روعة كنوز توت عنخ آمون

 روعة كنوز  توت عنخ آمون

تعد كنوز مقبرة الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون من أروع الآثار في مصر والعالم. وترجع أهمية مجموعة الفرعون الذهبي الأشهر الملك توت عنخ آمون إلى العديد من الأسباب؛ أولها أن كنوز الملك توت عنخ آمون هي أكمل الكنوز الملكية التي عثرنا عليها ولا نظير لها إلى وقتنا الحالي؛ إذ تتكون من خمسة آلاف وثلاثمائة وثمانية وتسعين قطعة تشمل القناع الذهبي الرائع وثلاثة توابيت على هيئة الإنسان، أحدها من الذهب الخالص والآخران من خشب مذهب. ثانيًا: أن تلك الآثار الجميلة ترجع إلى عصر الأسرة الثامنة عشرة، أشهر وأزهى عصور الدولة الحديثة، حين كونت مصر إمبراطورية عظيمة في الشرق الأدنى، وانفتحت البلاد على أقاليم الشرق الأدنى القديم بفضل الحملات العسكرية والعلاقات التجارية من تصدير واستيراد للموارد والمنتجات المصنعة ونشاط أهل الحرف والفنانين، ووصلت خيرات تلك البلدان إلى البلاط الملكي في مصر.

 

هذه المجموعة الهائلة من كنوز الفرعون الذهبي الأشهر الملك توت عنخ آمون ظلت في مصر. وتوضح لنا بجلاء ووضوح الشمس في منتصف النهار في فصل الربيع كيف كان الثراء في مصر القديمة العظيمة، وكيف كانت المقبرة الملكية تُجهز وتُعد؛ فقد كان هناك الأثاث الجنائزي الخاص بالحياة اليومية مثل الدمى واللعب، ثم مجموعة من الأثاث المكتمل والأدوات والمعدات العسكرية، وتماثيل الأرباب التي تؤمن رحلة الملك المتوفى في العالم الآخر، وكل ما يتعلق بدفن الملك، وما يُؤدى له من شعائر أخروية، وبوق الملك توت عنخ آمون الشهير المصنوع من الفضة، وبوقه الآخر من النحاس. وكان كل تلك المحتويات في المتحف المصري بميدان التحرير في القاهرة، وتم نقل أغلبها إلى مخازن وقاعات المتحف المصري الكبير بصحراء الجيزة بالقرب من هضبة الجيزة حيث تتلألأ أهرامات الجيزة الخالدة.  رابعًا: من خلال تلك الكنوز، أو المجموعة الأثرية الهائلة، يمكننا أن نتعرف على الكثير من حياة الملك توت عنخ آمون وحبه للصيد، وعلاقته بزوجته وأخته الملكة الجميلة عنخ إس إن آمون، ابنة الملك أخناتون والملكة الجميلة الأشهر نفرتيتي، بالإضافة لمعرفة أهم أعماله ورجال حاشيته، وأخيرًا كرسي العرش الوحيد الذي وصل لنا من حضارة المصريين القدماء.

مَن هو نب خِبرو رع توت عنخ آمون؟ 
من صوره العديدة الموجودة في المقبرة رقم 62 في وادي الملوك بالبر الغربي لمدينة الأقصر، يبدو وجه الملك الشاب توت عنخ آمون مألوفًا بشكل كبير لنا اليوم. ويبدو أنه كان شابًا وسيمًا إلى حد كبير، على الرغم من المثالية الواضحة لصوره المختلفة، والتي يمكن التعرف عليها بسهولة، حتى في أشكالها المختلفة، على أنها تصور الملك الصبي توت عنخ آمون ولا أحد غيره. وتشير مومياء الملك الطفل إلى أنه كان شابًا خفيف البنية، متوسط الطول، وكانت جمجمته من النوع المستطيل العريض، وكان كبير الحجم، لكن ليس بشكل مفرط، وملامح وجهه في الحياة كانت دقيقة، كما توحي صوره، على الرغم من أنه كانت لديه الصفة التشريحية الواضحة التي كانت من سمات أسلافه ملوك الأسرة الثامنة عشرة.
لا شك في حقيقة أنه كان سليل ذلك البيت الحاكم العظيم من ملوك مصر القديمة العظام. كان والد الملك توت عنخ آمون بالتحديد موضع خلاف بين علماء المصريات الذين يحبون مناقشة مثل تلك الأمور. وهناك نص على النصب التذكاري، الذي كان قائمًا في الأصل بمدينة آخت آتون، أو تل العمارنة، عاصمة أخناتون الجديدة، يشير إلى أنه ابن الملك الجسدي، محبوبه، لكن إلى أي ملك يشير النص؟ 
يرى العلماء الذين اقتنعوا بوجود اشتراك طويل المدى في الحكم، (يصل إلى اثني عشر عامًا)، بين الملك أمنحتب الثالث وابنه الملك أمنحتب الرابع/أخناتون، أن الملك أخناتون هو والد الملك توت عنخ آمون دون شك.  حكم الملك أخناتون سبعة عشر عامًا، وغالبًا أنجب الملك توت عنخ آمون خلال العام الأخير من حياته. ويعد التسلسل الزمني مناسبًا للملك توت عنخ آمون البالغ من العمر تسع أو عشر سنوات بعد وفاة أبيه الملك أخناتون؛ كي يصعد على العرش (مع افتراض أن الملك سمنخ كارع لم يحكم بمفرده لمدة عامين بعد الملك أخناتون، بل اشترك في الحكم من العام الخامس عشر إلى العام السابع عشر من حكم الملك أخناتون).
لكن إذا كان الفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث هو والد الملك الصبي، فمن كانت والدته؟ اقترح البعض أن تكون إحدى بنات الملك أمنحتب الثالث، والتي كانت أيضًا زوجته الملكية العظيمة، والتي تزوج منها في نهاية فترة حكمه، خلال فترة عيد جلوسه على العرش الثالث.  ولا يوجد دليل على ذلك، ورغم ذلك لا يوجد نص أو خلاف ذلك يربط الملك توت عنخ آمون بتلك الأمة من بنات الملك أمنحتب الثالث.
المرشحة الأخرى كوالدة للملك الصبي ليست سوى الزوجة الملكية العظيمة، الملكة تي، التي تم العثور على خصلة من شعرها بين أغراض الدفن، في المقبرة 62 في وادي الملوك KV62، موضوعة في مجموعة من التوابيت، ومن الواضح أنها كانت تذكارًا يدل على علاقة من نوع ما، ربما كانت عائلية، بين الملكة تي والملك توت عنخ آمون. لكن هل كانت الملكة تي أكبر من أن تنجب ابنًا، وهو الملك توت عنخ آمون، في العام الأخير من حياة زوجها الملكي الملك أمنحتب الثالث؟ واعتلى الملك أمنحتب الثالث العرش عندما كان في العاشرة أو الثانية عشرة من عمره، وفي السنة الثانية تزوج من الملكة تي، ابنة رجل من رجال البلاط، ولم تكن ابنة ملكية مثل أغلب الزوجات الملكيات السابقات. ومن المفترض أنها كانت أصغر منه بعام أو عامين في ذلك الوقت، مما جعل من الملكة تي عروسًا ابنة العشرة أعوام أو الاثني عشر عامًا.  حكم الملك أمنحتب الثالث إلى العام الثامن والثلاثين، وربما توفي بين التاسعة والأربعين والحادية والخمسين من عمره.  كانت الملكة تي نفسها في أواخر الأربعينيات من عمرها.  وهل كانت في تلك السن أكبر من أن تنجب طفلًا؟ وعلى الأرجح لم يكن ذلك بالضرورة. ولا توجد طريقة أخرى لمعرفة ذلك. غير أن البعض يعتقد أن خصلة الشعر تلك التي وجدت في مقبرة الملك توت عنخ آمون ربما كانت دليلًا على أنها أم الملك توت عنخ آمون.
يرفض بعض علماء المصريات إمكانية وجود شراكة بأي طول بين الملك أمنحتب الثالث وخليفته.  ويرى أغلبية علماء المصريات أن الملك أخناتون نفسه هو والد توت عنخ آمون، على الرغم من أن ذلك الملك لم يذكر أبوته لأي ابن، رغم اعتزازه الواضح بإنجابه ست بنات من زوجته الملكية العظيمة، الملكة نفرتيتي. واقترح البعض أن الملكة نفرتيتي ربما كانت هي والدة الملك توت عنخ آمون دون ذكر أي أدلة مقنعة. وهناك المرشحة التي طرحها البعض، في أغلب الأحيان، على أنها هي أم الملك توت عنخ آمون، وهي زوجة الملك، الملكة كيا، وهي الزوجة الثانية الغامضة للملك أخناتون، والتي ظهرت على النصب التذكارية للملك أخناتون قبل العام التاسع أو العاشر من حكم الملك أخناتون. واختفت من سجلات تاريخ الفترة في العام الحادي عشر من حكم الملك أخناتون، أي تقريبًا في وقت ميلاد الملك توت عنخ آمون، وربما ماتت أثناء ولادته.  وهو حدث ربما تم تصويره في المقبرة الملكية بالعمارنة.  وربما تكون الملكة كيا نفسها غير معروفة عند البعض. وقد رآها البعض على أنها الأميرة الميتانية، تادوخيبا. والمعروف أنها أُرسلت إلى مصر للزواج الديبلوماسي في بداية عهد الملك أخناتون. ورغم ذلك، فإن اسم الملكة كيا قد يوحي بانتمائها إلى عائلة من النبلاء من أخميم في سوهاج بصعيد مصر. ونعني بالتأكيد الصهرين الملكيين يويا وتويا؛ وابنتهما، الزوجة الملكية العظيمة، الملكة تي، وابنهما المفترض، الملك آي، الذي سوف يخلف الملك توت عنخ آمون على العرش.  وإذا كان الملك أخناتون هو والد الملك توت عنخ آمون، فمن المحتمل جدًا أن تكون الملكة كيا هي والدة الملك توت عنخ آمون. هناك من يفترض مرشحين آخرين كوالدي الملك الصبي، اللذين، على حد علمنا، لم يتم اقتراحهما من قبل للقيام بلعب مثل هذين الدورين، وهما: الملك سمنخ كارع وزوجته الملكية العظيمة ميريت آتون!
ولا جدال حول هوية الملكة ميريت آتون، بصفتها الابنة الكبرى للملك أخناتون والملكة نفرتيتي، والشيء الوحيد غير المؤكد عنها لنا هو موعد ولادتها.  وتم تصويرها كطفلة على آثار آتون التي أقامها والدها ووالدتها في طيبة (الأقصر) خلال السنوات الست الأولى من حكم الملك أخناتون (قبل نقل مملكة آتون إلى العاصمة الجديدة آخت آتون في العام السادس من حكم والدها). وبالتالي، ربما تكون الملكة ميريت آتون قد وُلدت عندما كان والدها لا يزال وليًا للعهد. وبحلول العام الحادي عشر أو الثاني عشر من حكم الملك أخناتون كان من الممكن أن تكون قد بلغت الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة من العمر. وبالتأكيد كانت قادرة على الإنجاب.  ومن المعالم الأثرية، فمن المعروف أنها كانت زوجة ملكية عظيمة في ذلك العصر.
من هو سمنخ كارع؟ 
إما أن يكون الملك سمنخ كارع قد خلف الملك أخناتون في فترة حكم مستقل من عام إلى عامين، أو قد اشترك معه في الحكم لفترة قصيرة خلال السنوات الأخيرة للملك أخناتون، أو ربما كان أيضًا شريكًا وخليفة للملك أخناتون. وقد ارتدى الملك سمنخ كارع التاج المزدوج فقط لمدة أقصاها ثلاث سنوات.  وتشير بقايا الهياكل العظمية في المقبرة رقم 55 في وادي الملوك، والتي تكاد تكون مؤكدة، إلى أن الملك سمنخ كارع كان في أوائل العشرينيات من عمره عندما توفي، على الرغم من أن البعض قد قدر عمر وفاة الشخص الذي وُجدت المومياء الخاصة به في المقبرة بوادي الملوك 55  بنحو خمسة وثلاثين عامًا. ولو كان في سن العشرين عند وفاته، فمن غير المرجح أن يكون الملك سمنخ كارع هو ابن الملك أخناتون. وعلى الأرجح أنه كان ابن الملك أمنحتب الثالث، وبالتالي الأخ الأصغر للملك أخناتون. وعلى ذلك النحو، كان من خلفاء الملك أخناتون فقط، إذا لم يكن لذلك الأخير ابن (أي الملك توت عنخ آمون). ونظرًا لأنه قد خلف الملك سمنخ كارع أخاه فيمكن افتراض أن الملك توت عنخ آمون كان ابنًا لشخص آخر غير الملك أخناتون (مع افتراض أن الملك سمنخ كارع لم يكن، في الواقع، ابنًا للملك أخناتون، ووُلد عندما كان لا يزال وليًا للعهد).
لقد علق بعض العلماء على أن مومياء توت عنخ آمون ومومياء الشخص التي وُجدت في المقبرة 55 بوادي الملوك متشابهتان لدرجة أنهما ربما كانا أخوين. وإذا كان كل من الملك سمنخ كارع والملك توت عنخ آمون، ابني الملك أمنحتب الثالث، من الأم نفسها، أو من أم مختلفة، فيمكن تفسير ذلك التشابه على أنهما كانا أخوين. وبالمثل، إذا كان الملك سمنخ كارع (على الأرجح) والملك توت عنخ آمون (على الأرجح) ابنيَّ الملك أخناتون، فإنهما كانا أخوين (على الرغم من أننا لم نحدد هوية والدة سمنخ كارع إلى الآن). لكن ماذا لو كان الملك توت عنخ آمون «الابن الجسدي» للملك سمنخ كارع؟ هل سيكون التشابه المتماثل بين شقيقين (مع وجود أم مختلفة على الأرجح) أكبر مما هو بين أب وابن؟

القطع الجنائزية
بصرف النظر عن التشابه بين مومياء الملك سمنخ كارع ومومياء الملك توت عنخ آمون، ما الذي يمكن الاستشهاد به أيضًا لربطهما كأب وابن؟ يظهر اسم شريك الملك أخناتون على العديد من الأشياء الصغيرة الموجودة بمقبرة الملك توت عنخ آمون رقم 62 في وادي الملوك. غير أن الأهم من ذلك أن هناك مسألة القطع الجنائزية الرئيسة في المقبرة، والتي يبدو أنها كانت تخص الملك سمنخ كارع وتم تخصيصها وإعادة نقشها لخليفته الملك توت عنخ آمون مثل التابوت الكوارتزيت، والتابوت الثاني المطلي بالذهب والمُطعم، وربما الصندوق الكانوبي الكالسيت، والسدادات ذات الرأس الرأسي، وبالتأكيد التوابيت المصنوعة من الذهب الخالص التي كانت تضم أحشاء الملك توت عنخ آمون.  وعندما تم تفكيك دفنة الملك سمنخ كارع في الوادي الملكي في العاصمة الملكية آخت آتون في تل العمارنة، عاصمة الملك أخناتون الشهيرة، في وقت مبكر من عهد الملك توت عنخ آمون، لنقل دفنة الملك سمنخ كارع إلى العاصمة القديمة، طيبة، أو الأقصر الحالية، وإعادة الدفن شبه المجهول في المقبرة رقم 55 بوادي الملوك، يبدو من الواضح أن الأثاث الملكي الخاص بالملك سمنخ كارع تم تخزينه، ربما مع النية الكاملة لاستخدام ابنه الملك توت عنخ آمون في النهاية. كان موت الملك توت عنخ آمون سابقًا لأوانه وغير متوقع؛ ما جعل من المؤكد أن الأثاث الجنائزي الخاص بالملك سمنخ كارع جاهزًا، وفي متناول اليد، ومحققًا لذلك الغرض.
بالعودة إلى ابنة أخناتون الكبرى، الملكة ميريت آتون، فمن المؤكد أنه لا يوجد دليل نصي (معروف إلى الآن) يجعل منها أم الملك توت عنخ آمون. لكن هناك بالتأكيد دليل يشير إلى نوع من القرابة الخاص بين الملك الصبي توت عنخ آمون والملكة ميريت آتون. ونذكر أنه تم العثور على لوحة عاجية منقوشة باسم الملكة ميريت آتون في مقبرة الملك توت عنخ آمون. ونظرًا لأن لوحات الكتابة الخاصة بالملك توت عنخ آمون ومعدات الكتابة الأخرى تم اكتشافها أيضًا بين ممتلكاته الجنائزية، فيبدو أن الملك توت عنخ آمون لم يكن متعلمًا فحسب، بل كان في الواقع كاتبًا محترفًا بنفسه. وكان من المناسب إذًا الاحتفاظ باللوحة الخاصة بوالدته الملكة ميريت آتون كتذكار، وعلامة تقدير لأمه، الملكة ميريت آتون، تلك المرأة التي ربما علمته مهاراته الخاصة بالكتابة في المقام الأول. وربما لن يتم بشكل دقيق تحديد نسب الملك توت عنخ آمون، خصوصًا من ناحية الأم، أبدًا بما يرضي علماء المصريات في الفترة الحالية.  في النهاية، أقرر أن الملك توت عنخ آمون سوف يظل دائمًا الملك الصبي والملك العظيم المثير للأسئلة والإعجاب في العصور القديمة، وفي الفترة الحالية، وفي كل الفترات إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. وعلى الرغم من أننا نعرف عنه الكثير، فإن ذلك الكثير يعد قليلًا للغاية عن تاريخ وآثار وحياة وممات الفرعون الذهبي الأشهر الملك توت عنخ آمون، والذي لا يزال يدهشنا كل يوم بالجديد والمثير ■