟
قال: لا أعتقد أنك ستحبين ذلك لكن سأفتح لك حسابًا في مصرف وتصرفي كما تشائين ولا أحب أن يعرف الأهل بقرارنا (ص:44).              بين هذه الفضاءات تمتد فضاءات وأزمنة أخرى معاكسة (منزل العائلة/ الوطن، المستشفى)، وأخرى مساعدة (الجامعة، بيت الكاتبة، الرحلة البحرية على متن اليخت).  

الخلاصة
   تعد رواية «النقطة الأضعف» لبزة الباطني رواية الشخصية بامتياز، لكونها شكلت بؤرة العملية السردية، فعلى الرغم من تعدد الشخصيات، فإن شخصية الفتاة/ روايا  أكثر ارتباطًا بالمسار السردي العام للرواية سواء من حيث تطوره أو تبدلاته تبعًا لأحداث الرواية وتشكلاتها السردية، كما هيمنت خاصية الصراع على النص بأكمله جعل الروائية بزة الباطني تضفي على هذا النص السردي نوعًا من الدقة في التصوير والبراعة في التعبير والغنى على المستوى الرمزي والدلالي ■