لماذا اخترت هذه القصص؟

لماذا اخترت هذه القصص؟

عالم سريع، تتوالى حكاياته من حولنا في كل اتجاه.  وحدها القصة القصيرة تمنحنا فرصة التأنّي وتأمل التجربة المختزلة في عدة فقرات للاطلاع على عالم الآخرين من خلف زجاج اللغة.
القصص المشاركة جاءت متباينة في مضامينها ومستواها، الثيمة الغالبة تنحو نحو تناول العلاقة بين الفرد ومن حوله. عبر وصف فقد الأب القاسي الذي لم يمنح عائلته حنانًا لسبب
لا نعلمه! أو الجدة الأمية التي أصبحت مرافقة لحفيدها لتواجه رغبة قديمة وحرمانًا ترك ندوبًا واضحة عليها، أو الأم التي تتمركز علاقتها بابنها المتهور بالخوف من فقدانه وبالتالي اضمحلال روحها. 
القصص الفائزة جاءت لتنتصر للرغبات المكبوتة والمشاعر التي على وشك التحرر من قمقمها، وللفرد الذي لا يمكننا فهم مسيرته دون التطلع إلى علاقات شائكة تربطه بالآخرين! تلك العلاقات المعقدة التي نظن أننا نفهمها وغالبًا ما نتعثر بجانبها الملتبس.
 النصوص التالية اعتمدت على توظيف الفكرة والبعد النفسي للشخصيات المجهدة بسبب رغباتها وعواطفها.
لم تتداخل القصص مع ما هو اجتماعي وسياسي واقتصادي، كانت مليئة بدفقات تعبيرية تعنى بالبوح والمكاشفة ورصد الحالة أكثر من مباغتة القارئ بأفكار جديدة أو جذب انتباهه واستدعاء أفكاره!

المرتبة الأولى: «لعبة البازل» لسعيد طلحا/ المغرب
تتناول القصة موضوع (قسوة الآباء) بطريقة شاعرية، فالبطل الذي فقد والده مؤخرًا يتمنى في أعماقه لو كان أكثر عاطفة وحنانًا مع أفراد أسرته، رغبة مكبوتة تظهر في حلم يقدم له دعمًا معنويًا «حالة من الحلم الناعم، يتجاوز كل إفراط في التفاؤل، يمكن أن نتصوره».
القصة رغم بساطتها لغويًا إلا أنها عبرت ببراعة عن أشياء مهمة في الحياة فقدها يترك ألمًا عميقًا لا يمكن تجاوزه، مقتربة من تلك المنطقة الشائكة في علاقة الآباء والأبناء. فالأب حتى وهو يتخذ صورته المثالية بعد موته في عيون ابنه، محققًا له صورة كان يتمناها إلا أنه يترك مشاعره في كتاب تصعب قراءته «كتاب يشبه لعبة البازل»!
اللغة جاءت مباشرة وموجزة، متناسبة مع فكرة القصة، والعنوان جاء مشوقًا، والنهاية لم تكن متوقعة. 

المرتبة الثانية: «أحلام الخريف» لسوسن حمدي محفوظ/ مصر
النص مفعم بالوصف الموجز لحالة الجدة التي وجدت نفسها تعود إلى رغبتها القديمة في التعلّم عبر مرافقة حفيدها لحضانته يوميًا، مشوار الجدة مع حفيدها بدا كأنه سير لماضيها ورغباتها المكبوتة. 
لا تتخلى يد البطلة عن الأبناء، فهي الأم التي وهبت حياتها لتربيتهم ونجحت في تعليمهم جميعًا، من دون أن تتاح لها فرصة أن تجلس على مقاعد الدراسة يومًا، وأن تختار مكانًا مناسبًا وزاوية تمكّنها من تحقيق هدفها، اليوم تجد نفسها راغبة في تحريك الراكد واتباع حلمها:
«باتت رغبتها تشتعل معها كل صباح تزيد مع توهج الشمس، يزكيها حملها حقيبة حفيدها كأنها امتلكت حقيبة مدرسية أخيرًا، وحين تسلمه إلى المشرفة وتعطيه حقيبته تشعر بروحها تنتزع منها».
نص مكتنز بالمشاعر، نجح الكاتب في إيصالها للقارئ الذي لن يملك سوى تعاطفه الشديد مع الجدة التي قد تتنازل عن حلمها وتستسلم للعتمة بسبب الآخرين. النهاية تنتصر للجدة ولو جاءت حزينة. أما العنوان فجاء مباشرًا.

المرتبة الثالثة: «أفكار مذعورة» لعبدالله سامي عطرجي/ السعودية
تتناول القصة جانبًا من شخصية الأمهات القلقات، حيث بإمكان الفكرة أن تتطور لحدث مأساوي متى ما أشعلناها بمخاوفنا وشكوكنا.
العنوان جاء موفقًا ومعبرًا عن الحالة النفسية للبطلة المتماهية مع ذعرها من فقدان ابنها الوحيد ومركز اهتمامها في الحياة.
«تُعلّق به حياتَها وآمالَها، فهو مستقبلُها، والمرء أبدًا معلَّقٌ بمستقبله، يرجو فيه فكاكًا من أسر واقعهِ، ورحابةً من ضيق حاله ومعيشتهِ!».
قلقها على مستقبل ابنها المراهق له أسبابه المبررة، منها إلقاء اللوم على الآخرين، لكن القارئ في نهاية القصة يراوده الشك في ظنونها ووساوسها، هل هي رغبة عارمة في السيطرة أم مجرد حساسية مفرطة وخوف من رفقة السوء؟
القصة بعنوانها المباشر سرد لحالة نفسية وسط أحداث هامشية. اللغة مباشرة مع الانحياز للإسهاب. بعض العبارات جاءت مكررة. النهاية بدت كمكافأة للقارئ الذي تماهى مع قلق الأم.