«كويت سات 1» الكويت تذهب إلى الفضاء

«كويت سات 1»  الكويت تذهب إلى الفضاء

من ولاية فلوريدا الواقعة جنوب شرق الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدًا من قاعدة كاب كانافيرال، مركز قيادة القوات الجوية والفضائية الأمريكية، المركز الرئيسي لإطلاق الصواريخ، الذي شهد إطلاق أول قمر اصطناعي أمريكي عام 1958، ورحلة أول مركبة فضائية حملت آن بارتليت شيبارد أول رائد فضاء في العالم عام 1961، انطلق في الثالث من يناير من العام الحالي 2023، أول قمر اصطناعي تعليمي «كويت سات 1» إلى الفضاء، وذلك عبر صاروخ فالكون التابع لشركة سبيس إكس المصنفة من أنجح الشركات في هذا المجال. انطلق «كويت سات 1» محملًا بـ 114 قمرًا صغيرًا (نانو ستلايت) أطلقت هي الأخرى من ارتفاع قارب الـ 550 كيلومترًا. «كويت سات 1»، هو نتاج جهد جهيد لنخبة من شباب وشابات الكويت استغرق 3 سنوات ليرى النور ويحلق في الفضاء. 

 

إن دولة الكويت ومنذ استقلالها عام 1961 حرصت أن تكون دولة فاعلة في كل القضايا الإنسانية وداعمة لكل التطورات العلمية ومؤثرة في كل التجمعات الدولية. ولهذا فإنها أخذت على عاتقها التواجد في كل ما يعزز ذلك وخاصة في الاتفاقيات الدولية التي تنشأ وتتأسس تحت مظلة الأجهزة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة. ولأن موضوع الفضاء كان الشغل الشاغل لدول وحكومات وشعوب العالم في النصف الثاني من القرن الماضي، فقد أبرمت العديد من الاتفاقيات والمعاهدات التي توضح أهمية الفضاء الخارجي، كونه متاحًا للجميع بغرض الاستكشاف والبحث والدراسة، وعليه حرصت الكويت أن تكون ضمن الدول الأعضاء التي وقعت على هذه الاتفاقيات، منها اتفاقية تنظيم نشاط الدول على القمر أو الأجسام الفضائية الأخرى، واتفاقية المسؤولية الدولية للأضرار الناجمة بسبب الأجسام الفضائية، ومعاهدة المبادئ المنظمة لأنشطة الدول في ميدان استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي. 
إن كل ما تضمنته هذه الاتفاقيات من بنود ومبادئ وقرارات كان يهدف إلى الاستخدام السلمي للفضاء، وتكريس كل المساهمات العلمية والتكنولوجية الفضائية في تحسين وضع الإنسان، التي تشمل المناخ والطقس، إدارة المياه وكفاءة النقل والزراعة، الصحة والتعليم، حفظ السلام والأمن والمساعدة الإنسانية، في مقابل تحريم وتجريم كل ما من شأنه إلحاق الضرر في الفضاء الخارجي ووضع الإنسان على الأرض، كالتجارب النووية والحروب والصراعات. 
تسابقت الدول في مشارق الأرض ومغاربها للحضور الفضائي بكل أشكاله، فأطلق الاتحاد السوفييتي في 4 أكتوبر 1957 أول قمر اصطناعي إلى الفضاء، ولحقته الولايات المتحدة الأمريكية في 31 يناير 1958، وتوالت الدول بعد ذلك في إطلاق أقمارها إلى الفضاء، كما تعددت الحاجة لها، فمنها كانت أقمار اتصالات وهي متعلقة بالبث التلفزيوني والمكالمات الهاتفية والاتصال عبر الإنترنت، وأقمار كانت كمراصد فلكية تؤدي عمل التلسكوبات الفضائية وترصد الفضاء بدقة عالية، وأقمار الهدف منها مراقبة الأرض لمعرفة التغيرات السريعة والكوارث الطبيعية التي قد تحدث، بالإضافة إلى أقمار التوجيه والملاحة، وهي المستخدمة لأغراض بحثية محددة، إلى جانب الأقمار العسكرية. 

من فكرة إلى مشروع 
سارعت الكويت لتلحق بالركب الصاعد إلى الفضاء، فقد تبلورت فكرة مشروع القمر الاصطناعي «كويت سات 1» مع قيام جامعة الكويت عام 1996 بتطوير المختبرات في قسم الفيزياء وإنشاء تخصص الاستشعار عن بعد باستخدام الأقمار الاصطناعية. ولأن العلوم الطبيعية متداخلة وتعمل بشكل تكاملي، ففي عام 2003 تم تطويره ليكون تخصص الفيزياء الهندسية والذي يعد من التخصصات النادرة ويقبل عليها النخبة. تزامنت هذه المساعي المحلية مع تحركات وتعاونات خارجية، منها وكالة الفضاء الأوربية ووكالة ناسا، وعليه دخلت الكويت بالشراكة الدولية مع المجموعة العلمية لوكالة ناسا/ مختبر الدفع النفاث jpl للقمر الاصطناعي سماب smap، وقد حرص القائمون على المشروع على الحضور الدوري لكل الاجتماعات لتبادل الخبرات والتعرف على بيانات القمر الاصطناعي، وذلك تحت إشراف ورعاية مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، التي دعمت مشروع «كويت سات» منذ عام 2013 بهدف تطوير القدرات العلمية الوطنية وخلق كوادر متخصصة بعلم الفضاء ووضع حجر الأساس لقطاع الفضاء في الكويت.
وفي إطار التعاون العلمي مع كليتي العلوم والهندسة في جامعة الكويت ومعهد الأبحاث العلمية والهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات والهيئة العامة للبيئة، تمخضت فكرة وجود وإطلاق قمر اصطناعي كويتي في مشروع (كويت سات 1) المحكم، والذي تمت بلورته وتقديمه للعرض على مؤسسة الكويت للتقدم العالمي عام 2018، التي من جهتها عرضت المشروع للتحكيم الخارجي، وتمت الموافقة عليه وحظي بالدعم الكامل من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي. وفي عام 2019 بدأ العمل الفعلي لمشروع (الكويت تذهب إلى الفضاء) ولإطلاق أول قمر اصطناعي كويتي، قائم على هدف علمي بحت وهو أخذ صور عالية الدقة من الكاميرا المركبة به وتحليلها لتطبيقات مختلفة، وهدف استراتيجي هو بناء قدرات وطنية قادرة على تأسيس وإدارة وتشغيل المشاريع الفضائية بالكويت. 
المشروع إلى حيز التنفيذ 
ولأن القوة البشرية أساس تقدم وتطور أي دولة مهما عظمت قدراتها التكنولوجية والتقنية، فقد تم البحث عن أولئك الشباب الساعين لمزيد من التعلم والاكتشاف من داخل جامعة الكويت وخارجها، ومن مستويات تعليمية مختلفة وتخصصات علمية متنوعة أساسها العلوم والهندسة. وعليه فقد تكون فريق العمل من 45 باحثًا متطوعًا، وبإدارة عضو هيئة التدريس بقسم الفيزياء بجامعة الكويت الدكتورة هالة الجسار، ومدير التدريب الطلابي من كلية الهندسة الكهربائية الدكتور ياسر عبدالرحيم، ومدير العمليات الدكتور أحمد طالب الكندري، وهو أكاديمي عقيد ركن متقاعد من وزارة الدفاع الكويتية، كما تمت الاستعانة بالمختصين في جامعة كولورادو بولدر المختصة في أبحاث الفضاء لتبادل المعلومات والخبرات والتدريب النظري والعملي للطاقم الوطني، وقد تم تقسيم فريق العمل إلى خمسة فرق: فريق التطبيقات وفريق المهندسين المختصين بالتواصل مع القمر الاصطناعي، فريق تقني مختص بأجزاء القمر الاصطناعي، وفريق إعلامي للتواصل مع الجهات الإعلامية وفريق إداري. ونظرًا لاجتياح فيروس كورونا العالم أجمع ولتسببه في وقف كل الاجتماعات الدولية، فقد تم عقد العديد منها عبر الشبكة العنكبوتية، وكل تلك الجهود كانت بهدف تقليص الصعوبات والعراقيل أمام إطلاق القمر الاصطناعي الكويتي.   
كان الموعد المحدد لإطلاق القمر الاصطناعي الكويتي رهينًا بالظروف الجوية والتقنية، فقد تقرر إطلاقه نهاية عام 2022، إلا أن الأحوال المناخية حالت دون ذلك. وجاءت الانطلاقة في ثالث أيام شهر يناير من عام2023. وفي التاسع من يناير وصلت الإشارة الأولى من «كويت سات 1» والتي تعني وصوله بأمان إلى مداره، وتثبت أن كل أجزائه تعمل بصورة جيدة، وجهوزيته لالتقاط المعلومات والصور الأرضية. 
إن هذا الإنجاز جاء ترجمة لرؤية الكويت المستقبلية والتي شكل قطاع الفضاء جزءًا رئيسيًا منها، و«كويت سات 1» وضع الكويت في مصاف الدول الرائدة في مجال الفضاء، وما هو إلا بداية لمزيد من الإنجازات الوطنية المستقبلية القادمة في مجال علوم الفضاء. كما أنه يعزز دور جامعة الكويت وكلياتها العلمية، لأن تكون بمصاف الجامعات المتميزة بمراكزها البحثية، خاصة مع توجه القائمين عليها لإنشاء مركز عمليات التحكم بالمحطة الأرضية للقمر الاصطناعي بالمبنى الشمالي لكلية العلوم، المختص بعلوم الفضاء، ومختبر الاستشعار عن بعد بالمبنى الجنوبي للكلية. 

الكويت من قمر واحد الى أقمار
«حاليا نخطط لإطلاق القمر الاصطناعي «كويت سات 2»، والذي سيتم تصنيع بعض أجزائه عندنا في الكويت. وفي هذا المشروع ستكون هناك تكملة لبناء البنية التحتية للمختبرات المتخصصة في الفضاء...»، كانت تلك كلمات مديرة المشروع الدكتورة هالة الجسار. ويبدو أن قطاع الفضاء يليق بدولة الكويت ويروق لعطاءات أبنائها المخلصين ■