توماس كول «مشهد شلالات نياغارا من بعيد»

توماس كول «مشهد شلالات نياغارا من بعيد»

توماس كول رسام عصامي إنجليزي، ولد عام 1801م، وهاجر مع والديه إلى أمريكا عندما كان في السابعة عشرة من عمره. تعلم الرسم بنفسه من خلال الكتب ودراسة لوحات فنانين آخرين، وأصبح واحدًا من أبرز الفنانين الأمريكيين، كما يُعتبر مؤسس مدرسة الهدسون التي ضمت بعض ألمع الأسماء في نيويورك في النصف الأول من القرن التاسع عشر، مثل ألبرت بيرشتات، وجون كونستابل، وآشر دوران.
ففي صيف عام 1826م، قام كول برحلة ممولة من الثري الأمريكي جورج بروين إلى وادي الهدسون، رسم خلالها خمس لوحات تمثل مناظر طبيعية، أطلقت شهرته في المدينة، ومن أبرز المعجبين به كان الرسام جون ترامبل الشهير الذي عرّفه على عدد من كبار الأثرياء والهواة الذين أصبحوا بسرعة من رعاته.
بنى كول مجده برسم المناظر الطبيعية، حتى عندما كان يرسم مواضيع استعارية فإن الطبيعة كانت مسرحها، مثل مجموعته «مسار إمبراطورية» المؤلفة من خمسة أجزاء صوّر فيها خليجًا تحيطه اليابسة من ثلاث جهات في حالته العذرية أولًا، ثم مأهولًا وعامرًا، ثم ترهله واندثاره.
في عام 1829م، وقبل توجهه في رحلة إلى إنجلترا، مرّ كول بشلالات نياغارا، التي رسمها العام التالي في لوحته التي نراها هنا، والتي لا تُعتبر أفضل أعماله، ولكنها الأوضح في التعبير عما ميّزه عن غيره من فناني عصره وربما عن فناني كل العصور.
فهذه اللوحة الرومنطيقية والمثالية الجذّابة جدًا بألوانها الخريفية، أسماها بعض المؤرخين «منظر طبيعي للأكاذيب». 
لأن التغييرات التي أدخلها الرسام على حقيقة المشهد لا تُعد ولا تُحصى، ومنها أن الرسام زار شلالات نياغارا مرة واحدة في حياته، ولم يكن ذلك في فصل الخريف كما تزعم هذه اللوحة.  ثانيًا، في عام 1829م، كانت المصانع والمنشآت الهيدروليكية تطوق شلالات نياغارا، وكذلك المنشآت السياحية من فنادق ومقاهٍ ومطاعم، ولم يكن قد بقي في المحيط أي غابات. وبدلًا من الشخصين الصغيرين من الهنود الحمر اللذين نراهما على الصخرة هنا، كان هناك مئات السياح يجوبون تلك الأرجاء. وأيضًا، خلافًا لما شائع أو يُظن أن الرسام رسم هذه اللوحة أمام الشلالات أو في أمريكا، فإنه رسمها في لندن اعتمادًا على رسم صغير بالقلم أنجزه ميدانيًا. 
وثمة مأخذ أعمق وأخطر مما سبق ذكره يأخذه بعض المؤرخين على كول، وهو الحجم الصغير الذي رسم به الشخصين الهنديين. فالبعض رد ذلك إلى تربيته الإنجليزية التي تربط الطبيعة المتوحشة في أمريكا بالهنود الحمر، وأنه أضاف هذين الهنديين إلى اللوحة ليقول للمشاهد الإنجليزي إن هذه اللوحة من أمريكا. 
وذهب البعض الآخر إلى أن الفنان أراد من تصغير هذين الهنديين الإشارة إلى تضاؤل حضور ثقافتهما المشرفة على الزوال كـ«حتمية تاريخية»، مع ما يعني ذلك من إنكار لما فعله استيطان الوافدين الأوربيين بحق هذه الثقافة.
من جهة أخرى، يقول المدافعون عن كول، إنه كان شغوفًا بالطبيعة المتوحشة ومعروفًا بقلقه من التمدد الصناعي وأثره على هذه الطبيعة. هذه اللوحة في الواقع تحذير مما يمكن أن يؤدي إليه اكتساح الطبيعة من قبل الإنسان، وذلك من خلال إظهار النقيض الإيجابي الزائل لواقع سلبي يعرفه الجميع ويتعايشون معه. 
ويذهب هؤلاء إلى أن وجود الهنديين بهذا الحجم الصغير هو فقــط لتضخـيم حجم الشلالات وتعزيز وقعها في النفس مقارنةً بهما، خاصة أن اللوحة صغيرة الحجم.
لكن أنصار كـول ومنتقديــه متفقــون على أن تمكّنه من التلاعب بمكوّنات المشهد الطبيعي بشكل يلامس الجنون لا يترك للمشاهد مجالًا غير الاعتراف بعبقرية باهرة ومثيرة للإعجاب ■