بذور الأرض بأمــــــان

منُذ آلاف السنين والإنسان يزرع ويبذر في هذه الأرض، ولكن يا أحبّائي، كما أن هناك أنواعًا من الحيوانات قد انقرضت كذلك هنالك مئات الأنواع من النباتات والمزروعات التي اندثرت، وذلك بسبب بعض الكوارث التي حلّت بالأرض، مثل الزلازل والبراكين والانفجارات والحروب. ولتفادي مخاطر المجاعات والأمراض توصّل علماء النبات إلى فكرة رائدة، وهي ضرورة إنشاء ملجأ، ولكن ليس للإنسان أو الحيوان، إنما ملجأٌ من نوع آخر!
ففي جزيرة بعيدة جدًا في أقصى شمال النرويج، إحدى الدول الإسكندنافية، وفي قرية منعزلة، قرّر العلماء بناء أكبر مستودَع في العالم لحفظ البذور! وقد تمّ اختيار هذا المكان بالتحديد لبعده عن أماكن الصراعات والحروب واستقراره الجيولوجي، حيث لا زلازل ولا براكين متوقّعة، وأيضًا لِقربه من القطب المتجمّد الشمالي. 
وقد بُني هذا المستودَع الضخم بعمق 130 مترًا في جبالٍ صخرية جليدية، حتى إذا ذابت الثلوج يضمنون بقاءه جافًا وباردًا. 
وقد بلغت تكلفة بنائه تسعة ملايين دولار، بِدعمٍ كاملٍ من الحكومة النرويجية ومؤسّسة الثقة للمحاصيل الزراعية، وقد بُني بطريقة تُبقيه صامدًا لأكثر من مئتَي عام، ومقاومًا للانفجارات.
يحوي المستودَع ثلاث غُرف ضخمة ذات أرفف متعدّدة، وبها تُحفظ صناديق البذور مُحكمة الإغلاق، وتبعد هذه الغرف عن المدخل الرئيسي 120 مترًا، وذلك لِضمان بقاء البرودة مستقرّة، ويفصلها عن المدخل خمسة أبواب مصفّحة، وتبقى أبوابه مُغلقة غالب أيام السنة، وتعمل بنظام حماية وإنذار مُتقن، وشبكة مراقبة صارمة، تنطلق صافراته بمجرّد أن يحاول أحد ما اقتحامه أو خلع أبوابه.
وقد زُوّدَ هذا المستودع بالبذور من جميع دول العالَم حتى بلغ ما يحتويه من بِذار ثلاثة ملايين فصيلة مختلفة ومنوّعة، بمُعدّل 500 بذرة من كُل صنف! أما السبب الذي دعا المسؤولين لتخزين هذا الكمّ الهائل من البذور هو أنك لا تعلم ماهي البذور التي تستطيع أن تستزرعها بعد 30 أو 40 أو حتى 50 عامًا من الآن، ولا تدري ماهي الظروف المُناخية في ذلك الوقت.
ويستقبل هذا المستودع جميع أنواع وأشكال البذور النباتية، سواءً من حكومات أو من مزارعين يرغبون في حفظ بذور نباتاتهم، ولكن يُمنع استقبال بذور النباتات المُحرّمة دوليًا، مثل الماريوانا أو المُعدّلة وراثيًا، وتكون هذه البذور بمثابة ودائع لدى هذا المستودع تُشبه إلى حدٍّ كبير الودائع المالية لدى البنوك، ولا يحقّ لأحد فتحها أو أخذها سوى من قام بإيداعها، لذلك يُطلق عليه البعض بنك البذور.
إن الموقع المثالي الذي اختاره علماء النبات، وبالتعاون مع علماء الهندسة، ليكون مكانًا لِمستودع البذور لا يبعد سوى 1300 كيلومتر عن القطب المتجمّد الشمالي، وذلك لضمان بقاء البذور في حالة تجمّد حتى مع انقطاع التيّار الكهربائي، حيث لا تتجاوز درجة الحرارة داخله الـ5 درجات مئوية تحت الصفر. 
إن هذا المشروع جعل أهالي قرية LONGYEARBYEN الصغيرة والبالغ عددهم حوالي 2000 نسمة فخورين بأن قريتهم مقرٌّ لأهم كنوز الأرض. هذه الفكرة المميّزة كانت دافعًا للكثير من الحكومات والمؤسّسات للعمل على مشاريع مشابهة في كل أنحاء العالم، حتى بلغ عددها حوالي 1700 مستودع لحفظ البذور.
إن تنوّع وازدهار هذا النوع من الأفكار يُساهم، بعون الله، في حفظ البشرية من خطر المجاعات والأمراض في المستقبل، كما أنه يحفّزنا يا أبطال، للتفكير في مشاريع وأفكار من شأنها أن تساعد على نجاة البشرية، وحمايتها من أي كوارث مستقبلية.