اغتنِم اللحظة

اغتنِم اللحظة

يكمن سر النجاح في اغتنام اللحظة، وكل لحظة فرصة، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ»؛ أي أن يستغل الإنسان اللحظة التي يعيشها في العمل المنتج الذي يعود عليه بالخير في الدنيا والآخرة؛ فالشباب والصحة والغنى والفراغ والحياة لا تدوم، وقد تتغير فجأة دون سابق إنذار؛ فربما يتعرض الإنسان لمرض أو حادث أو نكبة تحيل حياته رأسًا على عقب، لذا من الحكمة وبُعد النظر أن يغتنم الإنسان كل لحظة على الوجه الأمثل، ولا يركن إلى الدعة وطول الأمل، فلا شيء يدوم.
في كتابه «معسكر التدريب»، يقول جون جوردون: «الجميع يتحدثون عن المصير، والجميع يبحثون عنه، ولا يدركون أن كل لحظة هي مصيرك. فاجعل كل لحظة من حياتك مهمة، وعليك أن تدرك أن هذه فرصتك الوحيدة، لكن لا تركز على نتيجة الفرصة، بل ركز على الفرصة وحسب... لا تركز على الماضي، ولا تنظر إلى المستقبل، وركز على الحاضر، فالنجاح والمكافآت والجوائز والشهرة والثروة كلها مجرد نتائج ثانوية لمن يستطيعون اغتنام اللحظة، وليس لمن ينظرون فيما وراءها».
إن حياتنا الحقيقية هي مجموع اللحظات التي نغتنمها جيدًا لنجعل لحياتنا معنى وقيمة، إنها الفرص التي نستغلها بفاعلية ومهارة لنرتقي إلى الأمام، وحتى ننجح في اغتنام اللحظات، يجب أن نركز في اللحظة والعمل الذي بين أيدينا، وأن نؤدي وظيفتنا بكفاءة، وأن ننسى الماضي بما فيه من مرارة وشقاء وفشل، ولا نحمل همّ المستقبل وما يمكن أن يحدث؛ فالماضي ذهب وانتهى، والمستقبل عِلمه عند الله، واغتنام اللحظة جيدًا هو ما يوصلنا إلى بر المستقبل بأمان.
لا يعني ذلك ألا يحاسب الإنسان نفسه، ويراجع خطواته، أو يخطط للمستقبل، ويسعى لتحقيق أهدافه، لكن في لحظة أداء المهمة يجب أن يبعد عن نفسه كل شيء، ما عدا أن ينجز المهمة بنجاح، وألا يفكر أو ينشغل إلا بها؛ أرأيت لاعب الملاكمة في الحلبة... إذا أراد أن ينتصر على خصمه، فعليه أن يركز على توجيه لكمات قوية مؤثرة على نقاط ضعف الخصم، فإذا فعل ذلك فإنه سينتصر لا محالة، أما إذ انشغل في الحلبة بظروفه الحياتية، وقسوة التدريب، وديونه المستحقة، ومشاكله، أو فكر بالتتويج وحصد الملايين، ونيل إعجاب الجماهير، فسيتشتت، ويضعف تركيزه، وعندها سيغتنم الخصم الفرصة، وسيوجه له ضربات تنهي أحلامه، وتعيده إلى ماضيه الذي يفر منه.
إن الحياة بمجملها لحظات، وفرص لا تتكرر، والوقت لا يُستعاد، والساعة لا تعود إلى الوراء، وإكسير الشباب لم يُخترع بعد، وماء الحياة وهم، لذا علينا أن نغتنم اللحظة في الخير والمحبة والتسامح وجبر الخواطر وكل ما يكرس فينا الرقي والارتقاء بإنسانيتنا ■