الخجل عند الأطفال

الخجل عند الأطفال

تتفق معظم الآراء التربوية على أهمية مرحلة الطفولة في بناء شخصية الإنسان المستقبلية، فإذا اعترى تربية الطفل أي خلل، فإن ذلك سيؤدي حتمًا إلى نتائج غير مرضية تنعكس سلبًا على الأسرة والمجتمع معًا، ومن المشكلات التي تعيق الطفل عن المشاركة في المواقف الاجتماعية مشكلة الخجل، حيث نجد أن كثيرًا من الأطفال يشبون منطوين على أنفسهم خجولين، يعتمدون اعتمادًا كاملًا على والديهم ويلتصقون بهم لا يعرفون كيف يواجهون الحياة منفردين ويظهر ذلك بوضوح عند التحاقهم بالمدرسة.

 

الخجل هو حالة من حالات العجز عن التكيف في المحيط الاجتماعي، وهو ميل إلى تجنب التفاعل الاجتماعي والمشاركة في المواقف الاجتماعية بصورة غير مناسبة.
ويختلف الخجل عن الحياء في أن الخجل يأتي بصورة لا إرادية من قبل الشخص الخجول بعكس الحياء الذي يبدو على الفرد بصورة إرادية من قبله، والخجل يعتبر مذمومًا لما فيه تجاوز في الحد حيث يعتبر إفراطًا في الحياء إلى حد الاضطراب والحيرة.
وهناك الكثير من العوامل المسببة للخجل، أهمها العوامل النفسية والتي تتمثل في التنشئة الاجتماعية الخاطئة كالسخرية من سلوك الطفل، وعدم تشجيعه على السلوك الصحيح، والعوامل الاجتماعية المتمثلة في عدم الرعاية الاجتماعية والتفكك الأسري، وكذلك العوامل الجسدية المتمثلة في الإعاقات الجسدية والعجز، فيشعر الطفل بالنقص مما يعاني من عيوب خِلقية، ما يجعلهم يميلون للعزلة والانطواء، ومن أكثر الأساليب المؤثرة هو أسلوب التربية الخاطئة، فالطفل الوحيد غالبًا ما يعاني من الخجل نظرًا للاهتمام الزائد به، والخوف الشديد عليه، واللهفة عليه أكثر من آباء الأطفال الذين في سنّه، وقد يؤدي ذلك إلى السخرية منه من قبل زملائه مما يزيد من حدة المشكلة، أضف إلى ذلك التأخر الدراسي، والذي قد يسبب الشعور بالنقص وضعف الثقة بالنفس مما يؤدي إلى الخجل عند الطفل، والشعور بعدم الأمان أيضًا من أهم العوامل التي تجعل الأطفال لا يستطيعون المغامرة لأن الثقة تنقصهم، وتسهم الإساءة وقلة الاهتمام والإهمال بالنقص والدونية وعدم الجدارة عند الأطفال، وعدم الاهتمام يولد شخصية خائفة خجولة، وكذلك النقد والسخرية علانية للأطفال يولد الخوف في نفوسهم، لأنهم يتلقون إشارات سالبة من الراشدين، فيصبحون متردّدين خجولين، وقد يطلق بعض الوالدين صفة خجول على الطفل، وهذه من أكبر الأخطاء لأن الطفل يتقبلها كصِفة لازمة له ويحاول أن يبرهن أنه كذلك، والنموذج الأبوي له تأثير مهم جدًا، حيث إن الآباء الخجولين غالبًا يكون لديهم أطفال خجولون، فيرغب الطفل في أن يعيش حياة الخجل مثل والديه.

أشكال متنوعة للخجل
وتتنوع أشكال الخجل عند الأطفال، فمنها الخجل الاجتماعي الانطوائي، ويتميز الفرد بالعزلة مع المقدرة على العمل بكفاءة مع الجماعة، والخجل الاجتماعي العصابي، وهو قلق ناتج عن الشعور بالوحدة النفسية مع وجود صراعات نفسية في تكوين علاقات اجتماعية مع الآخرين، والخجل العام، ويتميز بعيوب في أداء المهارات ويظهر في الجلسات الجماعية والأماكن العامة، والخجل الخاص، وينصب حول أحداث ذاتية، ويتعلق بالعلاقات الشخصية، والخجل المزمن، وهذا النوع يقلق صاحبه ويخفض من مهاراته الاجتماعية ويزيد انطواءه، والخجل الموقفي، ويتعرض الفرد فيه لمواقف اجتماعية معينة تقتضي الخجل وتزول بزوال الموقف، والخجل الموجب، كالصفات المستحسنة مثل الهدوء والحساسية، والخجل السالب: كالصفات غير المستحسنة اجتماعيًا كالعزلة والخوف والقلق، والخجل المتوازن، ويكون دون إفراط وبشكل مقبول اجتماعيًا، والخجل المزاجي، ويرتبط بالمزاج وتقلباته، والخجل التقويمي الاجتماعي، ويرتبط بتقويم المواقف الاجتماعية، والخجل من الذات، أي خجل الفرد من نفسه دون تدخل الآخرين، والخجل من الآخرين، ويشعر الفرد فيه بالخجل من الآخرين نتيجة تفاعلهم معه، والخجل الحقيقي، وهو خجل واقعي من مواقف مثيرة فعلًا للخجل لدى الأفراد، والخجل الوهمي، وهو مبني على تصورات خاطئة من صاحبه، وهناك الخجل المتصنّع، ويكون من أجل تحقيق هدف ما، وبذلك نرى أن الخجل قد يكون مناسبًا إذا استخدم كالخجل الموجب والمتوازن والحقيقي، لكن يجب عدم الزيادة فيه حتى لا يتحول إلى خجل اجتماعي أو مزمن أو موقفي، وقد يتأثر الطفل الخجول على سلوكه وعلاقاته من حيث مخالطة الآخرين واللعب معهم، وخجل الحديث في الاجتماعات العائلية أو التفاعل مع الكبار والمعلمين والغرباء.
وتتنوع أعراض الخجل ومظاهره من فرد لآخر ومن مستوى إلى آخر، ومن مثير لآخر وفقًا لشدة الموقف، وطبيعة الشخص نفسه، ودرجة حالة الخجل، لذلك قد تحدث معظم هذه الأعراض ولا تحدث كلها دفعة واحدة، ومن تلك الأعراض، الأعراض الفيسيولوجية، وتتمثل في احمرار الوجه، وجفاف الحلق، وزيادة خفقان القلب، وهناك الأعراض الاجتماعية وتتمثل في ضعف القدرة على التفاعل أو التواصل، وتفضيل الوحدة، والرغبة في الانسحاب، وأيضًا الأعراض الانفعالية، وتتمثل في التوتر والخوف وضعف الثقة بالنفس، والأعراض المعرفية، وتتمثل في قلة التركيز، وتداخل الأفكار، وضعف قدرة الفهم.

طرق الوقاية 
ومن أهم طرق الوقاية من وقوع الطفل في دائرة الخجل، تشجيعه على زيارة الأقارب والجيران ممن لديهم أطفال من نفس العمر للعب معهم ومشاركتهم في مختلف أنشطتهم الاجتماعية، وزيادة ثقة الطفل بنفسه عن طريق امتداحه أمام الغرباء وذلك عندما يتصرّف بطريقة طبيعية، وكذلك زيادة الأنشطة الاجتماعية لدى الطفل، خاصة الأنشطة الجماعية التي تناسب ميوله لتشجيعه على التفاعل مع الآخرين، كما أن البيئة الدافئة والقبول من أهم طرق الوقاية للطفل، فالحب والاهتمام ركنان أساسيان لثقة الطفل بنفسه، كذلك يجب احترام استقلاليتهم وعدم التدخل في أمورهم الخاصة من قبل الوالدين.
من أشهر طرق علاج الخجل والتخفيف من حدته إضعاف الحساسية للخجل، فباستطاعة الأطفال أن يتعلموا أن المواقف الاجتماعية لا يلزم بالضرورة أن تكون مخيفة، وأن عليهم الاشتراك في المواقف الاجتماعية، وبالتدريج يصبحون أكثر اجتماعيًا، وامتناع الوالدين من استعمال أسلوب العقاب، واستبداله بالحوار والمناقشة بكل حب وأمان، وذلك لتحقيق ذواتهم والثقة بالنفس، كذلك عدم انفعال الوالدين والتزمت وإصدار الأوامر بعصبية، وتشجيع تعزيز الذات لديهم، فيجب أن يتم الاستفسار عمّا يريدون وكيف يمكن لهم التغلب عن خوفهم عن طريق التعبير عن أنفسهم، ومن المهم أيضًا دخول الطفل في أنشطة لتنمية المهارات الاجتماعية، عن طريق اشتراك الطفل في نشاطات جماعية، كالمحادثات واللعب والتعاون، وبذلك يمكن للطفل أن يعبّر عن رأيه أمام الآخرين، كما أن تشجيع السلوك الإيجابي له أهمية قصوى، فأحد الأمور المدمّرة للطفل أن يعتقد في ذاته وشخصيته الخجل، ويؤكد لنفسه (أو من قبل الوالدين) أنه خجول ولا يستطيع الاتصال بالآخرين، لذا يجب أن نعلّم الأطفال أن الخجل هو سلوك يقوم به الأطفال والناس وهو ليس ملازمًا فيهم، ويمكن مقاومته بالتدرب على سلوكيات جديدة، تؤدي إلى إمكانية زيادة الاتجاهات السلبية وتحسين الاتصال بالآخرين، ويمكن تشجيع الطفل على اللعب مع أصدقاء جدد، كأن تقوم الأم بدعوة أصدقاء ابنها في المدرسة أو أبناء الجيران للعب معه وإقامة مجموعة من الألعاب والمسابقات لينسجم الطفل مع المجموعة، ويفضّل الإكثار من القصص والحكايات المتنوعة للطفل والتركيز على القصص التي تنمي جانب الشجاعة والتعاون، مع طلب إعادة سرد القصة من الطفل وتشجيعه على سردها أمام الأقارب أو الزوار، وتعويد الطفل على تحمل المسؤولية، كأن يطلب الأب من ابنه الذهاب إلى السوبر ماركت لشراء بعض الأمور البسيطة وتشجيعه على ذلك، ويجب التواصل مع المعلم وشرح حالة الطفل لهم دون علم الطفل، ثم الاتفاق على عمل برنامج للطفل وتشجيعه على التواصل الاجتماعي، مع احترام شخصية الطفل الهادئ دون اعتبار هدوئه عيبًا، وإنما نتقبل الطفل ونصبر عليه ■