جابر عصفور ومجلة «العربي»

جابر عصفور ومجلة «العربي»

من الواضح أن لكل مثقف عربي علاقة خاصة بمجلة «العربي»، منذ نشأتها عام 1958، بشكل يصعب معه اليوم تحديد طبيعة تلك العلاقات وعددها، لو أتيح لكل واحد أن يحكي عن جوانب منها، فهي المجلة الرائدة التي ظلت حاضرة في قلوب قرّائها وعشاقها، وصامدة أمام تقلبات الزمن وتطوره، بشكل لم تستطع معه مجلات ثقافية أخرى أن تقاومه، فاختفت مأسوفًا عليها.
مناسبة هذا الكلام هي رحيل أحد فرسان مجلة «العربي»، وأحد كتّابها الأوفياء المتنورين؛ يتعلق الأمر بالدكتور جابر عصفور، في ارتباطه الاستثنائي بهذه المجلة الموسوعية، منذ قراءته عددها الأول وهو طالب، كما حكى عن ذلك في مقالته عن «ذكريات مجلة العربي»، المنشورة عام 2018 ضمن أحد أعداد «العربي».
وهنا لابد من قول كلمة حق، والمناسبة شرط؛ إذ يشهد للدكتور جابر، رحمه الله، ارتباطه، إنسانيًا وتاريخيًا وثقافيًا ووجدانيًا ورمزيًا، بمجلة «العربي»، بمثل ارتباطه، في مرحلة سابقة، بجامعة الكويت، التي درس فيها. وستظل مقالاته العديدة والمتنوعة مترسخة في ذاكرة قراء هذه المجلة، من الماء إلى الماء، لما لها جميعها من قيمة وفائدة علمية وأدبية ونقدية ومرجعية كبيرة، في تنوع موضوعاتها وأسئلتها وقضاياها، منذ المساهمات الأولى للدكتور جابر بمقاله الشهري «أوراق ثقافية»، إلى أن توقفت هذه الرحلة الجميلة والممتعة للأسف الشديد. 
وتشكل هذه المقالات اليوم، بعد توقف امتدادها مأسوفًا عليها، أرضية ثقافية وفكرية ونقدية وأدبية مناسبة، للبحث فيها، ورصد موضوعاتها، بما تتضمنه أيضا من تجارب أدبية وفكرية وذاتية لكتاب وأدباء ومفكرين، شكلت مواضيع لمجموعة من تلك المقالات، ومعظمهم من مصر، من بينهم الدكتور جابر نفسه، في استعادته بعضًا من ذكرياته هنا وهناك، فيما حظي الشاعر «صلاح عبدالصبور» بنصيب وافر من الحضور في هذه المقالات، يليه الشاعر «أمل دنقل»، وغيرهما من الكتاب والأدباء العرب، ممن شملتهم مقالات الدكتور جابر بالرصد والقراءة والتحليل، وجلهم من كتاب المجلة السابقين، من قبيل، وحسب درجة حضورهم في مقالات باحثنا: طه حسين ومحمد مندور وفتحي غانم ويوسف إدريس وأحمد شوقي، وغيرهم من الأدباء ممن يصعب حصر أسمائهم في مقام كهذا، في انتمائهم إلى بعض البلدان العربية الأخرى: فلسطين، الكويت، العراق، المغرب، الجزائر، السودان، وغيرها.
ولم تتوقف علاقة الدكتور جابر عصفور بمجلة «العربي» عند هذا المستوى، فقد حضر احتفاليات المجلة بذكرى تأسيسها (الأربعين والخمسين والستين)، إلى جانب مشاركاته الوازنة في بعض دورات «ندوة مجلة العربي السنوية»، فكان رحمه الله، بما له من هيبة وحجم وحضور ثقافي ومؤسساتي، يضفي قيمة كبيرة على تلك الندوات، بما له من اعتبار خاص في الكويت عمومًا، ولدى أسرة مجلة «العربي» خصوصًا، فضلًا عن قيمة حضوره وحجية مداخلاته وصدقيتها، في هذا المحفل الثقافي الكبير بالكويت.
فضلًا عن ذلك، كان الفقيد حاضرًا على صعيد مجلة «العربي»، من خلال كتابين مهمين صدرا له ضمن منشوراتها (كتاب العربي)، هما: «غواية التراث» 2005 و«عوالم شعرية معاصرة» 2012. ومما لا شك فيه، فإن رحيل الدكتور جابر عصفور يعتبر خسارة كبرى، بما سيتركه من فراغ كبير على مستوى مجلة «العربي» تحديدًا قد يصعب تعويضه، بالنظر إلى ما ألفه القارئ العربي من حضور ثقافي وتنويري مؤثر لباحثنا فيها ■