فيلكا كنز الكويت التاريخي

فيلكا كنز الكويت التاريخي

يقال إن جيوش الإسكندر الأكبر احتمت بسواحلها وبنوا فيها المعابد وقدموا القرابين، وإليها جاءت السفن محمّلة بالبضائع من دلمون وماجان وملوخا. سمّاها الإسكندر الأكبر «إيكاروس» وعرفت بالجزيرة السعيدة، إنها فيلكا خزينة آثار الكويت التي تحتوي على أكثر من 80 في المائة من القطع الأثرية المكتشفة على أرضها وثاني أكبر جزرها من حيث المساحة بعد جزيرة بوبيان بمساحة تقدر بـ43  كيلومترًا مربعًا،  والجزيرة الوحيدة من بين تسع جزر مأهولة بالسكان.

 

انطلقنا إلى فيلكا بعبّارة «بنت الخير» من مرفأ المارينا مول برفقة بعض الباحثين بالتراث الكويتي، كان معنا بعض العوائل الكويتية والمقيمة وسياح أجانب يسهل تمييزهم من بين الركاب. جلس مجموعة من الشباب إلى جانبي، كان أحدهم يبدو أنه كثير التردد على الجزيرة من حيث كان يروي قصصه لأصدقائه، كانت أحاديثه مليئة بالمواقف المرعبة التي شهدها على الجزيرة ومغامراته مع الجن والعفاريت! كانوا يستمعون له وكلهم آذان صاغية!  أما أنا فلم أستطع مواصلة الاستماع إلى تلك الترهات التي لا يزال البعض في الكويت يرددها عن الجزيرة بعد أن هُجرت!  وقضيت ما تبقى من وقت للوصول في الاستماع إلى الموسيقى. استغرقت الرحلة 40 دقيقة حتى «بانت فيلكا» كما يقول المثل الشعبي.

 فيلكا عبر التاريخ
قد يتساءل السامع باسم الجزيرة عن معناه وأصله.  تذكر بعض المراجع المحلية أن اسم الجزيرة ورد في الخرائط القديمة بتسميات مختلفة، حيث جاء اسمها في أقدم خريطة ملاحية للجزيرة رسمها ملاح برتغالي عام 1563باسم (إلها دي أغوادا) والتي تعني جزيرة الماء باللغة البرتغالية، وقد تكون تسمية أطلقها البرتغاليون الذين كانوا نشطين في المناطق الجنوبية من الخليج العربي نحو القرن الخامس عشر لما اشتهر عن الجزيرة من وفرة المياه ووجود عيون مياه عذبة على مقربة من ساحل البحر حيث كانت السفن ترسو للتزود منها. وفي الخرائط الفرنسية نحو عام 1740 ذكرت الجزيرة باسم (فيلشه) وهو الاسم الأقرب صوتيًا إلى اسم فيلكا بالعامية الكويتية.
إن أصل اسم فيلكا الذي سجل في الكثير من الخرائط القديمة لايزال لغزًا محيرًا ولم يستطع أحد حتى الآن الإتيان بتوضيح وتفسير مقنع للاسم. يعتقد بعض الباحثين أن الكلمة مشتقة من الكلمة الإغريقية (فيلاكيو) باليونانية القديمة، والتي تعني نقطة تمركز أو الموقع البعيد، ويرجح بعض المؤرخين الكويتيين أن الاسم قد يكون تحريفًا لكلمة (فلج) وجمعها أفلاج ، وهي عبارة عن قنوات تستخدم لنقل المياه لاستخدامها في ري المناطق القاحلة وابتكرت هذه الطريقة الفريدة في بلاد فارس ومنها انتقلت إلى عُمان والإمارات حيث ما زالت تستعمل إلى يومنا هذا، ويعتقد أن قناة مياه عذبة (فلج) كانت تخترق وسط الجزيرة جفت منذ زمن بعيد. أما أقدم نص عربي ذكر فيه لفظ فيلكا فكان في مخطوط لكتاب «الموطأ» للإمام مالك والذي خطه مسيعيد بن أحمد بن مساعد أحد علماء جزيرة فيلكا عام 1682م، أما بالنسبة للاسم الأقدم للجزيرة فهو (إيكاروس) الذي ورد ذكره في تاريخ الاسكندر الكبير في عام 170 قبل الميلاد والذي كتبه المؤرخ أريانوس، ويقال إن الاسكندر الأكبر هو الذي أمر بأن تسمى جزيرة فيلكا بـ(إيكاروس) نسبة إلى جزيرة إكاريا أو أكاروس الواقعة في بحر إيجة.

المواقع الأثرية 
نظرًا لموقع فيلكا الجغرافي المميز كانت الجزيرة من أهم محطات توقف السفن والقوافل التجارية، حيث كانت تقع على مفترق طرق التجارة البحرية بين حضارات بلاد ما بين النهرين وفارس والحضارات التي تقع على ساحل الخليج العربي مثل حضارة دلمون في البحرين وماجان في عُمان.
تحتوي فيلكا على الكثير من الآثار التي تعود إلى حقب زمنية بعيدة كحضارة بلاد ما بين النهرين ودلمون والحضارتين اليونانية القديمة والإسلامية والعصر البرونزي، ومن خلال عمليات التنقيب التي بدأت عام 1958 عن طريق بعثة دنماركية عثر على آلاف الأختام الدائرية والأسطوانية المصنوعة من الحجر الصابوني التي تعود إلى الحضارة الدلمونية وتحوي رسومات متنوعة كالمعابد والأسماك ونجمة عشتار وأشكال السفن والنخيل والكتابات المسمارية والعديد من العملات المعدنية ، كما عثر على الآلاف من القطع الفخارية من مناطق مختلفة في العالم. تلك الفخاريات كانت تمثل أهمية اقتصادية في الحضارات القديمة، حيث كانت تستخدم لحفظ ونقل العديد من المواد، كما عُثر على بعض الحلي المصنوعة من حجر العقيق واللآلئ التي يزيد عمرها على 4 آلاف عام وبعض التماثيل والمجسمات لرموز الآلهة اليونانية القديمة كتماثيل للإلهة أثينا إلهة الحرب عند اليونان بالإضافة إلى العثور على رؤوس رماح للصيد وخطافات صيد الأسماك تعود للعصر البرونزي وجعارين فرعونية تعود للحضارة المصرية القديمة، وجميع تلك المكتشفات تعد دليلًا قاطعًا على أهمية الجزيرة في الحركة التجارية القديمة وتردد السفن والقوافل التجارية عليها. 
ولمشاهدة بعض القطع الأثرية المكتشفة قمت بزيارة إلى متحف الكويت الوطني واللقاء بالباحثة في الآثار بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الأستاذة أنفال شعبان التي وضّحت دور المجلس الوطني في الحفاظ على الآثار المكتشفة، وقالت إن إدارة الآثار والمتاحف تقوم بعمل صيانة للقطع الأثرية وحفظها بطرق معينة لحمايتها من التأكسد والتلف من خلال معامل مختصة تابعة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. وعن أهمية الآثار المكتشفة تذكر الأستاذة أنفال أنه تم اكتشاف أكبر الأختام حجمًا على مستوى العالم التي تعود إلى حضارة دلمون، وكل هذه من الأمور التي تؤكد أن الجزيرة كانت جزءًا من تلك الحضارة. ولأهمية تلك الأختام وندرتها تم عمل نسخ مطابقة للأصلية لاستخدامها خلال المشاركة في المعارض الخارجية للحرص على عدم تعرضها للتلف أو الضياع.
وأشادت أنفال بدور المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في استقبال بعثات التنقيب ومراقبة وحماية المواقع الأثرية في الجزيرة وتسييجها، كما أن المجلس الوطني يشرف على عرض القطع المكتشفة في متحف الكويت الوطني وتقديم شرح لأهم القطع المكتشفة من قبل أشخاص مختصين تابعين لإدارة الآثار والمتاحف وعمل زيارات ميدانية للمواقع الأثرية في الجزيرة، كما يقوم المجلس بإصدار مطبوعات خاصة عن تلك الآثار المكتشفة والتي تعد مصدرًا قيّمًا للباحثين في الكويت وخارجها، والمشاركة بمعارض وندوات محلية ودولية للتعريف بأهمية موقع دولة الكويت الحضاري وسط أماكن التراث العالمي بالإضافة إلى استقبال طلبة المدارس والجامعات في رحلات تثقيفية عن آثار الكويت المكتشفة. ويذكر الباحث في التراث الكويتي طارق مال الله الذي رافقنا خلال رحلتنا للجزيرة، أن فيلكا تزخر بالعديد من المواقع الأثرية التي لا يزال الكثير منها ليس مكتشفًا حتى الآن. ومن أبرز المواقع التي تم التنقيب فيها تل خزنة والمعبد البرجي والمدينة الدلمونية واستراحة الشيخ أحمد الجابر وقصر الحاكم والقلعة الهلنستية ومنطقة القصور التي عثر فيها على أكبر موقع لكنيسة على مستوى منطقة الخليج العربي وموقع سعيدة الإسلامي، بالإضافة إلى القرى الممتدة على ساحل الجزيرة مثل القرينية والدشت والصباحية والزور التي سكنها أهل فيلكا حتى عام 1990، ومن المناطق القديمة في الجزيرة منطقة عرفت باسم أم الدخان كانت تصنع بها الفخاريات التي تسمى بلهجة أهل فيلكا «كلاو»، وقد تكون التسمية محرفة عن الإنجليزية «clay» التي تعني الطين أو الصلصال، وسميت بأم الدخان لكثرة الدخان المنبعث منها خلال صناعة الفخاريات. وعن وفرة المياه في الجزيرة يذكر الباحث أن هناك منطقة عرفت باسم المطينة اشتهرت آبارها بقربها من سطح الأرض، ويعتمد السكان عليها في الشرب والطبخ.

حياة السكان في الجزيرة قديمًا
كانت الجزيرة مأهولة بالسكان منذ فترة ما قبل الميلاد، وفقًا للآثار والأدلة المكتشفة، وذلك لما تتمتع به الجزيرة من موقع جغرافي مميز وانتشار المياه العذبة في أغلب نواحي الجزيرة وسهولة رسو السفن على شواطئها، وظلت الهجرات تتوافد إليها حتى بداية خمسينيات القرن الماضي، أما عن أصول سكانها فقد ذُكر في كتاب «الكويت وجاراتها» أنهم من أصول شتى، ويقال إن غالبيتهم جاء من جزيرة خرج، وهناك مَن جاء من الفاو بالقرب من شط العرب، ومنهم مَن جاء من فارس بل من عُمان. وذُكر أيضًا أنهم أناس بسيطون ويسهل التعامل معهم.
وعن حياة السكان في الجزيرة قبل ظهور النفط في دولة الكويت يذكر الدكتور حسين عيسى مال الله، وهو من مواليد فيلكا عام 1948، أن سكانها اعتمدوا في معيشتهم على صيد الأسماك الذي كانوا يقتاتون منه ويصدرون الفائض منه لبيعه في مدينة الكويت ومنهم من عمل في الغوص على اللؤلؤ ، حيث اشتهرت أسرة مال الله في فيلكا، والتي تعود جذورها إلى قبيلة بني خالد المعروفة في شبه الجزيرة العربية، بظهور العديد من النواخذة المهرة منهم، وعرفوا بامتلاكهم أسطولًا تجاريا مكونًا من عدة سفن منذ عام 1890 استخدمت في رحلات الغوص على اللؤلؤ وللتجارة مع الهند والخليج العربي وشرق إفريقيا أشهرها «بوم فتح الخير» وظلت تلك الرحلات حتى بداية خمسينيات القرن الماضي.
كما يذكر الدكتور مال الله أن هناك جزءًا من السكان اعتمد على الزراعة ، حيث عرفت الجزيرة زراعة القمح للاستهلاك المحلي والذي كانت زراعته تعتمد على مواسم الأمطار حيث يزرع في شهر أكتوبر ويتم حصاده في شهر إبريل، كما زرع البطيخ والشمام والفلفل والخضراوات المعتادة مثل البصل والطماطم والفجل والجزر الذي اشتهرت به الجزيرة والورقيات كالجرجير بالإضافة إلى مزارع النخيل التي تعرف لدى أهل فيلكا باسم «البقشة» وبعض أشجار البمبر والسدر الذي يستخدم بعد أن تطحن أوراقه في الاستحمام قبل ظهور الشامبو والصابون وثمارها اللذيذة «الكنار» التي يتهافت الأطفال لجمعها، هذا بالإضافة إلى النباتات والأعشاب التي تنتشر في أرجاء الجزيرة خلال موسم الأمطار والربيع، والتي كان يقتات منها أهل الجزيرة كالفقع والطرثوث والخبيز والدعاع.
عرف أهل فيلكا بعض الصناعات الحرفية، يذكر منها الدكتور مال الله صناعة شباك صيد الأسماك كشباك «الليخ» وصناعة الحبال التي تتم صناعتها من «العسو» وهي عذوق النخل الجافة بعد أن يتم نقعها في ماء البحر ثم دقها بالحجارة وتسمى تلك العملية «الدماج»، وهناك أسرة كويتية كريمة تعرف بهذا الاسم من قبيلة العوازم، ويتم نسج وحياكة الألياف الناتجة عن تلك العملية لصناعة الحبال بالإضافة إلى صناعة معدات الصيد الأخرى مثل «القراقير» و«الحظور»، التي تستخدم في الصيد ويذكر موسم صيد سمك الزبيدي المحبب لدى أهل الكويت، والذي يتزامن مع موسم السرايات في أبريل. 
وعن الحياة الاجتماعية وما إذا كانت تختلف عن الحياة في مدينة الكويت، يذكر الدكتور مال الله أن الحياة مشابهة إلى حد ما مع سكان مدينة الكويت قديمًا، إلا أن حفلات الزواج كانت تختلف في فيلكا حيث كان العرس يستمر لمدة 3 أيام وتوضع مظلة كبيرة تصنع من أشرعة السفن القديمة تعرف بـ«المكسار» لإقامة الحفل فيها. وهناك حفلات الختان التي يتشارك فيها أهل فيلكا حيث يتم توزيع «الشربت» وكت «النون» وهي من العادات الاجتماعية الجميلة، التي لا تزال راسخة في الذاكرة. 
أما عن التعليم قديمًا في الجزيرة، فقد كان عن طريق المطوع أو المطوعة - الذي كان يتقاضى مبلغًا بسيطًا من أهالي الجزيرة مقابل تعليم أبنائهم القرآن الكريم. أما عن دور المرأة في ذلك الوقت فقد لعبت دورًا مهمًا خاصة عند خروج الرجال في الرحلات التجارية البحرية والغوص حيث تقوم برعاية الأسرة وإدارة شؤونها كما كانت تقوم بالأعمال المنزلية ونقل المياه ومساعدة الرجال في موسم حصاد القمح.
ولم تنس حكومة دولة الكويت الجزيرة وأهلها عندما أنعم الله على بلادنا بثروات النفط بداية خمسينيات القرن الماضي في عهد المغفور له الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الذي كان يطيب له الإقامة في الجزيرة وتم الاهتمام بتخطيط البنية التحتية للجزيرة حيث تم بناء العديد من المرافق الخدمية مثل مستوصف ومركز إطفاء ومخفر للشرطة وجمعية تعاونية استهلاكية تلبي حاجات أهل الجزيرة ومدارس للبنين والبنات من مرحلة رياض الأطفال حتى المرحلة الثانوية وتخصيص مساكن حكومية ومساكن بنظام أرض وقرض للمواطنين بالإضافة إلى الاهتمام بالحركة السياحية وبناء شاليهات ومتنزهات حيث كانت وجهة سياحية يتردد عليها سكان مدينة الكويت لقضاء العطلات. 

الغزو العراقي للجزيرة
خلال تجوالي في الجزيرة شاهدت مظاهر الغزو العراقي واضحة على المباني والشوارع وكأن الزمن توقف هناك عام 1990، فالبيوت خالية من الأحاديث والضحكات، مظلمة موحشة، تغطي أسوارها رسوم غرافيتية وذكريات تافهة مكتوبة بالأصباغ من قبل مراهقي الشوارع تخلو من حركة السيارات، مباني المدارس مدمرة وساحاتها مليئة بالأنقاض صامتة تخلو من صوت الجرس وتحية العلم، هدوء قاتل يعم الجزيرة. استحضرت ذاكرتي قصيدة للشاعر الكويتي يعقوب السبيعي يقول مطلعها: 
من كُهوف الظلام من جحر حَية 
سال سم على الرمال النقية 
كان ليلًا أبكى وأدمى
حجر الأرض والزهور الندية
حين جاءت جحافل الغدر تشوي 
لحم أرضي ومهجتي العربية 
لا أدرى كيف تذكرت تلك الأبيات التي كنا قد حفظناها أيام الدراسة، رغم عدم سماعي أو ترديدي لها لسنوات!  رغم الأحاديث والقصص التي سمعتها ممن عاصروا تلك الفترة الأليمة عن الاحتلال العراقي للكويت والمعاناة التي عاشوها، إلا أن زيارة فيلكا ورؤية آثار الدمار كان لهما وقع على النفس. تخيلت كيف روّع أهلها البالغ عددهم وقتها نحو 6 آلاف نسمة وهُجّروا منها مكرهين، غادروها وهم لا يعلمون أن مغادرتهم جزيرتهم ستكون للأبد!
هاجمت القوات العراقية الجزيرة بكتيبة مكونة من مروحيات اشتبكت مع الحامية العسكرية الكويتية الموجودة في الجزيرة، وتمكنت القوات الكويتية ببسالة من إسقاط 7 طائرات عراقية، كما حاولت القوات العراقية الدخول للجزيرة من البحر بـ100 زورق، لكن القوة الكويتية تصدت لهم وأجبرتهم على الانسحاب، وبعدها عادت القوات الغازية وقصفت الجزيرة بشكل عشوائي. أدى القصف إلى تدمير العديد من المنازل والمرافق وحوصرت الجزيرة لمدة أسبوعين منعت خلالها حركة خروج ودخول السكان وذلك للبحث عن عناصر الشرطة والجيش الكويتي المتواجدة في الجزيرة، لكن بذكاء وشجاعة أبناء فيلكا تم تهريب وإخفاء تلك العناصر في منازل المواطنين المدنيين إلى أن تم فك الحصار وخروج السكان على دفعات. كما قامت القوات العراقية بزراعة عدد كبير من الألغام في الجزيرة ووضع أسلاك شائكة على طول الساحل وإجلاء جميع السكان لنية الجيش العراقي تحويلها إلى معسكر للقوات.
عند تحرير دولة الكويت في فبراير 1991 كانت الجزيرة قد دمرت بالكامل واختفت مظاهر الحياة فيها وأصبحت منطقة عسكرية مغلقة لا يسمح بدخولها إلا بتصريح إلى أن تم فتحها للزوار بعد ذلك بسنوات، وقد ثمنت الحكومة الكويتية منازل سكانها وانتقلوا إلى مدينة الكويت وضواحيها. 
على الرغم من استقرار أهل فيلكا في مناطق الكويت المختلفة إلا أن الحنين إلى جزيرتهم لا يزال في قلوبهم وتكاد أحاديثهم لا تخلو من ذكرها.  يشير علي الفيلكاوي الذي عاش في الجزيرة وتلقى تعليمه فيها حتى المرحلة الثانوية وغادرها مكرهًا خلال الغزو العراقي، إلى أنه لا يزال يتردد على الجزيرة ويحرص على اصطحاب أبنائه معه ويخبرهم عن الحياة فيها وعن أهلها الذين كانوا كالأسرة الواحدة. ويضيف أن أهل فيلكا لا يزالون على تواصل رغم توزعهم على مناطق الكويت المختلفة وأنهم يجتمعون في المناسبات الاجتماعية حتى من أبناء الجيل الحالي الذين لم يشهدوا الحياة في الجزيرة حيث تم إنشاء حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي كالانستغرام خاصة بالعوائل الفيلكاوية تنشر صورًا قديمة للجزيرة والشخصيات التي عاشت فيها وذكرياتهم والتعريف بالعوائل التي قطنت الجزيرة، كما يتم من خلالها الإعلان عن المناسبات الاجتماعية.

فيلكا وجهة سياحية 
تعد الجزيرة رغم دمارها وجهة سياحية مهمة في دولة الكويت بعد إعادة افتتاح بعض الأماكن الترفيهية ويمكن الذهاب للجزيرة عن طريق العبّارات البحرية التي تديرها شركة «إيكاروس» أو عن طريق القوارب الخاصة، وتستغرق الرحلة نحو 40 دقيقة من مدينة الكويت، كما يمكن شحن السيارات الخاصة إلى الجزيرة. وللتعرف على الأنشطة التي يمكن للزائر القيام بها عند زيارة فيلكا التقينا الأستاذة عذاري الصويلح مؤسسة مشروع اترينوس للرحلات الثقافية والتاريخية في الكويت، والتي تقوم خلال رحلاتها باستضافة باحثين في التاريخ الكويتي لتقديم معلومات عن أبرز الأماكن التاريخية في الجزيرة وطبيعة الحياة فيها قديمًا.
أكدت الصويلح أن الهدف من مشروع اترينوس هو تسليط الضوء على الأماكن التاريخية في دولة الكويت، حيث تقوم بعدة رحلات في مختلف الأماكن الثقافية والتاريخية بالكويت ومن ضمنها جزيرة فيلكا، كما أنها تسعى من خلال رحلاتها إلى إبراز الدور الحضاري للجزيرة على مر العصور وزيارة مواقع التنقيب عن الآثار.
وتؤكد الصويلح أن فيلكا تعتبر وجهة سياحية داخلية مناسبة للأسرة، حيث يمكن للزوار الاستمتاع بيوم كامل في الجزيرة وممارسة بعض الأنشطة والتعرف على تاريخها.
تحتوي القرية التراثية على متحف قصر الشيخ عبدالله السالم الذي يستعرض بعض مظاهر الحياة في البيت الكويتي القديم وبعض المجسّمات والصور التاريخية لفيلكا، كما تحتوي القرية على سوبرماركت صغير وصالة ألعاب إلكترونية وملاعب تنس ولعبة البادل وأحواض السباحة وحضانة للأطفال وبحيرة اصطناعية تحتوي على أسماك بحرية محلية ويمكن ممارسة رياضة تجديف القوارب فيها، كما توفر القرية حديقة حيوان مصغرة واسطبل خيول وخدمة تأجير السيارات والدراجات للتجول بحريّة واكتشاف الجزيرة، ويستطيع الزائر المبيت في الجزيرة بالبيوت المبنية على الطراز الكويتي القديم والتي يحتوي بعضها على أحواض سباحة خاصة أو الإقامة في فندق «إيكاروس» المقابل لشاطئ البحر. 
وأضافت الصويلح أن الجزيرة تعد المكان الأمثل لمشاهدة آثار الغزو العراقي لدولة الكويت عن قرب، الحدث الأهم في تاريخ الكويت الحديث، حيث لا تزال آثار الدمار والتخريب المتعمد للجزيرة كما هي، ومشاهدة بعض الآليات العسكرية والدبابات التي تعود للقوات العراقية، والتي استخدمت في تدمير الجزيرة. 
ومن المباني المهمة أيضًا مبنى استراحة الشيخ أحمد الجابر الذي تم بناؤه عام1927، ويعد نموذجًا للمعمار الكويتي القديم، وبالإضافة إلى الأماكن التاريخية يمكن للزائر لفيلكا الاستمتاع بشاطئ الوناسة الذي يحتوي على مطاعم ومقاه وجلسة شاطئية مميزة، كما يمكن مشاهدة بعض مظاهر الحياة الفطرية، حيث تزور أسراب من الطيور المهاجرة الجزيرة وبعض السلاحف المهددة بالانقراض، ويمكن مشاهدة الدلافين على مقربة من شواطئها في بعض الأحيان.
 وعن الإقبال على زيارة الجزيرة، تقول الصويلح إن الزوار يفضلون زيارتها خلال موسمي الشتاء والربيع حيث درجات الحرارة المعتدلة، وهو الوقت الأمثل لزيارة الجزيرة للاستمتاع بالتجول فيها أو إقامة رحلات التخييم والكشتات. وعن زوار الجزيرة من خارج الكويت، تذكر الصويلح أن هناك إقبالًا كبيرًا مؤخرًا على زيارة فيلكا من قبل الزوار الأجانب للكويت الذين يزورونها لمشاهدة المواقع الأثرية ولرؤية مخلفات الغزو العراقي الغاشم أو للاستمتاع بشاطئ البحر والإقامة في فنادقها للاستجمام.
وقد شكرت الصويلح القائمين على المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لتسهيله تلك الرحلات وتقديم شرح للسياح عن تلك الأماكن التاريخية.
انتهت رحلتنا إلى فيلكا وكلنا أمل في أن يتم تنفيذ المخطط الحكومي الرامي لإعادة إعمار الجزيرة وجعلها وجهة سياحية تعيد للكويت جزءًا من بريقها في المنطقة ■

ختم يعود للفترة الدلمونية وهو الأكبر حجماً على مستوى العالم

جرة بيضاوية مصنوعة من الفخار كانت تستخدم لتخزين الحبوب والزيوت

أحد أعمدة معبد أرتميس التي اكتشفت في القلعة اليونانية \موقع يعود للفترة الدلمونية 

مجموعة من العقود مصنوعة من العقيق عثر عليها في فيلكا

حجر إيكاروس عليه كتابة يونانية في 45 سطرًا عبارة عن رسالة ملكية أرسلت من أحد الملوك السلوكيين إلى حاكم الجزيرة انكزارخوس لتنفيذ عدة توصيات أوصى بها الملك لسكان جزيرة إيكاروس (الوصف: الطول 135 سم السماكة 17 سم)

الباحث في التراث الكويتي الأستاذ طارق مال الله يقوم بشرح لبعض الزوار عن الجزيرة

مدفع قديم أمام متحف الشيخ عبدالله السالم يعود لمعركة الرقة البحرية التي وقعت بالقرب من فيلكا عام 1783 م

مجموعة من المجسمات تحاكي طريقة تجمع الرجال بالديوانية في متحف الشيخ عبدالله السالم

الباحة الداخلية لفندق إيكاروس

بيوت فندقية على طراز البيت الكويتي القديم

جانب من شاطئ الوناسة