بمناسبة مرور مائة عام على أعظم الاكتشافات الأثرية بالعالم كنوز ومقبرة توت عنخ آمون بعيون هوارد كارتر

بمناسبة مرور مائة عام على أعظم الاكتشافات الأثرية بالعالم  كنوز ومقبرة توت عنخ آمون بعيون هوارد كارتر

كثيرة هي المقالات والدراسات والمؤلفات التي تناولت آثار الملك توت عنخ آمون واكتشاف مقبرته وكنوزه على يد البريطاني هوارد كارتر في الرابع من نوفمبر عام 1922، أي قبل مائة عام، وهو الحدث الذي كان ولا يزال الأكبر من نوعه في مجال الاكتشافات الأثرية. لكن كيف كانت تلك الكنوز في عيون مكتشفها البريطاني هوارد كارتر، وماذا قال في وصفها، وما المشاهد التي توقف كثيرًا أمامها في حديثه عن كشفه الأثري الكبير؟

 

ربما أجابنا هوارد كارتر عن هذين السؤالين والكثير من التساؤلات الأخرى في ذلك المقال النادر، الذي كتبه كارتر بقلمه، فيما يُشبه التقرير الرسمي الذي قدمه للحكومة المصرية آنذاك عن ذلك الكشف الذي أذهل خيال العالم حتى اليوم.
فقبيل عقود مضت، قامت وزارة الأشغال المصرية بتوزيع بيان على الجرائد والمجلات المصرية الصادرة آنذاك، (المقال / التقرير)، الذي وضعه المستكشف البريطاني هوارد كارتر، وفيه تفصيل عما ظهر له في مقبرة الملك توت عنخ آمون، وقد نشرته مجلة الآثار لقرائها في شهر فبراير سنة 1928، وهنا نص (المقال / التقرير)، كما جاء في مجلة الآثار قبل 94 عامًا مضت، حيث يقول:
«استأنفت العمل بمقبرة توت عنخ آمون بمعاونة كل من مستر لوكاس ومستر هنري برتون وبعد ذلك بمساعدة مستر لنداور، والأعمال التي تمت في الفصل المذكور هي أولًا إتمام كشف الغرفة الثالثة، وثانيًا الانتهاء من كشف الغرفة الرابعة، ولم يبقَ من الأشياء التي يجب إخراجها من المقبرة سوى إطارات النعوش الكبرى التي كانت تغطي التابوت وكذلك الصندوق المشتمل على الوعاء المعد للأحشاء. وحيث إن المقبرة مفتوحة الآن للزوار، فإن هذه المهمة الشاقة الأخيرة لا بد من تأجيل إنجازها إلى ما بعد.

أسطول مكون من 18 مركبًا
ضمن الأشياء العديدة التي اكتشفت في هذا الفصل، أذكر منها فيما يلي تلك التي ربما تكون أكثر أهمية من غيرها «الغرفة الثالثة»: أسطول صغير مؤلف من 18 مركبًا، وهي ذات أهمية خاصة، حيث إنها تمثل لنا إحدى العادات القديمة التي ترجع إلى السلف، وهي أن يوضع مع المتوفى نماذج من المراكب، منها ما هو معد لمتابعة رحيل الشمس، ومنها قوارب مخصصة لملاهي الإله حورس في البرك، ومنها سفن ترمز إلى الحج المقدس إلى قبر أوزوريس، ومنها أسطول معد لجعل المتوفى في غنى عن تعاطف أصحاب المراكب السماوية أثناء رحلاته إلى «فراديس الأبرار»، وتلك النماذج لها مفعول سري ملازم لها يجعل الراحل الملكي مستقلًا تمام الاستقلال.
وقد وجدت أيضًا كمية كبيرة من التماثيل الجنائزية جميلة الصنع للغاية، كانت وظيفتها أن تقوم مقام المتوفى في أعمال السخرة الواجب تأديتها للإله أوزوريس الذي بكونه ملكًا للأموات كان يستمر في فلاحة الأرض وريّها وبذر بذور الحنطة في حقول الأبرار، والذي كان يتصرف في العالم الآخر مع رعاياه كما كان يفعل تمامًا عندما كان على وجه البسيطة. وقد اكتشفت أيضًا صندوقًا جميلًا للغاية لأوعية الأحشاء، وهو مقسم أقسامًا معدة لحفظ أحشاء الملك.
 
الأفاعي المرصعة
عندما بدأنا الأعمال لإفراغ الغرفة الثالثة  كانت مهمتنا الأخيرة هي اكتشاف ذلك الأثر الجميل، وفحصه من الداخل لأنه بالنظر إلى مركزه والعناية التي كان يتطلبها هذا العمل كان من الممكن أن يصيب الأشياء العديدة الدقيقة التي كانت تحيط به بعض العطب فيما لو تُركت في محلها، والمظلة المدهشة القائمة على أربع قطع من الخشب فوق عربة زاحفة والتماثيل الأربعة  الناطقة للآلهة الأربعة الحافظة القائمة كل منها بالحراسة، فاتحة ذراعها. وكل ذلك المجموع من البناء المذهب، الذي تعلوه صفوف من الأفاعي المرصعة ببهاء، كان يغطي صندوقًا فخمًا لحفظ أوعية الأحشاء مصنوعًا من المرمر نصف الشفاف. وهذا الصندوق ذو القاعدة الذهبية القائم على عربة زاحفة، ذات مقابض فضية ومغطاةٍ بحجاب من الكتان، يحتوي على الأقسام الأربعة المعدّة لحفظ أحشاء الملك الشاب، وعندما رفع غطاء ذلك الصندوق ظهرت أربعة أغطية ذات رؤوس بشرية منقوشة بدقة على المرمر على شبه «توت عنخ آمون»، وكانت تغطي فتحات الأقسام المذكورة، وكان داخل كل واحد منها نعش من الذهب الدقيق الصنع بشكل مصغر. وتلك النعوش المصغرة، التي كانت توضع داخلها الأحشاء بعد تحنيطها ولفها كالمومياء، تدل على بلوغ الصائغ والجواهرجية منتهى المهارة في الفن، وهذه التوابيت المصغرة هي أمثلة بديعة الصنع للتابوت الذهبي الكبير الذي كان داخله جثمان الملك، بل إن رسم الريش على التوابيت المذكورة أدق صنعًا وكل الحافظة للروح التي ينتمي إليها من الداخل النصوص الخاصة بوظيفتها الحافظة.
 
مقتنيات عائلية
وجدت أشياء عائلية داخل عش يشتمل على أربعة توابيت مصغرة مصنوعة كتوابيت الأشراف، وتمثال صغير من الذهب للملك أمنحوتب الثالث، وخصلة من شعر الملكة تي، وهذه الأشياء الثلاثة التي تلفت الأنظار للغاية تدل على الحب والإخلاص، وهي بلا شك أشياء عائلية ورثها الملك وراثة شرعية أو ربما كانت هدايا قدمت للملك الشاب من جدته.
ووجدنا داخل الغرفة الرابعة خليطًا من أشياء جنائزية كثيرة ومختلفة مكدسة بعضها فوق بعض، ما يجعل وصفها متعذرًا مثل الأسرّة والكراسي ومقاعد صغيرة وحصر وموائد للعب ومراكب وسلال للفاكهة وأوانٍ من المرمر غريبة الشكل ذات أحجام مختلفة الأنواع مقلوب ما كان بداخلها، وكل تلك الأشياء كانت مبعثرة نتيجة عمل اللصوص.  أما في الغرف الأخرى من المقبرة، فقد سعى موظفو الجبانة في ترتيب ذلك الخلط، وفي الغرفة الرابعة بقي الخلط كما تركه اللصوص، بمعنى أن الخلط كان نتيجة زلزلة أرضية، ويظهر أن الغرفة الرابعة كانت مخصصة لحفظ الزيوت والخمر والمواد الغذائية للملك المتوفى.
 
محاولتان لسرقة كنوز المقبرة 
أما ذلك الخلط الذي أحدثوه، فقد كان نتيجة نزاع بين اللصوص بسبب اقتسام الغنيمة، وكان رائدهم بالطبع البحث عن الذهب، ولهذا اتضح لنا لأول وهلة أن نظام وضع الأشياء لم يبقَ له أدنى مغزى.
وقد ظهر لنا أنه قد ارتكبت سرقتان مختلفتان إحداهما قام بها لصوص المعادن، والثانية قام بها لصوص الزيوت الثمينة التي كانت داخل القدور المرمرية، ومن الأشياء التي يجدر بنا ذكرها صندوق من العاج منقوش نقشًا بديعًا للغاية وبعض مساند جميلة للرأس من الزجاج والصيني والعاج ودرع من الجلد وكرسي جميل للغاية وأسرة ومائدتان للعب مع حجرتيهما وسيف من البرونز وعدد من التمائم».
هوارد كارتر
23سبتمبر 1927 ■