سُعداء في المكتبة

سُعداء في المكتبة

في صغرنا درسنا نصًا سرديًا تعليميًا جميلًا في المقرر الدراسي يحمل عنوان «سعاد في المكتبة» ويتحدث عن فتاة صغيرة اسمها سعاد تذهب إلى المكتبة باستمرار وتقرأ الكتب.  كنا نحاول أن نكون مثلها، حيث كنا نذهب ونسجل أسماءنا في أقرب مكتبة عمومية تكون موجودة بالقرب من الحي الذي نقطنه، كي نستفيد من قراءة أكبر عدد من الكتب الموجودة فيها. هكذا نشأنا على حب الكتب وعلى الرغبة في قراءتها. 
ومضى الوقت سريعًا وأصبحنا قراءً كبارًا مولعين بعوالم المكتبات وبسحر الكتب، وحرصنا - طبعًا - على إنشاء مكتباتنا الخاصة، كتابًا وراء الآخر، حتى أصبحنا نتوفر على مكتبة خاصة بنا متنوعة تشمل عددًا كبيرًا من الكتب وفي مختلف التخصصات الثقافية. من هنا، أحببنا الكتب وأحببنا ما تمدنا به من غذاء فكري غني بشتى التجارب الإنسانية. لقد حرصنا ونحن نشتري هذه الكتب أن تكون بالفعل كتبًا تمجّد قيمة الإنسان وتحرص على التسامح والتآخي والدعوة إلى الحوار الثقافي في أرفع معانيه السامية. ومن هذا الحب الشديد لعوالم الكتب وسحرها الثقافي مارسنا الكتابة كعشق ثانٍ تولد دون شعور منا من عشقنا الأول المتمثل في القراءة. فغالبًا ما ترتبط القراءة بالكتابة، وغالبًا ما يتوحدان في نفس الكاتب - القارئ، أو القارئ - الكاتب. 
وهناك أمثلة عديدة على ذلك، ففي التراث العربي القديم نجد الكاتب العربي الشهير الجاحظ الذي كان مولعًا إلى حد الهوس بالقراءة، وكان يكتري حوانيت الوراقين ليلًا ويظل ساهرًا فيها، وهو يقرأ الكتاب بعد الآخر أو ينسخ منه ما يهمّه من آراء وأفكار إلى حدود أنه قد مات بين الكتب، هو العاشق الكبير لها. أما في العصر الحالي فنأخذ - على سبيل المثال - الكاتب الإيطالي الشهير أمبرتو إيكو الذي امتلك كتبًا عديدة بحيث اقتنى لها مكانًا مناسبًا عبارة عن فندق عتيق وأعاد صياغته ليجعل منه مكتبة شاسعة غاية في الجمال والبهاء، مكتبة تذكرنا بمكتبة بابل الأسطورية التي تحدث عنها الكاتب الأرجنتيني الألمعي لويس خورخي بورخيس العاشق الأسطوري للكتب والمولع الكبير بعوالمها السحرية والذي تحدث عنها في العديد من كتاباته المعروفة. 
والحديث عن الكاتب الأرجنتيني الكبير لويس خورخي بورخيس يدفع بنا للحديث عن كاتب عالمي آخر هو الكاتب الأرجنتيني - الكندي ألبرتو مانغويل الذي عشق الكتب وكتب عنها مؤلفات عديدة وأحب المكتبات وتحدث عن سحرها اللانهائي. من بين هذه الكتب التي كتبها حول المكتبة والكتب نستحضر كلًا من كتبه الآتية: «تاريخ القراءة» و«المكتبة في الليل» و«فن القراءة» و«يوميات القراءة» و«ذاكرة القراءة» وغيرها من الكتب المهمة التي تحدث فيها عن المكتبات وعن الكتب وأهمية قراءتها. طبعًا هناك كتاب عرب آخرون تحدثوا عن عشق الكتب وعن حب المكتبات، منهم عبدالكبير الخطيبي وعبدالله العروي وعبدالفتاح كيليطو، وأحمد بوزفور، وعبدالرحيم العلام وعقل العويط وخليل صويلح ومحمد آيت حنا وعبده وازن وأمير تاج السر وغيرهم. 
إن كل الكتّاب سواء من الشرق، أو من الغرب، قد أحبّوا الكتب وكتبوا عنها بشكل أو بآخر، وهم سعداء في مكتباتهم، فلا كتابة حقيقية من دون قراءة واعية عميقة ■