حساء البلاستيك كارثة محققة تهدد البشرية

حساء البلاستيك  كارثة محققة تهدد البشرية

 انتشر في الآونة الأخيرة استخدام مصطلح «حساء البلاستيك» الذي يشير إلى جميع أنواع البلاستيك الملوثة للمحيطات والبحار، مثل الأكياس البلاستيكية الطافية على وجه المحيط، وأجزاء البلاستيك الصغيرة والنانوية الأصغر حجمًا في مياه البحر- التي لا يطفو منها سوى أقل من واحد في المئة، بينما يغوص الباقي في العمق، أو يسكن أرض المحيط - وارتبط بتحذير الخبراء من كارثة محققة إذا لم يتحرك العالم لمواجهتها، لا سيما مع توقع زيادة إنتاج البلاستيك بنسبة أربعين في المئة خلال العقد المقبل، وتعرض الحياة البحرية إلى دمار مهدد لإمدادات غذاء الملايين حول العالم مع حلول 2050. 

 

 يؤكد المهتمون أن البلاستيك غير القابل للتحلل يتكسر مع الوقت إلى أجزاء كثيرة لا ترى بالعين المجردة، تتوزع في الماء، وفي التربة، وفي الهواء، وفي كل مكان، ولأنها خفيفة يمكن أن تحملها الرياح إلى أماكن بعيدة وغير متوقعة في العالم، كتلك التي اكتشفت مصادفة في الجليد القطبي عام  2014، ونتيجة لاستمرار عملية التكسر هذه يتضاعف عدد الأجزاء البلاستيكية الصغيرة والنانونية بشكل سريع ومطرد حيث يتحول الكيس البلاستيكي الواحد إلى ملايين القطع، الأمر الذي يغير مكونات «حساء البلاستيك»، ليتحول «الحساء» إلى «مرق بلاستيك»، كما يسميه البعض. 
في كتابه «حساء البلاستيك» شرح الناشط البيئي ميشيل روسكام آبينغ هذه الظاهرة المقلقة، التي يعمل على مواجهتها منذ2011، بالتعاون مع مؤسسة «بلاستيك سوب» المناهضة لتلوث البلاستيك، وعرض عددًا من المبادرات المبشرة والملهمة لمواجهة هذا التحدي.
 
ليزر الأطعمة
تسعى هذه المبادرة إلى إتاحة بديل مستدام لوضع الملصقات على المنتجات العضوية أو تغليفها باستخدام البلاستيك - استجابة لقوانين ملزمة بتمييزها عن غير العضوية - وذلك بابتكار تكنولوجيا ليزر جديدة قادرة على وشم الماركة والمعلومات على الطبقة الخارجية من قشر المنتج العضوي نفسه مباشرة. وبنجاح هذه الخطوة تزايد استخدام هذه التكنولوجيا الإسبانية من جانب عدد من سلاسل المحلات، فهي تصلح حتى لمنتجات الفاكهة التي تؤكل بقشرها كالخوخ والتفاح؛ وتوفر الكثير من مواد التغليف، والورق، والأحبار، والمواد اللاصقة، والألوان، وتقلل من استهلاك الطاقة وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ويمكن أن يغطي التوسع في استخدامها تكاليفها المرتفعة نسبيًا مع الوقت. 
 الجدير بالذكر أن المستهلكين قد تقبلوا بترحاب هذا التغيير - الذي لم يؤثر على الجودة - لا سيما المنزعجين من التغليف بالبلاستيك حرصًا على البيئة.
 
منع الميكروبيدات
في أغسطس 2012 أطلقت مؤسسة «بلاستيك سوب» ومؤسسة «نورث سي» حملة ضد استخدام الميكروبيديات - الأجزاء النانونية من البلاستيك - في منتجات العناية الشخصية - كمستحضرات تقشير الوجه، ومعاجين الأسنان، وأحمر الشفاه، وطلاء الأظافر- وحققت نجاحًا في هولندا وبلدان أخرى في العالم، بعد أن وقفت في مواجهة مئات العلامات التجارية، الكبيرة منها والصغيرة، التي تضيف جزيئات بلاستيك لمستحضرات لتضيف إليها خصائص معينة - كالملمس الناعم - لا توفرها المستحضرات الطبيعية؛ لكن هذه الجزيئات تبقى حتى بعد معالجة مياه الصرف، لتنتهي في البيئة والبحار والمحيطات. 
وبعد معارضة اعترفت بعض هذه الشركات بالخطر، وتبنت هذا التغيير، وتم إطلاق تطبيقات على الهواتف المحمولة لمساعدة المستهلكين على معرفة محتويات المنتج تجنبًا لاستخدام مكونات البلاستيك. وفي نهاية عام انطلاق الحملة أصبحت شركة يونيليفر أول شركة متعددة الجنسيات تطوعت بالتخلص من الميكروبيدات في منتجاتها. وبعد ثلاث سنوات تم تفعيل قانون فيدرالي في أمريكا يحظر إنتاج وبيع تلك المنتجات الخطرة.
 
صيد المخلفات
هناك العديد من المبادرات التي تندرج تحت هذا العنوان - أشار آبينغ إلى بعضها - ورأينا بعضها في بلادنا العربية، كمبادرة تنظيف نهر النيل في مصر «فيري نايل» برعاية مؤسسات دولية ووزارة البيئة المصرية، والتي انتهت ببناء هرم من مخلفات البلاستيك، ومبادرات أخرى في تونس، والأردن، ولبنان ودول أخرى. 
أما البداية فكانت في هولندا، حيث تلتقط سفن الصيد بعض المخلفات في الشباك، ثم تعاد إلى البحر مرة أخرى بعد فصل السمك، ليتم اصطيادها مرة ثانية وثالثة، لهذا انطلقت مبادرة توقف إعادة رمي النفايات، حيث يتم جمعها في أكياس كبيرة وتسلم لجامعي القمامة في الموانئ، وهكذا تم جمع 250 كيلوجرامًا في عام 2002 وحده.

يوليو بدون بلاستيك
انطلقت هذه المبادرة عام2011 عندما سألت الأسترالية يبيكا برنس - رويز نفسها عن سبب وجود كم كبير من البلاستيك في منزلها، ثم قررت مقاطعة بلاستيك الاستخدام الواحد لشهر، وانضم إليها زملاء وأصدقاء. وسرعان ما تشكلت حركة بيئية واسعة بمشاركة 159 دولة.
ومن أجل التقليل من استخدام بلاستيك الاستخدام الواحد، تساعد مؤسسة «بلاستيك فري جولاي» الناس على تغيير سلوكهم، وتوفر لهم أدوات لتشجيع الآخرين في المدارس والأسواق وفي كل مكان. ويوفر موقع المؤسسة معلومات عملية للتقليل من تلوث البلاستيك، كأن يراقب الشخص مخلفاته في بداية يوليو، بتصنيف محتويات سلة القمامة - زجاجات، وأكياس، ومواد تغليف - ووزنها؛ ثم يلاحظ كل بند ويفكر في إمكانية التخلص منه بإيجاد بديل، أو إعادة استخدامه، ثم يعيد الكرّة في نهاية الشهر، ويرى ما أحرز من تقدم.

سوبرماركت بدون بلاستيك
في سبتمبر 2014 شهدت برلين افتتاح أحد المتاجر الخالية من التغليف، حيث يمكن للمستهلك أخذ ما يحتاج فقط من المنتجات في زجاجات، أو أوانٍ، أو حقائب خاصة به، ويسدد الثمن بالوزن، سواء كانت المنتجات أدوات تنظيف، أو مكرونة، أو سكرًا، أو مستحضرات عناية شخصية، أو غير ذلك. وتعبد مثل هذه المتاجر الطريق لأسواق أخرى كي تحذو حذوها، لا سيما أن مواد التغليف من أكبر المساهمين في ظاهرة «حساء البلاستيك».
 
غسيل الملابس 
عند غسل الملابس المنسوجة من خامات اصطناعية في الغسالة تطلق مئات الآلاف، بل الملايين من الألياف البلاستيكية الدقيقة، وتأخذ الألياف طريقها إلى مياه الصرف بصورة لا يمكن معالجتها، نظرًا لصغر حجمها. ولحل مثل هذه المشكلة عملت مؤسسة «بلاستيك سوب» في 2016 على مشروع إنتاج مرشحات أكثر فاعلية بالتعاون مع علماء ومصنعين لمنسوجات وأزياء، وواصلت الدعوة لاستخدام تدابير وأدوات تقلل من التلوث البلاستيكي كالغسل عند درجة حرارة منخفضة، أو استخدام أكياس الغسيل، أو كور خاصة جاذبة للمخلفات أثناء الغسيل. 

شفاطات المشروبات 
في محاولة لتحسين وضع المخلفات البلاستيكية، انطلقت في أمريكا بعض المبادرات الداعية إلى وقف استخدام شفاطات المشروبات ذات الاستخدام الواحد - غير الضرورية - بعد أن وصل الاستخدام اليومي إلى نصف مليار قطعة، وراج استخدام بديل متعدد الاستخدام، وكانت سياتل أولى المدن الأمريكية التي عممت المنع. 

الفنانون يلفتون الانتباه 
ساهم عدد من الفنانين في لفت الانتباه لظاهرة «حساء البلاستيك» من خلال أعمال فنية تراوحت بين رقصات حول مخلفات البلاستيك؛ ولعب أدوار - مثل «وحش الأكياس» الذي يكبر عندما يتغذى على الأكياس، ويموت عندما يحرم منها- وتنظيم ورش عمل ومعارض وبناء مجسمات فنية متفاوتة الأحجام من المخلفات.
وتوجهت مؤسسات أخرى، من جانب آخر، لنشر الوعي بين الأطفال من خلال ربط القضية بالأضرار التي تتعرض لها البيئة والحيوانات. ومثال على ذلك فيديو منشور على يوتيوب لأم تعد «حساء بلاستيكياً» فعليًا، ثم تسكبه في أطباق وتقدمه إلى طفليها لتجسد لهما ما يمكن أن يحدث في المحيط الملوث بالمخلفات.  كما ظهرت تطبيقات لقياس بصمة البلاستيك التي يعني تقليلها تقليل بصمتي الكربون والماء، ومن أجل تخفيض بصمة البلاستيك منع عديد من البلدان استخدام أكياس البلاستيك بعضها نجح مثل بنجلاديش التي تعد من أوائل هذه البلدان حيث أقدمت على ذلك في 2002 تفاديًا لانسداد البلاعات وتجمع مياه الأمطار، وكينيا التي منعت 100 مليون كيس في 2017 بعد عدة محاولات عديدة، ورفعت بلدان أخرى ثمن هذه الأكياس كوسيلة ضغط غير مباشرة لتقليل استخدامها، الذي وصل عددها عالميًا إلى أكثر من مليون كيس في الدقيقة.

بنك البلاستيك  
أشار كتاب آبينغ أيضًا إلى مبادرة أسسها ديفيد كاتز في فانكوفر بكندا عبارة عن بنك للبلاستيك، حيث استطاع خلق سوق للبلاستيك المعاد تدويره، بدعوة الشركات لشرائه كجزء من برامج تحمل المسؤولية الاجتماعية. ويشجع البنك الفقراء على جمع البلاستيك بأنفسهم نظير مكافآت.
أما مبادرة «البلاستيك الثمين» التي أطلقها الهولندي ديف هاكنز، فتقوم فكرتها على إمكانية أن يؤسس أي شخص في العالم شركته المصغرة لإعادة تدوير البلاستيك، وطور ماكينة بسيطة تقطع مخلفات البلاستيك إلى قطع صغيرة يمكن صهرها ثم حقنها في قوالب لصنع أشياء مفيدة، أو عمل خيوط تستخدم في تغذية الطابعات ثلاثية الأبعاد لصنع مجسمات. 
وتتواصل الدعوات إلى التقليل من استخدام البلاستيك، وإعادة استخدامه وتدويره، وربما رفض شرائه، وتجنبه في مواد التغليف بالطبخ في المنزل على سبيل المثال، وإعادة تصميم التغليف، ومكونات الإنتاج. والبحث عن بدائل طبيعية كمواد التغليف المصنوعة من مكونات طبيعية كالذرة أو قصب السكر أو البطاطس - بما لا يتعارض مع الحاجة للغذاء - وإصلاح الأشياء لإطالة عمرها، وغيرها من التدابير والأنشطة. 
ومن الحلول الواعدة خطوط إنتاج من البلاستيك المعاد تدويره لأحذية، ونظارات، وشبكات صيد، وسجاجيد وسواها، وتحويل البلاستيك إلى وقود بصهره وتحويله إلى غاز بمصانع كبرى، وعند درجة عالية من الحرارة وفي بيئة خالية من الأكسجين، ثم تبريده وتكثيفه ليصبح وقودًا يمكن استخدامه، لاسيما إذا صار بالإمكان عمل ذلك من خلال وحدات صغيرة متنقلة ■